المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409120
يتصفح الموقع حاليا : 209

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتبس بعض ألفاظ القرآن من العبرية والسريانية

           الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتبس بعض ألفاظ القرآن من العبرية والسريانية (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المغالطين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اقتبس بعض ألفاظ القرآن الكريم من العبرية والسريانية، ويستدلون على ذلك بما يزعمونه من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان على علم بالعبرية والسريانية، ويمثلون لذلك بما يتوهمونه من أن كلمة "فرقان" العربية الواردة في القرآن هي نفسها كلمة "فرقان" السريانية زاعمين أنه - صلى الله عليه وسلم - استخدمها في القرآن بنفس المعنى الذي استخدمت به الكلمة المقابلة في السريانية. هادفين من وراء ذلك إلى التشكيك في خلوص ألفاظ القرآن من العجمة، وعصمتها من تحريف الأيدي والألسنة، انتهاء إلى القول ببشريته أو القول بانتحاله.

وجوه إبطال الشبهة:

1)    ليس من المعقول أن يخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود والنصارى في أساس دينهم، ثم يقتبس منهم بعض الألفاظ، ولو ثبت أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لعلمه اليهود والنصارى أنفسهم، ولما سكتوا عنه، بل شهروا به من باب أولى وأحرى.

2)    من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة باللغة العربية فضلا عن غيرها، فكيف لرجل هذا شأنه أن يكون ضليعا في العبرية والسريانية كما يزعمون؟!

3)    بالرجوع إلى المعاني المختلفة لكلمة "فرقان" وأصولها في اللغة العربية نجد أنها ليست مقتبسة بمعانيها من السريانية، أو العبرية، بل هي كلمة عربية في الأصل، وفي الاستعمال، فهي مأخوذة من "فرق" أي ميز وفصل بين شيئين.

التفصيل:

أولا. إن ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - يخالف عقائد اليهود والنصارى وكتبهم، فكيف يخالفهم، ثم يقتبس منهم ألفاظ القرآن الكريم؟!

من الحقائق الثابتة المعلومة أن القرآن قد رد تحريفات أهل الكتاب وبين خطأها، ومن أمثلة ذلك:

  • أن اليهود المقيمين منهم بيثرب كانوا يزعمون أن عزيرا ابن الله، مثلما يقول النصارى: إن المسيح هو ابن الله.

وقد رد القرآن عليهم، وبين أن هذا الاعتقاد هو اعتقاد شركي قديم، قال سبحانه وتعالى: )وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون (30)( (التوبة).

  • مثال آخر ما جاء في التوراة: "فأكملت السماوات والأرض وكل جندها، وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه؛ لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا". (التكوين 2: 1ـ 3).

وقد رد القرآن على هذا التحريف قائلا: )ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب (38)( (ق).

  • ومثال آخر على سفاهة اليهود قولهم عن رب العزة صاحب الكرم والجود إن يده مغلولة: )وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا( (المائدة: 64)، وقولهم عليه سبحانه وتعالى: )إن الله فقير ونحن أغنياء( (آل عمران: 181).

فهل قائلو مثل هذا الكفر والتخريف هم أصحاب ألفاظ القرآن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - سرقها منهم[1]؟!

فإذا انتقلنا إلى النصرانية، نجد أن العقيدة الإسلامية تخالف عقيدة النصارى من أساسها، فبينما يقول النصارى: إن الله ثالث ثلاثة، وإن عيسى هو ابن الله، وإن عيسى - عليه السلام - قد صلبه اليهود، وإن صلبه كان كفارة للخطيئة الأصلية، خطيئة آدم التي أخرج بسببها من الجنة - نرى القرآن ينفي هذا كله ولا يعترف به.

فالله في الإسلام هو واحد أحد، ويستحيل بمقتضى كونه إلها أن يكون اثنين، أو ثلاثة، أو أكثر، وكل من في السماوات والأرض إنما هوعبد الله مخلوق بأمره، سواء في ذلك عيسى - عليه السلام - أو غيره: )قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)( (الإخلاص)، )وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون (51)( (النحل).

