المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413452
يتصفح الموقع حاليا : 206

البحث

البحث

عرض المادة

مصادر المسيحية بعد عيسى - عليه السلام -2

إنجيل مرقس:30- يقول المؤرخين أن اسمه يوحنا ويلقب بمرقس، ولم يكن من الحواريين الاثني عشر الذين تتلمذوا للمسيح، واختصهم بالزلفى إليه، وأصله من اليهود، وكانت أسرته بأورشليم في وقت ظهور السيد المسيح، وهو من أوائل الذين أجابوا دعوته، فاختاره من بين السبعين الذين نزل عليهم روح القدس في اعتقادهم من بعد رفعه، وألهموا بالتبشير بالمسيحية، كما ألهموا مبادئها. ويقول صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية: "وقد أجمعت تقاليد الطوائف المسيحية على أن الرب يسوع كان يتردد على بيته، وإنه في هذا البيت أكل النصح مع تلاميذه، وفي إحدى غرفه حل الروح القدس على التلاميذ". وجاء في سفر الأعمال: "أن الرسل بعد صعود السيد المسيح كانوا يجتمعون في بيته" ولقد لازم مرقس خاله برنابا (وهو من الرسل) وبولس الرسول في رحلتها إلى أنطاكية وتبشيرهما بالمسيحية فيها، ثم تركها بعد ذلك، وعاد إلى أورشليم، ثم التقى مرة أخرى بخاله، واصطحبه إلى قبرص، ثم افترقا، فذهب إلى شمال أفريقية ودخل مصر في منتصف القرن الأول، فأقام بها وأخذ يدعو إلى المسيحية التي كانت أخبارها قد سبقته إليها، وقد وجد في مصر أرضاً خصبة لقبول دعوته، فدخل فيها عدد كبير من المصريين، وكان يسافر من مصر أحياناً إلى رومة وأحياناً إلى شمال أفريقية، ولكن مصر كانت المستقر الأمين له، فأستمر بها إلى أن ائتمر به الوثنيون، فقتلوه بعد أن سجنوه وعذبوه، وكان ذلك سنة 62 من الميلاد، وقد جاء في كتاب مروج الأخبار في تراجم الأبرار أن مرقس كان ينكر ألوهية المسيح هو وأستاذه بطرس الحواري، وقد جاء في ذلك الكتاب عن مرقس: "صنف إنجيله بطلب من أهالي رومية، وكان ينكر ألوهية المسيح".اللغة التي كتب بها إنجيل مرقس وتاريخ تدوينه والاختلاف فيه وفي الكتاب:31- وقد كتب هذا الإنجيل باللغة اليونانية، ولم نر أحداً من كتاب المسيحيين ناقض ذلك، وقد ذكر الدكتور بوست في كتابه (قاموس الكتاب المقدس) إنه كتب الإنجيل باليونانية، وشرح فيه بعض الكلمات اللاتينية وأخذ من ذلك إنه كتب في رومة. ويجئ مثله في تاريخ ابن البطريق،خفيه: "وعصر تارون قيصر كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عن مرقس في مدينة رومية، ونسبه إلى مرقس".ونوجه نظر القارئ إلى ما قاله ابن البطريق من أن الذي كتب الإنجيل هو بطرس عن مرقس، ونسبه إليه، فكان بطرس راوي مرقس، مع أن الأول رئيس الحواريين - كما يقول ابن البطريق - والثاني من تلاميذه، كما جاء في كتاب مروج الأخبار في تراجم الأبرار. وإذا كان ذلك الإنجيل خلاصة علمه بالمسيحية، فإذا رواه عنه أستاذه، فقد روى هذا عن مرقس ما ألقاه عليه وعلمه، وإن ذلك لغريب، ولقج ذكر هذا الأمر صاحب مرشد الطالبين: "قد زعم إنجيل مرقس كتب بتدبير بطرس سنة 61 لنفع الأمم الذين كان ينصرهم بخدمته". وقد ذكر الأمر بلفظ الزعم، كأنه لا يصدقه، وإنه لا يراه مقبولاً، كما نراه غريباً، ولكن هكذا يذكر الرواة. وبجوار هؤلاء الذين يقولون أو يزعمون أن إنجيل مرقس كتب بتدبير من بطرس، وبولس، فقد قرر الكاتب أرينيوس: "أن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس".