المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409110
يتصفح الموقع حاليا : 348

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء وجود صراع بين إسماعيل وإسحاق عليهما السلام

ادعاء وجود صراع بين إسماعيل وإسحاق عليهما السلام(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - كانا في صراع دائم، وكان يحسد كل منهما الآخر على ما آتاه الله - عز وجل - من فضله، ويتمنى أن يعلو المنازل[1]على حساب أخيه، وهذا حسبما ورد في الكتاب المقدس، هادفين من وراء ذلك إلى تكريس حالة الصراع بين العرب واليهود بتأصيلها تاريخيا.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  الكتاب المقدس - بعد ثبوت تحريفه - ليس مصدرا موثقا ولا يعتمد عليه في نقل الأخبار ولا تؤخذ منه الأحكام.

2) ليس غريبا على الكتاب المقدس أن يصف إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - على هذا النحو الشائن، فقد فعلوا أكثر من هذا في حق الله - عز وجل - وفي حق أنبيائه عليهم السلام.

3)  أخبار الأنبياء وأخلاقهم لا تؤخذ إلا من الكتاب المعصوم، وهو القرآن الكريم الذي يصفهم بما يليق بعصمتهم.

التفصيل:

أولا. الكتاب المقدس - بعد ثبوت تحريفه - ليس مصدر ثقة ولا يعتمد عليه في نقل الأخبار ولا تؤخذ منه الأحكام:

لقد أخبر الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز عن تحريف أهل الكتاب لكتابهم فقال سبحانه وتعالى: )يحرفون الكلم عن مواضعه( (النساء: 46)، وقال أيضا: )فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله( (البقرة: 79). والآيات على ذلك كثيرة، هذا وقد أثبتت الدراسات العلمية المحايدة أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد كتاب محرف، وليس هو المنزل من عند الله - عز وجل - بعدما لعبت به أيدي البشر وعبثت به أقلامهم؛ فانتقصوا منه وزادوا عليه ما ليس منه، وغيروا وبدلوا حسبما أملته عليهم أهواؤهم.

فلقد تعرضت التوراة إلى عمليات سطو[2] من قراصنة اليهود، وإلى عوامل بتر[3] بشرية وعوامل تغيير جسيمة[4] وخطيرة للغاية، كما تعرضت في إعادة التدوين إلى اللامبالاة وإضافات توحي بمذاهب وعقائد المحررين والنساخ...، وأخيرا شهدت المجامع المسكونية موجة رهيبة لتدوين المخطوطات المقدسة، والأدلة كثيرة على ما أصابها من تحوير وتنقيح وزيادة ونقص وحذف وإقحام، فكانت هذه البصمات البشرية في تدوين الكتاب المقدس غشاوة سميكة تخفي الحقيقة.

يقول cutkuhl في كتابه "The old testament: its original composition, London, 1061 pp 47, 51 52": إن الكتاب المقدس المتداول حاليا لا يحتوي على التوراة والإنجيل المنزلين من الله، ولقد اعترف علماء وباحثون باللمسات البشرية في إعداد هذا الكتاب... [5]، ونشرت مجلة "لوك" مقالة بعنوان "الحقيقة عن الكتاب المقدس" وكتب على الغلاف "خمسون ألف خطأ في الكتاب المقدس"، وهذه المقالة بالنص عن مجلة Awake عدد 8 سبتمبر 1957م، وقد جاء فيها أنه في عام 1920م قامت هيئة من الخبراء الإنجليز بتقدير عدد الأخطاء في الكتاب المقدس، وأثبتت أنها تصل إلى خمسين ألف خطأ، وذلك بعد عكوف الدارسين على الدراسة الجادة للمخطوطات القديمة[6].

وبناء عليه فليس الكتاب المقدس مصدر ثقة، ولا يعتمد عليه في نقل أي أخبار، خاصة إذا تعارضت مع القرآن الكريم.

