المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412387
يتصفح الموقع حاليا : 351

البحث

البحث

عرض المادة

عقيدة التثليث

66- قال الدكتور بوست في تاريخ الكتاب المقدس: "طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية: الله الأب، والله الابن، والله الروح القدس، فإلى الأب ينتمي الخلق بواسطة الابن، وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير".ويفهم من هذا أن الأقانيم الثلاثة عناصر متلازمة لذات الخالق.التوراة والتثليث:وقد فسر هذا المعنى القس بوطر في رسالة صغيرة، سماها الأصول والفروع، وإليك ما جاء فيها: "بعد ما خلق الله العالم، وتوج خليقته بالإنسان لبث حبنا من الدهر لا يعلن له سوى ما يختص بوحدانيته، كما يتبين ذلك من التوراة، على إنه لا يزال المدقق يرى بين سطورها إشارات وراء الوحدانية، لأنك إذا قرأت فيها بإمعان تجد هذه العبارات:"كلمة الله، أو حكمة الله، أو روح القدس" ولم يعلم من نزلت عليهم التوراة ما تكنه هذه الكلمات من المعاني، لأنه لم يكن قد أتى الوقت المعين الذي قصد الله فيه إيضاحها على وجه الكمال والتفصيل، ومع ذلك فمن يقرأ التوراة في ضوء الإنجيل يقف على المعنى المراد، إذ يجدها تشير إلى أقانيم في اللاهوت. " ثم لما جاء المسيح إلى العالم أرانا بتعاليمه وأعماله المدونة في الإنجيل أن له نسبة سرية أزلية إلى الله، تفوق الإدراك، ونراه مسمى في أسفار اليهود: "كلمة الله" وهي ذات العبارة المعلنة في التوراة، ثم صعد إلى السماء أرسل روحاً، ليسكن بين المؤمنين، وقد نبين أن لهذا الروح أيضاً نسبة أزلية إلى الله فائقة، كما للابن، ويسمى الروح القدس، وسر ذات العبارة المعلنة في التوراة كما ذكرنا، ومما تقدم نعلم بجلاء أن المسمى بكلمة الله والمسمى بروح الله في نصوص التوراة هما المسيح والروح القدس المذكوران في الإنجيل، فما لمحت إليه التوراة صرح به الإنجيل كل التصريح، وإن وحدة الجوهر لا يناقضها تعدد الأقانيم، وكل من أنار الله ذهنه وفتح قلبه فهم الكتاب المقدس لا يقدر أن يفسر الكلمة بمجرد أمر من الله أو قول مفرد، ولا يفسر الروح بالقوة التأثيرية، بل لابد له أن يعلم أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم متساوين في الكمالات الإلهية، وممتازين في الاسم والعمل، والكلمة والروح القدس اثنان منهم، ويدعى الأقنوم الأول الأب ويظهر من هذه التسمية إنه مصدر كل الأشياء ومرجعها، وأن نسبته للكلمة ليست صورية بل شخصية حقيقة، وبمثل للإلهام محبته الفائقة، وحكمته الرائعة، ويدعى الأقنوم الثاني الكلمة، لأنه يعلن مشيئته بعبارة وافية، وإنه وسط المخابرة بين الله والناس، ويدعى أيضاً الابن، لأنه يمثل العقل نسبة المحبة، والوحدة بينه وبين أبيه، وطاعته الكاملة لمشيئته، والتمييز بين نسبته هو إلى أبيه، ونسبة كل الأشياء إليه، ويدعى الأقنوم الثالث الروح القدس، الدلالة على النسبة بينه وبين الأب والابن، وعلى علمه في تنوير أرواح البشر، وحثهم على طاعته".
