المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408921
يتصفح الموقع حاليا : 327

البحث

البحث

عرض المادة

إنكار الأحاديث القدسية

إنكار الأحاديث القدسية (*)

 مضمون الشبهة:

 يدعي منكرو السنة أن الأحاديث القدسية[1]  ليست من عند الله - عز وجل - ويستدلون على ذلك بدخول الضعيف والموضوع فيها، زاعمين أنها: لو كانت من عند الله حقا ما دخل عليها الضعيف والموضوع؛ لأن الله تكفل بحفظ كلامه قال عز وجل: )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر). مضيفين أن هذا يجعلنا لا نثق في هذه الأحاديث ولا يلزمنا العمل بما جاء فيها. ويتساءلون: إذا كانت الأحاديث القدسية ليست من عند الله - عز وجل - نتيجة ما أصابها من ضعف أو وضع، فكيف نأخذ بها ونجعلها مقدسة؟!

وجوه إبطال الشبهة:

1) إن الأحاديث القدسية الصحيحة مقطوع بأن معناها من عند الله عز وجل، لما ورد فيها من النص الشرعي الدال على نسبتها إلى الله - عز وجل - بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال الله - عز وجل - كذا.

2)   لقد قيض الله للسنة من يقوم على تمييز الصحيح فيها من الضعيف والموضوع، بما في ذلك الأحاديث القدسية.

3) إن الأحاديث القدسية الصحيحة تمثل جزءا من السنة الشريفة؛ إذ هي تعني بالعقيدة، والآداب، والأخلاق، وفي إنكارها إنكار لهذا الجزء المعني بتهذيب النفس وتقويمها.

التفصيل:

أولا. الأحاديث القدسية من عند الله عز وجل، وذلك لنسبتها بالنص الشرعي إلى الله تعالى:

إن الأحاديث القدسية من عند الله عز وجل، لثبوت نسبتها بالنص الشرعي إلى الله تعالى بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى كذا..."؛ فلذا سمي قدسيا، فالأحاديث القدسية ثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه عز وجل، أي أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذها عن ربه، وبلغها لأمته، ومعناها من عند الله عز وجل؛ إذ نسبها الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه، ورواها عنه الصحابة كما تروى الأحاديث النبوية.

وللعلماء في تحديد الأحاديث القدسية رأيان:

الأول: أنها من كلام الله عز وجل، وليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلا حكايتها عن ربه.

والثاني: أنها من قوله - صلى الله عليه وسلم - ولفظه كالأحاديث النبوية، والمعنى من عند الله بإلهام أو بمنام، وهذا الرأي الثاني هو الأرجح، إذ لم ينزل باللفظ من قبل الله - عز وجل - إلا القرآن الكريم؛ لتميزه عن بقية أنواع الوحي بأنه معجز من أوجه كثيرة منها إعجازه اللفظي والبياني[2].

وعليه فإن الله - عز وجل - يلقي معنى الحديث القدسي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بكيفية من كيفيات الوحي، وأما الألفاظ والصياغة فهي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا ترى أن المراد بنسبة الحديث القدسي إلى الله عز وجل، إنما هي نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه، واستخدام هذه النسبة كثير في منابت العربية، ففي القرآن الكريم عديد من المواقف التي يحكي الله تعالى فيها بلسان عربي مضمون خطاب كل رسول لقومه، وجواب قومه له، وغير ذلك، وينسب ذلك إليهم مع أنهم لم يكونوا يتكلمون العربية[3].

ويوضح ذلك د. محمد عبد الله دراز قائلا: "والحديث القدسي تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - مضمونه من الوحي فبينه للناس بكلامه, وإن كان ما فيه من العلوم منسوبا إلى معلمه وملهمه سبحانه, لكنه من حيث هو كلام - حري بأن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الكلام إنما ينسب إلى واضعه وقائله الذي ألفه على نحو خاص, ولو كان ما فيه من المعنى قد تواردت عليه الخواطر وتلقاه الآخر عن الأول فالحديث القدسي منزل بمعناه فقط؛ لأنه لو كان منزلا بلفظه لكان له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني؛ إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين من عند الله عز وجل، فكان من لوازم ذلك وجوب المحافظة على نصوصه, وعدم جواز روايته بالمعنى إجماعا, وحرمة مس المحدث لصحيفته, ولا قائل بذلك كله... والحديث القدسي لم ينزل للتحدي ولا للتعبد بل لمجرد العمل لما فيه, وهذه الفائدة تحصل بإنزال معناه, فالقول بإنزال لفظه قول لا دليل في الشرع عليه, اللهم إلا ما يلوح من إسناد الحديث القدسي إلى الله بصيغة "يقول الله تبارك وتعالى كذا" لكن القرآئن التي ذكرناها آنفا كافية في إفساح المجال لتأويله بأن المقصود نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه, وهذا تأويل شائع في العربية, فإنك تقول حينما تنثر بيتا من الشعر: "يقول الشاعر كذا"، وتقول حينما تفسر آية من كتاب الله بكلام من عندك: "يقول الله تعالي كذا"، وعلى هذه القاعدة حكى الله - عز وجل - عن موسى وفرعون وغيرهما مضمون كلامهم بألفاظ وأسلوب غير أسلوبهم, ونسب ذلك إليهم[4].

