المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412391
يتصفح الموقع حاليا : 341

البحث

البحث

عرض المادة

التشكيك في أن رسائل محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك والأمراء كانت بغرض دعوتهم إلى الإسلام

  التشكيك في أن رسائل محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الملوك والأمراء كانت بغرض دعوتهم إلى الإسلام(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أباطرة الروم والفرس لم تكن تهدف إلى دعوتهم للإسلام، بقدر ما كانت حقدا دفينا واستنكارا لهيمنتهم وسيطرتهم على البلاد آنذاك. ويرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في أغراض دعوته - صلى الله عليه وسلم - وحقيقة نبوته.

وجه إبطال الشبهة:

لم يكن هدف النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتابة رسائله إلى ملوك عصره, إلا دعوتهم إلى الإسلام, وهذا ما يدل عليه مضمون هذه الرسائل, وقد آتت هذه الدعوة أكلها يوم دخلت شعوب هؤلاء الملوك في الإسلام وانضمت تحت لوائه.

التفصيل:

لم يكن هدف النبي - صلى الله عليه وسلم - من إر سال رسائله إلى الملوك سوى دعوتهم إلى الإسلام:

في البداية نود أن نشير إلى أن النبوة المحمدية نبوة شاملة للبشر جميعا, فقد أرسل الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا, لا فرق في ذلك بين عربي وعجمي, ولا أبيض وأسود, ولا سيد وعبد, فالكل عند الله سواسية, يقول سبحانه وتعالى: )وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا( (سبأ: ٢٨)، ويقول: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا( (الأعراف: ١٥٨)، ويقول سبحانه وتعالى: )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)( (التوبة).

وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - رسولا للناس كافة كما نصت آيات القرآن الكريم، فهو إذن مطالب بتبليغ الدعوة للناس كافة عربهم وعجمهم؛ لأنها مهمته - صلى الله عليه وسلم - التي من أجلها ابتعثه الله، والتي من أجلها فارق بلده الحبيب, وتحمل صنوف الأذى والاضطهاد والمحن, وتعرض بسببها للكيد ومحاولات القتل مرارا, وعلى الرغم من كل هذا لم يحد عن هذه الدعوة قيد أنملة, بل كانت شاغله الأول والأخير, وهمه الذي أرقه حتى توفاه الله.

لهذا نجده - صلى الله عليه وسلم - بعد عودته من صلح الحديبية - وكان قد أمن شر قريش ومناوأتها لدعوة الإسلام - لا يلجأ إلى الراحة, بل يجد - صلى الله عليه وسلم - الفرصة سانحة لتبليغ رسالة الإسلام للناس جميعا عربهم وعجمهم، ولم يكن ليخفى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعانيه العالم حينئذ - فارس والروم - من انحراف ديني, وفساد خلقي, واضطراب اجتماعي، وما وقع بينهما من حروب وغارات أنهكت قوامهما, مما جعل هذه الشعوب على استعداد لقبول الإسلام, الذي ينعمون فيه بالإيمان والأمان والحرية والإخاء والعدل والمساواة، ولذلك لم تكد تنتهي ثلاثون عاما من دعوتهم!! حتى كانت هذه البلاد قد دخلت فيه واستظلت بلوائه, لهذا نجده - صلى الله عليه وسلم - يتجه إلى دعوة الملوك كملك الروم وكسرى فارس والمقوقس عظيم القبط وغيرهم؛ لأن الملوك هم المؤثرون في حياة شعوبهم، سواء كانوا سببا في السعادة أم في الشقاء، لهذا أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوتهم إلى الإسلام فعزم على مكاتبة الملوك والأمراء، وإرسال رسائل تدعوهم إلى الإسلام[1].

ولقد أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - صراحة قبل أن يبعث تلك الرسائل أن غرضه من إرسالها هو الدعوة للإسلام لا غير.

ومضمون هذه الرسائل يؤكد أنها كانت بدافع الدعوة للإسلام لا بدافع الحقد والحسد كما يزعمون.

