المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409027
يتصفح الموقع حاليا : 275

البحث

البحث

عرض المادة

إنكار تفرد الله - عز وجل - بالألوهية والوحدانية

                                  

                       إنكار تفرد الله - عز وجل - بالألوهية والوحدانية(*)

مضمون الشبهة:

ينكر المشركون تفرد الله - عز وجل - بالألوهية والوحدانية، ومن ثم فهم يعبدون أوثانا وأصناما زاعمين أنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم عنده، كما أنهم يعلنون تعجبهم من وجود إله واحد تكون له العبادة وحده خالصة. قال - سبحانه وتعالى - حاكيا عنهم قولهم: )أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب (5)( (ص)، وقال سبحانه وتعالى: )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (يونس: ١٨).

وجها إبطال الشبهة:

لقد عالج القرآن هذه المسألة من طريقين:

1) بيان الأدلة العقلية على وجود الله - سبحانه وتعالى - وأنه وحده هو الخالق المدبر لهذا الكون، وتحت هذا البيان وجه بعض الأسئلة للعقل البشري ليفكر ويتدبر ويستدل على وجود الخالق سبحانه وتعالى، ومنها:

  • هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بغير خالق؟!
  • هل يمكن أن يدبر شئون هذا الكون الضخم إلا إله قادر حكيم؟!
  • هل يمكن أن يكون لهذا الإله شريك في الملك أو شريك في التدبير؟!
  • هل آيات القدرة المبثوثة في أرجاء الكون تشير إلى أن هذا الإله يمكن أن يعجز عن أمر من أمور الخلق أو التدبير أو الرزق أو الإحياء أو الإماتة أو البعث أو الجزاء؟!

ويمكن أن نجيب عن هذه الأسئلة باختصار كالتالي:

o  لا يمكن لهذا الكون الهائل أن يوجد بغير خالق؛ فالصنعة تدل على الصانع والأثر يدل على المسير، أفلا يدل هذا النظام الكوني الهائل الدقيق على الخالق سبحانه وتعالى؟!

o  لا يمكن أن يدبر شئون هذا الكون الضخم إلا إله قادر حكيم، فإنه لو لم يتصف بطلاقة القدرة التي لا حدود لها لعجز عن إيجاده فضلا عن تدبيره وتسييره.

o  لا يمكن أن يكون لهذا الإله شريك في الملك أو شريك في التدبير؛ لأن تعدد الآلهة يؤدي إلى اختلال الكون وفساد نظامه.

o      آيات القدرة في الكون دلائل واضحات على أن الله لا يعجزه شيء.

2) بيان الأدلة على بطلان عبادة غير الله، وعجز أولئك الشركاء عن أن يملكوا لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فكيف ينفعون غيرهم أو يضرونهم؟! وتحت هذا يبين القرآن أن هذه الآلهة المدعاة:

  • لا تملك شيئا من السماء والأرض.
  • لا تسمع دعاء، ولا تضر ولا تنفع، ولا تقدر على خلق بعوضة أو ذبابة.
  • يصنعها الإنسان، فكيف يعبد ما صنعت يداه؟!
  • لا يخشى منها ولا يبالي بها الإنسان.
  • ليس للمشركين دليل ولا كتاب يأمرهم بعبادة هذه الأنداد.

التفصيل:

لعل هذه الشبهة أكثر الشبه تردادا وتكرارا في القرآن من جانب المشركين، فهم ينفون عن الله الألوهية والوحدانية، ويقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حكى القرآن عنهم: )أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب (5)( (ص)، وهذا حال الكافرين في كل عصر وزمن، ففرعون يقول لموسى وهارون - عليهما السلام -: )قال فمن ربكما يا موسى (49)( (طه)، والنمروذ يقول لإبراهيم - عليه السلام - حين حاجه في ربه: )أنا أحيي وأميت( (البقرة:٢٥٨).

والمشركون يعبدون من دون الله أصناما وأوثانا وملائكة يستنصرون بها لتكون لهم عزا وشفعاء يشفعون لهم، قال سبحانه وتعالى: )واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا (81)( (مريم)، وقال - سبحانه وتعالى - أيضا: )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (يونس: ١٨)، وقد أكد القرآن وحدانية الله وألوهيته ودحض الشرك به - سبحانه وتعالى - في آيات كثيرة، وذلك من عدة وجوه، وهذه الوجوه تسير في اتجاهين:

أولا. بيان الأدلة العقلية على وجود الله تعالى، وأنه وحده هو الخالق المدبر لهذا الكون:

فالله - عز وجل - ليس في حاجة إلى معونة من أحد على الإطلاق في تدبير الأمور، وليس هناك من يقوم أصلا بالتدخل في أمر الله، فما دام لا يوجد أحد يشارك الله في الخلق - وهو أمر لا يجادل فيه أحد حتى المشركون - فكيف يوجد من يشاركه في التدبير؟! قال سبحانه وتعالى: )ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (54)( (الأعراف).

