المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411960
يتصفح الموقع حاليا : 325

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مدمنا للخمر حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - مات في نوبة سكر، وأكلت من جسمه الخنازير

الزعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مدمنا للخمر حتى إنه - صلى الله عليه وسلم - مات في نوبة سكر، وأكلت من جسمه الخنازير(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض الطاعنين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مدمنا للخمر، ويستدلون على ذلك بما يدعونه من أنه - صلى الله عليه وسلم - مات في نوبة سكر، ووجد جسده ملقى على كوم من الروث بعد موته، وقد أكلت الخنازير منه؛ ولذا حرم المسلمون - بعد موته - صلى الله عليه وسلم - شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. ويهدفون من وراء هذا الزعم إلى إثبات مخالفة أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمقتضى رسالته.

وجها إبطال الشبهة:

1)    لقد أجمعت كتب السير والحديث على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مرض في بيت السيدة عائشة - رضي الله عنها -، ومات في بيتها وفي يومها بين سحرها ونحرها، وفي وجود بعض الصحابة، وقد غسل ودفن في مكان موته، كغيره من الأنبياء عليهم السلام. فكيف وقع ما يزعمون؟! وأين؟!

2)    كان تحريم الخمر، ولحم الخنزير على المسلمين قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنوات عديدة؛ لما فيهما من أضرار جسيمة، ولم يكن أثناء موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بعده.

التفصيل:

أولا. توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيت السيدة عائشة، ودفن حيث مات صلى الله عليه وسلم:

إن المتأمل في كتب التاريخ والسير والسنة النبوية يجدها جميعا قد اتفقت في حديثها عن أخبار مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ومكان تمريضه ووقت وفاته ومكانه؛ وذلك أن موت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أشد الأحداث إيلاما لقلوب المسلمين، فكيف يمكن أن ينسوا تفاصيل هذا الحادث ومقدماته؟!

ويمكننا أن نتحدث عن هذه التفاصيل بإيجاز شديد على النحو الآتي:

طلائع التوديع: لما تكاملت الدعوة، وسيطر الإسلام على الموقف، أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء تتبدى من مشاعره - صلى الله عليه وسلم - وتتضح في عباراته وأفعاله.

فقد اعتكف في رمضان من السنة العاشرة عشرين يوما، بينما كان لا يعتكف إلا عشرة أيام فحسب، وتدارس مع جبريل - عليه السلام - القرآن مرتين، وقال في حجة الوداع: إني لا أدري، لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، وأنزلت عليه سورة النصر في أوسط أيام التشريق، فعرف أنه الوداع، وأنه نعيت إليه نفسه.

وفي أوائل صفر سنة 11هـ خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أحد، فصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، ثم انصرف إلى المنبر فقال: «إني فرط لكم[1]، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها» [2].

وخرج ليلة - في منتصفها - إلى البقيع فاستغفر لهم، وقال: «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون» [3].

بداية المرض: وفي اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11هـ - وكان يوم الإثنين - شهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنازة في البقيع، فلما رجع - وهو في الطريق - أخذه صداع في رأسه، وارتفعت درجة حرارته، حتى إنهم كانوا يجدون سورتها[4] فوق العصابة التي تعصب بها رأسه. وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس وهو مريض 11 يوما، وجميع أيام المرض كانت 13 أو 14 يوما.

الأسبوع الأخير: وثقل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرض، فجعل يسأل أزواجه: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ ففهمن مراده، فأذن له يكون حيث شاء، فانتقل إلى عائشة، يمشي بين الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب، عاصبا رأسه تخط قدماه في الأرض، حتى دخل بيتها، فقضى عندها آخر أسبوع من حياته.

وكانت عائشة تقرأ بالمعوذات والأدعية التي حفظتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكانت تنفث على نفسه، وتمسحه بيده رجاء البركة.

قبل يوم أو يومين: ويوم السبت أو الأحد وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في نفسه خفة، فخرج بين رجلين لصلاة الظهر، وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه بألا يتأخر، قال: «أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد» [5].