إن نص رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك عصره هو خير دليل على أن هذه الرسائل كانت بغرض دعوتهم ودعوة أقوامهم إلى الإسلام لا لأي غرض آخر، ولنتأمل نص هذه الرسائل لتزداد هذه الحقيقة وضوحا:

نص رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى قيصر الروم:

حمل دحية الكلبي رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل قيصر الروم وكان فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل قيصر الروم، السلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين: )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)( (آل عمران)"» [2].

نص رسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى الفرس:

حمل عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي فيها: «من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس, سلام على من اتبع الهدى, وآمن بالله ورسوله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله, أدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين, أسلم تسلم، فإن أبيت, فإنما عليك إثم المجوس» [3].

نص رسالته - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس عظيم القبط:

كان حامل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس عظيم مصر حاطب بن أبي بلتعة وكان فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم القبط )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)( (آل عمران)" [4].

هذه هي نصوص ثلاث رسائل كتبها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ثلاثة من ملوك عصره وهم: هرقل ملك الروم، وكسرى ملك فارس، والمقوقس عظيم القبط.

فلنتأمل ما اشتملت عليه هذه الرسائل من عبارات وألفاظ، ثم بعد ذلك نحكم عليها: هل هذه الرسائل كانت بغرض الدعوة للإسلام، أو أنها كانت تعبيرا عن حقد دفين وشعور بالنقص لدى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجاه هؤلاء الملوك كما يزعمون؟!

  1. لقد بدأت هذه الرسائل الثلاث بالتعريف بشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول الله إليهم، ولا شك أن وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بوصف الرسالة هو من باب دعوتهم إلى الإسلام، فإن صدقوا أنه رسول الله لم يكن هناك ما يمنعهم من الدخول في الإسلام.
  2. ثم جاء بعد هذا قوله: )والسلام على من اتبع الهدى (47)( (طه)، فهي إذن دعوة إلى الإسلام ودعوة إلى الهداية، لا لحقد دفين كما يزعمون.
  3. ولنتأمل قوله - صلى الله عليه وسلم - لكل واحد منهم: "أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين"، هل يستطيع أحد أن ينكر أن هذه دعوة صريحة للإسلام؟!

ثم لننظر إلى هذه الآية الكريمة التي وردت في رسالتي النبي - صلى الله عليه وسلم - لهرقل وللمقوقس: )قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون (64)( (آل عمران)، هل يستطيع عاقل أن ينكر أن هذه الآية تدعو إلى الإسلام وتحذر من الشرك؟!

هذه هي رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكرتها كتب السيرة، فليس لدى المسلمين ما يخشون إظهاره، فليتأمل فيها من شاء أن يتأمل، ثم فليعد النظر والتدقيق مرة أخرى، ثم ليخبرنا بعد ذلك عن عبارة تفيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعبر في هذه الرسائل عن حقد دفين، وعن امتعاض من سيطرة الملوك وتسلطهم، لا شك أن هذه العبارة ستعجزه؛ لأنه لن يستطيع أن يعثر على مثل هذه العبارة إلا في خياله فقط.

ثم إذا كانت هذه الرسائل تعبر عن حقد وغيظ من النبي - صلى الله عليه وسلم - على هؤلاء الملوك، فلماذا لم يثر هذا حفيظتهم ويدفعهم للانتقام من النبي - صلى الله عليه وسلم ـ؟! بل جاء رد فعلهم متعاطفا معه - صلى الله عليه وسلم - كما كان من هرقل ملك الروم والمقوقس عظيم القبط، حيث شهد كل منهما بصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبدى ميله إلى الإسلام، لولا أنهما ضنا بملكهما، فقد قال هرقل لأبي سفيان بعد أن سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن يكن ما تقول حقا فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أكن أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي» [5].

وهكذا شهد قيصر الروم بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - لكن الذي حدث أن نبوته - صلى الله عليه وسلم - كانت أقوى من توقعات القيصر، حيث ملك محمد - صلى الله عليه وسلم - ملك قيصر كله[6].

أما المقوقس فقد شهد كذلك بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي دون أدنى شك، فقد قال لحاطب حامل رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليه: "إني قد نظرت في أمر هذا النبي، فرأيته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب عنه؛ لا أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آلة النبوة من الإخبار بالنجوى"، ووصف لحاطب أشياء من صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "القبط لا يطاوعونني في اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك، وأنا أضن بملكي أن أفارقه، وسيظهر على بلادي، وينزل بساحتي هذه أصحابه من بعده، فارجع إلى صاحبك، وأخذ كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فجعله في حق من عاج، وختم عليه" [7].

