المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409162
يتصفح الموقع حاليا : 368

البحث

البحث

عرض المادة

الطعن في قدرته - صلى الله عليه وسلم - على إتيان زوجاته ومباشرتهن

                   الطعن في قدرته - صلى الله عليه وسلم - على إتيان زوجاته ومباشرتهن(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعاني من ضعف في إتيان زوجاته ومباشرتهن، ويستدلون على ذلك بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شكا إلى جبريل قلة الجماع، فأمره أن يأكل الهريسة. ويتساءل هؤلاء ساخرين: لماذا يحسد اليهود محمدا على كثرة زوجاته كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: )أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله( (النساء: ٥٤).

وجوه إبطال الشبهة:

1) لقد خص الله - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقوة ثلاثين رجلا في البطش والجماع تؤهله للطواف على أهله في ليلة واحدة.

2) وأما حديث شكوى النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل قلة الجماع، فإنه حديث مكذوب، كما قال علماء الحديث.

3) لم يكن حسد اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - على كثرة الزوجات فحسب، بل كان حسدا على كل النعم التي أنعم الله بها على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعظمها نعمة النبوة.

التفصيل:

أولا. خص الله - عز وجل - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بقوة تؤهله للطواف على أهله في ليلة واحدة:

لقد أعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوة ثلاثين رجلا، فعن قتادة عن أنس بن مالك قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن تسع نسوة، قال: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين» [1].

روي عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم: «أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة»[2].

ومن ثم فقد اختص الله - عز وجل - سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوة في البدن وكثرة الجماع، مع أن كثرة أزواجه - صلى الله عليه وسلم - صفة يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء كما قال عز وجل: )ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية( (الرعد: 38).

وكذلك طوافه - صلى الله عليه وسلم - على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، يشترك فيها مع من سبقه من الأنبياء، كما دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «كان لسليمان ستون امرأة فقال: لأطوفن عليهن الليلة، فتحمل كل واحدة منهن غلاما فارسا يقاتل في سبيل الله، فلم تحمل منهن إلا واحدة فولدت نصف إنسان"، فقال رسول الله: "لو كان استثنى لولدت كل واحدة منهن غلاما فارسا يقاتل في سبيل الله» [3].

إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - اختص في طوافه بخرق العادة له في كثرة الجماع، مع التقلل من المأكول والمشروب، وكثرة الصيام، والوصال، وقد أمر من لم يقدر على مؤن النكاح بالصوم، وأشار إلى أن كثرة الصوم تكسر شهوته، فانحرفت هذه العادة في حقه صلى الله عليه وسلم [4].

ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - قوي الجسد، فلقد صارعه ركانة المطلبي مرتين أو ثلاثا فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل مرة، وكان ركانة مصارعا معروفا بالقوة والجلادة لا يضاهيه أحد.

ومن مظاهر قوته - صلى الله عليه وسلم - أيضا أنه كان يسافر طويلا، ويقاتل الأبطال، ويتقدم الشجعان، ويخلف الفرسان، ويكبت الجلد القوي من أصحاب الطغيان، بينما هو في النصف الأخير في العقد السادس - بل كان قد جاوز الستين من عمره - ولم يسكن، أو يتوان، أو يتكاسل عن مثل هذه الأعمال الشاقة التي تطلب المزيد من القوة، وهذا دليل على امتيازه - صلى الله عليه وسلم - بالقوة الجسدية[5].

ثانيا. حديث الهريسة المستدل به حديث موضوع لا تحل روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم:

وإليكم نص الخبر الموضوع:

"أتاني جبريل بهريسة من الجنة، فأكلتها، فأعطيت قوة أربعين رجلا في الجماع".

قال أبو سعيد النقاش: "روي عن الضحاك - راوي الخبر - الموضوعات. قلت: وهذا منها، وقد أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق ابن عدي، وقال: "نهشل كذاب، وسلام متروك، مرمي، وأحدهما سرقه من محمد بن الحجاج، وركب له إسنادا". وابن الحجاج هذا هو الذي اشتهر بهذا الحديث ووضع له عدة أسانيد. قال ابن الجوزي وغيره: "وضعه محمد بن الحجاج اللخمي، وكان صاحب هريسة، وغالب طرقه تدور عليه، وسرقه منه كذابون".