قبل يوم: وقبل يوم من الوفاة - يوم الأحد - أعتق النبي - صلى الله عليه وسلم - غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل استعارت عائشة الزيت للمصباح من جارتها، وكانت درعه - صلى الله عليه وسلم - مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من الشعير[6].

آخر يوم من حياته صلى الله عليه وسلم: في فجر يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول من العام الحادي عشر للهجرة، "وبينما الناس في المسجد يصلون خلف أبي بكر - رضي الله عنه - إذا بالستر المضروب على حجرة عائشة قد كشف، وبرز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ورائه، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبه ليصل الصف، فقد ظن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهم المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم؛ فرحا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار إليهم بيده - صلى الله عليه وسلم - أن أتموا صلاتكم، ثم دخل الحجرة، وأرخى الستر، وانصرف الناس من صلاتهم، وهم يحسبون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نشط من مرضه.

ولكن تبين أنها كانت نظرة وداع منه - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه، فقد عاد - صلى الله عليه وسلم - فاضطجع إلى حجرة عائشة - رضي الله عنها - وأسندت - رضي الله عنها - رأسه إلى صدرها، وجعلت تتغشاه سكرات الموت، قالت: «وكان بين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه، ويقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات». وكانت فاطمة - رضي الله عنها - إذا رأت منه ذلك قالت: «واكرب أباه! فيقول لها صلى الله عليه وسلم: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم»[7] [8].

"ودعا الحسن والحسين فقبلهما، وأوصى بهما خيرا، ودعا أزواجه فوعظهن وذكرهن، وطفق الوجع يشتد ويزيد، وقد ظهر أثر السم الذي أكله بخيبر حتى كان يقول: «يا عائشة، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري[9] من ذلك السم» [10].

وأوصى الناس فقال: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم»، كرر ذلك مرارا [11].

الاحتضار: وبدأ الاحتضار، فأسندته عائشة إليها، وكانت تقول: «إن من نعم الله - عز وجل - علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توفي في بيتي، وفي يومي، وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عبد الرحمن - ابن أبي بكر - وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته. فأمره - وفي رواية أنه استن بها كأحسن ما كان مستنا - وبين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه، يقول: لا إله إلا الله، إن للموت سكرات» [12]. كرر الكلمة الأخيرة ثلاثا، ومالت يده، ولحق بالرفيق الأعلى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقع هذا الحادث حين اشتد الضحى من يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وقد تم له - صلى الله عليه وسلم - ثلاث وستون سنة وزادت أربعة أيام[13].

وقع خبـر الـوفـاة على الصحابة: "انتـشر خبـر وفاتـه - صلى الله عليه وسلم - في النـاس، وأقبـل أبـو بكر على فرس من مسكنه في السنح - وكان قد ذهب إلى منزله هناك آملا أنه - صلى الله عليه وسلم - قد عوفي من وجعه - حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة، فقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه فقبله وبكى، ثم قال: "بأبي أنت وأمي، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها". ثم خرج - رضي الله عنه - وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يكلم الناس فقال: "اجلس يا عمر"، فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: "أما بعد، من كان منكم يعبد محمدا - صلى الله عليه وسلم - فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله سبحانه وتعالى: )وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (144)( (آل عمران)"، فكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما سمعها بشر من الناس إلا وأخذ يتلوها" [14].

قال ابن المسيب: قال عمر:«والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت[15] حتى ما تقلني[16] رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، وعلمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات» [17].

وفي يوم الثلاثاء غسلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير أن يجردوه من ثيابه، وكان القائمون بالغسل العباس، وعليا، والفضل وقثم ابني العباس، وشقران مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسامة بن زيد، وأوس بن خولى.

فكان العباس والفضل وقثم يقلبونه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلي يغسله، وأوس يسنده إلى صدره.

ثم كفنوه في ثلاثة أثواب بيض سحولية[18] من كرسف[19]، ليس فيها قميص ولا عمامة، أدرجوه فيها إدراجا.