الابن لا يعني به الولادة البشرية:وبناء على ما تقدم يظهر جلياً أن عبارة الابن لا تشير كما فهم بعضهم خطأ إلى ولادة بشرية، ولكنها تصف سرية فائقة بين أقنوم وآخر في اللاهوت الواحد، وإذا أراد الله أن يفهمنا تلك النسبة لم تكن عبارة أنسب من الابن للدلالة على المحبة والوحدة في الذات، والأمانة للمشورة الإلهية، وأما من حيث الولادة البشرية فالله منزه عنها، لأجل هذه الإيضاحات علم خدام الدين المسيحي واللاهوتيون حسب ما قررته الكلمة الإلهية أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم، حسب نص الكلمة الأزلية، ولكل منهم عمل خاص في البشر أ. هـ. بنصه تقريباً.ونجد كاتب هذا الكلام يحاول ثلاث محاولات:أولاها: إثبات أن التوراة وجد فيها أصل التثليث، لوحت به ولم تصرح، وأشارت إليه، ولم توضح.وثانيها: أن في اللاهوت ثلاثة أقانيم، وهي في شعبها متغايرة وأن كانت في جوهرها غير متغايرة.وثالثها: إن العلاقة بين الأب والابن ليست ولادة بشرية، بل هي علاقة المحبة والإتحاد في الجوهر.ولقد كان بيان ذلك المعنى أوضح من هذا البيان في قول القس إبراهيم سعيد في تفسير بشارة لوقا، فقد جاء فيه تفسير معنى كلمة ابن العلى التي جاءت في إنجيل لوقا ما نصه: "يليق أن نوضح بكلمات موجزة المعنى المراد" "بابن العلي" أو "ابن الله" علم يقصد بها ولادة طبيعية دانية من الله وإلا لقيل ولد الله، ولم يقصد بها ما يقال عادة عن المؤمنين جميعاً إنهم أبناء الله، لأن نسبة المسيح لله هي غير نسبة المؤمنين عامة الله، ولم يقصد بها تفرقة في المقام من حيث الكبر والصغر ولا الزمنية ولا في الجوهر، لكنه تعبير يكشف لنا عمق المحبة السرية التي بين المسيح والله، وهي محبة متبادلة، وما المحبة التي بين الأب والابن الطبيعيين سوى أثر من آثارها، وشعاع ضئيل من بهاء أنوارها، ويراد بها إظهار المسيح لنا إنه الشخص الوحيد الذي جاز رضا الله، وأطاع وصاياه، فقبل الموت موت الصليب، لذلك يقول الله فيه: "هذا ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا" وقد تكررت هذه العبارة عدة مرات مدة خدمة المسيح على الأرض لأنه تمم إرادة الله في الفداء، ويراد بها إظهار التشابه والتماثل في الذات، وفي الصفات وفي الجوهر، كما يكون بين الأب والابن الطبيعيين، فقيل عن المسيح إنه بهاء مجد الله، ورسم جوهره، وقال هو عن نفسه: من رآني فقد رأى الأب، إنا والأب واحد، ويراد بها دوام شخصية المسيح باعتباره الوارث لكل شيء الذي منه وبه له كل الأشياء، وقد يراد بها معان كثيرة غير معدودة بقصر دون إدراكها العقل".
الثالوث أشخاص متغايرة، وإن كان وجودها متلازماً:67- وفي هذا التفسير، والتفسير الذي سبقه يبدو بجلاء أن شخصية الابن غير الأب، وكذلك روح القدس، ولمن هل يدخل في الأقنوم الثاني جسده وروحه؟ جاء في كتاب خلاصة تاريخ المسيحية في مصر: "كنيستنا المستقيمة الرأي التي تسلمت إيمانها من كيرلس وديسقوروس. ومعها الكنائس: الحبشية، والأرمنية والسريانية والأرثوذكسية تعتقد أن الله ذات واحدة مثلثة الأقانيم. أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم الروح القدس، وأن الأقنوم الثاني أي أقنوم الابن تجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء، مصيراً هذا الجسد معه واحداً وحدة ذاتية جوهريي منزهة عن الاختلاط والامتزاج والاستحالة، بريئة من الانفصال، وبهذا الإتحاد صار الابن المتجسد طبيعة واحدة من طبيعتين، ومشيئة واحدة".