وفي الحق أن ذلك الاختلاف، وإن كان زمنياً في ظاهره، هو في معناه ولبه، اختلاف في شخص المحرر لهذا الإنجيل. فابن البطريق، وهو من المؤرخين المسيحيين الشرقيين يقرر أن الذي كتبه هو بطرس عن مرقس، ونسبه إليه، وأرينيوس يقرر أن الذي كتبه هو مرقس من غير تدبير بطرس، لأنه كتبه بعد موته. فمن الكاتب إذن؟ ليس بين أيدينا ما ترجح به إحدى الروايتين على الأخرى!. ولنتجاوز هذا إلى تاريخ كتابة ذلك الإنجيل، فنجدهم أيضاً قد اختلفوا في زمان تأليفه. وقد قال في ذلك هورن: "ألف الإنجيل الثاني سنة 56 وما بعدها إلى سنة 65 والأغلب إنه ألف سنة 60 أو سنة 63"، ويقول صاحب كتاب المرشد الطالبين: إنه كتب سنة 61.
إنجيل لوقا:32- يقولون: إن لوقا ولد في أنطاكية، ودرس الطب، ونجح في ممارسته ولم يكن من أصل يهودي، ولقد رافق بولس في أسفاره وأعماله،وجاء في رسائل بولس ما يشير إلى هذه الرفقة، وتلك الأزمة. ففي الإصحاح الرابع من رسالته إلى كولوسي يقول: "ويسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب"، وفي الإصحاح الرابع من رسالته الثانية إلى أهل تيموتاوس يقول: "لوقا وحده معي"، وفي رسالته إلى أهل فليمون يقول: "مرقس وارسترخس وديماس ولوقا العاملون معي". من هذا كله يفهم أن لوقا هذا هو الأنطاكي، الطبيب، ومثل هذا جاء في تاريخ ابن البطريق، ويستنبط القس إبراهيم سعيد من كون بوقا طبيباً معاني كثيرة تسمو بإنجيله، فيقول: "وكان لوقا طبيباً، وهذه المهنة لها قيمتها الخاصة لأنها تلقي على حياة لوقا نورا ساطعاً، فترينا إياه الرجل العلمي العملي المدقق المحقق، الرقيق الأسلوب، الجميل الديباجة، لأن الرومان لم يسمحوا في وقتهم لأحد أن يتعاطى مهنة الطب، إلا لمن جاز امتحانات عدة على جانب عظيم من الصعوبة والدقة والخطورة"، ثم يبين: "أن كونه طبيباً قد سرد ولادة المسيح من غير أب سرداً طبيعياً هادئاً من غير محاولة التدليل على جوازه، يؤخذ منه أن ذلك ليس ضد العلم، وإن كان فوق متناول العالم، وليس ضد الطبيعة، وإنه فوق مجرى الطبيعة". ويرجح - كما قال كثيرون - إنه ولد بأنطاكية، ولكن الدكتور بوست يقرر إنه لم يكن أنطاكيا، ويبين أن الذين يقولون إنه أنطاكي وعموا ذلك أو ظنوه من اشتباهه بلوكيوس، فيقول: ظن بعضهم إنه (لوقا) مولود في أنطاكية إلا أن ذلك ناتج من اشتباهه بلوكيوس. وزعم بوست إنه كان رومانيا نشأ بايطاليا. ومهنة الطب التي نسب إليها ليست أيضاً موضع اتفاق، لأن بين المؤرخين المسيحيين من يقرون إنه كان مصوراً.ومن هذا يتبين أن الباحثين ليسوا على علم يقيني بمولد وصناعة كاتب هذا الأنجيل، فمن قائل إنه انطاكي ولد بانطاكية، ومن قائل إنه روماني ولد بايطاليا، ومن قائل إنه كان طبيباً، ومن قائل إنه كان مصوراً، وكلهم يتفقون على إنه من تلاميذ بولس ورفقائه، ولم يكن من تلاميذ المسيح، ولا من تلاميذ حوارييه. ولبولس هذا شأن خطير في المسيحية كما سنبين.من كتب لهم إنجيل لوقا، ولغته، واختلافهم حوله:ويختلفون أيضاً في القوم الذين كتب لهم أولاً هذا الإنجيل. فالقس إبراهيم سعيد يقول: "إنه كتب لليونان، وإنجيل متى كتب لليهود. وإنجيل مرقس يقول كتب للرومان، وإنجيل يوحنا كتب للكنيسة العامة".