المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412287
يتصفح الموقع حاليا : 369

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى أن القرآن الكريم جمع اسم علم يجب إفراده تكلفا للسجع

                دعوى أن القرآن الكريم جمع اسم علم يجب إفراده تكلفا للسجع(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الواهمين أن القرآن الكريم قد جانب الصواب في استعمال "إلياسين" بدلا من "إلياس" في قوله عز وجل: )سلام على إل ياسين (130)( (الصافات)، بعد قوله عز وجل: )وإن إلياس لمن المرسلين (123)( (الصافات)؛ لأن "إلياسين" جمع مذكر لـ "إلياس"، وذلك من أجل السجع المتكلف**.

وجها إبطال الشبهة:

الأصل فيما كان آخره ياء ونونا أنه جمع مذكر، لكن إذا نظرنا في الآية الكريمة: )سلام على إل ياسين (130)( (الصافات)، قد يتوهم خطأ القرآن في جمع اسم علم يجب إفراده، والصواب كما يرى هؤلاء أن يقال: "سلام على إلياس"، وهذا التوهم مردود عليه من وجهين:

1) "إلياس" هو "إيليا" أحد أنبياء بني إسرائيل المذكور في سفر الملوك الأول، وربما زيادة الياء والنون له معنى في اللغة السريانية، وقيل: إن "إلياسين " لغة في "إلياس".

2) على الفرض - جدلا - أن "إلياسين" جمع، فإن المراد بها "إلياس" ومن آمن به من قومه، كما نقول: "المحمدون والمهلبون"، أي: تسمية الأتباع باسم المتبوع.

التفصيل:

أولا. "إلياس" هو "إيلياء" من أنبياء بني إسرائيل التابعين لشريعة التوراة، وقد أمر من جانب الله - عز وجل - بتبليغ ملوك إسرائيل غضب الله عليهم من أجل عبادة الأصنام، فإطلاق وصف الرسول عليه مثل إطلاقه على الرسل إلى أهل أنطاكية المذكورين في سورة يس.

وقرأ الجمهور" إلياس" بهمزة قطع في أوله، على اعتبار الألف واللام من جملة الاسم العلم، فلم يحذفوا الهمزة إذا وصلوا "إن" بها، وقرأه ابن عامر بهمزة وصل فحذفها في الوصل مع "إن" على اعتبار أن الألف واللام للمح الأصل[1]، أي: لمعرفة الأصل، وأن أصل الاسم "ياس" مراعاة؛ )سلام على إل ياسين(.

وللعرب في النطق بالأسماء الأعجمية تصرفات كثيرة؛ لأنه ليس من لغتهم، فهم يتصرفون في النطق به على ما يناسب أبنية كلامهم.

وذكر الزمخشري في الكشاف: أن لزيادة الياء والنون في لغتهم معنى، ويكون ذكر "إل" إقحاما؛ كقوله: )أدخلوا آل فرعون أشد العذاب (46)( (غافر) [2].

ومما يقوي ما سبق ويؤيده أن "إلياسين" هو "إلياس"، ولا يصح أن يكون جمعا له، لا من ناحية أسلوب السياق في السورة، ولا من ناحية الاستعمال العربي.

فأما من ناحية أسلوب السياق: فإن قصص المذكورين من الرسل قبل إلياس، يقضي بأن السلام المنتهى به في قصته عليه لا على آله، نظير السلام المختوم به قصة كل من: نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى وهارون - عليهم السلام -، وهؤلاء قد أعيد ذكرهم بأعلامهم دون تغيير فيها، وقد تقدم في كلام الطبري ما فيه مقنع.