وعليه فإن معنى أن الحديث القدسي منسوب إلى الله عز وجل، بلا شك في ذلك ويؤيده قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه: قال الله تعالى...، والقرآن نفسه كما ذكرنا يعتمد على أسلوب نقل المضمون والمعنى بلفظ آخر.

وإذا كان كل ما ينطق به النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من عند الله كما قال عز وجل: )وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)( (النجم) فإن الله قد تكفل بحفظ وحيه سواء أكان قرآنا أم سنة قدسية أم نبوية، فلا يمكن أن يختلط الصحيح بالموضوع فيها، والله يحفظها من ذلك.

وبهذا يتضح لنا أن الأحاديث القدسية من عند الله تعالى - معنى - مما يبين أن الأحاديث القدسية لها مكانة عظيمة في نصوص الوحي، وأنها ملزمة كالقرآن والسنة النبوية.

ثانيا. قيض الله للسنة من يقوم على تمييز الصحيح فيها من الضعيف والموضوع، بما في ذلك الحديث القدسي:

لما شاعت رواية الحديث بين أهل الأقطار الإسلامية، وظهرت الفرق والأحزاب، كالشيعة والخوارج بعد مقتل سيدنا عثمان، أخذ أصحاب هؤلاء الفرق يكذبون على الصحابة، ولكن الصحابة والتابعين منذ البداية أغلقوا على هؤلاء الوضاعين المسالك، وسدوا عليهم المنافذ، وشردوا بهم من خلفهم[5].

ومعنى هذا أن المدة منذ البعثة النبوية حتى ظهور الفتنة، ومقتل سيدنا عثمان - رضي الله عنه - لم يقع فيها شيء من الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ ليس من السهل أن نتصور أن صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين فدوا الرسول بأرواحهم وأموالهم، وهجروا في سبيل الإسلام أوطانهم وأقاربهم - يقدمون على الكذب على رسول الله مهما كانت الدواعي إلى ذلك.

وهكذا ظلت السنة على صفائها، وخلوصها من الكذب والوضع حتى آخر العقد الرابع من الهجرة النبوية، حيث ظهرت الفرق والأحزاب السياسية التي أخذت شكلا دينيا، وحاول كل حزب أن يؤيد موقفه بالقرآن والسنة، وطبيعي ألا يكون فيها ما يؤيد كل الأحزاب، فعمل بعضهم على تأويل القرآن على غير حقيقته، والسنة على غير مرادها، وأما من لم يسعفهم ذلك لجئوا إلى وضع الحديث تأييدا لدعواهم.

وعندما رأى علماء الأمة ذلك بذلوا جهودا عظيمة في الذود عن حمى سنة نبيهم، والدفاع عنها، فأفنوا في ذلك أعمارهم حتى ميزوا الطيب من الخبيث، والمقبول من المردود، والصحيح من المكذوب من الحديث، ورسموا قواعد للنقد, ووضعوا علم الجرح والتعديل، فكان من جملة علومهم علم مصطلح الحديث، وهو أدق الطرق العلمية التي ظهرت في العالم للتحقيق التاريخي، ومعرفة النقل الصحيح من الباطل[6].

لذلك، فإن الوضاعين في الحديث، وإن خفي حالهم على كثير من الناس، فإنه لم يخف على جهابذة الحديث ونقاده، فقد قيل لعبد الله بن المبارك: هذه الأحاديث الموضوعة، فقال: تعيش لها الجهابذة )إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9)( (الحجر)[7].