فقد آتت هذه الرسائل إذن بعض ثمارها، فقد علم كل من هرقل والمقوقس أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي من الله، وليس مجرد رجل حانق على ما هما فيه من الملك والسيطرة والتسلط.

ولقد يسأل سائل: إذا كان الأمر هكذا، فلماذا اختلف رد فعل كسرى عن رد فعل صاحبيه؛ إذ إنه استشاط غيظا من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

ونحن نجيب بأن السر في هذا أن كسرى كان مجوسيا وليس لديه علم أهل الكتاب كهرقل والمقوقس اللذين عرفا صفات النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الفرس لم يكونوا يوما يقيمون وزنا لجميع العرب، لهذا استشاط غيظا لما رأى أحدهم - وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم - يدعوه لاتباعه، فمزق رسالته، وأرسل عامله على اليمن ليأتيه به، ولكن الله لم ينله مراده، بل جعل قتله على يد أحد أبنائه، وكان ذلك علامة لعامله على اليمن - باذان - فأسلم هو ومن معه.

إذن فشهادة هرقل والمقوقس بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وإسلام باذان عامل كسرى على اليمن كان من ثمار رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء الملوك، وقد آتت هذه الرسائل أكلها يوم دخلت تلك البلاد - فارس والشام ومصر - في الإسلام، وانضمت تحت لوائه ودانت لسلطانه. وهذا كله من شواهد الواقع التي تؤكد أن رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - لملوك عصره كانت تهدف إلى دعوتهم إلى الإسلام لا غير.

الخلاصة:

  • لقد كانت مهمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ رسالة ربه للناس كافة كما أخبره سبحانه وتعالى: )وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا( (سبأ: ٢٨)، لهذا نجده - صلى الله عليه وسلم - بعد الحديبية - وبعد أن أمن شر قريش - يعلن لأصحابه عن رغبته في دعوة الملوك والزعماء إلى الإسلام، فأجابه أصحابه إلى ما أراد.
  • إن المتأمل في مضمون رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ملوك عصره يجدها تدل دلالة واضحة على أن الهدف منها هو دعوتهم إلى الإسلام، ويكفي أن هذه الرسائل قد تكرر فيها عبارات مثل: "السلام على من اتبع الهدى" و"أسلم تسلم"، ولا يخفى على أحد أن في تلك العبارات دلالات صريحة على الدعوة إلى الإسلام، وإن المتأمل في هذه الرسائل يعجزه أن يجد عبارة واحدة تدل على حقد أو استنكار لهيمنة هؤلاء الملوك.
  • كان من نتائج رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أسلم باذان عامل كسرى على اليمن ومعه أناس كثيرون، وكذلك شهد هرقل والمقوقس بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد آتت هذه الرسائل أكلها يوم دخلت تلك البلاد - فارس والشام ومصر - في الإسلام، وهذا كله من شواهد الواقع التي تؤكد أن رسائل النبي - صلى الله عليه وسلم - لكبار ملوك عصره كانت تهدف إلى دعوتهم إلى الإسلام لا غير.

(*) بلاد العرب، ديفيد جورج هوجارث، ترجمة: صبري محمد حسن، دار الأهرام، مصر، د. ت.

[1]. السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة، د. محمد محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م، ج2، ص357، 358.

[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (4707).

[3]. حسن: ذكره ابن جرير الطبري في تاريخ الأمم والملوك (2/ 132)، وحسنه الألباني في فقه السيرة (1/ 356).

[4]. قوانين النبوة، موفق الجوجو، دار المكتبي، دمشق، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص276: 286 بتصرف.

[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (4707).

[6]. قوانين النبوة، موفق الجوجو، دار المكتبي، دمشق، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص277: 278 بتصرف.

[7]. قوانين النبوة، موفق الجوجو، دار المكتبي، دمشق، ط1، 1423هـ/ 2002م، ص284.

 

  • الاثنين PM 11:51
    2020-09-21
  • 1640
Powered by: GateGold