المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412593
يتصفح الموقع حاليا : 300

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن القرآن الكريم يقوم بتوضيح ما لا يحتاج إلى توضيح

             الزعم أن القرآن الكريم يقوم بتوضيح ما لا يحتاج إلى توضيح (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن القرآن الكريم يأتي بكلمات لا فائدة منها، ومن ذلك قوله عز وجل: )فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة( (البقرة: 196)**، فكلمة "كاملة" لا لزوم لها؛ لأنها في زعمهم توضيح ما لا يحتاج إلى توضيح.

وجوه إبطال الشبهة:

من البلاغة في أساليب اللغة العربية إيثار الإيجاز، والبعد عن الحشو الذي لا يفيد؛ ولذلك كان الإطناب بلا فائدة ترجى أمرا غير مستحب، كما كان الحشو لغوا ممقوتا، وقد زعم بعض المتوهمين أن قوله عز وجل: )فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة(، فيه حشو باستخدام كلمة "كاملة"، حيث جاءت لتوضيح شيء لا يحتاج إلى توضيح، والصواب في زعمهم أن لا يؤتى بالوصف "كاملة" بعد كلمة "عشرة" التي تم بها المعنى.

وهذا زعم باطل من وجوه:

1)  أن العدد "عشرة" من الأعداد التي يجوز وصفها بالكمال، فهو ليس بمركب ولا مكسور[1].

2) أن المراد بكلمة "كاملة" التأكيد على عدم إفادة التخيير بين "ثلاثة" و "سبعة" بل إفادة مجموعهما معا وهو "عشرة كاملة" [2].

3)  قيل: معنى "كاملة": الأمر بإكمالها وإتمامها، فهي خبر في معنى الأمر[3].

4) وقيل: المراد من "كاملة": الدلالة على كمال هذه العبادة، وأنها لن تنقص بترك الهدي والاستعاضة عنه بالصيام[4].

5)  وقيل: "كاملة" ذكرت على وجه التوكيد، والتوكيد أسلوب عربي يفيد تقرير الحكم في الذهن مرتين[5].

التفصيل:

أولا. إن العدد "عشرة" من الأعداد الموصوفة بالكمال، فمراتب الأعداد أربعة: آحاد، وعشرات، ومئات، وألوف، وما وراء ذلك فإما أن يكون مركبا أو مكسورا.

وكون "العشرة" عددا موصوفا بالكمال أمر يحتاج إلى التوضيح، الذي مفاده أن العدد "عشرة" من الأعداد الكاملة، التي تخلو من الكسر والتركيب. ومن ثم فإن إضافة "كاملة" في السياق ليست إضافة لا لزوم لها كما يدعى؛ بل تزيد في موضعها المعنى توكيدا.

ثانيا. إن المراد بكلمة "كاملة" التأكيد على عدم إفادة التخيير؛ فمعروف أن "ثلاثة" و "سبعة" تساوي "عشرة"؛ وذلك حتى لا يظن الناس أن المقصود: إما صوم ثلاثة أيام، وإما سبعة أيام، لذلك قال: "عشرة كاملة" حتى لا يلتبس الفهم[6]فأزال احتمال التخيير؛ لأن الواو قد تقوم مقام أو، ومنه )فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع( (النساء: ٣).

وقال الزمخشري: "الواو قد تجيء للإباحة في قولك: "جالس الحسن وابن سيرين"، ألا ترى أنه لو جالسهما معا، أو أحدهما كان ممتثلا، فجمع نفيا لتوهم الإباحة"[7].

قال الزجاج: لما جاز أن يتوهم متوهم التخيير بين ثلاثة أيام في الحج، أو سبعة إذا رجع بدلا منها؛ لأنه لم يقل وسبعة أخرى - أزيل ذلك بالجملة من قوله "تلك عشرة" ثم قال "كاملة"؛ [8] لئلا يتوهم أن السبعة تتضمن الثلاثة، مثل قوله تعالى: )وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين (10)( (فصلت)، أي: مع اليومين اللذين بعدها في قوله: )خلق الأرض في يومين( (فصلت: ٩)[9].

ومن هنا يتبين أن "كاملة" أفادت تأكيدا على كون العدد المراد هو مجموع العددين "ثلاثة" و "سبعة"، وهو "عشرة"؛ ومن ثم فقد أفادت معنى جديدا، وأزالت شبهة إفراد أحدهما عن الآخر.

ثالثا. قيل في معنى "كاملة": إن المقصود الأمر بإكمالها وإتمامها، فاللفظ وإن كان خبرا، فإن المعنى أمر. والتقدير: فليكن صيام تلك الأيام في مجموعها كاملة؛ لأن الحج المأمور به الحج التام على ما قال عز وجل: )وأتموا الحج والعمرة(. وهذا جبر للخلل الواقع في ذلك الحج، فليكن هذا الصوم صياما كاملا؛ حتى يكون جابرا للخلل الواقع في ذلك الحج، الذي يجب أن يكون تاما كاملا[10]، ومن ثم فإن وجود "كاملة" في الجملة له غرض مستقل هو الأمر بإكمالها، مما ينفي تماما وجود كلمة غير مرادة في القرآن.