وإنا نجد إنجيل لوقا يبتدئ بهذه الجملة: "إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا. كما سامها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين، رأيت أيضاً، إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به". وثاوفيلس هذا يقول عنه ابن البطريق إنه من عظماء الروم، فيقول في ذلك: "وكتب لوقا إنجيله إلى رجل شريف من علماء الروم يقال له تاوفيلا. وكتب إليه أيضاً الأبركسيس الذي هو أخبار التلاميذ: وهي الرسالة المسماة أعمال السل، وهناك من يقول أن ثاوفيلس هذا كان مصرياً، لا يونانياً، فهو قد كتب للمصريين لا لليونانيين.ويقول الدكتور بوست في تاريخه: " قد كتب هذا الإنجيل قبل خراب أورشليم وقبل الأعمال، ويرجح إنه كتب في قيصرية في فلسطين مدة أمر بولس سنة 58 - 60 من الميلاد غير أن البعض يظنون إنه كتب قبل ذلك". ومن هذا يفهم أن بوست يرجح إنه ألفه وبولس حي في الأسر، ولكن يحقق العلامة لارون إنه حرر إنجيله بعد أن حرر مرقس إنجيله، وذلك بعد موت بطرس، وبولس. والواقع أن باب الخلاف في تاريخ تدوين هذه الإنجيل أوسع من ذلك، فقد قال هورن: ألف الإنجيل الثالث سنة 53 أو سنة 63 أو سنة 64.ولا نترك هذا الإنجيل من غير أن نقول أن الباحثين قد اختلفوا في شخصية كاتبه وفي صناعته، وفي القوم الذين كتب لهم، وفي تاريخ تأليفه، ولم يتفقوا إلا على إنه ليس نمت تلاميذ المسيح ولا تلاميذ تلاميذه. وإلا على إنه كتب باليونانية.
إنجيل يوحنا:33- لهذا الإنجيل خطر وشأن أكثر من غيره في نظر الباحث، لأنه الإنجيل الذي تضمنت فقراته ذكراً صريحاً لألوهية المسيح، فهذه الألوهية يعتبر هو نص إثباتها وركن الاستدلال فيها. ولذلك كان لابد من العناية به، إذا كان التثليث هو شعار المسيحية، وهو موضع مخالفتها لديانات التوحيد، وأساس التباين بين هذه الديانة وتلك الديانات.ويقول جمهور النصارى: أن كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الحواري ابن زيدى الصياد الذي كان يحله السيد المسيح، حتى إنه استودعه والدته وهو فرق الصليب، كما يعتقدون، وقد نفى في أيام الاضطهاد الأولى، ثم عاد إلى أفسس، ولبث يبشر فيها، حتى توفى شيخاً هرما.هذه خلاصة ما جاء بكتاب مرشد الطالبين، ولكن بجوار هؤلاء من محققي المسيحيين من أنكر أن يكون كاتب هذا الإنجيل هو يوحنا الحواري، بل كتبه يوحنا آخر لا يمت إلى الأول بصلة روحية، وأن ذلك الإنكار لم يكن من ثمرات هذه الأجيال، بل ابتدأ في القرن الثاني الميلادي، فإن العلماء بالمسيحية في القرن الثاني الميلادي أنكروا نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري، وكان بين ظهرانيهم أرينيوس تلميذ بوليكارب تلميذ يوحنا الحواري، ولم يرد عليهم بأنه سمع من أستاذه صحة تلك النسبة، ولو كانت صحيحة لعلم بذلك حتماً تلميذه بوليكارب، ولأعلم هذا تلميذه ازينيوس، ولأعلن هذا تلك النسبة عندما شاع انكارها. ولقد قال استادلين في العصور المتأخرة: "إن كامنة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية، ولقد كانت فرقة الوجين في القرن الثاني تنكر هذا الإنجيل وجميع ما أسند إلى يوحنا، ولقد جاء في دائرة المعارف البريطانية التي اشترك في تأليفها خمسمائة من علماء النصارى ما نصه: "أما إنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولا شط كتاب مزور أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضهما لبعض. وهما القديسان يوحنا ومتى، وقد ادعى هذا الكاتب الممرور في متن الكتاب إنه هو الحواري الذي يحبه المسيح، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاقتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، ووضعت اسمه على الكتاب نصا، مع أن صاحبه غير يوحنا يقيناً، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابطة بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم ليربطوا، ولو بأوهى رابطة، ذلك الرجل الفلسفي - الذي ألف هذا الكتاب فيلا الجيل الثاني - بالحواري يوحنا الصياد الجليل، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى لخبطهم على غير هدى".