ودخل الناس الحجرة أرسالا[20] عشرة فعشرة، يصلون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يؤمهم أحد، وصلى عليه أولا أهل عشيرته، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، وصلت عليه النساء بعد الرجال، ثم صلى عليه الصبيان، ومضى في ذلك يوم الثلاثاء كاملا، حتى دخلت ليلة الأربعاء، قالت عائشة: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي[21] من جوف الليل من ليلة الأربعاء.

ودفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قبض، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما مات نبي إلا دفن حيث يقبض» [22] [23].

ما ذكرناه آنفا هو الصحيح من الأخبار عن مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته، والتي اتفقت عليها كل كتب السيرة وكتب الحديث النبوي، وليس فيها ما يشير - ولو على سبيل النفي - إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات في نوبة سكرـ كما يزعم هؤلاء الطاعنون - وإنما ما ورد هو إصابته - صلى الله عليه وسلم - بالحمى كما سبق أن قلنا في الحديث عن مرضه.

فقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت تنتابه حمى شديدة من وقت لآخر، وتروي عائشة - رضي الله عنها - أنه - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من البقيع استقبلته وهي تقول: «وارأساه، فقال لها صلى الله عليه وسلم: ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك"، فقالت عائشة: واثكلياه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه».[24] ثم ثقل عليه الوجع فكأن حمى شديدة تنتابه.

 وروى ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: «دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك، فمسسته بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكا شديدا، فقال صلى الله عليه وسلم: "أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم"، قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل، ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها» [25] [26].

ومن هذين الحديثين يتضح لنا أن سبب وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله ابتلاه بالحمى واشتدت عليه حتى توفي.

فأين إذن نوبة السكر التي يدعونها، وما دليلهم على ذلك، وحياة النبي صفحة مضيئة أمام الناس؟! ثم كيف تجرأ هؤلاء على أن يزعموا أن جسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد بعد موته ملقى على كوم من الروث وقد أكلت الخنازير من جسده؟!، وقد مات - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة رضي الله عنها، وبين سحرها ونحرها، وأصحابه - رضي الله عنهم - حوله يتابعون أخباره لحظة بلحظة.

لا شك أن ما يزعمه هؤلاء هو مجرد تشويه للحق الناصع، وقلب للحقيقة التي لا يماري فيها صاحب عقل منصف.

ثانيا. كان تحريم الخمر، ولحم الخنزير على المسلمين قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدة طويلة، ولم يكن أثناء موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بعده:

قبل الحديث عن تحريم الخمر ولحم الخنزير في الإسلام نود أن نشير إلى حقيقة هامة تتعلق بمبدأ التحليل والتحريم في الإسلام، وهي "أن الإسلام قد حدد السلطة التي تملك التحليل والتحريم، فانتزعها من أيدي الخلق، أيـا كانت درجتهم في دين الله أو دنيا الناس، وجعلها من حق الرب تعالى وحده.. فلا أحبار أو رهبان، ولا ملوك أو سلاطين يملكون أن يحرموا شيئا تحريما مؤبدا على عباد الله، ومن فعل ذلك منهم فقد تجاوز حده واعتدى على حق الربوبية في التشريع للخلق، ومن رضي بعملهم هذا واتبعه فقد جعلهم شركاء لله، واعتبر اتباعه هذا شركا. قال تعالى: )أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم (21)( (الشورى) [27].

وعليه فإن موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليحل حراما، أو يحرم حلالا في ذاته، إذ لم يمت - صلى الله عليه وسلم - حتى أكمل الله الدين للمسلمين، وأتم النعمة عليهم، ورضي لهم الإسلام دينا، قال عز وجل: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة:3) هذا وقد كان تحريم الخمر في السنة السادسة من الهجرة، قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بأربع سنوات، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قدم المدينة وهم يشربون الخمر، ويلعبون الميسر، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما، فأنزل الله عز وجل: )يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما( (البقرة: ٢١٩)، فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال "إثم كبير"، وظلوا يشربون الخمر، حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين، وأم الصحابة في المغرب فخلط في قراءته، فأنزل الله آية أغلظ من ذلك: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90)( (المائدة) إلى قوله: )فهل أنتم منتهون (91)( (المائدة)، فقالوا: انتهينا ربنا.