ثانيا. ليس غريبا على الكتاب المقدس أن يصف إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - على هذا النحو الشائن، فقد فعلوا مثل هذا في حق الله - عز وجل - وأنبيائه:

لقد حوى الكتاب المقدس بعض الصفات التي لا تليق بالله ولا برسله ولا بملائكته، فلقد وصفوا الرب بأنه يغفل وينام وينسى ويندم على خلق الإنسان، بل يصارعه يعقوب ويغلبه ولا يفكه إلا بعد أن يباركه.... وأوصاف عديدة لا تليق بالله تعالى يصفون بها إلههم - سبحانه وتعالى - عما يقولون علوا كبيرا - ولكن المجال لا يتسع لذكر ذلك، غير أننا نود الإشارة السريعة إلى أخلاق الأنبياء وصفاتهم - حسب زعمهم الباطل - في كتابهم المحرف، حيث نجد أنبياء الكتاب المقدس عبارة عن مجرمين وسفاحين وقتلة وزناة وخونة ولصوص!!

وإن تعجب من أمر، فما أعجب من قصص وقصاص التوراة، الذين أطلقوا العنان لخيالهم المريض، وأفكارهم الخبيثة، التي تبث[7] سمومها وأمراضها على صفحات كتاب يفترض أن يكون مقدسا، ولا ندري مصدر القداسة في هذه القصص القبيحة، أو الحكايات الأسطورية الفاضحة، أو الخيالات الماجنة [8] عن أشخاص أكمل الله لهم الخلق والخلق، وجعلهم للناس قادة وللبشر سادة، فما بال هؤلاء القوم يجعلون منهم أضحوكة الأجيال إلى الحد الذي دعا مؤلفو قاموس الكتاب المقدس إلى أن يقولوا: وقد ارتكب داود خطيئته الشنيعة ضد أوريا الحثي - حيث قتله غدرا لتحل له امرأته - أثناء حربه مع العمونيين، وقد وبخه النبي ناثان على هذه الخطيئة، بل أعلن لهم العقاب السماوي الذي يحل به، وحتى بعد أن أعلن داود توبته فلم تكن توبته كاملة، وإنما خفضت ذنبه إلى حد ما. يقول المؤرخ ليوتاكسل في كتابه "التوراة": "وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم. وكانت المرأة جميلة المنظر جدا. فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: "أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي؟" فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه، فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها. ثم رجعت إلى بيتها. وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت: "إني حبلى". فأرسل داود إلى يوآب يقول: "أرسل إلي أوريا الحثي". فأرسل يوآب أوريا إلى داود". (صموائيل 11: 2 - 6).

وتذكر التوراة كذلك أن لوطا زنا بابنتيه، فحملنا منه سفاحا، وذلك بعد أن لعب الخمر برأسه، وسلبه عقله ورشده.

ويكمل ليوتاكسل شرح النص فيقول: أما تقديم لوط ابنتيه البريئتين بدلا من الملاكين أو الإلهين، فهو أمر أكثر خسة[9] وإثارة للاشمئزاز[10]، فكل ما في هذه الرواية يدل على دناءة هذا القديس. فهل زنا داود بزوجة القائد أوريا، وجره عشقه لها وهيامه بها أن دفع زوجها إلى الجيش حتى قتل غدرا بوشية من داود إلى أحد قادته في جيش أوريا[11]؟! إلى غير هذا من الافتراءات التي افتراها هؤلاء على أنبياء الله تعالى. هل يقبل هذا عقل سليم؟ ألا ينكر هذا على غير الأنبياء؟ فما بالنا بصفوة الخلق؟!

أما وصف الكتاب المقدس لإسماعيل - عليه السلام - فيقول: "إنه يكون إنسانا وحشيا. يده على كل واحد ويد كل واحد عليه". (التكوين: 16: 12).

فهكذا تصف التوراة إسماعيل - عليه السلام - بالوحشية والغلظة التي لا تليق به كنبي كما أخبر القرآن الكريم عنه.