لكنه لم يلبث أن تعقبه في بعض طرقه الأخرى، فقد أورده من طريق الأزدي عن أبي هريرة قال: "شكا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل قلة الجماع، فتبسم جبريل حتى تلألأ مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بريق ثنايا جبريل، ثم قال: أين أنت من أكل الهريسة؟ قال: فيها قوة أربعين رجلا" قال ابن الجوزي: "قال الأزدي: إبراهيم ساقط، فنرى أنه سرقه وركب له إسنادا"، فتعقبه السيوطي بقوله: قلت: إبراهيم روى له ابن ماجه، وقال في "الميزان": قال أبو حاتم وغيره: صدوق. وقال الأزدي وحده: ساقط. قال: ولا يلتفت إلى قول الأزدي، فإن في لسانه في الجرح رهقا".

وأما الطرق الأخرى عن أبي هريرة التي أشار إليها السيوطي، فهي مع كونها معلولة كلها، فإن اللفظ فيها مخالف للحديث الذي معنا؛ لأن نصه: «أمرني جبريل بأكل الهريسة لأشد بها ظهري، وأتقوى على عبادة ربي». فأين هذا مما جاء في رواية ابن زبالة من الشكوى من قلة الجماع، وأن في الهريسة قوة أربعين رجلا؟! ومع ذلك فقد حكى السيوطي نفسه عن الخطيب، وغيره أنه قال في حديث أبي هريرة هذا: "حديث باطل". وهو الصواب، ولذلك فإن ابن عراق لم يحسن صنعا حين ذكر الحديث في "الفصل الثاني" من كتابه "تنزيه الشريعة" (2/253)، مشيرا بذلك إلى متابعته للسيوطي في تعقبه على ابن الجوزي.

وهذا طريق آخر وتخريج آخر للحديث «أطعمني جبريل الهريسة، من الجنة لأشد بها ظهري لقيام الليل». وقد أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق ذلك الكذاب بألفاظ مختلفة، ثم قال: (3/18): "هذا حديث وضعه محمد بن الحجاج، وكان صاحب هريسة! وغالب طرقه تدور عليه، وسرقه منه كذابون".

قال الألباني: لم ينفرد الأزدي بجرح هذا، بل سبقه إلى ذلك الساجي فقال كما في "التهذيب": "يحدث بالمناكير والكذب"، ولست أشك أن حديثه هذا كذب، فإن لم يكن هو آفته فشيخه عمرو بن بكر، وهو السكسكي، قال ابن حبان (2/78): "روى عن الثقات الأوابد والطامات التي لا يشك من هذا الشأن صناعته أنها معمولة أو مقلوبة، لا يحل الاحتجاج به". وقال الذهبي: "أحاديثه شبه موضوعة" [6].

فإذا ثبت لديك الآن عدم صحة الحديث، بل تبين وضعه وكذبه، وتحذير العلماء من روايته لما فيه من الكذب والوضع، تبين أن الشبهة مبنية على أصل واه لا يستقيم، وبناء هش لا يتقوم، وعليه نقول لهؤلاء: "لا يستقيم الظل والعود أعوج"، أو كما قالوا: "ثبت العرش ثم انقش"، فإذا لم يثبت العرش، فإن النقش لا يتم.

ثالثا. حسد اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مقتصرا على كثرة الزوجات فحسب:

أما ما زعمه المغرضون من أن قوله سبحانه وتعالى: )أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله( (النساء: 54)، إشارة إلى منح الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - قوة في الجماع لم تكن موجودة من قبل، فهذا ما لا دليل عليه، ولا نجده لدى أحد من المفسرين، فلقد ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تفسير هذه الآية عدة مسائل؛ منها أن المراد بلفظ "الناس" قولان:

الأول: هو قول ابن عباس والأكثرين -: أنه محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع، وهو واحد؛ لأنه اجتمع عنده من خصال الخير ما لا يحصل إلا متفرقا في الجمع العظيم.

الآخر: المراد هنا هو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين، ولقد اختلفوا في تفسير الفضل الذي لأجله صاروا محسودين على قولين:

  • أنه النبوة والكرامة الحاصلة بسببها في الدين والدنيا.
  • أنهم حسدوه على أنه كان له من الزوجات تسع.

واعلم أن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة، فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين له أعظم، ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين، ثم إنه تعالى أعطاها لمحمد - صلى الله عليه وسلم - وضم إليها أنه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة، وأكثر أنصارا وأعوانا، وكل ذلك مما يوجب الحسد العظيم.

وأما كثرة النساء فهو كالأمر الحقير بالنسبة إلى ما ذكرناه، فلا يمكن تفسير هذا الفضل به، بل إن جعل الفضل لجميع ما أنعم الله تعالى به عليه دخل هذا أيضا تحته، فأما على سبيل القصر عليه فبعيد[7].