وقيل إن سبب نزول هذه الآية أن عمر - رضي الله عنه - قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فإنها تذهب بالمال والعقل، فنزلت هذه الآية: )يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما( (البقرة: 219)، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فأنزل الله الآية التي في سورة النساء: )يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا( (النساء: ٤٣). فكان ينادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة: "أن لا يقربن الصلاة سكران"، فدعى عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في المائدة، فدعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ: )إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (91)( (المائدة)، قال عمر: انتهينا انتهينا[28].

وكان الانتهاء من الصحابة بمجرد نزول الأمر من السماء، "فلم يحتج الأمر أكثر من مناد في نوادي المدينة: "ألا أيها القوم، إن الخمر قد حرمت"، فمن كان في يده كأس حطمها، ومن كان في فمه جرعة مجها، وشقت زقاق الخمر، وكسرت قنانيه.. وانتهى الأمر، كأن لم يكن سكر ولا خمر [29]!!

هكذا كان موقف القرآن الكريم من الخمر موقفا حازما لا هوادة فيه، وكذلك كان موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أول ما أعلنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أنه لم ينظر إلى المادة التي تتخذ منها الخمر، وإنما نظر إلى الأثر الذي تحدثه وهو الإسكار... وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشربة تصنع من العسل أو من الذرة والشعير، تنبذ حتى تشتد، فأجاب: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام».[30] وكذلك لم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين كثير الخمر وقليله فقال:«ما أسكر كثيره فقليله حرام» [31].

ولم يكتف النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريم شرب الخمر، بل لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: «عاصرها ومعتصرها[32] وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها والمشتراة له» [33]. بل حرم النبي - صلى الله عليه وسلم - القعود في مجالس الخمر، فعن عمر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر» [34].

كما لم يبح النبي - صلى الله عليه وسلم - شربها - ولو القليل منها - للتداوي، فقد سأله رجل عن الخمر، فقال الرجل: «إنما أصنعها للدواء، قال صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بدواء ولكنه داء» [35].

هكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حاسما كل الحسم في محاربة الخمر وإبعاد المسلم عنها، فلم يفتح منفذا - وإن ضاق - لتناولها أو الاقتراب منها.

فإذا ثبت لنا أن تحريم الخمر على المسلمين كان قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنوات عديدة، وإذا ثبت لدينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذق طول حياته شربة خمر واحدة، سواء قبل بعثته أو بعدها؛ تبين لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يمت في نوبة سكر كما يزعم هؤلاء المضللون.

ثم إننا نسأل هؤلاء: كيف لم ينتقد أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - النبي وهم يرونه يقول ما لا يفعله؟! بل كيف لم ينتهز أعداؤه هذه الفرصة لتنفير الناس منه وهم يتربصون به أية فرصة للنيل منه؟!

أما لحم الخنزير فقد حرم الله - عز وجل - أكله في الآية رقم 173 من سورة البقرة. قال سبحانه وتعالى: )إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم (173)( (البقرة)، وقد نزلت سورة البقرة في المدينة، وصلى بها معاذ الفجر إماما بالمسلمين، فشكوه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أفتان أنت يا معاذ"؟! وكان لذلك قصة مشهورة.

 ولم يكن الإسلام أول الأديان التي حرمت أكل لحم الخنزير؛ فالديانة اليهودية تحرم أكل لحمه، ولا يوجد حتى الآن يهودي في أوربا وأمريكا يأكل لحم الخنزير إلا فيما ندر، ولم يعب أحد اليهود على ذلك، بل يحترم الغرب العادات الدينية لليهود، وعندما جاء السيد المسيح - عليه السلام - صرح - كما جاء في الإنجيل - بأنه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله، أي أنه لم يأت ليغير التشريعات اليهودية - ومن بينها بطبيعة الحال تحريم أكل لحم الخنزيرـ، والأمر المنطقي بناء على ذلك أن يكون محرمـا في المسيحية أيضا[36].