وبالفعل وضع علماء الأمة أصولا وقواعد لحفظ الحديث القدسي والنبوي، كان من أهمها: التزام الإسناد، لا سيما بعد وقوع الفتنة، وشيوع الروايات المكذوبة، كما ضاعفوا نشاطهم العلمي في البحث، والتحري، والرحلة لجمع الحديث، وطلب الإسناد العالي، كما تتبعوا الكذبة والوضاعين، وحاربوهم علانية، ومنعوهم من التحديث، واستعدوا عليهم السلطان ليأخذ على أيديهم، كما تتبعوا الرواة للأحاديث، ووقفوا على سيرهم وبينوا أحوالهم، ونقدوهم جرحا وتعديلا حسبة لله لا تأخذهم في الله لومة لائم. فلم يحاب أحد منهم أحدا في رواية الحديث، أيا كان من أب، أو أخ أو ولد[8].

بهذه الشدة التي وقف بها علماء السنة في وجه الوضاعين والكذابين، استطاعوا أن يبينوا لنا من يصح رواية الأحاديث عنه - سواء كانت قدسية أو نبوية - ممن لا يصح, وعليه فإن من بينوا صدقه وحرصه على الحفاظ على السنة، فإن ما رواه صحيحا لا شك فيه، ومن جرحوه فلا بد من النظر فيما يرويه والتدقيق فيه قبل التسليم به.

كما وضع العلماء قواعد دقيقة يعرف على أساسها الحديث الصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وهذه القواعد شملت حفظ الحديث سندا ومتنا من الوضع والوضاعين، وضمنت عدم اختلاط الصحيح بالموضوع في الأحاديث.

علامات الوضع في السند:

  1. أن يعترف الراوي للحديث بالكذب صراحة, ويقر باختلاقه فيما روى، كما أقر عمر بن صبح بن عمران التميمي عندما قال: أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، وكما أقر ميسرة بن عبد ربه الفارسي بأنه وضع أحاديث في فضائل القرآن، وأنه وضع في فضل علي سبعين حديثا.
  2. وجود قرينة تقوم مقام الاعتراف بالوضع: كأن يروي عن شيخ لم يلقه، أو يروي عن شيخ في بلد لم يرحل إليه، أو يروي عن شيخ ولد بعد وفاته، أو ما أشبه ذلك.
  3. أن يتفرد راو معروف بالكذب برواية حديث, لم يروه ثقة من الثقات فيحكم على روايته بالوضع، وقد استقصى جهابذة الأمة الكذابين، وبينوا ما كذبوا فيه حتى لم يخف منهم أحد.
  4. ومن القرائن التي يعرف بها الوضع: حال الراوي وبواعثه النفسية، كما وضع محمد بن الحجاج النخعي - الذي كان يبيع الهريسة - حديث "الهريسة تشد الظهر".

علامات الوضع في المتن:

  1. أن يكون الحديث مخالفا لصريح القرآن الكريم مناقضا له، أو مناقضا للسنة الصحيحة.
  2. أن يكون فيه ما يدل على تواطؤ الصحابة على كتمان أمر وعدم نقله.
  3. أن يكون الحديث مخالفا للحقائق العقلية والتاريخية الثابتة التي جرت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.
  4. أن يكون الحديث ركيك اللفظ والمعنى، لا يعقل أن يصدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أوتي جوامع الكلم.
  5. أن يكون الحديث فاسد المعنى، كالأحاديث التي يكذبها الحس، أو مناقضا للحقائق العقلية، وغيرها مما يتضح بها معرفة قوة الحديث من ضعفه.
  6. أن يكون الحديث موافقا لمذهب الراوي وهو متعصب مغال في تعصبه, كأن يروي رافضي حديثا في فضائل أهل البيت.
  7. أن يكون الحديث مشتملا على خبر جسيم يحضره عدد كبير، ثم لا ينقله إلا واحد.
  8. أن يكون الحديث مشتملا على إفراط في الثواب أو العقاب على الفعل الصغير.

وإلى جانب هذه القواعد التي ذكرناها، تكونت عند أكثر العلماء ملكة خاصة نتيجة لدرسهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوفرهم على حفظه ومقارنة طرقه، فأصبحوا يعرفون - لكثرة ممارستهم هذا العمل - ما هو من كلام الصادق المصدوق، وما ليس من كلامه، وفي هذا يقول ابن الجوزي رحمه الله: "الحديث المنكر يقشعر له جلد الطالب للعلم وينفر منه قلبه في الغالب"[9].