ومن هنا يكفر القرآن من يقول إن الله ثالث ثلاثة، وهو يرتكز في نفي هذا التثليث، كما ارتكز في نفي التثنية على بدهية عقلية هي أن الله يستحيل أن يكون إلا واحدا: )لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد( (المائدة: 73).

وقد أثبت القرآن أن عيسى رسول الله وأمه صديقة، قال سبحانه وتعالى: )ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون (75)( (المائدة)[2].

وكما نفى القرآن أن يكون عيسى إلها أو ابنا للإله، نفى أيضا أن يكون - عليه السلام - قد صلب، أو قتل بأية طريقة أخرى، وأكد أنه شبه لهم: )وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا (157) بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما (158)( (النساء).

هذا وغيره كثير يدل على أن القرآن الكريم يخالف عقيدة اليهود والنصارى، ولا يتفق معهم، فكيف يأخذ عنهم بعض الألفاظ.

ثانيا. أمية النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على كذبهم، حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقرأ ولا يكتب بالعربية، ولا يعرف من العبرية أو السريانية شيئا:

من المعروف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أميا، قال تعالى: )الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل( (الأعراف: 157).

وقال تعالى: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون (158)( (الأعراف).

وقد ورد في بعض الأحاديث ما يؤكد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أميا، ففي صلح الحديبية من حديث البراء رضي الله عنه: «فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب، فكتب: "هذا ما قاضى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولاتبعناك، ولكن اكتب: "هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله"، فقال: "أنا محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله"، قال: وكان لا يكتب، قال: فقال لعلي: "امح رسول الله"، فقال علي: والله، لا أمحوه أبدا، قال: "أرنيه"، قال: فأراه إياه، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم» [3].

ففي طلب النبي لعلي بأن يريه الكلمة "رسول الله" دليل على أميته - صلى الله عليه وسلم - وعدم معرفته القراءة والكتابة[4].

على أن هناك حكمة عظيمة  من أمية النبي - صلى الله عليه وسلم - تتجلى في اعتبارين هما:

  1. قطع أسباب الريب عن قصار النظر من ضعاف الإدراك، ومن هواة الباطل؛ إذ لو كان النبي يقرأ ويكتب لوجد الشيطان مدخلا إلى عقول بعض الناس بأن القرآن صنعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن تأليفه، ولوجد خصوم الدعوة سلاحا شديد التأثير على ضعاف البصيرة، وسدا لهذه الذرائع وحسما لوساوس شياطين الجن والإنس، أرادت حكمة الله أن يكون صاحب الدعوة أميا.
  2. أن الله - عز وجل - لم يرض أن يكون من البشر معلـم أو أستاذ لصاحب الدعوة - صلى الله عليه وسلم - ولذلك لم يجلس محمد - صلى الله عليه وسلم - من أحد مجلس التلميذ من الأستاذ أو المتعلم من المعلم، بل كان معلمه واحدا هو الله - عز وجل - وقد أشار القرآن إلى هذا الفضل في قوله تعالى: )وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما (113)( (النساء).

وهذا الخطاب السامي الجليل لم يخاطب الله به أحدا من عباده سوى خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم[5].

وهكذا كانت أمية النبي - صلى الله عليه وسلم - دليلا قاطعا على عدم تعلمه من أحد من الناس، وعلى صدقه فيما بلغ عن ربه - سبحانه وتعالى - ومن ثم فلم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - مطلعا على العبرية والسريانية كما يزعمون، ناهيك عن قولهم: إنه كان ضليعا فيهما.