والقرآن في ذلك يخاطب الإنسان كله: وجدانه وعقله؛ إذ يعرض له الأدلة ويناقشه فيها، ويوقظه للتفكير المنطقي السليم الذي يؤدي إلى فهم حقيقة الألوهية وإدراكها والاقتناع بها، ومن ثم وجوب الإيمان بالله الواحد دون شريك[1] ومن ذلك:

  1. أثبت القرآن الربوبية والألوهية لله - عز وجل - عن طريق سؤال وجهه لهؤلاء المشركين الذين ينفون ذلك، فقال سبحانه وتعالى: )أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35)( (الطور)، والمعنى: أوجدوا من غير موجد؟! أم هم أوجدوا أنفسهم؟! والجواب لا هذا ولا ذاك، بل الله - عز وجل - هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا. فهذه الآية تحمل أكبر تحد للعقل البشري الضال خلال التاريخ.. وكأنها نزلت للضالين اليوم الذين ينكرون وجود الله ويلجون في الغي والإلحاد.

إن الذين يلجون في الضلال إلى هذا الحد لا ينكرون وجود الله في الحقيقة؛ حيث لا يمكن للفطرة - مهما ضلت - أن تنكر وجود الخالق؛ ولكنهم - لسبب من الأسباب - يكابرون ويتظاهرون بالإنكار... إن الفطرة لا يمكن أن تنكل أبدا عن الشهادة )وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172)( (الأعراف)، إنما الذي يحدث أن الإنسان الضال يكابر في هذه الحقيقة؛ لأنه لا يريد أن يخضع لله، ولو أقر علانية بوجود الله للزمه أن يطيعه وأن يعبده، وهو - لأمر من الأمور - لا يريد، وبدلا من أن يبدو مقصرا وناكلا - باعترافه - فإنه "يتفلسف" فيدعي أنه لا يؤمن بوجود الله أصلا!

وكيف يمكن للفطرة أن تنكل عن الشهادة والكون حولها - بكل ما فيه - يحاصرها ويردها إلى الحقيقة؟! كيف تواجه أمر الخلق؟! كيف تحل المشكلة إن لم تقر بوجود الله؟! كيف إذن تم هذا الخلق الذي تدركه الحواس ولا سبيل إلى إنكاره؟! كيف تم خلق السماوات والأرض والقمر والنجوم والكواكب... وكل ما على الأرض من شيء بما فيه الإنسان نفسه؟!

كيف تم خلق هذا الكون بغير خالق؟! هكذا من العدم؟! ثم كيف انتظم بعد أن تم؟! ثم كيف حافظ على نظامه كل تلك الملايين من السنين، التي لا يحصيها العقل البشري، دون أن يحدث في نظامه خلل أو اضطراب؟!

هل يتم ذلك كله بغير خالق؟! هل يتقبل العقل هذا القول، حتى وإن ضل هذا العقل وسار في الظلمات؟! )أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون(؟! أما إنهم هم الخالقون فأمر لم يزعمه أحد من المضلين، بقي السؤال الأول بغير جواب: )أم خلقوا من غير شيء(؟! وهو السؤال الملجم المسكت، الذي لا يملك أحد من المكابرين أن يرد عليه بالإيجاب.

وهكذا لم يبق إلا أمر واحد، هو أن يكون هناك خالق، هو الذي خلق الخلق بقدرته، وهو الذي يدبر الأمر وحده بلا شريك.. وذلك هو الأمر الذي لا تملك الفطرة أن تنكره وإن ضلت، بل وإن أمعنت في الضلال.. إنما ينكره المكابرون باللسان لكبر في نفوسهم عن عبادة الله: )إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير (56)( (غافر)[2].