وبمثل ما وصف الكتاب المقدس إسماعيل فقد وصف إسحاق عليهما السلام يقول: "فقدم له فأكل. وأحضر له خمرا فشرب". (التكوين 27: 25).

فهي تصف إسحاق - عليه السلام - بأنه بعدما قدم له ابنه الطعام شرب الخمر، وهذا يخالف - أيضا - ما جاء في القرآن من صفات إسحاق - عليه السلام - فما كان ليشرب شيئا حرمه الله عليه.

إن وصف الكتب المقدسة للأنبياء وصفا تنكره الفطرة السليمة، إذ راح هؤلاء الفاسقون يصفون الأنبياء بأوصاف قبيحة، ويتجرءون عليهم بما لا يليق بالبشر العاديين، فضلا عن الأنبياء، وما كان عليه إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - من الصدق، والإخلاص، والأمانة والصلاح، والتقى وحب الآخرين، وحسن الخلق، والعشرة، والحلم، والعلم، يتنافى مع كونهما يتصارعان غيرة من بعضهما البعض، فالمؤمنون - لا سيما الأنبياء منهم - يمتازون بصفاء القلب، وسلامة الضمير، ونقاء الفكر، ويتصفون بكل الصفات الحميدة التي تؤهلهم ليكونوا دعاة إلى الله يجمعون شمل الناس حولهم، ويوحدون صفهم؛ ليكونوا يدا واحدة. وصدق ربنا لما قال في صفات أحبائه: )إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص (4)( (الصف)، وقال - عز وجل - عن إسماعيل وإسحاق: )وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين (113)( (الصافات).

وليس من العدل ولا من الإنصاف أن يأتي المدعون، وينسبون إلى هذين النبيين الكريمين التشاجر[12] والضغينة[13]؛ ليثبتوا أن العداوة بين العرب واليهود قديمة متأصلة. وإنما نبع هذا الاتهام من فهم المدعين للنبوة وبنظرتهم إلى الأنبياء فالنبوة في التوراة - وكذا في الإنجيل - نبوة كهانة، وعرافة، ورؤى، وأحلام، وتنجيم، ونبوة شعر، وخطابة، ونبوة تهويمات، وتـمويه[14]؛ بل نبوة شعوذة ودجل، وكذب، ونبوة افتراء، وتقول على الله[15].

فإن كان هذا تصورهم للنبوة والأنبياء، فلا غرابة أن يصفوا إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - بالصراع الدائم، وإن لم يفصحوا لنا عن أسباب هذا الصراع، وعلى أي شيء كان.

ولو أن هؤلاء الزاعمين احتكموا إلى تصور الإسلام للنبوة والأنبياء لما اجترءوا على هذين النبيين الكريمين بهذا الوصف.

فالأنبياء في الإسلام أصحاب رسالة واحدة، هي البلاغ لكل ما جاء من عند الله، والدعوة إلى الحق والخير، وأهل الحق لا يتصارعون، ولا يتنازعون، بل يتعاونون ويتكاملون، ويعضد بعضهم بعضا.

ولم يقدم لنا القرآن الكريم صورة واحدة لنبيين متعاصرين يتصارعان، بل قدم لنا صورا لأنبياء عاشوا في عصر واحد فتعاونوا على أداء رسالة الله، التي كلفوا ببلاغها والجهاد في سبيل إعلائها، مثل هارون وموسى، ولوط مع إبراهيم، ومثل ما جاء في السنة عن يحيى وعيسى - عليهم السلام جميعا -، ولم يكن للأنبياء طموحات دنيوية كما تصور التوراة الأنبياء، حتى ينشب بينهم صراع حولها، بل أخلصوا للحق دعوة واتباعا، فهم عباد الله المخلصون وقد وصف الله إسماعيل - عليه السلام - بالحلم: )فبشرناه بغلام حليم (101)( (الصافات)، ووصف إسحاق - عليه السلام - بالعلم: )فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم (28)( (الذاريات).