ثالثا. بالرجوع إلى المعاني المختلفة لكلمة "فرقان" وأصولها في اللغة العربية، نجد أنها ليست مقتبسة بمعانيها من السريانية أو العبرية:

إننا إذا رجعنا إلى كلمة "فرقان" فسنجد لها أصولا في اللغة العربية، وهي من "فرق" والمصدر "فرقان"، ومعناها: فصل وميز الشيء عن الآخر، نقول: فرق بين الخصوم، أي: حكم بينهم وفصل، وقد ورد منها في القرآن ستة عشر اشتقاقا، كقوله سبحانه وتعالى: )نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (3) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان( (آل عمران)، وقوله سبحانه وتعالى: )تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)( (الفرقان)، فسمى الله القرآن فرقانا، بما يحوي من حجج وبيانات، ودلائل واضحات، وبراهين قاطعات، ومرة تأتي كلمة "فرقان" بالإضافة، كقوله: )وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان( (الأنفال: 41)، ويوم الفرقان: هو يوم بدر، فرق الله - سبحانه وتعالى - فيه بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وهو أول مشهد شهده الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان. ومرة تأتي فرقان وعدا للمؤمنين، كقوله: )يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا( (الأنفال: 29)؛ أي: عرفانا، تفرقون به بين الحق والباطل، ومرة تأتي بوصفها دعاء، كقوله سبحانه وتعالى: )فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين (25)( (المائدة)، يعني: اقض وافتح بيننا وبينهم، ومرة تأتي كوصف للحال، كقوله: )فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (94)( (طه: 94)، أي أشعت الفرقة فيهم، وكقوله: )إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء( (الأنعام: 159)، بمعنى فارقوه، وصاروا فرقا كأهل الملل والنحل، والأهواء والضلالات، وقوله سبحانه وتعالى: )فالفارقات فرقا (4)( (المرسلات) تفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والحلال والحرام، وأمثال ذلك تكررت اثنتين وسبعين مرة. وأما كلمة "الفرقان" نفسها فتأتي سبع مرات، مرتين فيما أنزل الله على موسى وهارون، في قوله سبحانه وتعالى: )ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين (48)( (الأنبياء)، وقوله سبحانه وتعالى: )وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (53)( (البقرة)، فالكتاب هو التوراة، والفرقان هو المعرفة بالتمييز، وفي كل هذه الاستخدامات في القرآن يأتي المعنى المشترك فيها جميعا هو: التفرقة بين الحق والباطل، أما كلمة "فرقان" السريانية بمعنى Yesha، فمعناها الخلاص، وما أبعد المسافة بين المعنى العربي للمصطلح، والمعاني الأجنبية الأخرى[6].

الخلاصة:

  • إن القرآن جاء مخالفا لعقائد اليهود والنصارى في أمور كثيرة، ومبينا أخطاءهم وتحريفاتهم لكتبهم، ولو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ عن العبرية أو السريانية بعض الألفاظ لما سكت عن ذلك اليهود والنصارى حين نزول القرآن.
  • إن القرآن أنزل كما قال رب العالمين: )بلسان عربي مبين (195)( (الشعراء)، أي بلسان شامل العربية، وكامل الفصاحة، لا لبس فيه ولا عجمة، ليكون بينا واضحا ظاهر الوضوح، وقاطعا للعذر، ومقيما للحجة على الكافة.
  • النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتبس لفظ "الفرقان" من السريانية ولا العبرية - كما يزعمون - وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجالس أحدا من أهل الكتاب ولا غيرهم، حتى يأخذ عنهم، كما أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يقرأ ولا يكتب العربية أو العبرية أو السريانية أو غيرها.
  • إن الوقوف على معاني كلمة "الفرقان" في لغة العرب ليؤكد فرق ما بينها وبين معاني الكلمة التي ذكروها، وادعوا أن معناهما واحد.

 

 

(*) موسوعة القرآن العظيم، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، مصر، ط1، 2004م.

[1]. مصدر القرآن، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1417هـ/ 1997م،، ص225: 228 بتصرف.

[2]. مصدر القرآن، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1417هـ/ 1997م، ص229: 232 بتصرف.

[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان بن فلان وإن لم ينسبه (2552).

[4]. أمية محمد صلى الله عليه وسلم، خالد محمد عبده، مكتبة النافذة، القاهرة، ط1، 2006م، ص43 بتصرف.

[5]. افتراءات المستشرقين على الإسلام، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1413هـ/ 1992م، ص193.

[6]. موسوعة القرآن العظيم،د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، مصر، ط1، 2004م، ج1، ص91، 92.

 

  • الاثنين PM 09:29
    2020-09-21
  • 1515
Powered by: GateGold