المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409110
يتصفح الموقع حاليا : 341

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى خطأ القرآن الكريم لتعارضه مع نظرية داروين في النشوء والارتقاء

دعوى خطأ القرآن الكريم لتعارضه مع نظرية داروين في النشوء والارتقاء (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المغرضين خطأ القرآن الكريم في حديثه عن أصل خلقة الإنسان؛ إذ خلقه الله إنسانًا ونفخ فيه من روحه، في حين ـ على حسب ما يرون ـ أن الإنسان جاء متطورًا من مرحلة الحيوانية (المتمثلة في القرود) إلى رتبة الإنسان الحالي بشكله المعروف، وهذا ما أثبتته نظرية داروين التطورية التي اعتنقها كثير من العلماء والأفراد ودعوا إليها.

وجه إبطال الشبهة:

أثبت العلم الحديث ـ القائم على التجربة والبرهان ـ بطلان نظرية داروين، ولم يقل بصحتها كما زعم مثيرو الشبهة، فقد وصل لنتيجة مفادها "أنها ليست بنظرية علمية على الإطلاق"؛ لتناقضها، وعدم توافر المنهج العلمي فيها، هذا المنهج الذي يعتمد على الملاحظة العلمية وإجراء التجارب وعدم التسليم بالوقائع إلا بعد تمحيصها؛ فنجد علوم البيولوجيا الجزئية، والتكنولوجيا الحيوية، والهندسة الوراثية، وعلم تقسيم الكائنات ـ تدحض افتراءات هذه النظرية وتبطلها. ومن ثم؛ فإن ما أثبته العلم هو صحة ما جاء به القرآن، وذهبت إليه الأديان السماوية كافة من أن الإنسان خلق إنسانًا، ولم يك يومًا متطورًا عن قرد أو خنزير.

التفصيل:

كيف نشأت المادة الحية نفسها، تلك التي تنوَّعت بدورها بعد ذلك إلى أنواع الحياة المختلفة؟ سؤال راود أذهان كثير من المفكرين منذ قرون سحيقة.

ويجدر بنا للإجابة عن هذا التساؤل أن نستعرض نبذة تاريخية عن آراء المفكرين والباحثين في أصل المخلوقات الحية ونشأتها؛ فلقد "بدأ التفكير في أصل المخلوقات الحية ونشأتها ـ النباتية منها والحيوانية ـ منذ بداية قدرة العقل البشري على التفكير للاستقصاء والاستفادة مما حوله، ونجد آثارًا لهذه الأفكار ما زالت باقية في المتناثرات التي بقيت من حضارات الأمم البائدة التي استقرَّت في المناطق الزراعية حول ضفاف الأنهار، مثل: وادي النيل، والرافدين، والهند، والصين، ثم انتشرت إلى المناطق الزراعية في المناطق الأكثر برودة مع المد الحضاري الذي وصل إليها؛ فقد وجد المقيمون في هذه المناطق كثيرًا من الظواهر والمخلوقات تحت أبصارهم، فنشطوا للتفكير فيما يزيد تنظيم حياتهم من كتابة وتأريخ وتقاويم وقوانين وديانات تفكِّر: من أين جاءوا وإلى أين يذهبون؟

 

ونتجت أفكار كثيرة عن نشأة الكائنات ومنها الإنسان، منها أن بدْء التكوين كان كتلة لزجة بلا شكل أو صورة تحتوي على نفثة([1]) من الخالق، ثم تعرَّضت لتأثير الطبيعة فتطورت في أطوار من النشوء حتى بلغت حدَّها الأخير في الصورة البشرية، وقد آمن ـ أيضًا ـ القدماء بأن النجوم والكواكب لها تأثير على عناصر الأرض وصور الحياة، وأقدم ما وصل إلينا مما عثر عليه إلى الآن من تراث الأقدمين هو ما قاله الفيلسوف الإغريقي "أنتكسمندر" (610ق. م): "إنَّ نشأة الكائنات الحية هو نتيجة تأثير الشمس على الأرض، وتميُّز العناصر المتجانسة بالحركة الدائمة، وأن الأرض كانت في البداية طينية ورطبة أكثر مما هي عليه الآن، فلما وقع فعل الشمس، دارت العناصر الرطبة في جوفها، وخرجت منها على شكل فقاقيع، وتولَّدت الحيوانات الأولى، غير أنها كانت كثيفة ذات صور قبيحة غير منتظمة، وكانت مغطاة بقشرة كثيفة تمنعها من الحركة والتناسل وحفظ الذات، فكان لا بد من نشوء مخلوقات جديدة، أو بسبب ازدياد فعل الشمس في الأرض لتوليد حيوانات منتظمة يمكنها أن تحفظ نفسها وتزيد نوعها، أما الإنسان فإنه ظهر بعد الحيوانات كلها، ولم يَخْل من التقلُّبات التي طرأت عليه، فخلق أول الأمر شنيع الصورة ناقص التركيب، وأخذ يتقلب إلى أن حصل على صورته الحاضرة".

 

وهذه الفقرة تحمل معظم مبادئ أصل الحياة والنشوء والارتقاء والانتقاء والتمايز، وتأثير البيئة المحيطة"([2]).

 

ومن الجدير بالذكر أن هذه الفقرة كانت قد كُتبت منذ ستة قرون قبل الميلاد، الأمر الذي يدل على أن هذه الفكرة ـ فكرة التطور ـ لها جذور تاريخية، وليست مخترعة اختراعًا حديثًا.

 

كذلك نجد فكرة أخرى لفيلسوف آخر، وهو أرسطو الذي قال: "إن الحياة تبدأ مصادفة بمجرد وجود بعض المواد التي لا حياة فيها، وتكون هذه المواد متلازمة جنبًا إلى جنب في بيئة مبتلَّة رطبة، ومن هنا تبدأ الحياة"([3]).

 

إلا أن الأمر لم يتوقف عند مثل هذه الأقوال؛ بل إنه في القرن الثامن عشر نجد أن الفكر الأوربي قد بعث الأفكار اليونانية القديمة القائلة بأن الأجناس الحية الحاضرة هي ثمرة عملية طويلة من النمو.

 

في ذلك الوقت كانت النظرة المقبولة هي نظرة العالم السويدي "لينيوس"([4]) القائل: "إننا نقرُّ بوجود أنواع بعدد الأزواج التي خرجت من يدي الخالق، وأن الأنواع بقيت ثابتة منذ خلقها الذي جاء وصفُه في سفر التكوين، والتغير الوحيد الذي وقع هو زيادة أعدادها لا تغير أصنافها، وأنه ليس هنالك من جنس جديد".

 

  • نظرية التطور عند "لامارك"([5]):

استكمل لامارك وضع نظريته في التطور في كتابه "فلسفة علم الحيوان" عام 1809م، وتتلخَّص نظريته في: أن البيئة تؤثِّر في شكل الحيوانات وتركيب أعضائها، وأن الاستعمال المتكرر أو المستمر لأي عضو يزيد في حجمه، في حين يؤدي عدم الاستعمال إلى ضعفه وصغر حجمه حتى يختفي، وأن الصفات المكتسبة التي تتكوَّن على هذا النحو تنتقل إلى الأجيال بالتوارث، وأن هذه الصفات تتكاثر بمرور الزمن، إلى أن تُحدث نوعًا جديدًا من الحيوانات.

 

  • النقد العلمي لنظرية لامارك:

لقد رأى العلماء أن هذه النظرية استحقَّت أن تتوارى في ظلام النسيان؛ إذ إن هذه النظرية ترتكز على انتقال الصفات المكتسبة بالتوارث، وقد أثبتت التجارب الجديدة أن الصفات التي يكتسبها الفرد في حياته لا تتوارث.كذلك؛ فإن هذه النظرية قد أصابها التشويه؛ إذ إنها لم ترتكز على مبدأ انتقال الصفات المكتسبة كما زعمت، بل استندت إلى مجموعة قوانين لم يكن قانون انتقال الصفات المكتسبة بالوراثة إلا واحدًا منها، كما أنه لم يكن أهمها، وأن القوانين الأخرى يقوم كلٌّ منها بنفسه، ولا تتوقف صحته على صحة الآخر. ويبيَّن العالم الإنجليزي "جراهام كانون" أن لامارك قد وضع بجانب قانون انتقال الصفات المكتسبة بالوراثة قانونَ الانتخاب الطبيعي، والصراع على البقاء قبل أن يذكر داروين عن ذلك شيئًا بنحو خمسين عامًا([6]).

