المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413385
يتصفح الموقع حاليا : 235

البحث

البحث

عرض المادة

"وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ "الآية. وفى سورة الأعراف:: "وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْ

قوله تعالى: "وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ "الآية.
وفى سورة الأعراف:: "وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ " فالقضية فى السورتين واحدة وقد ورد فى سورة البقرة: "نجيناكم " مضعفا وفى الأعراف: "أنجيناكم " غير مضاعف، وفى سورة البقرة: "يذبحون " وفى سورة الأعراف: "يقتلون "، وقد ورد فى سورة إبراهيم "يسومونكم سوء العذاب ويذبحون " منسوقا بحرف العطف ففى هذه الآية ثلاث سؤالات تعرض منها صاحب كتاب الدرة للفرق بين "يذبحون " وقوله تعالى فى سورة إبراهيم "ويذبحون " وأغفل ما سوى ذلك.
والجواب عن الأول: ان الوارد فى سورة البقرة مقصود به تعداد وجوه الإنعام على بنى إسرائيل وتوالى الامتنان ليبين شنيع مرتكبهم فى مقابلة ذلك الإنعام بالكفر ولنقدم لذلك تمهيداً فنقول: أنه تعالى بدأ عباده بالنعم وأحسن إليهم قبل إيجادهم حين ذكرهم فى الأزل بخصوص التكريم وسبقت رحمته غضبه وله المن والطول وعلى لحظ ما ذكرنا ورعيه جرى خطاب الخلق فى دعائهم إلى عبادته فقال تعالى فى أول وارد من ذلك فى كتابه العزيز على المعتمد من مقتضى الترتيب الثابت: "يأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " إلى قوله: "فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون " فذكرهم سبحانه بإيجادهم بعد العدم وجعله الأرض فراشا لهم والسماء بناء وانزال الماء من السماء واخراج الثمرات به وكل هذا انعام وإحسان منه لعباده من غير حاجة به إلى ذلك فدعا سبحانه الخلق لعبادته مذكراً بإنعامه عليهم وبهذا أمر رسله فقال لموسى عليه السلام: "وذكرهم بأيام الله " أى بآلائه ونعمائه وعلى هذا جرى خطاب بنى إسرائيل فى سورة البقرة فى أول خطاب خوطبوا به ودعوا إلى عبادة الله وتصديق من قدم لهم فى أمره وأخذ عليهم العهد فى الإيمان به فقال تعالى: "يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمت عليكم ".
فأجمل تعالى ثم فصل فذكر نجاتهم من آل فرعون وفرق البحر بهم ونجاتهم وهلاك عدوهم بالغرق ثم ذكر عفوه عنهم فى عبادة العجل وتوبته عليهم وبعثهم من موتهم عند طلبهم الرؤيا، وتظلياهم بالغمام إلى ما ذكر تعالى بعد هذا.
فلما كان موضع تعداد نعم وآلاء ذكروا بها ليزدجروا عن المخالفة والعناد ناسبه التضعيف لاثباته بالكثرة ولو قيل هنا واذ أنجيناكم لما أنبأبذلك ولا ناسب المقصود مما ذكر، وأيضا فإن التضعيف فى: نجيناكم يناسب التضعيف الوارد بعده فى قوله: "يذبحون "، ولم يكن لفظ أنجيناكم غير مضاعف ليناسب.
والجواب عن السؤال الثانى: والله أعلم ان الذبح منبئ عن القتل وصفته وأما اسم القتل فلا يفهم الا اعدام الحياة ويتناول من غير المقتول فى الغالب فعبر أولا بما يوفى المقصود من الاخبار بالقتل مع احراز الإيجاز، إذ لو ذكر القتل وأتبع الصفة لما كان ايجازا، فعدل إلى ما يحصل عنه المقصود مع ايجاز فقيل: "يذبحون " وعبر فى سورة الأعراف بالقتل لأنه أوجز من لفظ يذبحون لأجل التضعيف إذ لفظ يذبحون أثفل لتضعيفه وقد حصلت صفة القتل فى سورة البقرة فأحرز الإيجاز فى الكل وجاء على ما يجب ويناسب والله أعلم.
والجواب عن السؤال الثالث: وهو قوله تعالى فى سورة إبراهيم: "ويذبحون أبنائكم ويستحيون نسائكم " منسوقا بواو العطف فوجه ذلك والله أعلم ان هذه السورة مبنية على الإجمال والايجاز فيما تضمنته من قصص الرسل وغير ذلك ولم يقصد فيها بسط قصة كما ورد فى غيرها مما بنى على الاستيفاء وكلا المرتكبين مقصود معتمد عند العرب:
يرمون بالخطب الطوال وتارة وحى الملاحظ خيفة الرقباء
وعلى هذا جرى خطابهم فى الكتاب العزيز وتأمل المقصدين فقد ورد فى سورة الأعراف وسورة هود قصص نوح وهود وصالح ولوط وموسى عليهم السلام فتأمل ما ما بين ورود هذه القصص الخمس فى هاتين السورتين وورودها خمستها فى سورة القمر وكيف مدت أطناب الكلام فى السورتين الاوليين ثم أوجزت فى سورة القمر أبلغ ايجاز وأوفاه بالمقصود، فلما كان مبنى سورة إبراهيم عليه السلام على الإيجاز فيما تضمنت من هذه القصص افتتاحا واختتاما لقوله تعالى: "ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد " إلى قوله تعالى: "فردوا أيديهم فى أفواههم " وما بعد هذه من الآى وانه انضم فى هذه السورة إلى قصد الإيجاز تغليظ الوعيد فلبنائها على هذين الغرضين ورد فيها قوله تعالى: "واذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم " إلى قوله تعالى: "يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبنائكم " فأشار قوله سبحانه: "يسومونكم سوء العذاب " إلى جملة ما امتحنوا به من فرعون وآله من استخدامهم واذلالهم بالأعمال الشاقة وامتهانهم واستحياء نسائهم لذلك وذبح الذكور فلما وقعت الإشارة إلى هذه الجملة مما كانوا يمتحنونهم به جرد منها وعين يالذكر أشدها واعظمها امتحانا فجئ به معطوفا كما أنه مغاير لما تقدمه فقيل: "ويذبحون أبنائكم " فعين من الجملة هذا وخص بالذكر تعريفا بمكانة وشدة الامر فيه، وهو مما أجمل أولا وشمله الكلام المتقدم.
كما ورد فى قوله تعالى: "من كان عدوا لله وملائكته " ثم قال: "وجبريل وميكال " فخصهما بالذكر والتعيين اعلاما بمكانهما فى الملائكة بعد أن شملهم قوله تعالى: "وملائكته " فالوارد فى سورة إبراهيم من هذه القبيل وقد تبين زجهه واتضحت مناسبته والله أعلم بما أراد.
وأما إعراب آية البقرة فيمكن فى قوله تعالى: "يذبحون أبنائكم " أن يحمل على البدل وعلى الاستئناف وهو الأولى وكأن قد قيل وما ذاك؟ فقيل: يذبحون أبنائكم ولا إشكال فى الأخرى.

  • الاثنين PM 03:04
    2018-04-16
  • 4035
Powered by: GateGold