هذا قول بعض الباحثين من كتابهم: "ومن البدهي أن يعد المتعصبون ذلك القول خروجاً على وجه المسيحية، ولذلك قال أحد هؤلاء المتعصبين،وهو الدكتور بوست زادا علة هؤلاء: وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل، لكراهتهم تعليمه الروحي، ولاسيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح، غير أن الشهادة بصحته كافيه، فإن بطرس يشير إلى آية منه (2 بط 1: 14 قال يو 21، 18، واغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه. وكذلك الرسالة إلى ديو كنيتس وباسيلوس وجوستينس الشهيد وتانياس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني، وبناء على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً، ولا يتصل إلى علم وعمق الأفكار والصلات الموجود فيه، وإذا قابلناه بمؤلفات الآباء رأينا بينه وبينها بونا عظيماً، حتى نضطر للحكم بأنه لم يكن منهم من كان قادراً على تأليف كذا، بل لم يكن بين التلاميذ من يقدر عليه يوحنا إلا يوحنا، ويوحنا ذاته لا يستطيع تأليفه بدون إلهام من ربه".وإذا نظرنا إلى هذا القول نظرة فاحصة كاشفة نقسمه قسمين، قسم يعلن به الكاتب شدة إيمانه وتعصبه بما يشتمل عليه هذا الكتاب وتقديسه. وهو القسم الذي ذكره في عجز قوله، وهو إنه لا يستطيع احد من الآباء، بل لا يستطيعه أحد من الحواريين، بل لا يستطيعه الكاتب نفسه إلا بالهام من ربه، ويلحق بهذا الجزء ما سبقه مما يماثله، فإن من الخطأ لأن يعد ذلك برهنه واحتجاجاً، فإنه ليس فيه أية محاولة لها، أما القسم الثاني فهو مل يصح أن يعتبر محاولة للاستدلال وهو ما ذكر في صدر قوله، فإنه يقرر الاتفاق بين نص جاء فيه، ونص جاء في رسالة بطرس الثانية، فهو يقول: أن الفقرة الرابعة من الإصحاح الأول ونصها مع الفقرة التي قبلها: "13 - ولكني أحسبه حقاً ما دمت في هذا المسكن أن أنهضكم بالتذكرة - 14 - عالماً أن خلع مسكني قريب، كما أعلن ربنا يسوع المسيح أيضاً" موافقة للفقرة الثامنة عشرة من الإصحاح الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا ونصها: "الحق الحق أقول لك لما كنت أكثر حداثة كنت تنطق ذلك، وتمشي حيث تشاء، ولكن متى شخت فإنك تمد يدك، وآخر بمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء".ونحن لا نجد موافقة بين الفقرتين لا في اللفظ ولا في المعنى، واستولى علينا العجب من إدعاء الموافقة، ولا جامع بينهما، فظننا أن هناك خطأ فيما كتبه الدكتور بوست، وقلنا لعله يريد الرسالة الأولى لا الرسالة الثانية، فرجعنا إلى الفقرة الرابعة عشرة من الإصحاح الأول من الرسالة الأولى، فوجدنا نصها هي وما قبلها هكذا: "لذلك منقطوا أحقاء ذهنكم صاحين فألقوا رجامكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح كأولاد الطاعة، ولا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم". وهنا نجد بعضا من الموافقة في اللفظ، والموافق في المعنى، فرجحنا إنه أراد هذه الرسالة، وسبق قلمه فدون الثانية بدل