 

ومن كل ما سبق يتضح لنا ـ بما لا يدع مجالًا للشك ـ أن داروين لم يكن مخترعًا عبقريًّا، وليس خالقًا لمشكلة الاهتمام العام بالتطور؛ بل إنه كان وارثًا لما أُثير قبله من أفكار وآراء تبنَّاها وقام بصياغتها من جديد، ثم ما لبث داروين([7]) أن قام بطرح نظريته في التطور في أواسط القرن التاسع عشر في وقت كانت فيه العلوم والتكنولوجيا على مستوى متدنٍّ؛ فقد كان علماء ذلك القرن يجرون أبحاثهم في معامل بسيطة وبأجهزة بدائية جدًّا لا يمكن للعلماء أن يروا من خلالها البكتيريا، ومن المؤكد أن عدم دقة الأجهزة خلق بعض الاعتقادات الباطلة؛ فنجد داروين قد اعتمد في بناء نظريته على فكرة أن الحياة لها طبيعة بسيطة في أساسها، ولقد اعتنق علماء الأحياء فكرة داروين وناصروها وبنوا أفكارهم على هذا المنطلق، وكان من أهم مناصري داروين في ألمانيا العالم "إرنست هيكل"([8]) وهو الذي اعتقد أن الخلية الحية ما هي إلا "بالونة بسيطة مملوءة بسائل هُلامي"([9])، وهكذا صيغت نظرية معتمدة على مثل هذه التخيلات، الأمر الذي أدَّى إلى خطأ أصحابها مثل هيكل وداروين وهكسلي([10]) حينما اعتقدوا أن للحياة تكوينًا بسيطًا، خُلق بالمصادفة البحتة.

 

يقول داروين بمبدأ الانتخاب الطبيعي([11])، الذي يُعنى ببقاء الأصلح من الأجناس في الصراع من أجل البقاء والوجود، وبهذا يعطي داروين تفسيرًا آليًّا عن تطوُّر وتحوُّل الكائنات الحية على مدى وجودها على سطح الأرض، وقد ترك داروين في كتابه (أصل الأنواع The Origin of Species) الذي صدر في عام 1859م مسألة أصل الإنسان معلَّقة، ولكنه عاد إليها في كتابه الآخر (أصل الإنسان) الصادر عام 1871م؛ حيث امتدَّت نظريته للتطور لتشمل الإنسان أيضًا، وقد بيَّن داروين ومساعديه: توماس هنري هكسلي، وإرنست هيكل أن الإنسان يشترك مع الشامبانزي (Chimpanzee) والغوريلا (Gorilla) وإنسان الغابة (orangutan)([12]) في صفات تشريحية كثيرة؛ الأمر الذي دعا إلى الاعتقاد بأن الإنسان العاقل (Homosapiens) ربما يكون قد انحدر من سلالة بدائية تشبه القردة؛ نظرًا لهذا التشابه التشريحي.

 

وفي عام 1899م صدر كتاب بعنوان "لغز العالم" لإرنست هيكل، الذي روَّج فيه لأفكار داروين، وقال: إن التطور الآلي يمتدُّ من الذرة إلى الإنسان. وبهذا؛ فإن الأسلاف المباشرين للإنسان في الحيوانات الثديية العليا هي القرود، وبهذا أصبح الفكر العام منذ ذلك الوقت بأن "الإنسان ينحدر من سلالة تشبه القرود".

 

وبعد داروين فقد الإنسان مكانته الخاصة في عالم الأحياء، ولم يعد يبدو أن الله قد خلق الإنسان خلقًا مباشرًا؛ بل بدا أنه نتاج طبيعي للسلالة البيولوجية العامة، وقد تلقَّف الفكر الداروني ـ أو النظرية الدارونية ـ كلٌّ من الجيولوجيين والطبيعيين، وأخذوا في البحث والتنقيب في الأرض لإثبات هذا الفكر أو هذه النظرية([13])، والدفاع عنها بشتى الطرق والأساليب، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن هناك سببًا خفيًّا يكمن وراء كل هذه الاستماتة في الدفاع.

 

ونظرة فاحصة فيما وراء هذه النظرية نجد أن السبب الرئيسي في الاستماتة في الدفاع عن نظرية التطور طوال قرن كامل، وبإصرار وعناد ـ هو محاولة القيام بتفسير الكون والحياة دون الحاجة إلى خالق؛ لذا فإن من الأصح النظر إلى نظرية التطور على أنها جزء من الدعاية المادية، وليس بوصفها نظرية مستقلة، والحقيقة أن نظرة واحدة إلى كيفية انتشارها تكفي للبيان بأن الموضوع ليس موضوع علم؛ بل موضوع عقيدة وأيدولوجية معينة؛ ذلك لأن نظرية التطور تتبع في انتشارها طرق الدعاية وأساليبها، وليس الطرق العلمية، ومن الممكن مشاهدة جميع عناصر الدعاية عند تقديم هذه النظرية وعرضها:

 

  1. تتبع نظرية التطور أسلوب انتقاء الأدلة؛ فهي تختار الأدلة التي تراها في صالحها، وتهمل الأدلة المعارضة والمناقضة لها؛ فلم نشاهد حتى الآن أيًّا من التطوريين قام بحساب الاحتمالات حول البروتينات.

 

  1. وضع اللافتات والعناوين من العادات الملازمة للتطوريين، وهذه من السمات البارزة للدعاية؛ فتهمة الرجعية والتعصُّب تلصق حالًا بكل من يحاول تدقيق مدى صحة هذه النظرية.

 

  1. تتبع نظرية التطور طريق الابتزاز؛ فالشخص المعرَّض لهذه الدعاية لن يجد أمامه إلا طريقين، فإما أن يكون رجل علم معاصر ورجلًا مستنيرًا، وإما أن يكون رجلًا متخلفًا عقليًّا، فإن قَبِلَ وتبنَّى النظرية فهو مستنير، وإلا فهو شخص متخلف.

 

  1. ليس هناك محلٌّ للنقاش في نظرية التطور، وإنما هناك عرض وتقديم شيء معين، فبينما يوضِّح العلم للإنسان كيف يفكِّر، نرى أن نظرية التطور تقدِّم للإنسان ماذا يفكر.

 

ونظرية التطور مثلها في ذلك مثل الدعاية، لا تفتح مجالًا للنقاش؛ فهي تتحدث عن الحقائق العلمية، ولكن إما أنها لا ترى حاجة إيراد الأدلة عن هذه الحقائق أو لا تدخل في أي نقاش حول ماهية الأدلة التي تقدِّمها أو دلالاتها.

 

  1. وضع الشعارات واستعمالها وتكرُّرها قدر الإمكان، يعدُّ من استراتيجيات نظرية التطور؛ إذ إن الشخص الذي يسمع بـ "الانتخاب الطبيعي" آلاف المرات، لا يرى ضرورة للبحث عن ماهية هذا المفهوم، وعمَّا إذا كان يمكن أن يعمل حقيقةً أم لا.

 

  1. كما في الدعايات السياسية والأيدولوجية؛ فإن اختراع عدو ووضعه هدفًا، يحقِّق فوائد جمة، فيحقق صاحب الدعاية بذلك وحدة الصف لجماعته، ويوجَّه الانتقادات المصوبة إليه إلى هدف آخر.

 

فالعدو بالنسبة للتطوريين هو الأوساط الدينية؛ لذا فإنهم لا يملُّون من تكرار الادعاء بأن الانتقادات الموجهة للنظرية تستند إلى أسباب دينية، ولكن الحقيقة على العكس من ذلك تمامًا؛ إذ إن نظرية التطور ليست إلا حربًا حاقدة أُعلنت ضد المعتقدات الدينية.