وتعتقد الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية بأن للأقنوم الثاني طبيعتين ومشيئتين، ومن هذا نرى أن الكنائس كلها تعتقد التثليث، وهذا هو موضع اتفاق. ولكن موضع الخلاف بينها هو العنصر الإلهي في المسيح، أهو الجسد الذي تكون من الروح القدس ومن مريم العذراء الذي باختلاطه بالعنصر الإلهي صار طبيعة واحدة ومشيئة واحدة أم أن الأقنوم الثاني له طبيعتان ومشيئتان؟.68- ومن هذا كله يفهم أن المسيحيين على اختلافهم يعتقدون أن في اللاهوت ثلاثة يعبدون، وعباراتهم تفيد بمقتضاها إنهم متغايرون وإن اتحدوا في الجوهر والقدم، والصفات، والتشابه بينهم كامل، ولكن كتابهم يحاولون أن يجعلوهم جميعاً أقانيم لشيء واحد، وبعبارة صريحة يحاولون الجمع بين التثليث والوحدانية، ولكن عند هذه المحاولة تستغلق فكرة التثليث، وتصير بعيدة عن القصور، كما هي في ذاتها مستحيلة التصديق، وإن كتابهم أنفسهم يعتقدون أنها بعيدة التصور عند هذه المحاولة، لأن من أصعب الأشياء الجمع بين الوحدانية والتثليث.فنرى صاحب رسالة الأصول والفروع بعد بيان عقيدة التثليث، يقول: "قد فهمنا ذلك على قدر طاقة عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهماً أكثر جلاء في المستقبل، حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السموات وما في الأرض، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية" أي أن عقيدة التثليث لا يمكن أن تنكشف للنفس على وجهها إلا يوم تتجلى كل الأشياء لها يوم القيامة، وذلك حق، فإنهم لا يعلمون حقيقتها إلا يوم يحاسبهم الله عليها.لماذا يحاولون الجمع بين الوحدانية والتثليث:ولماذا شغف النصارى بذكر التوحيد بجوار التثليث، أو على الأقل يجتهد بعضهم في بيان إنه لا منافاة بينهما؟ لعل الذي يدفعهم إلى ذلك هو اعتبارهم التوراة كتاباً مقدساً عندهم، وهي تصرح بالتوحيد، وتدعو إليه، وتحث عليه، وتنهي عن الشرك بمل شعبه، وكل أحواله، بل تدعو إلى البراءة من المشركين أينما كانوا، وحيثما تقفوا.فهم يجتهدون أولاً في أن يستنبطوا من نصوصها ما يحملونه على الإشارة إلى التثليث، كعبارة "كلمة الله" أو عبارة "روح القدس".وثانياً: يحاولون أن يرجعوا التثليث إلى الوحدانية، لتلتقي التوراة مع الإنجيل فيقربوا التوراة إليهم بتحميل عباراتها ما لا تحتمل، ويقربوا عقائدهم من التوراة بتضمين ثالوثهم معنى التوحيد، وإن كان هو أيضاً لا يحتمل ذلك، ولعل ذلك تتميم للفلسفة الرومانية التي كانت تحاول الجمع بين مسيحية المسيح عليه السلام، ووثنية الرومان، وتوراة اليهود بما تحمل من وحدانية ظاهرة لا شبة فيها، إلا التجسيد، لو ما يوهمه في بعض عباراتها.69- ولقد يجتهد كتاب المسيحية في إثبات أن عقيدة التثليث وأُلوهية المسيح قد وردت بها كتبهم المقدسة، ويسندونها إلى آياتها، سواء أكانت من كتب العهد القديم، أم من كتب العهد الجديد، فيقول صاحب كتاب الأصول والفروع: "أما لآيات الإلهية التي تثبت لاهوت المسيح فهي كثيرة جداً، ولضيق المقام نكتفي باقتباس شيء يسير، فمن أقواله تعالى بلسان أشعياء النبي: "ها العذراء تحبل، وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل (أي الله معنا) " وقوله: "كأنه يولد لنا ولد ونعطي أبناً، وتكون الرياسة على كتفه: ويدعى اسمه عجيباً، مشيراً إلها قديراً، أبا أبدياً رئيس السلام": أشعيا 7: 94 و9: 6 -.وعند عماده وتجليه على الجيل شهد له الله من السماء بصوت مسموع قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" متى 3: 18 و17، ص 5.ويشهد له يوحنا الرسول قائلاً: في البدء كان كلمة والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله ... كل شيء به كان. وبغيره لم يكن شيء، والكلمة صار جسداً، وحل بيننا، ورأينا مجده مجداً، كما للوحيد من الأب مملوءا نعمة وحقاً. يوحنا 1: 1و 3و 4.