ثالثا. أخبار الأنبياء وأخلاقهم لا تؤخذ إلا من الكتاب المعصوم وهو القرآن الكريم الذي يصفهم بما يليق بعصمتهم:

لقد وصف القرآن الكريم الأنبياء الأبرار الأطهار بالصفات التي تليق بهم، وجعل الإيمان بهم وبرسالتهم من شعب الإيمان الأصيلة، فمن الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، والتي يكفر منكرها، أن صفات جميع الأنبياء والرسل من: كمال الخلق، وحسن الخلق، وجمال الصورة، وشرف النسب، وقوة العقل، وصحة الفهم، وفصاحة اللسان، وقوة الحواس، وعزة القوم، وكرم المنبت[16]... إلخ - من المعلوم أن مثل هذه الأوصاف مما أفاء الله - سبحانه وتعالى - عليهم به معونة لهم على مهمتهم وتعريفا بمكانتهم؛ إذ إن رتبتهم أشرف الرتب ودرجاتهم أرفع الدرجات، ويستحيل أن يتصفوا بضد هذه الصفات، أو ببعضها مما يتنافى مع الاصطفاء والاجتباء والاختيار.

يقول الله سبحانه وتعالى: )الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير (75)( (الحج) )إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (33) ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم (34)( (آل عمران)، وعرفنا بمقامهم الكريم عنده فقال سبحانه وتعالى: )وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47)( (ص)، ويكفيهم شرفا ويزيدهم كرما قول الله سبحانه وتعالى عنهم: )ولقد اخترناهم على علم على العالمين (32)( (الدخان)، وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله تعالى من بعده - أي لوط - عليه السلام - ـ نبيا إلا في ذروة من قومه»[17] [18]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما بعث الله تعالى نبيا إلا حسن الوجه وحسن الصوت، وكان نبيكم حسن الصوت وكان لا يرجع»[19] [20].

كل هذه الصفات وغيرها من صفات أنبياء الله تعالى، وردت في القرآن والسنة الصحيحة، وهي صفات إجلال وإكرام، وفيما يلي بعض صفات نبي الله إسماعيل وإسحاق - عليهما السلام - التي جاءت في القرآن الكريم:

  1. أخلاق إسماعيل - عليه السلام - تنفي ما يدعون:

دعا الله تعالى إسماعيل - عليه السلام - بعشرين صفة في القرآن الكريم فهو: الغلام، والعليم، والحليم، والمسلم، والمستسلم، والآمر، والصابر، والمرضى، وصادق الوعد، والرسول، والنبي، والمذكور، والذبيح، والمطهر، والرافع، والمفضل على العالمين، والموهوب، والبار، والمصطفى من ولد إبراهيم - عليه السلام - قال سبحانه وتعالى: )وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين (86)( (الأنعام)، وقد ذكر في القرآن في اثني عشر موضعا[21].

وكان إسماعيل - عليه السلام - مطيعا لأبيه، منفذا لوصاياه، صابرا محتسبا راضيا بقضاء الله مسلما بقدره، فعندما أخبره أبوه أنه رأى في المنام أنه يذبحه فأجابه: )قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين (102)( (الصافات)، وكان إسماعيل - عليه السلام - رجلا صالحا تقيا ورعا، يأمر أهله بعبادة الله من صلاة وزكاة وصوم وحج إلى شكر نعم الله، وإلى الصبر على الشدائد، وتحمل المكاره؛ فكان عند ربه مرضيا وعند الناس مطاعا[22]. وكان سيدنا إسماعيل - عليه السلام - فصيحا حتى في أسلوبه ولغته. فكانت اللغة العربية من قبله يتحدث بها كلغة تفاهم، فطوعها سيدنا إسماعيل - عليه السلام - للشاعرية والخيال، وللكناية والمجاز، ولذلك يقولون: إنه أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، ويقولون: إنه أول من تكلم العربية البينة.