ومن جهودهم في بيان الصحيح من الموضوع تثبتهم في الحديث قبل تحمله، والحيطة في الوقوف على حقيقة الرواة، والرد على المفترين، وكذلك تدوين الموضوعات وحفظها للتحذير منها، والتخلص من الموضوعات والقضاء عليها.

وهنا نتساءل: هل من الممكن أن تختلط الأحاديث الموضوعة بالصحيحة سواء أكانت قدسية، أم نبوية مع هذه الدقة والشروط التي وضعها العلماء؟!

ونضيف إيضاحا للأمر أن وجود الحديث الموضوع في السنة لا يمثل عيبا؛ لأنه يدل على أنه كان للسنة رجال يميزون الحديث المقبول من المردود، ويعرفون الثابت من الموضوع، ولقد دونوا كل ذلك في مؤلفات تنطق بين أيدينا بعمق النظر ودقة الفكر.

إن علماء السنة حينما جمعوا الأحاديث المقبولة، كان يمكنهم أن يكتفوا بذلك بناء على أنهم قد جمعوا المقبول، وما عداه مردود، لكنهم لم يكتفوا بذلك، وإنما ألفوا في الأحاديث المردودة مصرحين ببيان حالها حتى إذا بحث المسلم عن حديث مردود، وجد التصريح ببيان حاله والنطق بأنه مردود.

ولقد لاقت الأحاديث القدسية من العناية ما لاقاه الحديث النبوي، بل إنها دونت مع الأحاديث النبوية.

 وتضافرت جهود العلماء في الحفاظ على الأحاديث القدسية، شأنها في ذلك شأن الأحاديث النبوية، جيلا بعد جيل، حتى دونت في المدونات والكتب المعتمدة بأسانيدها التي لا يرقى إليها الشك بحال من الأحوال[10].

وعليه فإن قول المنكرين قول ساقط مردود؛ لأن الأحاديث القدسية محصت مثل غيرها من الأحاديث النبوية وميز الصحيح من غيره، لذا فإنه يستدل بالصحيح منها، ويحتج به غضا طريا، كما بلغه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ربه عز وجل.

ثالثا. الأحاديث القدسية الصحيحة تمثل جزءا من السنة الشريفة؛ لعنايتها بالعقيدة والآداب والأخلاق:

إن الحديث القدسي لا يتعرض لتفصيل الأحكام الفقهية، ولا لبيان الشرائع التعبدية كالحديث النبوي، ولكنه يركز على بناء النفس الإنسانية وتقويمها وتربيتها على الأغراض الشرعية، والمقاصد الربانية، وفي التحذير من المعاصي والمنكرات، وفي الدعوة إلى الخير والفضيلة ومكارم الأخلاق، وفي الترغيب في الجنة والتخويف من النار، وبالجملة فإنه يدور في فلك العقائد والوعظ والتوجيه والتربية[11].

فالأحاديث القدسية تدور حول تقريب العباد من ربهم - عز وجل - وتزهيدهم في الدنيا، وتحذيرهم من المعاصي، وتحبيبهم في الله عز وجل، وتقريبهم منه، وإظهار حلمه عليهم ورحمته بهم[12].

لذا فهي تتعلق بالحق عز وجل، بتبيين عظمته، وإظهار رحمته، والتنبيه على سعة ملكه، وكثرة عطائه.

فمن الأول وهو تبيين عظمة الله - عز وجل - قوله: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم...»[13].

ومن الثاني وهو إظهار رحمته قوله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم )فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين( (السجدة: ١٧)»[14].

ومن الثالث وهو التنبيه على سعة ملكه، وكثرة عطائه، قوله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملأىلاتغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع»[15].

وهذه من علوم الروح التي تبين عظمته سبحانه وتعالى، وتظهر رحمته، أو تنبه على سعة ملكه وكثرة عطائه، أما الأحاديث التي ليست بقدسية، فهي تتكلم على ما يصلح البلاد والعباد، بذكر الحلال والحرام، والحث على الامتثال، بذكر الوعد والوعيد.

على أن هذا الاختلاف لا يؤدي إلى نتيجة عملية, فسواء علينا عند العمل بالحديث أن يكون من هذا القسم أو من ذاك؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبليغه صادق مأمون, وفي اجتهاده فطن موفق, وروح القدس يؤيده فلا يقره على خطأ إن أخطأ في أمر من أمور الشريعة, فكان مرد الأمر في الحقيقة إلى الوحي في كلتا الحالتين, إما بالتعليم ابتداء وإما بالإقرار أو بالنسخ انتهاء, ولذلك وجب أن نتلقى كل سنته بالقبول مصداقا لقوله عز وجـل: )ومـا آتاكـم الرسـول فخـذوه ومـا نهاكـم عنـه فانتهوا( (الحشر: 7)[16].