 

وفي ضوء النقاط أعلاه، أليس من حقنا أن نتساءل عمَّا إذا كانت مدارسنا مراكز علم أم مراكز دعاية؟ إذ لا يستطيع أحد أن يزعم أن مؤسساتنا التعليمية التي تمنع تدريس أي شيء يخالف رأي داروين ـ مؤسسات تتمتَّع بحياد علمي؛ فالخُلُق العلمي يستوجب استعراض أدلة الآراء المختلفة في موضوع معين، وسردها وتقديمها معًا للطلاب.

 

أوليس من الغريب ألَّا تُستعرض الأدلة التي لا تُعدُّ ولا تحصى من أن الكائنات كلها مخلوقة من قِبَل الله سبحانه وتعالى، والتي قام بها علماء عظام، أمثال: نيوتن وإينشتاين، من الذين يشغلون مراتب أعلى بكثير من منزلة داروين في دنيا العلم، ولا تُستعرض أفكارهم بجملة واحدة، وتقديم نظرية داروين التي لا تزال منذ مئة عام تلهث وراء الأدلة دون جدوى وكأنها هي الحقيقة الوحيدة؟ وهل يتوقَّع أحد أن تُفلح مثل هذه المؤسسات التعليمية في تخريج جيل يستطيع أن يفكر وأن يبحث؟ إننا نرى استحالة ذلك كاستحالة من يروم قطع المحيطات على ظهر جمل([14]).

 

نظرية التطور والقصة الملفَّقة للإنسان:

إن من أهم الموضوعات المطروحة للنقاش ضمن نظرية التطور هو بلا شك أصل الإنسان، وفي هذا الصدد تدَّعي الداروينية بأن الإنسان الحالي نشأ متطورًا من كائنات حية شبيهة بالقرد عاشت في الماضي السحيق، وفترة التطور بدأت قبل 4إلى 5 ملايين سنة، وتدعي النظرية وجود بعض الأشكال البينية خلال الفترة المذكورة، وحسب هذا الادعاء الخيالي هناك أربع مجموعات رئيسية ضمن عملية تطور الإنسان، وهي:

 

  1. أوسترالوبيثيكوس.

 

  1. هوموهابيليس.

 

  1. هوموإريكتوس.

 

  1. هوموسابينس.

 

يطلق دعاة التطور على الجد الأعلى للإنسان الحالي اسم "أوسترالوبيثيكوس" أو "قرد الجنوب"، ولكن هذه المخلوقات ليست سوى نوع منقرض من أنواع القرود المختلفة، وقد أثبتت الأبحاث التي أجراها كل من الأمريكي البروفيسور "تشارلز أوكسنارد"، والبريطاني اللورد "سوللي زاخرمان" ـ وكلاهما من أشهر علماء التشريح ـ على قرد الجنوب أن هذا الكائن الحي ما هو إلا نوع منقرض من القرود ولا علاقة له مطلقًا بالإنسان.

 

والمرحلة التي تلي قرد الجنوب يُطلق عليها من قِبَل الداروينيين اسم "هومو" أو "الإنسان"، وفي كلفة مراحل الـ "هومو" أصبح الكائن الحي أكثر تطورًا من قرد الجنوب، ويتشبَّث الداروينيون بوضع المتحجرات الخاصة بهذه الأنواع المنقرضة كدليل على صحة نظريتهم، وتأكيدًا على وجود مثل هذا الجدول التطوري الخيالي، ونقول خيالي؛ لأنه لم يثبت إلى الآن وجود أي رابط تطوري بين هذه الأنواع المختلفة، وهذه الخيالية في التفكير اعترف بها أحد دعاة نظرية التطور في القرن العشرين وهو "إرنست ماير" (ErnestMayer)قائلًا: "إن السلسلة الممتدة إلى "هوموسابينس" منقطعة الحلقات بل مفقودة".

 

وهناك سلسلة يحاول الداروينيون إثبات صحتها تتكوَّن من قرود الجنوب (أوسترالوبيثيكوس ـ هوموهابيليس ـ هوموإريكتوس ـ هوموسابينس)؛ أي إن أقدمهم يُعدُّ جَدًّا للذي يليه، ولكن الاكتشافات التي وجدها علماء المتحجرات أثبتت أن قردي الجنوب ـ هوموهابيليس وهوموإريكتوس ـ قد وجدت في أماكن مختلفة وفي الفترة نفسها، والأهم من ذلك هو وجود أنواع من "هوموإريكتوس" قد عاشت حتى فترات حديثة نسبيًّا، ووجدت جنبًا إلى جنب مع هوموسابينس نياندرتاليسيسن وهوموسابينس (الإنسان الحالي).

 

وهذه الاكتشافات أثبتت عدم صحة كون أحدهما جَدًّا للآخر، وأمام هذه المعضلة الفكرية التي واجهتها نظرية داروين في التطور يقول أحد دعاتها وهو "ستيفن جي كولد" (StephenJayGould) ـ الاختصاصي في علم المتحجرات في جامعة هارفارد ـ ما يأتي: "إذا كانت ثلاثة أنواع شبيهة بالإنسان قد عاشت في الحقبة الزمنية نفسها، إذًا ماذا حصل بالنسبة لشجرة أصل الإنسان؟ الواضح أنه لا أحد من بينها يُعدُّ جَدًّا للآخر، والأدهى من ذلك عند إجراء مقارنة بين بعضها بعضًا لا يتم التوصُّل من خلالها إلى أي علاقة تطورية فيما بينها".

 

ومن ثم؛ فإن اختلاق قصة خيالية عن تطور الإنسان والتأكيد عليها إعلاميًّا وتعليميًّا والترويج لنوع منقرض من الكائنات الحية نصفه قرد ونصفه الآخر إنسان ـ ما هو إلا عمل لا يستند إلى أي دليل علمي، وقد أجرى اللورد "سوللي زاخرمان" البريطاني أبحاثه على متحجرات قرد الجنوب لمدة خمس عشرة سنة متواصلة، علمًا أن له مركزه العلمي؛ لأنه اختصاصي في علم المتحجرات، وقد توصَّل إلى عدم وجود أيَّة سلسلة متصلة بين الكائنات الشبيهة بالقرد والإنسان، واعترف بهذه النتيجة على الرغم من كونه دارويني التفكير.

 

وقد قام زاخرمان بتأليف جدول خاص بالمعرفة أدرج فيه فروع المعرفة التي يعدُّها علمية، وكذلك فروع المعرفة التي يعدها خارج نطاق العلم، وحسب جدول زاخرمان تشمل الفروع العلمية التي تستند إلى أدلة مادية لعلمي الكيمياء والفيزياء، ويليهما علم الأحياء، فالعلوم الاجتماعية أخيرًا؛ أي في حافة الجدول تأتي فروع المعرفة الخارجة عن نطاق العلم، ووضع في هذا الجزء من الجدول علم تبادل الخواطر والحاسة السادسة والشعور أو التحسس النائي، وأخيرًا علم تطور الإنسان، ويضيف زاخرمان تعليقًا على هذه المادة الأخيرة في الجدول كما يلي:

 

"عند انتقالنا من العلوم المادية إلى الفروع التي تمتُّ بصلة إلى علم الأحياء النائي أو الاستشعار عن بعد، وحتى استنباط تاريخ الإنسان بواسطة المتحجرات ـ نجد أن كل شيء جائز وممكن خصوصًا للمرء المؤمن بنظرية التطور، حتى إنه يضطر أن يتقبَّل الفرضيات المتضادة أو المتضاربة في آن واحد"([15]).

 

إذًا فالقضية الملفَّقة لتطور الإنسان ليست إلا إيمانًا أعمى من قِبَل بعض الناس بالتأويلات غير المنطقية لأصل بعض المتحجرات المكتشفة.