  1. جاء القرآن بدليل عقلي يثبت الألوهية والوحدانية لله عز وجل، ومؤداه أنه لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق، وتكون النتيجة عندئذ عدم انتظام الوجود، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، فكل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال، قال سبحانه وتعالى: )ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت( (الملك: ٣)، ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض، قال سبحانه وتعالى: )وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91)( (المؤمنون)، وقد ذكر المتكلمون هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم، وأراد الآخر سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والخالق لا يكون عاجزا، ويمتنع اجتماع مرادهما للتضاد، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد فيكون محالا، فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر كان الغالب هو الواجب، والآخر المغلوب ممكنا؛ لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا.

قال سبحانه وتعالى: )أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون (21) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون (22) لا يسأل عما يفعل وهم يسألون (23)( (الأنبياء). فالحق الظاهر أن هذا الكون متناسق إلى أبعد ما يتصور العقل من التناسق، فهل يمكن بعد ذلك أن يكون في السماوات والأرض إلا إله واحد مسيطر مدبر حكيم هو الله سبحانه وتعالى؟! )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا(، أليس كل إله يخلق بمفرده كيف يشاء؟! فكيف يتطابق الخلق الصادر عن واحد من الآلهة مع الخلق الصادر عن إله غيره؟!.. كيف تنتظم دورة الفلك التي ينشئها إلهان مختلفان، ويشرف على شئونها أكثر من إله؟!

هل يمكن أن تنتظم إذا تعددت الإرادة التي تهيمن عليها والسلطان الذي يسيرها؟! أليس من المحتمل أن واحدا من الآلهة يريد أن تطلع الشمس من المشرق وآخر يريدها أن تطلع من المغرب؟! فكيف يصير الأمر عندئذ؟!

هل ينضبط شيء حينئذ في الكون كله؟ هل يستقيم الأمر، أم يصبح الكون فوضى تتصادم فيه الأفلاك وتتعارض، وتتصادم فيه الإرادات المشرفة عليه وتتعارض، ويصبح كالعقد المنفرط لا يجمعه نظام؟! ومن أجل ذلك يخاطب القرآن العقل فيقول له: )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون (22)( (الأنبياء).

ولا يكتفي القرآن بذلك، بل يمضي مع العقل البشري خطوة أخرى في المناقشة، فيعرض أمامه هذه الحقيقة ليتدبرها: لنفرض - جدلا - أنه كان مع الله آلهة أخرى فكيف يكون الموقف؟! والحقيقة أنه لو كان في الكون عدد من الآلهة )إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91)( (المؤمنون: ٩١).

فإذا تصورنا أن كل إله يخلق جزءا من الخلق، فهل يعقل أن ينزل عن خلقه لإله آخر؟ أو أن المعقول والبدهي أن يتشبث بخلقه ويستحوذ عليهم ويحاول أن تكون له السيطرة؟! وعندئذ يحدث نزاع على السيطرة بين هذه الآلهة المفترضة.. كل يتشبث بكلمته زاعما أنه هو الأعلى وهو الأحق.. فهل يستقر حال الكون على هذه الحال؟! وهل يبدو متناسق الحركة، متناسق الصنع، متناسق التدبير؟!

والعقل البشري مكلف بأن يفكر ويتدبر.. فما دام الإنسان قد سلم - أو ينبغي له أن يسلم - بأن الأرض لله، والسماوات لله، والملكوت لله، والتدبير لله.. فماذا بقي إذن من عمل تقوم به تلك الآلهة الأخرى المزعومة؟!

وطالما أن الكون في سيره لا يبدو عليه الخلل والاضطراب، بل يظهر فيه الاتساق الكامل والانضباط، فإن ذلك يدل على وحدة السيطرة التي تدبر شئونه وترعاه[3].

  1. يؤكد القرآن أن الله هو المستقل بخلق الأشياء كلها وهو مدبرها ومقدرها وحده، ليس معه في ذلك شريك، أما الذين اتخذهم المشركون أولياء من دونه فهم عبيد أمثالهم لا يملكون شيئا، ولا أشهدهم الله خلق السماوات والأرض، ولا خلق أنفسهم ولا كانوا إذ ذاك موجودين أصلا، قال سبحانه وتعالى: )ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا (51)( (الكهف).