ويوضح الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية أن قوله سبحانه وتعالى: )أم يحسدون الناس(؛ يعني: اليهود، ويعني الناس: النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة؛ فعن ابن عباس ومجاهد وغيرهما: حسدوه على النبوة، وأصحابه على الإيمان به، وقال قتادة: "الناس": العرب، حسدتهم اليهود على النبوة، وقال الضحاك: حسدت اليهود قريشا؛ لأن النبوة فيهم.

وقوله سبحانه وتعالى: )فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (54)( (النساء)، فأخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكا عظيما.

قال همام بن الحارث: أيدوا بالملائكة، وعن ابن عباس قيل: يعني ملك سليمان، وعنه أيضا: المعنى أم يحسدون محمدا على ما أحل الله له من النساء، فيكون الملك العظيم على هذا أنه أحل لداود تسعا وتسعين امرأة، ولسليمان أكثر من ذلك[8].

وإن من العجب الجدير بالذكر أن شبهات أولئك المتقولين يهدم بعضها بعضا؛ فقد رأينا من يدعي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان شهوانيا محبا للنساء، وها نحن الآن أمام من يزعم أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ضعيفا في إتيان أهله، وكان يشكو إلى جبريل قلة الجماع، ونحن من جانبنا نحيل هؤلاء الأخيرين القائلين بالضعف إلى أضرابهم من الواهمين المتقولين الذين يرمونه - بهتانا وزورا - بالشبق وعشق النساء، لكننا نؤكد أنا لا نقبل بحال دعوى هؤلاء أو أولئك، وقد أشرنا إلى رأي الفريقين هنا لنبين للناس ما عليه القوم من تناقض واضطراب في أفهامهم ودعواهم، وهو الأمر الذي أوقعهم فيما ترى من ضلال وبعد عن الصواب، واتهام لسيد الخلق بما لا يليق برجل سوى فضلا عن نبي مرسل، وهذا دليل على أن الحق لا يعنيهم في شيء، وإنما يهدفون إلى التشويه من أجل التشويه.

الخلاصة:

  • من الثابت أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - كان يجامع نساءه في الساعة الواحدة وهن تسع نسوة. قال قتادة لأنس بن مالك: أوكان يطيق الدوران عليهن؟ فقال أنس: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، وفي رواية: أربعين رجلا من أهل الجنة، وعليه فليس صحيحا أن النبي كان يشكو من عدم قدرته على إتيان نسائه.
  • أما ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - شكا إلى جبريل - عليه السلام - قلة الجماع فأمره أو قال له: أين أنت من أكل الهريسة؟ فإنها رواية باطلة لا تصح نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر المحدثون كل طرقها، فلم يصح طريق منها، بل حكموا على هذه الرواية بالبطلان والوضع. وإذا كانت هذه هي الرواية التي استند إليها هؤلاء للطعن في عدم قدرة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الجماع - وقد تبين بطلانها - فإنه يتبين بطلان هذا الادعاء وسقوطه أمام طالب الحق.
  • ثم إن هذه الدعوى تفضح نوايا أصحابها المغرضة، وتوضح أن الباطل يهدم بعضه بعضا، وينقض أوله آخره، إذ يضطرب هؤلاء في دعواهم، فتارة يرمون النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشبق الجنسي والفحولة الزائدة وعشق النساء، وتارة يرمونه بالعجز الجنسي والضعف عن إتيان زوجاته، وهكذا يقدم هؤلاء المضطربون المغرضون أكبر دليل على براءة النبي - صلى الله عليه وسلم - من اتهاماتهم المتضادة المتخالفة، على حد قول الشاعر:

حجج تهافت كالزجاج تخالها

حقا وكل كاسر مكسور

 

 

 

(*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات.

[1]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب إذ جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد (265).

[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره (280).

[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة (7031)، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب الاستثناء (4375).

[4]. رد شبهات حول عصمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ضوء الكتاب والسنة، د. عماد السيد الشربيني، مطابع دار الصحيفة، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص488، 489.

[5]. وإنك لعلى خلق عظيم، صفي الرحمن المباركفوري، شركة كندة للإعلام والنشر، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ج1، ص419 بتصرف.

[6]. السلسلة الضعيفة والموضوعة، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط2، 1420هـ/2000م، رقم (690)، و (1686).

[7]. مفاتيح الغيب، الرازي، المطبعة البهية المصرية، القاهرة، 1301هـ، عند تفسير قوله تعالى: ) أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (.

[8]. انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج5، ص251، 252.

 

  • السبت PM 10:57
    2020-09-19
  • 1999
Powered by: GateGold