 

أسس نظرية التطور:

إن نظرية التطور ترتكز في مضمونها على أسس ثلاثة، وهي: المصادفة، الانتخاب الطبيعي، الطَّفرة، وتفصيلها كالآتي:

 

1)  إن نظرية التطور تستند بأكملها إلى أساس المصادفة، وعبثًا يحاول البعض العثور على نقاط التقاء بين هذه النظرية وبين عقائدهم الدينية؛ ذلك أن صاحب النظرية (تشارلز داروين) يرى أن الكون والحياة هما نتيجتان للصُّدف، والتطور ليس إلا سلسلة من الصدف كذلك، ويتجلَّى تناقض داروين الواضح والصريح في نظريته في رسالته التي بعثها لطالب ألماني كان قد استفسر منه عنها من قبل، فنجد داروين يردُّ عليه ويقع أثناء رده في تناقض منطقي غير خافٍ على كل ذي عقل فيقول: "نستطيع القول: إن مفصل الباب مصنوع من قِبَل الإنسان، ولكننا لا نستطيع الادِّعاء بأن المفصل المدهش الموجود في مصادفة المحار هو من صنع كائن عاقل"، وبهذا يقع داروين في تناقض فادح يندر أن يشاهد مثله في دنيا العلم؛ إذ يذكر أن مفصل أي باب بسيط هو معمول من قِبَل الإنسان، ولكن المفصل الحي الذي يصفه بأنه "مدهش" ليس إلا نتيجة للمصادفة.

 

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                                                                  

 

 

 

                       

 

2)  وبينما تزعم نظرية التطور ظهور هذه الأحياء المتعددة عن طريق المصادفة، فإنها تحاول إيضاح انقسام الأحياء إلى هذه الأنواع الموجودة حاليًّا عن طريق الانتخاب الطبيعي؛ إذ يرى داروين أن التغيرات التي حدثت في الأحياء هي نتيجة للصدف والظروف المختلفة، وتؤدي هذه التغيرات إلى ظهور أحياء مختلفة، ونتيجة للصراع الموجود في الحياة، فإن الأقوياء يبقون وينقلون صفاتهم إلى أنسالهم عن طريق الوراثة، بينما تضمحل وتزول الأنواع الضعيفة التي لا تثبت أمام هذا الصراع، وذلك بفعل الانتخاب الطبيعي بين الأحياء.

 

ونجد هنا أيضًا نقطة ضعيفة جدًّا في نظرية التطور؛ ذلك لأننا إذا نظرنا بمنظار الانتخاب الطبيعي فإن من الضروري أن يكون عدد أنواع الأحياء في الماضي أضعاف العدد الموجود حاليًّا؛ وذلك لكي يكون الناتج النهائي بعد عمليات الانتخاب الطبيعي والانقراض هذا العدد الحالي البالغ مليونين تقريبًا، علمًا بأن نظرية التطور لم تستطع تفسير ظهور العدد الحالي عن طريق المصادفة، ولو فرضنا المحال وقلنا: إن احتمال ظهور الأحياء الموجودة حاليًّا عن طريق المصادفة هي بنسبة واحد إلى كذا مليار × مليار × مليار × مليار، فماذا نقول إذن في نظرية تحاول مضاعفة هذه الاستحالة أضعافًا وأضعافًا؟!

 

يقول مدير معهد علوم الحياة في جامعة باريس البروفيسور EtieneRabavd: لم تعد أفكار داروين صحيحة؛ ذلك لأنه لا وجود للانتخاب الطبيعي في صراع الحياة بحيث يبقى الأقوياء ويزول الضعفاء، فمثلًا: ضَبُّ الحدائق يستطيع الركد بسرعة؛ لأنه يملك أربع أرجل طويلة، ولكن هناك في الوقت نفسه أنواع أخرى من الضب له أرجل قصيرة حتى ليكاد يزحف على الأرض وهو يجرُّ نفسه بصعوبة، أما الثعبان الأعمى ـ الذي هو نوع آخر من الزواحف، التي تملك البنية الجسدية نفسها ـ حتى بالنسبة لأرجلها، وهي كذلك تتناول الغذاء نفسه، وتعيش في البيئة نفسها، والظروف الحياتية نفسها، فلو كانت هذه الحيوانات متكيِّفة مع بيئتها لوجب عدم وجود مثل هذا الاختلاف بين أجهزتها، وبالرغم من تماثل بيئة ضب الحدائق وغذائه مع بيئة الأنواع الأخرى من الضب وغذائها، إلا أنه ـ بالمقارنة معها ـ في وضع أفضل،  ويظهر لنا وكأنه يملك قابلية أكثر للعيش، أما الأنواع الأخرى فإنها لم تُمح ولم تُزل من الوجود على الرغم من الصعوبات التي تواجهها من جرَّاء ضعف بعض أعضائها؛ بل استمرت في الحياة والتكاثر، مثلها في ذلك مثل ضب الحدائق الذي هو في مركز متميز بالنسبة لها؛ أي إننا لا نجد في هذا المثال أي دليل أو إشارة للادعاء بأن الأقوياء يتكيَّفون  للحياة ويبقون، وأن الضعفاء يزولون نتيجة لضعفهم وعجزهم([16]).

 

هكذا فنَّد البروفيسور EtieneRabaud خطأ فرضية الانتخاب الطبيعي التي ارتكن إليها داروين في بناء نظريته، وجعلها بمثابة ضلع في وتد خيمته، وإذا ما علمنا أن الخيمة لا تقام على وتد أجوف خالٍ أدركنا مدى خوار هذه النظرية وعدم صلاحيتها.

 

يقول محمد فتح الله كولن ـ مفكر وداعية إسلامي تركي الجنسية ـ : إن الطفرات إحدى نقاط الارتكاز المزعومة لنظرية التطور، وهي الفرضية القائلة بأن التغيرات الحاصلة في شفرات جينات الكائن الحي عن طريق المصادفات أو عن طريق ظروف البيئة تكون إحدى عوامل التغيير عند الانتقال من نوع إلى آخر.

 

إن الكروموزومات([17]) الموجودة في نواة الخلية ـ التي تُعدُّ بمثابة مركز القيادة فيالخلية ـ تحتوي على الجينات، وكل الخصائص والمواصفات العائدة للكائن الحي موجودة، ومسجَّلة في جينات هذه الكروموزومات على شكل جزيئات D.N.A))،وهذه الجزيئات التيتشكِّل آلية القيادة والأوامر هي بمثابة مخزن جيني للمعلومات، وقد خُلقت بحيث تستطيع استنساخ نفسها؛ لذا فهي مرآة إلهية.

 

فكما يقوم جهاز الكمبيوتر عند الضغط على زر من أزراره بتقديم المعلومات المبرمجة في ذاكرته من قبل وعرضها أمامنا، كذلك تقوم هذه الآلية بتطبيق البرنامجالمدمج فيها بكل كفاءة ودون أي نقص أو قصور؛ بل تقوم بتشفير هذا البرنامج على الدوام، وبواسطة هذه الشفرات تستطيع الحفاظ على خصائص نوعها وتكون حارسة لها عندإصدار الأوامر لتحريك مختلف الفعاليات؛ أي إنه ما من تأثير خارجي يستطيع تغيير هذهالشفرات ولا اجتياز الحواجز والأسوار والموانع التي وضعتها هذه الشفرات، فلا تستطيعلا الطفرات ولا أي شيء آخر تغيير خط سير ذلك النوع.

 

أما فيما يخصُّ موضوع الإشعاعات والمواد الكيميائية؛ فإننا نعلم أن الإشعاعات والمواد الكيميائية والظروف الأخرى للبيئة تُحدث بعض التغييرات في شفرات جينات الأحياء وفي برامجها، ولكن مثل هذه التغييراتالحاصلة في الشفرات الجينية التي يُطلق عليها اسم "الطفرات" لاتستطيع العمل على إنتاج نوع جديد من الأحياء، ولا تغيير أي كائن حي من نوع إلى نوعآخر.

 

ولكن على الرغم من كل هذا؛ فإن الداروينيين الجدد يزعمون بأن هذه التغيُّرات تتلاحق وتتجمع؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ظهور نوع جديد، ولكن أيكفي عمر أي فرد لحصول كل هذهالتغيُّرات عنده؟ أي: أيكفي عمر الفرد ليتحوَّل إلى نوع آخر بهذه التغيُّرات؟ من الواضحأنه لا يكفي، ولكن لنفرض أنه يكفي، فهل هذه التغيُّرات تكون مفيدة وبمقياس يكفيلتحويله إلى نوع آخر؟

 

والإجابة العلمية عن هذه الأسئلة دون أي انطباع تأثُّري تكون: "هذا مستحيل"؛ إذ إن هذه التغيُّرات الحاصلة في الفرد تكون منالنوع السلبي، مثل: تشوُّه الأعضاء؛ أي من النوع الذي يضرُّ بالنسل، وقد أيَّد علم الجينات هذا الأمر.