ويدلل القرآن على وجود الله - سبحانه وتعالى - وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده؛ حيث أخرج الناس من العدم إلى الوجود، فقال سبحانه وتعالى: )كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم( (البقرة: ٢٨)، وقال أيضا: هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا (1)( (الإنسان)؛ وهذا ما احتج به المؤمن على صاحبه الذي كفر بالله في قصة صاحب الجنتين؛ حيث قال له: )أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (37) لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (38)( (الكهف)، وهذا إنكار منه وتعظيم لما وقع فيه صاحبه من جحود ربه الذي خلقه وابتدأ خلق الإنسان من طين، فكيف يجحد الإنسان ربه، والأدلة على وجوده ظاهرة جلية يعلمها كل فرد من تلقاء نفسه، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوما ثم وجد، وليس وجوده من نفسه ولا مستندا إلى شيء من المخلوقات؛ لأنها جميعا بمنزلته، فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء، ولهذا قال له المؤمن: )لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (38)( (الكهف)، والمعنى: فأنا لا أقول بمقالتك بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية؛ لأنه لا شريك له.

ومن الأدلة الظاهرة على قدرة الله وسيطرته واستقلاله بالخلق ما حاج به إبراهيم - عليه السلام - النمروذ حينما أنكر ألوهية الله ووجوده، فأثبت له إبراهيم - عليه السلام - أن الدليل على وجوده - سبحانه وتعالى - هو حدوث هذه الأشياء بعد عدمها وأنه يحيي ويميت، ولما موه النمروذ في الجواب وادعى أنه يحيي ويميت طالبه إبراهيم - عليه السلام - بالإتيان بالشمس من المغرب كما يفعل الإله المقتدر، فظهر عند ذلك عجزه وانقطاعه، وأنه لا يقدر على المكابرة في هذا المقام، قال تعالى: )ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (258)( (البقرة).

كما أن من الأدلة الظاهرة على وجود الله - سبحانه وتعالى - وتفرده بالخلق وأنه - سبحانه وتعالى - لا يمكن أن يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض تلك الآيات الكونية التي يوجه القرآن إليها العقل البشري ليتفكر فيها ويتدبر عظائم الإعجاز في آيات القدرة المبثوتة في أرجاء الكون، تلك التي تشير إلى أن هذا الإله لا يمكن أن يعجز عن أمر من أمور الخلق أو الرزق أو التدبير أو الإحياء أو الإماتة أو البعث أو الجزاء، قال تعالى: )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (164)( (البقرة).

فلو تأمل الإنسان بعقله هذه الآيات المبثوثة في الكون وفي النفس لأصابه العجب والذهول من كل آية من هذه الآيات المعجزة التي يدل كل منها على وجود الخالق - سبحانه وتعالى - وقدرته المعجزة التي لا تقف عند حد.

قال سبحانه وتعالى: )قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون (59) أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون (60) أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون (62) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64)( (النمل).

ثانيا. الطريق الثاني الذي اعتمده القرآن لإثبات تفرد الله - سبحانه وتعالى - بالألوهية وبطلان عبادة ما سواه، هو بيان عجز هؤلاء الشركاء وحقارتهم:

لقد اتخذ القرآن عدة طرق عقلية يشهد بها العقل والواقع المحسوس الملموس - أمام القوم - وكلها تثبت عجز هذه الآلهة ومن ثم بطلان عبادتها من دون الله سبحانه وتعالى، ومن هذه الأدلة:

  1. أن الأصنام والأوثان والملائكة وغيرها من الآلهة التي يدعوها المشركون من دون الله لا تملك من السماوات والأرض شيئا، وما الأصنام والأوثان إلا جمادات لا أرواح فيها، فهي لا تسمع دعاء، ولا تجيب طلبا، قال سبحانه وتعالى: )قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير (22) ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن( (سبأ)، فبين الله - عز وجل - أنه الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا نظير له، ولا شريك له، بل هو المستقل بالأمر وحده من غير مشارك ولا منازع ولا معارض، أما الآلهة التي يدعونها من دونه فهي لا تملك شيئا، لا استقلالا ولا على سبيل الشركة، كما قال سبحانه وتعالى: )والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير (13)( (فاطر)، وليس لله من هذه الأنداد من ظهير يستظهر به في الأمور، بل الخلق كلهم فقراء إليه عبيد لديه، وهو سبحانه لعظمته وجلاله وكبريائه لا يجترئ أحد أن يشفع عنده - عز وجل - في شيء إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال سبحانه وتعالى: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( (البقرة: ٢٥٥)، وقال أيضا: )وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى (26)( (النجم).