ولعل مما يرجع إلى شهامته، ونبل أخلاقه، هذه الصفة الكريمة التي تحلى بها طيلة حياته، والتي هي من أخص خصائص الرجولة الحقة، ألا وهي صدق الوعد؛ يقول سبحانه وتعالى: )واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا (54)( (مريم)، ثم يذكر الله تعالى عملين لهما مغزاهما العميق، فيقول عز من قال: )وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا (55)( (مريم) لقد كان يتحلى بالصلاة ويأمر بها أهله، ويتحلى بالزكاة ويأمر بها أهله، أي أنه كان حريصا على حسن صلته بالمجتمع ومظهر ذلك الزكاة، والزكاة هنا معناها: البذل والتضحية في سبيل الله في أعم صورة وأوسع نطاق[23].

لقد كان حسن الصلة بالله، حسن الصلة بالمجتمع، ومن أجل ذلك عقب الله تعالى على صفاته وأعماله بقوله سبحانه وتعالى: )وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا (55)( (مريم).

  1. إسحاق - عليه السلام - في القرآن الكريم:

من يقرأ الآيات التي تحدثت عن إسحاق - عليه السلام - يجد أن الله تعالى وصفه بالعديد من الصفات الحميدة، منها: الموهوب، والمبارك، والمبشر به، والنافلة، والمهدي، والموحى إليه، والبشرى، قال سبحانه وتعالى: )وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين (113)( (الصافات) [24].

ويبين القرآن أخلاق سيدنا إسحاق - عليه السلام - من خلال قصته في القرآن الكريم:

فقد كان رجلا صالحا صادقا مباركا لقوله سبحانه وتعالى: )وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين (113)( (الصافات)، وقوله سبحانه وتعالى: )وكلا جعلنا نبيا (49) ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا (50)( (مريم).

وكان حليما عليما فقال لابنه العيص حينما غضب على أخيه يعقوب لفوزه بدعوة أبيه إسحاق وتهديده له بالقتل: "يا بني لا تغضب، فقد بقيت لك عندي دعوة فهلم[25] أدع لك بها فتقدم إليه ودعا له بها"[26].

هل بعد ذلك العرض لأخلاق وصفات هذين النبيين يأتي متوهم ويقول بأنهما كانا يتصارعان ويتناضلان.

وبناء عليه فإن أنبياء الله أبعد ما يكونون عن هذه الأخلاق الذميمة أو ذلك الصراع البغيض، فهم أناس أصحاب رسالة سامية راقية وقد عصمهم الله - سبحانه وتعالى - من كيد إبليس ووساوسه في قلوبهم وعقولهم، ولكن هذه الأفكار القبيحة من اختراع اليهود، يريدون من ورائها تأصيل العداوة بينهم وبين المسلمين؛ ليصلوا إلى أهدافهم الخبيثة ومراميهم البغيضة التي وجدوها في كتبهم المحرفة.

الخلاصة:

  • أخبرنا الله - سبحانه وتعالى - في القرآن الكريم عن تحريف أهل الكتاب لكتبهم في غير ما آية من كتاب الله - عز وجل - وقد أكد ذلك ما توصل إليه بعض علماء الغرب في العصر الحديث، حيث وجدوا أن الكتاب المقدس يحتوي على أكثر من خمسين ألف خطأ ومن ثم فلا يصح أن نثق في أخبار الكتاب المقدس ولا في أحكامه.

فإذا ثبت تحريف الكتاب المقدس باعتراف من يدينون به، فلا غرابة أن نجد مثل هذه الأوصاف التي لا تليق بهذين النبيين العظيمين، فقد تعدوا ذلك بمراحل فوصفوا الله - سبحانه وتعالى - بصفات لا تليق ببشر عادي، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ووصفوا أيضا ملائكته الأبرار الأطهار بصفات لا تليق بهم، وهاهم يصفون أنبياء الله ورسله بصفات قبيحة من غل وحقد وزنا وعشق وشدة ووحشية لا تليق بهم كأصحاب رسالات ودعوات.