الأول، وعلى ذلك نناقش القول على أساسها، وأساس المناقشة ما نعرفه من أن المتأخر إن وافق قوله من سبقه يكون قوله شهادة للسابق، ولا يكون قول السابق شهادة له، وأيهما اسبق تدوينا رسالة بطرس أو إنجيل يوحنا، وقد اتفق مؤرخو النصرانية على أن بطرس قتله نيرون، ويقول في ذلك ابن البطريق: "وأخذ نارون قيصر لبطرس فصلبه منكما وقتله، لأن بطرس قال له: إن أردت أن تصلبني منسكاً لئلا أتشبه بسيدي المسيح، فإنه صلب قائماً" ... وعاش بطرس بعد السيد المسيح اثنتين وثلاثين سنة، فكان بطرس قتل بعد ميلاد المسيح بنحو 65، لأن المسيح صلب في اعتقادهم" وله ثلاث وثلاثون سنة، يضاف إليها اثنتان وثلاثون سنة عاشها بعده بطرس. ومن المؤكد أن إنجيل يوحنا كتب بعد ذلك، فقد كتب سنة 95 أو سنة 98 على ما أعتمد الدكتور بوست، فإذا وجدنا اتفاقاً بين ما كتب في هذا الإنجيل، وما جاء في رسالة بطرس يجب أن يكون كاتب هذا الإنجيل شاهدا لبطرس، لا أن بطرس شاهد له، وشهادة إنجيل يوحنا لا قيمة لها، لأنها شهادة إنجيل في نظر من أنكروه مجهول غير معروف يحتاج إلى دليل، فلا حجة في هذا الأمر، وعلى ذلك يكون الأمر في غيره من الشهادات، وسنبين عند مناقشة كتبهم كثيراً من أوجه النقد فيها.
تاريخ تدوين هذا الإنجيل وسبب تدوينه:34- ولقد اختلف المسيحيون في تاريخ تدوين هذا الإنجيل اختلافاً بينا. فالدكتور بوست يرجح إنه كتب سنة 95 أو سنة 98 وقيل سنة 96، ويقول هرون في تاريخ تدوين ذلك الإنجيل: ألف الإنجيل الرابع سنة 68 أو سنة 69 أو سنة 70 أو سنة 89 أو سنة 98 من الميلاد" إذن فليس هناك تاريخ محرر لتدوين هذا الإنجيل، كما إنه ليس هناك بيان قد خلص من الشك بحقيقة كاتبه، وقد علمت ما في ذلك.ولقد قالوا إنه كتب لغرض خاص. وهو أن بعض الناس قد سادت عندهم فكرة أن المسيح ليس إلهاً، وأن كثيرين من فرق الشرق كانت تقرر تلك الحقيقة، فطلب إلى يوحنا أن يكتب إنجيلاً يتضمن بيان هذه الأُلوهية، فكتب هذا الإنجيل، وقد قاله جرجس زوين اللبناني فيما ترجمه: "أن شيرينطوس وأبيسون وجماعتهما لما كانوا يعلمون المسيحية بأن المسيح ليس إلا إنساناً. وإنه لم يكن قبل أمه مريم فلذلك في سنة 96 اجتمع عموم أساقفة آسيا وغيرهم عند يوحنا والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح، وينادى بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون، وأن يكتب بنوع خصوصي لاهوت المسيح" قال يوسف الدبس الخوري في مقدمة تفسيره: (من تحفة الجبل) أن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها، والسبب إنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح، فطلبوا منه إثباته وذكر ما أهماه متى ومرقي، ولوقا في أناجيلهم، وقال صاحب مرشد الطالبين: إنه لا يوجد اتفاق بين العلماء بضبط السنة التي فيها كتب يوحنا إنجيله، فإن بعضهم يزعم إنه كتبه في سنة 65 قبل خراب أورشليم، وآخرون ممن يوجد فيهم بعض الأقدمين يرون بكتابته في سنة 98، وذلك بعد رجوعه من المنفى، فالقصد بكتابته إبقاء بعض مسامرات المسيح الضرورية ذات التروي مما لم يذكره باقي الإنجيليين. وأفناء لبعض هرطقات مفسدة، أشهرها معلمون كذبة في شأن ناسوت المسيح وموته، وخاصة ترسيخ النصارى الأوائل في الاعتقاد بحقانية لاهوت وناسوت ربهم وفاديهم ومخلصهم، وقد قيل أن يوحنا لم يؤلف إنجيله إلا بعد صلاة عامة قلبية مع التبعية لأجل أن يوحيه الروح القديس بذلك".