وأما من ناحية الاستعمال: فإن اللغة العربية تقضي في جمع العلم تعريفه بـ "أل"، فكان من اللازم أن يقال: "سلام على الإلياسين"؛ لأن العلم إذا جمع وجب تعريفه بـ "أل" بعد الجمعية - أي: استعماله جمعا - جبرا؛ لما فاته من العلمية عندها لوجوب تنكيره حينها، وكذا قالوا: إذا ثني العلم وجب في مثناه التعريف بـ "أل" مثل هذا تماما، قال الزمخشري: وكل مثنى أو مجموع من الأعلام فتعريفه بـ "اللام" إلا نحو: "أبانين، وعماتين، وعرفات، وأذرعات"، قال الشاعر:

وقبلي مات الخالدان كلاهما

عميد بني جحوان وابن المضلل

ثانيا. قوله: )إل ياسين( قيل: أريد به "إلياس" خاصة، وعبر عنه بـ "ياسين"؛ لأنه يدعى به. وقيل: إن "ياسين" هو أبو إلياس، فالمراد: سلام على إلياس وذويه من آل أبيه. وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب "ءال ياسين" بهمزة بعدها ألف على أنهما كلمتان "ءال" و "ياسين"[3]، وقرأ الباقون: بهمزة مكسورة دون ألف بعدها، وبإسكان اللام على أنها كلمة واحدة هي اسم "إلياس"، وهي مرسومة في المصاحف كلها على قطعتين "إل ياسين".

ولا منافاة بينها وبين القراءتين؛ لأن"آل" قد ترسم مفصولة عن مدخولها، والأظهر - على هذه القراءة - أن المراد بـ "آل ياسين": أنصاره الذين اتبعوه وأعانوه، و "آل إلياس" هم: أهل جبل الكرمل الذين استنجدهم إلياس على "سدنة بعل"، فأطاعوه وأنجدوه، وذبحوا "سدنة بعل" كما هو موصوف بإسهاب في الإصحاح الثامن عشر من سفر الملوك الأول، فيكون المعنى: "سلام على ياسين وآله"؛ لأنه إذا حصلت لهم الكرامة لكونهم آله فهو بالكرامة أولى[4].

الأسرار البلاغية في الآية:

  • ابتدأ الكلام عن "إلياس" بقوله: )وإن إلياس لمن المرسلين (123)( (الصافات)؛ لأنه ومن بعده سواء في مرتبة الدعوة إلى دين الله، وفي أنهم لا شرائع لهم، وتأكيد إرسالهم بحرف التأكيد للاهتمام بالخبر؛ لأنه قد يغفل عنه إذ لم تكن لهؤلاء الثلاثة "إلياس، لوط، يونس" شريعة خاصة[5].
  • في هذه الآية روعيت الفاصلة، كما نلاحظ إيقاعها الموسيقي في إرجاع اسم إلياس بصيغة "إلياسين" على طريقة القرآن في ملاحظة تناسق الإيقاع في التعبير[6].

جاء في زاد المسير[7] في قوله عز وجل: )سلام على إل ياسين( أنها قرئت بالفصل، كما قرئت أيضا بالوصل، وهنا اختلاف في قراءة الآية يؤدي إلى معان شتى؛ مما يدل على روعة السياق، ونوضح ذلك من خلال ما يلي:

o      الوصل: وقد قرأ ابن كثير وعاصم "سلام على إلياسين"، وفيها قولان:

v     أحدهما: أنها جمع لهذا النبي وأمته المؤمنين به.

v     الثاني: أنه اسم للنبي وحده، وهو اسم عبراني.

o      الفصل: وقد قرأ بها نافع وابن عامر ويعقوب "آل ياسين"، فجعلاها: كلمتين. وفيها قولان:

v  أحدهما: أنهم آل هذا النبي المذكور وهو يدخل فيهم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» [8]، فهو داخل فيهم؛ لأنه هو المراد بالدعاء.

v     الثاني: أنهم آل محمد صلى الله عليه وسلم.

وبذلك يتضح أنه لا أساس لما يدعيه المدعون.

 

(*) عصمة القرآن وجهالات المبشرين، إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، مصر، 2004م . الأخطاء اللغوية في القرآن، إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، مصر، د. ت.

www.ibnmaryam.com. www.islamayat.com.

[1]. النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، د. ت، ج2، ص357.

[2]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ت، ج3، ص352.

[3]. النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، د. ت، ج2، ص360.

[4]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج11، ج23، ص170.

[5]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج3، ج23، ص165، 166.

[6]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407 هـ/ 1987م، ج5، ص2998.

[7]. زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، 1404هـ، عند تفسير الآية.

[8]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (1426)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقته (2544).

  • الاثنين PM 03:46
    2020-09-07
  • 1347
Powered by: GateGold