وقال - سبحانه وتعالى - أيضا: )إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم( (فاطر: ١٤)، فهذه الآلهة التي تدعونها من دون الله لا تقدر على شيء مما تطلبونه منها، قال سبحانه وتعالى: )أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194) ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون (195)( (الأعراف).

وقال - سبحانه وتعالى - أيضا: )قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا (56) أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه( (الإسراء).

 وقال - سبحانه وتعالى - أيضا: )ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون (73) فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون (74)( (النحل)، فالأنداد والأوثان والأصنام التي تعبد من دون الله لا تملك رزقا ولا تقدر على إنزال مطر ولا إنبات زرع ولا تجيب نداء ولا تسمع أصلا، وقد لقن الله إبراهيم - عليه السلام - حجته على قومه فقال لهم: )فاسألوهم إن كانوا ينطقون (63)( (الأنبياء)، وقال لأبيه: )يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا (42)( (مريم).

  1. أخبر الله - عز وجل - عن جهل المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله لا تقدر على خلق جناح بعوضة؛ فهم مخلوقون لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، فكيف يملكون ذلك لعابديهم؟!

قال سبحانه وتعالى: )واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا (3)( (الفرقان)، فالذي لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا من ذلك لا يصح أن يكون إلها؛ ولذلك نبه الله - عز وجل - على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها؛ فبين أنه لو اجتمع جميع ما يعبدون من الأصنام والأنداد على أن يخلقوا ذبابا ما قدروا على ذلك، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو شعيرة»[4]؛ ولذا قال سبحانه وتعالى: )يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له( (الحج: ٧٣)، فهذه الآلهة عاجزة عن خلق ذباب، بل الأبلغ من ذلك أن الذباب لو سلب منها شيئا ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على هذا، والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها، قال سبحانه وتعالى: )وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب (73)( (الحج).

  1.  بين الله - عز وجل - أن هذه الآلهة من الأصنام والأوثان ونحوها قد صنعها الناس بأنفسهم ونحتوها بأيديهم، فكيف يعبد الإنسان ما صنعت يداه؟! إن ذلك لشيء عجاب! وهذه الحجة آتاها الله إبراهيم على قومه حين قال لهم: )أتعبدون ما تنحتون (95) والله خلقكم وما تعملون (96)( (الصافات)، وتلك حجة قاطعة ورد مفحم.

ومن ذلك أيضا قوله سبحانه وتعالى: )أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون (191) ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون (192) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون (193) إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين (194) ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون (195) إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين (196) والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون (197) وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون (198)( (الأعراف).

فالإله الذي ينبغي أن يؤمن به الإنسان ويعبده هو الإله الخالق، فما بال هؤلاء المشركين يشركون آلهة لا تخلق شيئا وهي ذاتها مخلوقة، يصنعها الناس بأيديهم ثم يجعلونها آلهة؟! هل في ذلك منطق يقبله العقل أو تقبله فطرة سوية؟! ثم يستطرد السياق فيشرح حال هذه الأصنام التي يعبدها المشركون، فهي لا تستطيع نصر أنفسها إذا اعتدى عليها معتد فضلا عن أن تنصر غيرها، وهي لا تسمع لو دعاها أحد، فسواء عليك أحدثتها أم لم تحدثها فالنتيجة واحدة، ثم يقرر القرآن حقيقة هذه الآلهة المدعاة، فهم )عباد أمثالكم(، فهل لهذه المخلوقات أرجل أو أيد أو أعين أو آذان، لتمشي أو تبطش أو تبصر أو تسمع؟! فلأي شيء يا ترى يعبدها أولئك العابدون، وهم يرونها أمام أعينهم بهذا العجز المزري؟! ثم يتوجه الخطاب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن يتحداهم أن يضروه بأصنامهم تلك - وقد كانوا يهددون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن تلك الآلهة المزعومة ستصيبه بالضرر نتيجة مهاجمته إياها - فيقول الله - سبحانه وتعالى - له: قل لهم: هلموا كيدكم الذي تهددون به ولا تتأخروا وأروني ماذا تستطيع آلهتكم أن تصنع؟! إن الله هو الذي يتولاني وهو يتولى الصالحين ويحميهم ويرعاهم، أما آلهتكم فلا تستطيع أن تنصركم إن أراد الله بكم ضرا، ولا تستطيع حتى أن تنصر نفسها وهي لا تسمع ولا تبصر فهي لا تستحق العبادة ولا الدعاء[5].