فدعوى إنكار الأحاديث القدسية، دعوى لإنكار جزء من السنة له خصوصية تميزه عن السنة النبوية، أو القرآن الكريم، وهذا ما يريده المنكرون حينما عجزوا عن إنكار السنة النبوية وهدمها، وأنى لهم ذلك، وقد خابت مساعيهم، وفندت أدلتهم.

الخلاصة:

  • الأحاديثالقدسيةثابتةعنرسولالله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه عز وجل؛ إذ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذها عن ربه وبلغها لأمته بلفظه هو، أما المعنى فهو من عند الله عز وجل.
  • لقدنقحتالسنةكلها،وقيضاللهلهامنيقومعلىتمييزصحيحهامنضعيفهامنموضوعها،بمافيذلكالأحاديثالقدسية؛ولذلك فإننا لا نستطيع أن ننكر اشتمال الأحاديث القدسية على الضعيف والموضوع، وإنما نأخذ من هذه الأحاديث ما كان صحيحا، ونترك ما كان ضعيفا أو موضوعا، ولا يحق لنا أن ندع كل الأحاديث القدسية بدعوى تطرق الضعف إليها.
  • لقدوضعالعلماءقواعددقيقةيعرفعلىأساسهاالحديث الصحيح والحسن والضعيف وكذا الموضوع، مما يؤكد ويدلل على عدم اختلاط الصحيح بالضعيف في الأحاديث، فضلا عن الموضوع.
  • إنالأحاديثالقدسيةتهذبالأنفس،وتقومعقيدتها،وهيأشياءذاتقيمةمضافةإلىالسنةالنبوية,وفيإنكارهاإنكارلجزءمهممنالإسلام.

 

(*) دفاع عن الحديث النبوي, د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م.

[1]. الحديث القدسي: هو من حيث المعنى من عند الله، ومن حيث اللفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلما فهو ما أخبر الله به نبيه بإلهام، أو بالمنام، فأخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك المعنى بعبارة نفسه. انظر: كتاب التعريفات, علي الجرجاني، تحقيق: إبراهيم الإبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1405هـ، (1/ 113).

[2]. دفاع عن الحديث النبوي, د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م، ص106 بتصرف.

[3]. الحديث في علوم القرآن والحديث, الشيخ: حسن أيوب، دار السلام، القاهرة، ط 2، 1425هـ/ 2004م، ص177 بتصرف.

[4]. النبأ العظيم، د. محمد عبد الله دراز, دار القلم, القاهرة, ط9, 1426هـ/ 2005م, ص44، 45 بتصرف.

[5]. الحديث والمحدثون, د. محمد محمد أبو زهو، مطبعة مصر, القاهرة, ط1, 1378هـ/ 1958م, ص114: 116 بتصرف.

[6]. من جهود الأمة في حفظ السنة, د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م, ص102، 103 بتصرف.

[7]. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي, السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط2، 1392هـ/ 1972م،(1/ 282) بتصرف.

[8]. من جهود الأمة في حفظ السنة, د. أحمد حسين محمد إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص103 بتصرف.

[9]. من جهود الأمة في حفظ السنة، د. أحمد حسين إبراهيم، مطبعة الحسين الإسلامية، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص104: 110 بتصرف.

[10]. دفاع عن الحديث النبوي, د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م، ص106 بتصرف.

[11]. صحيح الأحاديث القدسية وشرحها, عماد زكي البارودي، المكتبة التوفيقية، القاهرة، د. ت، (1/ 5، 6)

[12]. الأحاديث القدسية الصحيحة وشروحها, د. محمد محمد تامر وعبد العزيز مصطفى، دار التقوى للتراث، القاهرة، 2000م, ص3، 4.

[13]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، (9/ 3704)، رقم (6450).

[14]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب: ) فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين (، (8/ 375)، رقم (4779).

[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: التفسير، باب قوله: ) وكان عرشه على الماء (,(8/ 202)، رقم (4684).

[16]. النبأ العظيم, د. محمد عبد الله دراز, دار القلم, القاهرة, ط9, 1426هـ/ 2005م, ص46.

 

  • الجمعة PM 03:36
    2020-10-16
  • 1389
Powered by: GateGold