ما يستنبط من سبب كتابته:35- من هذه النقول يستفاد أن كتاب النصارى يجمعون أو يكادون على أن الإنجيل المنسوب إلى يوحنا كتب لإثبات أُلوهية المسيح التي اختلفوا وشأنها، لعدم وجود نص في الأناجيل الثلاثة يعينها، وهنا لا يسع القارئ لتلك النقول إلا أن يستنبط أمرين: (احدهما) صريح وهو أن الأناجيل الثلاثة الأولى ليس فيها ما يدل على أُلوهية المسيح، أو هي كانت كذلك قبل تدوين الإنجيل الرابع على الأقل، وهذه حقيقة يجب تسجيلها، وهي أن النصارى مكثت أناجيلهم نحو قرن من الزمان ليس فيها نص على أُلوهية المسيح، (وثانيهما) أن الأساقفة اعتنقوا أُلوهية المسيح قبل وجود الإنجيل الذي يدل عليها، ويصرح بها، ولما أرادوا أن يحتجوا على خصومهم، ويدفعوا هرطقتهم في زعمهم لم يجدوا مناصاً من أن يلتمسوا دليلاً ناطقاً يثبت ذلك، فاتجهوا إلى يوحنا، فكتب كما يقولون إنجيله الذي يشتمل على الحجة، وبرهان القضية، والبينة فيها على زعمهم، وهذا ينبئ عن أن الاعتقاد بألوهية المسيح سابق لوجود نص في الكتب عليه، وإلا ما اضطروا اضطراراً إلى إنجيل جديد طلبوه افتقدوه، فلما لم يجدوا طلبوا من يوحنا أن يكتبه. ولكن الواقع أن رسائل الرسل التي كتبت عن قولهم قبل هذا الإنجيل، فيها ما ينبئ عن أُلوهية المسيح، ويعلنها، فلم تكن فيها حجة لا تجعلهم في حاجة ماسة إلى إنجيل جديد، وفيها غناء من البيان يغنيهم عن سواه أم لعل تلك الرسائل المشتملة على هذه الأُلوهية كتبت بعد هذا الإنجيل ليؤيدوه بها، وليثبت ما أتى به، ويرسخ في نفوس المسيحيين، ثم نسبت إلى السابقين.هذا تنبيه مجمل اضطرنا سياق البحث لبيانه قبل أوانه، وفي غير مكانه، وله في البحث موضع، يغني فيه الإجمال عن التفصيل.
هذه الأناجيل لم تنزل على عيسى عليه السلام:36- هذه هي الأناجيل التي ذكرناها كما كتب النصارى، لا كما يعتقد غيرهم، وسنلقي عليها نظرة علمية بعد الكلام في بقية الكتب، ولكن يجدر بنا هنا أن ننبه إلى أن هذه الأناجيل ليست نازلة على عيسى عليه السلام في نظرهم، وليست منسوبة له. ولكنها منسوبة لبعض تلاميذه، ومن ينتمي إليهم، وهي تشتمل على أخبار المسيح وقصصه، ومحاوراته، وخطبه وابتدائه ونهايته في الدنيا كما يعتقدون هم.

  • الثلاثاء AM 09:54
    2016-10-04
  • 4524
Powered by: GateGold