 

إن الأبحاث الأخيرة الجارية حول مرض السرطان تشير إلى أن التأثيرات الضارة، مثل: الإشعاعات وتلوُّث الجو تُعدُّ من الأسباب المؤدِّية إلى تخريب الخلية وتشويهها الأمر الذي يكونسببًا في حدوث مرض السرطان، ثم إنه لم تتم مشاهدة أي تغيُّرات من هذا النوع لا فيالإنسان ولا في الأحياء المجهرية من العهود السابقة التي تستطيع الأبحاث العلميةالاستناد إليها.

 

 وقد أجرى العلماء ـ للبرهنة على صحة هذا الزعم ـ تجارب على ذبابةالفاكهة "دروسوفيلا" سنوات عديدة، وحصلوا على أكثر من 400 نوع مختلف من نسلها، وخلاصة هذه التجارب التي قام بها العلماء، والتي أُجريت على أكثر من 400 ذبابة من ذباب الفاكهة أظهرت أنه مع حصول تغيُّرات طفيفة عليها، إلا أنه من المستحيل أن يتغير نوعها أو ماهيتها؛ فقد حدثتتغيُّرات غير ذات أهمية على ذبابات الفاكهة نتيجة تأثير الشروط والظروف البيئيةعليها، مثلما يحدث على الإنسان من تغيُّرات بسيطة من ناحية اسمرار الجلد، أو ارتفاعضغط الدم، وعندما تـمَّت عمليات التناسل بين هذه الذبابات المتعرضة لهذه التغيُّرات لميتم الحصول على نسل جديد؛ أي أصبحت هذه الذبابات عقيمة، بالإضافة إلى ما ظهر عليها من تشوُّهات عديدة([18]).

 

إن أنصار نظرية التطور حاولوا أن يأتوا بمثال يدل على نماذج لتغيرات مفيدة عن طريق الإشعاعات؛ حيث قاموا بتعريض بعض الذبابات لإشعاعات، وبعد محاولات دامت عشرات الأعوام كانت النتيجة وجود ذبابات مريضة ومعاقة وناقصة.

 

  • النقد الموجَّه لنظرية داروين:

طلَّ علينا القرن الواحد والعشرون وقد تقدَّمت العلوم والتكنولوجيا، وخَطَت خطوات شديدة الاتساع في سبيل الكشف عن الحقائق، ومما تعرض له العلم الحديث كانت نظرية داروين، فأخذها ودرسها، وتمَّ التوصُّل لنتيجة مفادها: "تعارض نظرية داروين مع العلم الحديث".

 

إن أكبر الاعتراضات الموجَّهة لتلك النظرية من الممكن أن تنحصر في ثلاثة أمور:

 

أولًا: عدم مشاهدة أي ارتقاء من أي نوع كان في الأحياء الأرضية من عهد ألوف عديدة من السنين.

 

ثانيًا: عدم وجود الصور المتوسطة([19]) بين الأنواع اللازمة لمذهب التسلسل، كأن يوجد ـ مثلًا ـ حيوان أرقى من القرد رتبة واحدة وأدنى من الإنسان رتبة واحدة أيضًا.

 

ثالثًا: طول الزمان اللازم لحصول الترقِّي بين الأحياء؛ فإن عمر الأرض لا يكفي لإحداث كل ما يرى من هذه الأشكال المختلفة غاية الاختلاف([20]).

 

ولقد وجَّه العلم الحديث ضربته القاضية للنظرية الداروينية، وذلك من خلال مناقشته للافتراضات الثلاثة التي استندت إليها هذه النظرية؛ حيث تم مناقشتها موضوعيًّا وعلميًّا دون أية مؤثرات أو ضغوط مادية أو عصبية، وذلك كما يأتي:

 

الافتراض الأول: ومؤدَّاه أن الحياة قد نشأت على الأرض وتطورت مصادفة ودون خالق:

 وهذا الافتراض يتعارض مع القوانين الثابتة والحقائق العلمية الآتية:

 

  1. يكشف لنا العلم الحديث كل يوم أن الكون الذي نعيش فيه، يوجد به نظام بيئي متزن لدرجة متناهية في الدقة، وهذا أمر لا يمكن أن يحدث مصادفة، ولعل ما اكتُشِفَ من دور الكائنات الدقيقة المتخصصة في دورات العناصر وإكساب خصوبة التربة، وكذلك التوازن بين حرارة الجو وما يحتويه من بخار وثاني أكسيد الكربون، وأخيرًا ما تأكَّد حديثًا من دور غاز الأوزون في طبقات الجو العليا في حماية كافة صور الحياة على الأرض من فتك الأشعة فوق البنفسجية ـ كلُّ ذلك لا يمكن أن يحدث مصادفة؛ بل هو دليل على القصد والتدبير في الخلق والإبداع.

 

  1. إن القول بكون الخلية الحية وُجدت مصادفة وتطورت تلقائيًّا يتعارض مع قوانين الديناميكا الحرارية في الكيمياء الطبيعية التي تنص على أن الطاقة لا تفنى ولا تُستحدث، كما أنها تقطع كذلك بالاستحالة وجود الماكينة التي تدور تلقائيًّا إلى ما لا نهاية من دون بذل شغل أو طاقة.

 

وهذا يعني أن عدم إتمام أي تفاعل لبناء أيٍّ من الجزيئات أو الأنسجة الجديدة يقتضي وجود قوة مدبِّرة توفِّر القدر المطلوب من الطاقة كمًّا ونوعًا. وكذلك؛ فإن عليها أن توفر الظروف الـمُثْلَى لإتمام التفاعل وتحديد اتجاهه، فهذه قدرة لم يستطع أحد أن ينسبها لنفسه.

 

  1. تتميز كثير من الجزيئات البيوكيميائية في الخلايا الحية بأن لها تركيبًا نوعيًّا ونشاطًا ضوئيًّا غاية في الدقة والإبهار، فهل يتسنَّى أن يحدث هذا مصادفة؟!

 

  1. إن أحدث ما توصَّل إليه العلم في مجال البيولوجيا الجزئية([21]) والتكنولوجيا الحيوية([22]) والهندسة الوراثية([23]) ـ تتم فيه التجارب حاليًّا لنقل صفات وراثية من شريط الجينات من كائن عديد الخلايا إلى بعض البكتيريا، والأمل بناء جزيئات جديدة، ورغم أن علماء الهندسة الوراثية الذين يحاولون بناء الأحماض النووية بعد إلحاق أجزاء مأخوذة من جينات أخرى؛ أي إنهم يستعملون جزيئات حية تامة الصنع في عمليات إعادة البناء، ومع ذلك وبالرغم من أنهم يستخدمون لبنات بناء جاهزة وصلتهم عبر عصور وقرون التاريخ تامة الصنع، فهل يمكن أن يكابر الإنسان في أنها قد تكوَّنت مصادفة من غير صانع؟!

 

  1. بتطبيق قوانين الاحتمال الإحصائي أمكن حساب احتمال تكوُّن جهاز لدغ الثعبان في الحية الرقطاء دون غيرها من الثعابين بتأثير عامل المصادفة؛ فقد وجد أن هذا الاحتمال في كل 1/10أس (23) من السنوات؛ أي إنه واحد فقط في كل مئة ألف بليون بليون مصادفة.

 

  1. قام العالم تشارلز إيجين جاي ـ عالم رياضي سويسري ـ بحساب احتمال التكون بعامل المصادفة لجزيء بروتين واحد، فوجد أن هذا يمكن أن يحدث مرة كلما مرت فترة زمنية لا تقلُّ عن 24310 من السنوات، وهذا يزيد على بلايين أضعاف عمر الأرض، وهذا هو احتمال تكون جزيء واحد فقط من البروتين غير المتخصص.