والخنزير بذاته منفر للطبع النظيف القويم؛ لأن أشهى غذائه إليه القاذورات، والنجاسات، وهو ضار في جميع الأقاليم لا سيما الحارة منها، كما ثبت بالتجربة، وأكل لحمه من أسباب الدودة القتالة.

إذن.. تبين لنا أن تحريم الخمر، وتحريم لحم الخنزير، كان قبل موت النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنوات عديدة، ولم يحرمهما المسلمون لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات في نوبة سكر، أو لأن الخنازير أكلت من جسده بعد موته كما يزعم الطاعنون.

ولكننا في النهاية نود أن نقول لهؤلاء الذين يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مدمنا للخمر: من الذي تشير النصوص إلى أنه شرب الخمر؟ محمد أم يسوع، كما ورد في كتبهم المحرفة، والمسيح - عليه السلام - براء من ذلك عندنا؟!

يقرر الكتاب المقدس أن أول معجزات الرب يسوع - في ظنهم - هي صنع الخمر وشربها، وإليكم الدليل من الإنجيل: "وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك، ودعي أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس، ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: "ليس لهم خمر"، قال لها يسوع: "ما لي ولك يا امرأة؛ لم تأت ساعتي بعد"، قالت أمه للخدام: "مهما قال لكم فافعلوه". وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود، يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة، قال لهم يسوع: "املأوا الأجران ماء". فملأوها إلى فوق، ثم قال لهم: استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ، فقدموا، فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمرا ولم يكن يعلم من أين هي، لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا، دعا رئيس المتكأ العريس وقال له: "كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا، ومتى سكروا فحيئنذ الدون، أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن". هذه بداءة الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده فآمن به تلاميذه". (يوحنا 2: 1ـ 11).

وأيضا: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فتقولون: هو ذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة". (متى 11: 19).

ونلاحظ أن ابن الإنسان، المقصود به يسوع معبود النصارى، والنص يخبرنا بأنه شريب للخمر، فنجد أن يسوع هو الذي تشير نصوص كتبهم المحرفة إلى أنه شرب الخمر وصنعها، ولكن المغالطين يحاولون إلصاق شرب الخمر بالنبي الكريم وحاشاه - وحاشا لعيسى - عليه السلام - والأنبياء جميعا - أن يفعلوا هذا[37].

الخلاصة:

  • من الثابت تاريخيا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات في بيت السيدة عائشة - رضي الله عنها - بين سحرها ونحرها، وذلك يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وقد شهد وفاته - صلى الله عليه وسلم - جماعة من المسلمين، وغسلوه ودفنوه في المكان الذي توفي فيه، فكيف يدعي المفترون أنه مات بنوبة سكر، وقد مات - صلى الله عليه وسلم - متأثرا بحمى شديدة كانت تنتابه من وقت لآخر؟! فكيف يدعون أنه - صلى الله عليه وسلم - قد أكلت الخنازير من جسده؟! وقد مات ودفن في بيته، وهذه سنة الأنبياء قبله.
  • ثم إن تحريم الخمر، ولحم الخنزير كان قبل وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدة طويلة، فكيف يدعون أنهما لم يحرما إلا بعد وفاته؟! كيف وقد نزل الدين كاملا على النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت: يقول الله سبحانه وتعالى: )اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: 3)، إن هذا التحريم من الله - سبحانه وتعالى - صالح لكل الأمم والشعوب؛ لأن الله هو الذي خلق الناس، وهو أعلم بما ينفعهم وما يضرهم، فليس للمسلمين الحق في تحريم أو تحليل.

