المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413351
يتصفح الموقع حاليا : 201

البحث

البحث

عرض المادة

توهم عدم المطابقة في القرآن الكريم بين الصفة والموصوف في العدد

             توهم عدم المطابقة في القرآن الكريم بين الصفة والموصوف في العدد(*)

مضمون الشبهة:

يظن بعض المتوهمين أن في قوله عز وجل: )وأزواج مطهرة( (آل عمران: ١٥) خطأ؛ حيث جاء الوصف مطهرة مفردا مع أن الموصوف أزواج، وهو جمع، والصواب في ظنهم أن يقال: "مطهرات"؛ حتى تحصل المطابقة بين الصفة والموصوف في العدد**.

وجه إبطال الشبهة:

الأصل في الصفة أن تطابق موصوفها في عدده: المفرد أو المثنى أو الجمع، وغيـر المتأمـل لقولــه ـ عز وجل ـ: )وأزواج مطهرة( يظن أن فيه تناقضا واضطرابا؛ حيث جاءت الصفة مفردة مع الموصوف الجمع، وهذا في زعمهم مخالف لقواعد اللغة، وكان الصواب في زعمهم أن يقال: "وأزواج مطهرات"، وهذا الزعم باطل مردود؛ وذلك أن جمع التكسير يجوز وصفه والإخبار عنه بالمفرد والجمع، فتقول: القرون الأولى، والقرون الأوليات، والقرون الأول؛ وعلى أساس هذه القاعدة فإن كلمة "أزواج" جمع تكسير للمؤنث العاقل، فيجوز في وصفه الإفراد والجمع؛ فنقول: "أزواج مطهرة"، و "أزواج مطهرات"[1]، وكلا الاستعمالين صحيح فصيح، ولكن التعبير القرآني آثر لفظ مطهرة؛ لأنه أبلغ.

التفصيل:

جمع التكسير يجوز وصفه والإخبار عنه بالمفرد والجمع؛ فنقول: القرون الأولى، والقرون الأوليات، والقرون الأول؛ وعلى أساس هذه القاعدة فإن لفظ "أزواج" جمع تكسير يجوز وصفه بالمفرد فنقول: أزواج مطهرة، ويجوز وصفه بالجمع فنقول: أزواج مطهرات، ولكن القرآن آثر لفظ "مطهرة"؛ لأنه أبلغ في وصف الجمع وأكمل.

وقد جاء في التحرير والتنوير: وقوله "مطهرة" كان الظاهر أن يقال: "مطهرات" كما قرئ بذلك،[2] ولكن العرب تعدل عن الجمع مع التأنيث كثيرا لثقلهما؛ لأن التأنيث خلاف المألوف، والجمع كذلك، فإذا اجتمعا تفادوا عن الجمع بالإفراد، وهو كثير شائع في كلامهم لا يحتاج للاستشهاد[3].

وجمع التكسير الدال على العقلاء يجوز وصفه أيضا بالمفرد المؤنث، ويجوز وصفه بالجمع، كما في الآية: )وأزواج مطهرة(، ويجوز في غير القرآن: "مطهرات"[4]، وقال القرطبي: "مطهرة" نعت لـ "أزواج"، و "مطهرة" في اللغة أصح من طاهرة وأبلغ، ومعنى هذه الطهارة من الحيض والبصاق وسائر أقذار الآدميات[5].

ويعلل أبو حيان لتفضيل صيغة الإفراد بقوله: "ما جاءت به الآية هو أفصح الوجهين في هذا السياق؛ لأن جمع التكسير إذا أريد به الكثرة جاء على صيغة الواحدة، وإذا أريد به القلة جاء على صيغة جمع المؤنث السالم، والآية تصف نعيم الجنة، وقد جاء في الحديث ما يدل على كثرة أزواج الجنة؛ فناسبه أن يأتي بالجمع بلفظ الواحدة للدلالة على الكثرة"[6].

إذن: هاتان الطريقتان في جمع وإفراد الصفة، إذا كان الموصوف جمع تكسير، لغتان فصيحتان.

وقد قرأ زيد بن على "مطهرات" بناء على "طهرن" لا "طهرت" كما في الأولى، ولعلها أولى استعمالا، وإن كان الكل فصيحا؛ لأنهم قالوا: جمع ما لا يعقل إما أن يكون جمع قلة أو كثرة، فإن كان جمع كثرة فمجيء الضمير على حد ضمير الواحدة أولى من مجيئه على حد ضمير الغائبات، وإن كان جمع القلة فالعكس[7].

ووضح ذلك الزمخشري قائلا: فإن قلت فهلا جاءت الصفة مجموعة كما في الموصوف؟ قلت: هما لغتان فصيحتان، يقال: النساء فعلن، وهن فاعلات وفواعل، والنساء فعلت، وهي فاعلة، ومنه بيت الحماسة:

وإذا العذارى بالدخان تقنعت

واستعجلت نصب القدور فملت

والمعنى: "وجماعة أزواج مطهرة"، فإن قلت: هلا قيل: "طاهرة"؟ قيل: عبر القرآن بـ "مطهرة" بدلا من "طاهرة"؛ لأن في "مطهرة" فخامة لصفتهن ليست في "طاهرة"، وهي الإشعار بأن مطهرا طهرهن[8].

الأسرار البلاغية في الآية الكريمة:

في الآية الكريمة استئناف بياني، نشأ عن قوله عز وجل: )زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14)( (آل عمران)، فالمقتضى أن الكلام مسوق مساق الغض من هذه الشهوات، وقد افتتحت الآية بكلمة: قل للاهتمام بالمقول، والمخاطب بـ "قل" هو النبي صلى الله عليه وسلم، والاستفهام في هذه الآية ليس المراد منه الاستفهام الحقيقي وإنما المقصود به التشويق[9]؛ حيث أراد - عز وجل - تهيئة نفوس المخاطبين إلى تلقي ما سيقص عليهم.

وبعد هذا البيان الشافي يتأكد لنا أن ما توهمه هؤلاء الزاعمون باطل مردود عليهم، وأن استخدام كلمة "مطهرة" نعتا لـ "أزواج" موافق للغة العرب الفصحاء، وليس في ذلك أدنى إشكال؛ فلم تزدد الآية في النفوس إلا رسوخا، ولم تزدد القلوب إلا إيمانا وتصديقا بأن هذا الكلام كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب خير المرسلين؛ ليكون هداية ورحمة ونورا للعالمين.

  

 

(*)www.thegodway.com.

[1]. النحو الوافي، عباس حسن، دار المعارف، القاهرة، ط9، د. ت، ج3، ص447.

[2]. قرأ بها زيد بن علي، انظر: الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ت ، ج1، ص262.

[3]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، ج1، ص357.

[4]. إعراب القرآن الكريم وبيانه، محيي الدين الدرويش، دار الإرشاد، دمشق، 1408هـ/ 1988م، ج1، ص66.

[5]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج1، ص241.

[6]. البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، مطابع النصر الحديثة، الرياض، 1954م، ج1، ص117.

[7]. روح المعاني، الألوسي، دار الفكر، بيروت، 1406هـ/ 1987م، عند تفسير الأية.

[8]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ت ، ج1، ص262.

[9]. المعاني في ضوء أساليب القرآن، د. عبد الفتاح لاشين، دار الفكر، القاهرة، 2002م، ص125.

 

  • الاثنين AM 03:38
    2020-09-07
  • 1143
Powered by: GateGold