المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409182
يتصفح الموقع حاليا : 365

البحث

البحث

عرض المادة

الفرق المسيحية

- من البيان الذي سقناه في المجامع، وما انعقدت بسببه من خلافات يظهر لنا أن المسيحية قد أتى عليها حين من الزمن كان التوحيد هو السائد بين معتنقيها، والغائب على كل نحلة سواه من نحلها. وإنك لترى ذلك واضحاً فيما بيناه من أن أريوس عندما ظهر مقاوماً فكرة أُلوهية المسيح، ومنازعاً كنيسة الإسكندرية في ذلك المبدأ الذي كانت تبثه في النفوس وهو أُلوهية المسيح وتنادى به على رؤوس الأشهاد، بينما كان أتباعه في مصر وفلسطين والقسطنطينية، (وهذه مواطن المسيحية في ذلك الإبان) أكثر عدداً وأقوى مكانة، فكثير منهم أساقفة ورؤساء كنائس، وكل ذلك مع أن قسطنطين الإمبراطور الحاكم بأمره الذي لا معقب لحكمه كان يشايع فكرة أُلوهية المسيح ويناصرها، ويحميها ويؤيدها، كما بينا عند الكلام في مجمع نيقية إذ حمى القائلين أن المسيح فيه أُلوهية بحمايته، ووضعهم تحت ظله، وأمدهم بالجاه والسلطان.وإذا كان قد أتى حين كان فيه التوحيد هو السائد، فيصح لنا أن نقسم عصور المسيحية إلى قسمين:عصر التوحيد: ونجعل نهايته الزمن الذي انعقد فيه مجمع نيقية. أو ما ولي ذلك الزمن بقليل. إذ غالب التوحيد فكرة أُلوهية المسيح ردحاً غير قصير من الزمن بعد مجمع نيقية.والعصر الثاني: عصر تأليه المسيح، وذلك العصر يبتدئ بعد مجمع نيقية، وبعد أن استطاع أباطرة الرومان أن يطمسوا نور التوحيد في وسط المسيحيين، ويمنعوا الموحدين من نشر دعاياتهم.وإذن فمن الحق علينا أن نراعي هذا التقسيم عند الكلام في الفرق القديمة عند المسيحية، فنقسم تلك الفرق إلى قسمين:فرق ظهرت في عصر التوحيد، وربما كان وجود بعضها قبل مجمع نيقية إرهاصاً لعهد التثليث.وفرق ظهرت في عصر تأليه المسيح وعصر التثليث.ونقصد بالفرق القديمة الفرق التي ظهرت قبل عصر النهضة في أوربا أي قبل القرن الثالث عشر الميلادي، وتقصد بالفرق الحديثة الفرق التي ظهرت بعد عصر النهضة، وهي التي ظهرت في عهد الإصلاح الديني، وما والاه.
الفرق التي ظهرت في عصر التوحيد:98- والفرق التي ظهرت في عهد التوحيد كثيرة، وبعضها كان مستمسكاً بالتوحيد، ومعه الكثرة الغالبة من المسيحيين كما استنبطنا من السياق التاريخي وكما يستفاد من ثنايا التاريخ، وبعضها كان قد انحرف عن التوحيد، حتى كان وجوده تمهيداً للتثليث أو سيراً ببعض الخطوات في سبيله.وأظهر الموحدين أريوس وأتباعه، وقد كانوا كثيرين. فقد شرحنا إنه قد كان يأخذ بمذهبه بطريرك القسطنطينية وغيره من البطاركة، وكان رأيه منتشراً في مصر والشام ومقدونية، وهي مواطن المسيحية كما علمت.فرقة أريوس:يقول ابن حزم في بيان فرقة أريوس: "والنصارى فرق، منهم أصحاب أريوس، وكان قسيساً بالإسكندرية، ومن قوله التوحيد المجرد، وأن عيسى عليه السلام عبد مخلوق، وإنه كلمة الله تعالى التي بها خلق السماوات والأرض، وكان في زمن قسطنطين الأول باني القسطنطينية، وأول من تنصر من ملوك الروم، وكان على مذهب أريوس.وهذا الكلام يحتاج جزؤه الأخير إلى نظر، فهو يزعم أن قسطنطين كان على مذهب أريوس، وقد بينا عند الكلام في مجمع نيقية، إنه هو الذي تدخل بنفوذه وسلطانه، فعزل أنصار لاهوت المسيح، وأعتبر المجمع مكوناً منهم دون سواهم، وقد كان المجتمعون أول الأمر أكثر من ألفين، فرفض رأي الكثير، وعقد مجمعاً مؤلفاً من ثمانية عشر وثلاثمائة، بينما يذكر الثقات من المؤرخين إنه قد صرح بنصرة أريوس من المجتمعين أكثر من سبعمائة.نعم لن الأريوسيين قد حاولوا بعد ذلك جذبه إلى رأيهم، وضمه إلى مذهبهم ليستفدوا منه قوة وسلطاناً، فمال إليهم أخيراً، أو أظهر الميل، وأن كان لم يعمل على نصرة مذهبهم، ولم يعقد مجمعاً ليقرر رأيهم، كما فعل بالنسبة لغيره، وأقصى ما عمله إنه رد المحرومين إلى حظيرة المسيحية، وأعاد المنفيين من منفاهم، ومكنهم من الاستمتاع بنعمة الحرية. ولعل ذلك كان كياسة منه وسياسة، إذ رآهم كثرة المسيحيين الغالبة. وأقوالهم هي الشائعة الرائحة، فأظهر الميل إليهم حتى لا ينقضوا عليه.

  • الاربعاء PM 01:54
    2016-11-02
  • 2927
Powered by: GateGold