 

الافتراض الثاني: ومؤدَّاه أن هناك سُلَّمًا للتطور:

تقول نظرية التطور: إن السُّلم قد بدأ بكائنات وحيدة الخلية، وتحت تأثير الظروف البيئية تم التطور إلى كائنات أكثر قدرة وأكثر تعقيدًا بتفوُّق الأصلح في الصراع من أجل البقاء، مع انقراض الأفراد الأقل صلاحية في التنافس والصراع، وهذا الافتراض الثاني تنقضه الحقائق الآتية:

 

  1. رغم مرور ملايين السنين منذ بدأت الحياة على الأرض فما زلنا نرى كائنات دقيقة وحيدة الخلية وعديدًا من الكائنات التي لم تنقرض رغم أنها ضعيفة بسيطة التركيب، ولا أدلُّ على ذلك من أننا نكتشف فيروسات جديدة كل يوم كما نكتشف أنواع البكتيريا ذاتها في حفريات الفراعنة.

 

  1. حين أعلن داروين نظرية التطور كان لا يعلم شيئًا عن قوانين مندل للوراثة، وعلم الوراثة علم راسخ الأركان، يقطع بأن الكائنات تتوارث صفاتها الوراثية عن طريق الجينات الوراثية للأبوين بغضِّ النظر عن الظروف البيئية، بينما تُصِرُّ نظرية التطور على القول بأن تطور صفات الكائنات يتم بتأثير ضغط البيئة والتنافس من أجل البقاء.

 

  1. حاول علماء التطور الاستعانة بحفريات وهياكل الكائنات المدفونة لمحاولة عمل سلم التطور، ولكن رغم الجهود المضنية فما زالت هناك فراغات في السلم لا يتسنَّى ملؤها.

 

  1. الاهتمام بالحفريات حمل بعض الانتهازيين على تزيف كثير من الهياكل العظمية، ومن أشهر الأمثلة ما حدث عام 1953م من الإعلان عن أن ما سُمِّي ببقايا الإنسان الأول Piltdown قد تبيَّن أنه بقايا عظام مزيفة تمامًا.

 

  1. أوضح عالم الفيزيقا البيولوجية الأمريكي Morqwitzعام 1979م أن هناك تحدِّيًا رئيسًا يواجه نظرية التطور، وهو أن خلايا الكائنات الحية على وجه الأرض تنقسم إلى نوعين:

 

الأول يُسمَّى Prokaryotic، وهي كائنات وحيدة الخلية خالية من الأغشية والأجسام الخلوية المتخصصة، ومن أمثلتها: البكتيريا والطحالب الخضراء، والميكوبلازم، وتكون المادة الوراثية فيها متمثلة في حامض نووي منفرد DNA.

 

أما النوع الثاني فيُسمَّى Eukaraotic، وتتميز بأن خلاياها مُزوَّدة بأجسام متخصصة، مثل: النواة والميتوندريا والليسوسومات والكلوروبلاستيدات... إلخ، كما أن المادة الوراثية تنتظم في كروموزومات تحوي كثيرًا من الجينات، وهذه بدورها تحوي أحماضًا نووية مع البروتينات المتخصصة.

 

ويشمل النوع الثاني مختلف أنواع النباتات والحيوانات، وكذلك الإنسان والخلايا الفطرية ومعظم أنواع الطحالب، ولا يدخل في ذلك الفيروسات؛ لأنها تمثِّل قسمًا ثالثًا متميزًا بذاته، وموضع التحدي أنه لا توجد أيَّة صورة وسيطة بين النوعين من الخلايا؛ الأمر الذي ينفي نظرية التطور من الكائنات البسيطة إلى الكائنات عالية التخصص.

 

ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن خلايا Prokayotes البسيطة تقوم بوظائف عالية التخصص وبالغة الأهمية في دورات العناصر على سطح الكون، وإكساب التربة خصوبتها، وتحلُّل الكثير من المخلفات العضوية...إلخ، وهذا يلفت النظر إلى أن حقيقة الحياة على الأرض هي أن كل مخلوق له وظيفة في إطار من التكامل والاتزان بالغة الدقة والحساسية.

 

  1. أعلن العالم الفرنسي "موند جاك" (MonodJack) ـ عالم فرنسي برع في الهندسة الوراثية ـ في الستينيات أن حدوث الطفرات الوراثية هو أداة تحقيق سلم التطور تحت تأثير المصادفة والحاجة، إلا أن البحوث التي أجريت على الدروسوفيلا وغيرها، قد أثبتت أن الطفرة لا تنشئ نوعًا جديدًا ولكنها تعطي انتخابًا محدودًا لأفراد من النوع ذاته بصفات قد تتفاوت، ولكن في حدود الوعاء الوراثي المحدَّد للنوع ذاته (thesamegenetic).

 

الافتراض الثالث: إن الإنسان من نسل القرود والشمبانزي والغوريلا:

  1. ولعل أول دليل على بطلان هذا الافتراض هو ما ثبت من عدم توافق التكاثر التناسلي بين الإنسان وأنواع القرود والشمبانزي والغوريلا، وهذا معناه ـ في ضوء علم التقسيم ـ أن الإنسان نوع منفرد وراثيًّا.

 

  1. وقد حاول بعض علماء الأجنة مجاراة نظرية التطور، فزعموا أن جنين الإنسان مزوَّد بفتحات خياشيمية زائدة، وأنها تمثِّل مرحلة تطور الإنسان من الحيوانات المائية مثل الأسماك، إلا أنه في عام 1959م استطاع العالم "راندل شورت" RendleShort ـ أستاذ الجراحة الشهير بجامعة بريستول (1880م ـ 1953م)، الذي قضى حياته في دراسة تشريح جسم الإنسان ـ أن يثبت خطأ هذا التفسير، وأثبت أن ما يُسمَّى بفتحات خياشيمية ليست زائدة بل هي عبارة عن ثنيات في الأنسجة لازمة لتثبيت الأوعية الدموية في جنين الإنسان، وقد كان هذا التفنيد قاطعًا، حتى إن جوليان هكسلي في كتابه عن التطور في صورته الجديدة قد اضطر للتسليم بما أثبته عالم التشريح راندل شورت.

 

  1. نشر فريق علماء الأنثروبولوجي المكوَّن من عشرة مختصين بقيادة TimWhiteـ الأستاذ بجامعة كاليفورنيا بيركلي عام 1987م ـ نتائج دراساتهم المضنية لفحص 302 من هياكل وعظام الحفريات Fossils، لما سُمِّي ببقايا إنسان ما قبل التاريخ الذي يفترض أنه عاش في جنوب شرق أفريقيا، والذي يُسمَّى HomoHabilis والذي كان يعتقد أن له صلة النسب في التطور بين الإنسان الحالي كما نعرفه وأجداده المزعومين من القرود أو الغوريلا أو الشمبانزي.

 

وقد أثبتت نتائج دراسة الفريق الأمريكي أن ما سُمِّي بإنسان ما قبل التاريخ يختلف تمامًا مع الإنسان الحالي؛ لأن العظام قد أثبتت أنه يتحرك على أربع، وأنه ليس بمنتصب القوام كالإنسان، كما أن طوله أقصر بشكل واضح، كما أن عظام الرأس وتجويف المخ تختلف تمامًا عن الإنسان الحقيقي، وقد اختتم فريق علماء الأنثربولوجي الأمريكي تقريرهم العلمي في عام 1987م بأن هناك فرقًا شاسعًا يعكس فراغًا واضحًا زمنيًّا وتشريحيًّا من ناحية التطور، بين ما سُمِّي بإنسان ما قبل التاريخ والإنسان الحقيقي.

 

وأنه من المقطوع به أن هناك تغييرًا دراميًّا ضخمًا قد حدث، نتج منه ظهور الإنسان على الأرض بحيث يصعب تصور ارتباط الإنسان الحقيقي بما يفترض أنه نشأ من نسلهم؛ حيث إن الإنسان الحالي متميز تمامًا ظاهريًّا وتشريحيًّا وسلوكيًّا وعقليًّا وقدرةً وملكات عن أي كائن آخر.