  1. من الأدلة الظاهرة على وحدانية الله وألوهيته، وكذب هؤلاء المشركين في صنيعهم - إضافة إلى ما سبق - ما احتج به إبراهيم - عليه السلام - على قومه حين جادلهم في إشراكهم بالله، فذكر أن من أدل الأدلة على بطلان ما ذهبوا إليه أن هذه الآلهة التي يعبدونها لا تؤثر شيئا، وهو لا يخافها ولا يبالي بها، ويطالبهم إبراهيم - عليه السلام - أن يكيدوه بها إن كان لها كيد ولا ينظروه بل يعاجلوه بذلك، قال سبحانه وتعالى: )قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون (80)( (الأنعام)، وهذه الحجة نظير ما احتج به نبي الله هود - عليه السلام - على قومه عاد، فقد قال الله - عز وجل - على لسانه: )من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون (55) إني توكلت على الله ربي وربكم( (هود)، ومثل ذلك قوله سبحانه وتعالى: )قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون (195)( (الأعراف)، أي: استنصروا بها علي فلا تؤخروني طرفة عين وأجهدوا جهدكم؛ ولذا قال بعدها: )إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين (196)( (الأعراف)، أي: فهو حسبي ونصيري وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة وهو ولي كل صالح.
  2. يطالب القرآن هؤلاء المشركين الذين عبدوا هذه الأنداد من دون الله أن يذكروا من الذي أمرهم بهذا وأرشدهم إليه، ومن ذا الذي دعاهم إلى عبادة غير الله؟! أم أن ذلك شيء اقترحوه من عند أنفسهم؟! وهل يملكون دليلا أو سلطانا أو حجة بينة على ما يقولون، أو أنهم وجدوا كتابا من الكتب المنزلة على الأنبياء - عليهم السلام - يأمرهم بعبادة الأصنام والأوثان؟! يقول - سبحانه وتعالى - في ذلك: )ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين (4)( الأحقاف)، وقال أيضا: )أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين (38)( (الطور)، أي: فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما يعبدون، وليس لهم سبيل إلى ذلك؛ فليسوا على شيء، ولا دليل لهم؛ ولذا قال - عز وجل - في موضع آخر على لسان أصحاب الكهف وهم يتحدثون عن قومهم المشركين بالله، قالوا: )هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا (15)( (الكهف)، أي: هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلا واضحا صحيحا! ولكنهم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك.

والدعاوى ما لم تقيموا عليها

 

 

بينات أبناؤها أدعياء

 

الخلاصة:

  • هل يمكن أن يوجد هذا الكون الهائل بغير خالق؟ وهل البشر في هذا الكون مخلوقون أم خالقون؟
  • إذا استحال وجود الكون بغير خالق، فهل نتصور أن يكون قد وجد بأكثر من إله؟ فضلا عن أن هذه الآلهة من صنع البشر؟!
  • الأصنام والأوثان لا تملك شيئا من أمر نفسها، فكيف تملك أمر الشفاعة عند الله لمن يعبدونها؟!

(*) الآيات التي وردت فيها الشبهة: (مريم/ 81، الفرقان/ 3، ص/ 5، طه/ 49، 51).

الآيات التي ورد فيها الرد على الشبهة: (البقرة/ 28، 162، 258، آل عمران/ 18، الأنعام/ 80، 81، الإخلاص/ 1: 4، الأحقاف/ 4: 6، الرعد/ 16، 33، الحجر/ 17، 20، 22، النحل/ 73، 74، الإسراء/ 56، 57، الكهف/ 15، 51، 110، سبأ/ 22، مريم/ 82، طه/ 50، 52، 54، الحج/ 73، 74، المؤمنون/ 91، 92، الفرقان/ 3، فاطر/ 13، 14، 40، الصافات/ 95، 96، الزمر/ 29، الطور/ 35: 37، الأعراف/ 190: 195).

[1]. ركائز الإيمان، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2001م، ص43 بتصرف.

[2]. ركائز الإيمان، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2001م، ص56: 58 بتصرف.

[3]. ركائز الإيمان، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2001م، ص46: 50 بتصرف.

[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ) والله خلقكم وما تعملون (96) ( (الصافات) (7120)، ومسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (5665)، واللفظ للبخاري.

[5]. ركائز الإيمان، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2001م، ص67، 68.

 

  • الخميس PM 03:38
    2020-09-03
  • 1064
Powered by: GateGold