  • ولذلك فإن أخلاق الأنبياء وصفاتهم ومكانتهم ومنزلتهم عند الله - سبحانه وتعالى - لا تؤخذ إلا من القرآن الكريم الذي تعهد الله بحفظه، وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم وجدنا أنه يصف جميع الأنبياء بصفات الجلال والعظمة والتواضع، وحسن الخلق وكماله، ومن هؤلاء الأنبياء الذين وصفهم بهذه الصفات إسماعيل وإسحاق عليهما السلام. فإسماعيل - عليه السلام - وصفه الله بأنه كان صادق الوعد، وبأنه كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان عند الله مرضيا, وإسحاق - عليه السلام - وصفه الله بأنه كان رجلا صالحا حليما عليما رحيما كما أخبر عنه القرآن.
  • إن فكرة الصراع التي اخترعها اليهود لتأصيل العداوة بينهم وبين المسلمين، والتي أخذوها من كتبهم المحرفة ليس لها وجود أصلا، ولا تليق أن تكون بين نبيين عظيمين من أمثال إسماعيل وإسحاق.

 

 

(*) موجز دائرة المعارف الإسلامية، فريق بحث من المستشرقين، ترجمة نخبة من الأساتذة، مركز الشارقة للإبداع الفكري، الشارقة، 1418هـ/ 1998م.

[1]. المنازل: المناصب.

[2]. السطو: الاستيلاء والسرقة.

[3]. البتر: النقص والتغيير.

[4]. الجسيمة: الكبيرة بشكل مهول.

[5]. محمد والأنبياء في المصادر اليهودية والمسيحية، السيد سلامة غنمي، مطابع الوليد، مصر، 2003م، ص13، 14 بتصرف يسير.

[6]. مؤلفات أحمد ديدات: المجموعة الثالثة، الشيخ أحمد ديدات، ترجمة: محمد مختار، رمضان الصفناوي، علي عثمان، مطبعة كتاب المختار، القاهرة، د. ت، ص5 بتصرف.

[7]. تبث: تنشر.

[8]. الماجنة: المازحة التي تخلط الجد بالهزل.

[9]. الخسة: الحقارة والدناءة.

[10]. الاشمئزاز: الضيق بالأمر والنفور منه.

[11]. محمد والأنبياء في المصادر اليهودية والمسيحية، السيد سلامة غنمي، مطابع الوليد، مصر، 2003م، ص30: 33 بتصرف.

[12]. التشاجر: التنازع والتخالف.

[13]. الضغينة: الحقد الشديد.

[14]. التمويه: الزخرفة وخلط الحق بالباطل.

[15]. الإسلام في مواجهة الاستشراق العالمي، عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، د. ت، ص198.

[16]. كرم المنبت: أصالة النبت وشرفه.

[17]. الذروة من قومه: من أعلاهم وأحسنهم نسبا.

[18]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب سورة يوسف (3116)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1686).

[19]. صحيح: أخرجه الترمذي في الشمائل المحمدية، باب ما جاء في قراءة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (321)، وصححه الألباني في مختصر الشمائل (274).

[20]. محمد والأنبياء في المصادر اليهودية والمسيحية، السيد سلامة غنمي، مطابع الوليد، مصر، 2003م، ص36، 37 بتصرف.

[21]. محمد والأنبياء في المصادر اليهودية والمسيحية، السيد سلامة غنمي، مطابع الوليد، مصر، 2003م، ص40، 41 بتصرف يسير.

[22]. حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص111 بتصرف.

[23]. مع الأنبياء والرسل، د. عبد الحليم محمود، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1990م، ص197، 198.

[24]. محمد والأنبياء في المصادر اليهودية والمسيحية، السيد سلامة غنمي، مطابع الوليد، مصر، 2003م، ص41 بتصرف يسير.

[25]. هلم: تعال.

[26]. حياة وأخلاق الأنبياء، د. أحمد الصباحي عوض الله، مكتبة مدبولي، القاهرة، دار اقرأ، بيروت، ط1، 1403هـ/ 1983م، ص15 بتصرف يسير.

 

  • الثلاثاء PM 02:18
    2020-09-08
  • 1213
Powered by: GateGold