 

  1. أصل شعار البقاء للأصلح: كان داروين في نظريته يعكس ـ فكريًّا ـ معتقداته الاجتماعية والفلسفية التي اعتنقها كواحد ممن عاصروا وتتلمذوا على الفيلسوف الإنجليزي هربيت سبنسر (HerbtSpencer) ـ فيلسوف بريطاني (1820 ـ 1903م)، وهو صاحب مصطلح البقاء للأصلح ـ، كما كان كلٌّ منهما يدين في فلسفته لفكر الفيلسوف الاقتصادي الإنجليزي توماس روبرت مالتوس (Malthus) ـ باحث سكاني واقتصادي سياسي إنجليزي، مشهور بنظرياته المؤثرة حول التكاثر السكاني (1766ـ 1834م)، وهو من أوائل من تناولوا مشكلة ازدحام السكان وتزايدهم ـ .

 

وتعبيرات الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح هي تعبيرات من وضع  Spencer وذلك لتوضيح فكره في الفلسفة المادية اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وإذا كان Spencerيعتقد أن المجتمعات البشرية تتزاحم بشكل مضطرد، الأمر الذي يضطرها للتنافس من أجل المستقبل، وأن هذا التنافس في نظره من المحتَّم أن يتحوَّل إلى صراع، وأن الفوز في الصراع من أجل البقاء سيكون للإنسان الأقوى والأفضل، كما قام بتطبيق فكرة هذا التنافس الذي كان سائدًا في وقته بين الرجل الأبيض المتقدم والشعوب الملونة المختلفة، وكان من الطبيعي أن يرى أن هذا الفوز في الصراع لا بد وأن يكون للشعوب البيضاء الأوربية على الملونين المتخلفين؛ لأنهم أفضل وأقوى، وهذه هي الفلسفة نفسها التي استخدمها الاستعمار البريطاني والأوربي لتبرير احتلاله وحروبه الاستعمارية وراء البحار.

 

كما كانت هي نفسها الخلفية الفلسفية عن الصراع من أجل البقاء على سائر الكائنات، وأن يربط بين ما سجَّله من ملاحظات عن أوجه الشبه والخلاف بين الكائنات ونظرية البقاء للأصلح، فكانت نظريته عن أصل الأنواع والنشوء والتطور.

 

  1. الخصائص الفردية المميزة لكل إنسان: أثبتت دراسات البيولوجيا الجزئية أن كل إنسان متميز عن الإنسان الآخر في صفات فردية لا تتكرر، مثل بصمات أصابع اليدين والقدمين، الحامض النووي DNA الذي أصبح أحد وسائل الأدلة الجنائية، فضلًا عن تركيب الشعر ومجموعة الدم ونوع أجسام المناعة وبصمة الصوت والرائحة، وهي كلها ثوابت لا تتكرر بين بلايين البشر، وهذا يقطع بعدم صحة افتراض أن الحياة والتطور كانا بعامل المصادفة؛ بل هي أدلة عاقلة على أن الإنسان من صنع قوة عاقلة جبارة مبدعة جعلت كل إنسان مستقلًّا ومسئولًا، وميَّزته بملكات وقدرات ؛ ليعمر الأرض ويرفع ويقيم الحضارة الإنسانية.

 

  1. استُحدث أخيرًا علم جديد وهو: البيولوجيا الاجتماعية SocioBiology، ويقود هذا الاتجاه D.rEyengeSteiner منذ عام 1969م، وهو أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة بيل في أمريكا، وقد أوضح أن الإنسان ليس وليد سلم التطور، بل العلم برهن على أن الإنسان له من المميزات البيولوجية والذهنية والنفسية والروحية التي تمنحه القدرة على الكلام والتفكير، وترتيب الأسباب والاستنتاج المنطقي والمناقشة والتعارف والتعاون وتسخير غيره من الكائنات وصور البيئة لتكوين مجتمعات حضارية، كما أنه يتمتع بملكات الإبداع العلمي والأدبي والفني، وكذلك يتمتع بمشاعر وصور التعبير عنها، كما يستطيع التحكم فيها وفي سلوكه وعواطفه على أسس من النبل والأخلاق والمثل العليا، كما ينفر طبعه عن الشذوذ والسلوك غير الأخلاقي، وهذه كلها صفات مميزة للإنسان من كل الحيوانات والكائنات الأخرى، ولا أثر لها على ما يُسمَّى بسلم التطور الأمر الذي يقطع بعدم صلة النسب بين الإنسان والحيوان.

 

وفي عام 1977م تبنَّى علماء جامعة كاليفورنيا هذا العلم الجديد، ونشر العالم  الأمريكي (EdwardWilson)الأستاذ بجامعة كاليفورنيا كتابه الجديد في هذا المجال، وقد انتهى فيه إلى أن ما نلحظه من تشابه بين الإنسان والحيوان في وحدات التركيب الخلوي والجزيئي ـ رغم التميز القاطع للإنسان ـ هو الدليل الناصع على وجود قوة عاقلة جبارة مبدعة "الله".

 

  1. هذا وقد وقف جمع غفير من أكابر العلماء في مختلف المجالات الحيوية بالمرصاد لهذه النظرية وبيان أخطائها وعدم دقتها، ومن هؤلاء العلماء: ألبرت إينشتاين (1879م ـ 1955م) وهو صاحب قوانين النسبية، وكذلك عالم الكيمياء الأمريكي (LinusPauling) وهو الأستاذ بجامعة كاليفورنيا والحائز على جائزة نوبل، وكذلك العالم الأمريكي (Maxwell) وهو الذي ذكر في كتابه "العلم يعود إلى الله" أن نظرية داروين قد استنفدت أغراضها في زمن إعلانها، فضلًا عن أنه يجب مراجعة سريان هذه النظرية لكونها لا تتلاءم مع مستحدثات العلم في القرن العشرين فضلًا عن مطلع القرن الواحد والعشرين([24]).

 

وهكذا وبأفواه عقول رائدة في شتى المجالات الحيوية نجد أن نظرية داروين، التي كانت إحدى معالم الفكر في القرن التاسع عشر أصبحت غير قابلة للاستمرار والصمود.

 

ومن ثم؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان وصوَّره فأحسن تصويره، وأظهره إلى الوجود بشكل مفاجئ دونما صلة قربى ولا سلاسل تطورية تربطه لا بالقردة ولا بغيرها؛ قال سبحانه وتعالى: )ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل (102)( (الأنعام)، وقال: )هو الله الخالق البارئ المصور( (الحشر: ٢٤).

 

 

 

أما الآيتان 28، 29 من سورة الحجر، فإنهما تؤكِّدان إرادة الله في إيجاد خلق جديد في الأرض، وأنه خلقه بيديه من صلصال من حمأ مسنون، ولم تشر الآيتان إلى أن الله سيحوِّل قردًا إلى إنسان: )وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون (28) فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين (29)((الحجر).

 

الخلاصة:

  • إن نظرية التطور لا تتفق مع القرآن الكريم وبخاصة ما تحويه من أمور غيبية.

 

يجب أن يبقى خلق الإنسان بمعزل عن نظرية التطور؛ لأن الإنسان مُكرَّم ومُفضَّل على كل المخلوقات، واختصَّه الله بأنه صنعه بيديه، ونفخ فيه من روحه، قال سبحانه وتعالى:   ) ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (70)( (الإسراء).

 

  • لا يوجد تناقض بين العلم والقرآن، وكل ما يقوله الملحدون حول ذلك غير صحيح، فالانتقادات التي يطلقها هؤلاء المشككون ويدَّعون فيها أن القرآن لا يتفق مع العلم، هي مجرد وهم لا أساس له؛ لأن نظرية التطور تعاني من نقص كبير في المعلومات، فهي لا تُخبر كيف نشأت الخلية الأولى؟ ومن الذي أنشأها؟ كذلك لا تُخبر كيف يحدث التطور من كائن إلى آخر وفق قفزات؟ ولماذا يتم ذلك؟ كما أنها لا تخبرنا متى نشأ الإنسان؟ وأين؟ ومن الذي أنشأه؟ وكيف تطوَّر عن مخلوق آخر؟

 

  • إن نظرية التطور هي مجرد نظرية بيولوجية، توفِّر أفضل تفسير يشرح التنوُّع الذي نراه حولنا في الكائنات الحية؛ فهي محاولة للتفسير وليست حقيقة علمية، وإننا نعجب من هؤلاء العلماء الذين يعتقدون بالمصادفة ويؤمنون بالطبيعة، ولا يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا العالم بما فيه؟!