ولكنها العقلية المغرضة المستهزئة التي لم تتحرج من نسبة صنع الخمر وشربها إلى عيسى - عليه السلام - وغيره من الأنبياء، وتأبى إلا أن تضم خاتمهم وسيدهم إلى قائمتها المفتراة دون سند أو دليل.

 

 

(*) مطاعن وردود، فضل حسن عباس، دار البشير، عمان، ط2، 1410هـ/ 1989م. رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، دار القلم، الكويت، 1982م.

[1]. فرط لكم: سابقكم إلى الحوض كالمهيء له.

[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الشهيد (1279)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبينا وصفاته (6116).

[3]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (2301).

[4]. سورتها: شدتها.

[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجماعة والإمامة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به (655)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما (963).

[6]. الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، دار المؤيد، الرياض، 1418هـ/ 1998م، ص464: 468 بتصرف يسير.

[7]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووفاته (4193).

[8]. فقه السيرة، د. محمد سعيد رمضان  البوطي، مكتبة الدعوة الإسلامية، مصر، ط7، 1398هـ/ 1978م، ص352.

[9]. الأبهر: وريد متصل بالقلب يحمل إليه الدم.

[10]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووفاته (4165).

[11]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث أم مسلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (26770)، والبخاري في الأدب المفرد، كتاب الخدم والمماليك، باب حسن الملكة (158)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (868).

[12]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووفاته (4184).

[13]. الرحيق المختوم، المباركفوري، دار المؤيد، الرياض، 1418هـ/ 1998م، ص468، 469.

[14]. فقه السيرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الدعوة الإسلامية، مصر، ط7، 1398هـ/ 1978م، ص 353.

[15]. عقر: بقي مكانه لم يتقدم أو يتأخر لفزع أصابه.

[16]. تقلني: تحملني.

[17]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب مرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووفاته (4187).

[18]. سحولية: السحل: ثوب أبيض رقيق.

[19]. الكرسف: القطن.

[20]. الأرسال: الجماعات.

[21]. المساحي: الفئوس.

[22]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الجنائز، باب ذكر وفاته صلى الله عليه وسلم (1628)، وأبو يعلى في مسنده، مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه (23)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5670).

[23]. الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري، دار المؤيد، الرياض، 1418هـ/ 1998م، ص 471، 472 بتصرف يسير.

[24]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع أو وارأساه أو اشتد بي الوجع (5342).

[25]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب وضع اليد على المريض (5336)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك (6724).

[26]. فقه السيرة، د. محمد سعيد رمضان البوطي، مكتبة الدعوة الإسلامية، مصر، ط7، 1398هـ/ 1978م، ص 352: 354.

[27]. الحلال والحرام في الإسلام، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، مصر، ط16، 1405هـ/ 1985م، ص22، 23.

[28]. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار الفكر، بيروت، ط2، د. ت، ج2، ص 321، 322 بتصرف يسير.

[29]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، مصر، ط13، 1407هـ/ 1987م، ج2، ص975.

[30]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام (5339).

[31]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمرو (6558)، وابن ماجه في سننه، كتاب الأشربة، باب ما أسكر كثيرة فقليله حرام (3393)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5530).

[32]. معتصرها: طالب عصرها.

[33]. حسن صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب (4787)، والترمذي في سننه، كتاب البيوع، باب النهي أن يتخذ الخمر خلا (1295)، وقال عنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن صحيح (2357).

[34]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند جابر بن عبد الله (14692)، والنسائي في سننه الكبرى كتاب آداب الأكل، النهي عن الجلوس على مائدة يدار عليها الخمر (6741)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2360).

[35]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب تحريم التداوي بالخمر (5256).

[36]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427هـ/ 2006م، ص 649.

[37]. رد افتراءات المنصرين حول الإسلام العظيم، مركز التنوير الإسلامي، مصر، 2008م، ص141، 142 بتصرف يسير.

 

  • الخميس PM 09:52
    2020-09-17
  • 1482
Powered by: GateGold