وقال المسيح نفسه: أنا والأب واحد، يوحنا 10: 30، وقال له أحد تلاميذه: "ربي وإلهي" يوحنا 20: 28 وقبل منه السجود. ولم يوبخه على دعوته إلهاً، ولما سأله رئيس الكهنة، وقال له: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟ أجابه المسيح على الحلف: "أنا هو" قال متى 26: 63 بمرقس 14: 62، وحينما ركب البحر الجليل أظهر طبيعتي لاهوته وناسوته الكليتين، وذلك بينما كان نائماً هاجت الرياح، واضطربت الأمواج، فقام من النوم وأسكتها، فصار هدوء عظيم، متى 8: 23 - 27 فبنومه أظهر ناسوته، وبتسكينه الأمواج والرياح أظهر لاهوته".ويقول صاحب ذلك الكتاب في أقنوم روح القدس: "ومن حيث أقنومية الروح القدس فظاهر من كلمة الله، لأن أشعياء يقول: "ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدواً، وهو حاربهم"، أشعياء 6: 10.ويقول الرسول بولس: لا تحزنوا روح الله القدس، ومن المعلوم أنه إن كان للروح قوة، أو صفة، أو شيء من الأشياء غير العاقلة لا يمكن أن يحزن، أو يفرح أبداً، فلابد أن يكون أقنوماً.ثم نقرأ في سفر الأعمال أن الروح قال للرسول: "أفرزوا إلى برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه".وهكذا يسترسل في أمثال هذا الاستدلال إلى أن يقول: "وقيل عن أعمال الله إنها أعمال الروح هو الذي خلق العالم، ويجدد النفوس، والمولود منا مولود من الله، ويحيى أجسادنا الميتة، وهو على كل شيء قدير".وفضلاً عما ذكر تجد في الكتاب أن الحقوق والصفات الإلهية تنسب على سواء إلى كل من الأب والابن والروح القدس.ولكل منهم نقدم العبادة وهم متساوون ومتحدون، كما نرى في دستورية المعمودية: "عمدوا باسم الأب والابن وروح القدس". متى 18: 19، "والبركة الرسولية نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة وبركة الروح القدس مع جميعكم.70- هذه هي استدلالاتهم من كتبهم لإثبات عقيدة التثليث، والإبراء عليها، وإثبات سندها من تلك الكتب، قد أطلنا في نقلها عنهم، واقتطعناها من عباراتهم بنصها، ولم نتصرف فيها بأي نوع من أنواع التصرف في البيان خشية التزيد عليهم، وخشية أن يؤدي التصرف في التعبير إلى التغير في الفكرة، وترى إنهم لم يعتمدوا في إثبات تلك العقدية على أي دليل عقلي، بل كل اعتمادهم على ما عندهم من نقل يحملونه من أثقال المعاني ما تنوء به العبارات، ولا تحتمله أبعد الإشارات، وإنهم إذا حاولوا أن يربطوا قضية التثليث بالعقل حاولوا جهد الطاقة أن يجعلوا العقل يستسيغها في تصوره، ويحسون أن العقل لا يكاد يستسيغ ذلك التصور، وقد نقلنا لك من عباراتهم ما يفيد ذلك، فارجع إليه.وإذا كانت محاولاتهم تصور القضية قد أجهدتهم، وكلفتهم ما لا يطيقون، فكيف يستطيعون أن يجعلوا من بدائه العقل ما يحمله على تصديق ما يدعون والاقتناع بما يقولون، لذلك لم يحاولوا أن يتجهوا إلى العقل لإثبات قضيتهم من بدهياته، فإن ذلك ليس في قدرة أحد، إذ ليس في قدرة أحد من البشر جميع النقيضين في قرن، والتوفيق بين الأضداد، وقضيتهم والبدهيات العقلية نقيضان لا يجتمعان.ونرى أن اعتمادهم على النقل لا يغني من الحق شيئاً، لأن شروط الإنتاج في استدلالهم غير مستوفاة، إذ ترى أن تلك العبارات التي عثروا عليها في كتبهم لا تفيد على وجه القطع ما يريدون، بل قد تفيد بأبعد أنواع الاحتمالات، أو باحتمال قريب، ومن المعلوم في قواعد الاستدلال أن الاحتمال إذا دخل الاستدلال أبطله، وكل أدلتهم ينفذ الاحتمال إليها من كل جانب. هذا وان الاستدلال بكتبهم يفيد من يصدقها وهي ذاتها يعروها النقد العلمي في سندها، وفي متنها من كل ناحية، فهي في ذاتها في حاجة إلى دفاع طويل لإثباتها، وقد بينا ذلك كله في موضعه من بحثنا.

  • الاثنين PM 04:36
    2016-10-24
  • 3618
Powered by: GateGold