رابعا. قيل: "كاملة" وردت للدلالة على كمال هذه العبادة؛ حيث إن الله تعالى لما أمر بصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة بعد الرجوع، فليس فيه بيان أنه طاعة عظيمة كاملة، فلما قال بعده: )تلك عشرة كاملة(، دل ذلك على أن هذه الطاعة في غاية الكمال، فلما أوجب الله صيام هذه الأيام العشرة، شهد سبحانه على أنها عبادة كاملة في غاية الكمال، فقال تعالى: )تلك عشرة كاملة(؛ أي: وإنها كاملة[11].

فذكر "كاملة" يزيل اللبس في الفهم، فلا يظن فاقد الهدي[12] المتحمل لكلفة الصوم أن صيامه أقل شأنا من الهدي، وليطمئن أن حجه كمل، ولا ينقص ذلك من أجره شيئا. [13]قيل: إنها"كاملة" في الثواب كمن أهدى. وقيل أيضا: "كاملة" في البدل عن الهدي. وقيل "كاملة" في الثواب كمن لم يتمتع[14].

ونخلص مما سبق أن كلمة "كاملة" في الآية الكريمة لم تأت زيادة أو حشوا؛ إنما جاءت لتضيف معنى جديدا هو كمال العبادة، وكمال الثواب الحاصل منها، والأجر الراجع على صاحبها.

خامسا. قيل: إن قوله تعالى: )تلك عشرة كاملة( جاءت فيه "كاملة"على وجه التأكيد بشكل مطلق.

حيث إن الحاجة إليها شديدة لإبراز معنى التمام في العدد، والتأكيد عليه وعلى أهمية مراعاته وعدم الانتقاص منه، ومن ثم لا نستطيع القول بأنها لا لزوم لها.

وقال ابن عرفة: مذهب العرب إذا ذكروا عددين أن يجملوهما. وقال الزمخشري: فائدة الفذلكة[15] في كل حساب: أن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا؛ ليحاط به من جهتين، فيتأكد العلم، وقد قالت العرب: علمان خير من علم.

الأسرار البلاغية في الآية الكريمة:

  • قوله تعالى: )كاملة( قيل: بمعنى الأمر بإكمالها وإتمامها، فورد الكلام بصيغة الأسلوب الخبري، والمراد منه الأسلوب الإنشائي، والتقدير: فلتكن تلك الصيامات صيامات كاملة؛ لأن الحج المأمور به تام على ما قال )وأتموا الحج والعمرة لله(، وهذه الصيامات جبر للخلل الواقع في ذلك الحج.
  • وقيل: جاءت كلمة "كاملة" للتوكيد، والتوكيد طريقة مشهورة في كلام العرب؛ كقوله عز وجل: )ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46)( (الحج)، وقوله عز وجل: )ولا طائر يطير بجناحيه( (الأنعام: ٣٨).

والفائدة فيه: أن الكلام الذي يعبر عنه بالعبارات الكثيرة، ويعرف بالصفات الكثيرة، أبعد عن السهو والنسيان من الكلام الذي يعبر عنه بالعبارة الواحدة، فالتعبير بالعبارات الكثيرة يدل على كونه في نفسه مشتملا على مصالح كثيرة، ولا يجوز الإخلال بها.

  • وجاء ذكر "كاملة" في هذا الموضع دلالة على أن رعاية العدد في هذا الصوم من المهمات التي لا يجوز إهمالها.

 

 

(*) عصمة القرآن وجهالات المبشرين، إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، مصر، 2004م.

[1]. انظر: التفسير الكبير المعروف بـ "مفاتيح الغيب"، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية،بيروت، د. ت، عند تفسير الآية.

[2]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج2، ص842.

[3]. انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، ج1، ص234.

[4]. انظر: لباب النقول، السيوطي، دار إحياء التراث، بيروت، د. ت، عند تفسير الآية.

[5]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج2، ج2، ص228.

[6]. مغني اللبيب، ابن هشام، دار الفكر، بيروت، ط6، 1985م، ص468.

[7]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ت، ج1، ص34.

[8]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج2، ص402.

[9]. البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، مطابع النصر الحديثة، الرياض، 1954م، عند تفسير هذه الآية.

[10]. التفسير الكبير المعروف بـ "مفاتيح الغيب"، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية،بيروت، د. ت ، عند تفسير الآية.

[11]. لباب النقول، أبو الفضل السيوطي، دار إحياء التراث، بيروت، د. ت، عند تفسير الآية.

[12]. الهدي: ما يهدى إلى الحرم من النعم.

[13]. التفسير الكبير المعروف بـ "مفاتيح الغيب"، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية،بيروت، د. ت ، عند تفسير الآية.

[14]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج2، ص402، 403.

[15]. الفذلكة: الجمع، مأخوذة من: فذلك كذا وكذا، فأضيفت لهذا القول صيغة نحت مثل: بسمل إذا قال: بسم الله، وحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فحروف "فذلكة" مجتمعة من حروف "فذلك كذا وكذا".

 

  • الاثنين AM 03:33
    2020-09-07
  • 1079
Powered by: GateGold