 

  • إنه لا يجوز إقامة أي حكم علمي على هذه النظرية، ولا يجوز أن نعدَّها حقيقة علمية تجاوزها العقل بالقناعة والقبول، وإن في استمرار سلسلة النقد والنقض التي تلاحقها لأبلغ شاهد على ذلك؛ ففكرة التطور وما يتبعها من انتخاب للأصلح لم تتجاوز بعد مرحلة الفرضية، وكل ما قيل أو كتب فيها لا يعدو أن يكون محاولات مبتورة تثير مزيدًا من مشكلاتها أكثر مما تحلُّ شيئًا من معضلاتها.

 

  • إن الواقع الذي نشاهده يتنافى مع ما أسماه داروين بالبقاء للأصلح؛ فالأرض بما قطعته من مراحل في عمرها المديد تعجُّ بالأصلح وغيره، ولو كان هذا القانون صحيحًا لكان من أبسط مقتضياته الواضحة ـ بقاء حيوانات مثل الديناصورات حية إلى الآن، وانقراض الحشرات والكائنات الأضعف.

 

  • إذا كان التطور دائمًا يتجه نحو الأصلح، فلماذا لا نجد القوى العاقلة في كثير من الحيوانات أكثر تطورًا وارتقاء من غيرها، ما دام هذا الارتقاء ذا فائدة لمجموعها؟ ولماذا لم تكتسب القرود العليا من القوى العاقلة بمقدار ما اكتسبه الإنسان مثلًا؟ فالحمار منذ أن عُرف إلى الآن ما زال حمارًا.

 

  • والتساؤل الذي يثور: أين الحلقة المفقودة بين القرد والإنسان؟ لماذا لم يبقَ لها أيُّ وجود أو أثر؟ ولماذ لم تبق كما بقيت تلك القردة؟ لماذا هذا البقاء لغير الأصلح؟ أمَا كانت هي الأحق أن تبقى؛ لأنها كانت هي الأقوى والأفضل والأحسن؟!

 

  • ولماذا وقف التطور عند الشكل الإنساني؟ فقد مرَّت آلاف السنين ولم نر أيَّ تطور ما قد حدث في جسم الإنسان؟ أو حتى أيَّة بادرة تشير إلى تغيُّر أي عضو فيه.

 

(*) الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة، أبو الأعلى المودودي، تعريب: خليل أحمد الحامدي، دار القلم، الكويت، ط4، 1400هـ/ 1980م.

 

[1]. نفثة: نفخة.

 

[2]. أصل الأنواع، تأليف: تشارلس داروين، ترجمة: مجدي محمود المليجي، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، العدد: 628، ط1، 2004م، ص51- 52.

 

[3]. السلوك الواعي لدى الخلية، هارون يحيى، مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت، ط1، 1424هـ/ 2003م، ص10.

 

[4]. لينيوس: كارولوس لينيوس، عالم نبات سويدي الجنسية، وكان طبيبًا وجيولوجيًّا ومُربيًّا وعالم حيوان، ألَّف كتاب: النظام الطبيعي (systema Nature) الذي وضع فيه أساس التصنيف العلمي الحديث.

 

[5]. لامارك: عالم فرنسي في علم النبات والحيوان، (1744م ـ 1829م).

 

[6]. الإسلام والاتجاهات العلمية المعاصرة، د. يحيى هاشم حسن فرغل، دار المعارف، القاهرة، ص22: 25 بتصرف.

 

[7]. داروين: تشارلز داروين، صاحب النظرية الدارونية (التطورية)، ولد في 12 فبراير 1809م، وهو باحث إنجليزي نشر في سنة 1859م كتابه "أصل الأنواع"، وقد ناقش فيه نظريته في النشوء والارتقاء، معتبرًا أصل الحياة خلية كانت في مستنقع آسن قبل ملايين السنين، وقد تطورت هذه الخلية ومرت بمراحل، منها مرحلة القرد، انتهاء بالإنسان، وهو بهذا ينسف الفكرة الدينية التي تجعل الإنسان منتسبًا إلى آدم وحواء ابتداء.

 

[8]. إرنست هيكل: فيلسوف وعالم أحياء ألماني، قام باكتشاف الآلاف من الكائنات الحية، (1834م ـ 1919م).

 

[9]. السلوك الواعي لدى الخلية، هارون يحيى، مرجع سابق، ص10.

 

[10]. هكسلي: توماس هنري هكسلي، عالم أحياء بريطاني لُقب بـ (Darwin,sbulldog) كلب داروين؛ لدفاعه القوي عن نظرية تشارلز داروين، (1825م ـ 1895م).

 

[11]. الانتخاب الطبيعي: يعني الاختيار والانتقاء وهو في النظرية التطورية يعني البقاء للأقوى والأصلح، وبهذا تحولت الحياة لصراع مستمر في غابة موحشة.

 

[12]. إنسان الغابة: نوع من القردة العليا الشبيهة بالإنسان يقطن في كل من بورنيو وسومطرة.

 

[13]. الحقيقة المطلقة، الله والدين والإنسان، د. محمد الحسيني إسماعيل، مطابع الأهرام، القاهرة، ص506- 507.

 

[14]. داروين ونظرية التطور، شمس الدين آق بلوت، ترجمة عن التركية: أورخان محمد علي، دار الصحوة، القاهرة، 1406هـ/ 1986م، ص100- 102.

 

[15]. السلوك الواعي لدى الخلية، هارون يحيى، مرجع سابق، ص107: 110 بتصرف.

 

[16]. داروين ونظرية التطور، شمس الدين آق بلوت، مرجع سابق، ص14: 20 بتصرف.

 

[17]. الكروموزومات أو الصبغيات الوراثية: عبارة عن عصيَّات صغيرة داخل نواة الخلية تحمل في داخلها تفاصيل كاملة عن خلق الإنسان.

 

[18]. الطفرات، محمد فتح الله كولن، مقال منشور بموقع: حراس العقيدة www.hurras.net.

 

[19]. الصورة المتوسطة: ومن الممكن أن نطلق عليها "الحلقات المتوسطة"، وهي كائنات منقرضة أو معاصرة

تجمع بين صفات طائفتين متتاليتين لتدل على وجود صفة بينهما، وهي دليل التطور في النظرية الداروينية

الحديثة.

 

[20]. الإسلام في عصر العلم، محمد فريد وجدي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، ص804- 805

بتصرف.

 

[21]. البيولوجيا الجزئية: أو علم الأحياء الجزيئي هو دراسة الأسس الجزيئية من عملية النسخ والاستنساخ والترجمة الجينية.

 

[22]. التكنولوجيا الحيوية (Biotechnologies): هي تطبيق المعلومات المتعلقة بالمنظومات الحية بهدف استعمال هذه المنظومات أو مكوناتها في الأغراض الصناعية.

 

[23]. الهندسة الوراثية: هو العلم الذي يبحث في تغيير أو التحكم في الجينات الوراثية للنبات والحيوان بصفة عامة، لمنع انتقال أي عيوب أو نقائص موجودة في الجيل الأول أو الجيل الأصلي إلى الأجيال التالية، وبهذا يمكن الوصول بالسلالات المتولدة عن بعضها بعضًا إلى السلالة الفائقة أو السلالة السوبر.

 

[24]. نظرية داروين للنشوء والتطور تتعارض مع الكشوف العلمية الحديثة، د. عبد الخالق حامد السباعي، مقال منشور بموقع: كلمة سواءwww.kalmasawaa.com.

 

  • الاربعاء PM 04:10
    2020-09-02
  • 1068
Powered by: GateGold