المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412556
يتصفح الموقع حاليا : 305

البحث

البحث

عرض المادة

مصادر المسيحية بعد عيسى - عليه السلام -

24- الكتاب المقدس لدى النصارى يشمل التوراة والأناجيل، ورسائل الرسل، وتسمى التوراة (أسفارها الموسوية وغيرها) كتب العهد القديم، وتسمى الأناجيل، ورسائل الرسل كتب العهد الجديد، فمن العهد القديم يعرفون أخبار العالم في عصوره الأولى، وأجياله القديمة، وشرائع اليهود الاجتماعية والدينية، وتاريخ نشأتهم، وحكوماتهم وحوادثهم، والنبوات السابقة منذ هبوط الإنسان على هذه الأرض، والبشارات بالنبيين اللاحقين، وبالمسيح، وفيها يجدون أدعية متوارثة تعين على أداء العبادات، والقيام بالطقوس الدينية كمزامير داود، ولنترك الكلام في التوراة وأسفارها فلذلك موضعه من الدراسة للديانة اليهودية، بيد إنه يجب أن يلاحظ أن بعض الأسفار المعتبرة عند اليهود مرفوضة عند المسيحيين، لعدم اعتقادهم بصحة الوحي فيها.
الأناجيل:25- أما كتب العهد الجديد فهي التي تعنينا في هذا البحث، ويهمنا أن نجلي أمرها، ونعرف حقيقتها، وأولها الأناجيل.والأناجيل المعتبرة عندهم أربعة: إنجيل متى، وإنجيل مرقس، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا.ومكان الأناجيل في النصرانية مكان القطب والعماد، وإذا كانت شخصية المسيح وما حاطوها به من أفكار هي شعار المسيحية، فإن هذه الأناجيل هي المشتملة على أخبار تلك الشخصية، من وقت الحمل إلى وقت صلبه في اعتقادهم وقيامته من قبره بعد ثلاث ليال، ثم رفعه بعد أربعين ليلة، وهي بهذا تشتمل على عقيدة ألوهية المسيح في زعمهم، والصلب والفداء، أي إنها تشتمل على لب المسيحية في نظرهم بعد المسيح ومعناها.وهذه الأناجيل الأربعة هي التي تعترف بها الكنائس، وتقرها الفرق المسيحية وتأخذ بها، ولكن التاريخ يروى لنا إنه كانت في العصور الغابرة أناجيل أخرى، قد أخذت بها فرق قديمة، وراجت عندها، ولم تعتنق كل فرقة إنجيلها، فعند كل من أصحاب مرقيون، وأصحاب ديسان إنجيل يخالف بعضه هذه الأناجيل، ولأصحاب مانى إنجيل يخالف هذه الأربعة، وهو الصحيح في زعمهم، وهناك إنجيل يقال له إنجيل السبعين ينسب إلى تلامس، والنصارى ينكرونه، وهناك إنجيل أشتهر باسم التذكرة، وإنجيل سرن تهس، ولقد كثرت الأناجيل كثرة عظيمة، وأجمع على ذلك مؤرخو النصرانية، ثم أرادت الكنيسة في آخر القرن الثاني الميلادي، أو أوائل القرن الرابع أن تحافظ على الأناجيل الصادقة - في اعتقادها - فاحتارت هذه الأناجيل الأربعة من الأناجيل الرائجة إبان ذلك.ولقد يذكر بعض المؤرخين إنه لم توجد عبارة تشير إلى وجود أناجيل متى ومرقي ولوقا ويوحنا قبل آخر القرن الثالث. وأول من ذكر هذه الأناجيل الأربعة أرينيوس في سنة 209. ثم جاء من بعده كليمنس اسكندريانوس في سنة 216، وأظهر أن هذه الأناجيل الأربعة واجبة التسليم، ولم تكتف الكنيسة باختيار هذه الأناجيل الأربعة، بل أرادت الناس على قبولها لاعتقادها صحتها، ورفض غيرها، وتم لها ما أرادت فصارت هذه الأناجيل هي المعتبرة دون سواها.ولقد كنا نود ونحن ندرس المسيحية وأدوارها في التاريخ أن نعرف هذه الأناجيل التي أهملت، وما كانت تشتمل عليه. مما كان سبباً في رفضها، وحمل الناس على تركها، وخصوصاً أنها كانت رائجة. ويأخذ بها طوائف من المسيحيين ويتدينون هذه الديانة على مقتضاها، فإن الإطلاع عليها يمكننا من معرفة اعتقاد الناس في المسيح، وكيف كان، خصوصا بين أولئك الذين قاربوا عصره، وأدركوا زمانه، ولقوا تلاميذه، ونهلوا من مناهلهم، وإذ ضن التاريخ بحفظ نسخ منها، فقد كنا نود أن تطلعنا الكنيسة على ما اشتملت عليه مما يخالفها، وما كان من سبب رفضها، وترينا حجة الرفض، لتكون دليلاً مغيراً لها على إنها بهذا أقامت ديانة المسيح ولم تغيرها، ولكن ضن التاريخ علينا، فطوى تلك الأناجيل، وضنت الكنيسة فطوت تلك البيانات، فلم يبق لنا إلا أن نكتفي من الدراسة مما بين أيدينا، لعل فيه غناء إن أنعمنا النظر وأمعنا في الاستنباط وجعلنا لقضية العقل سلطاناً، ومن بدهياته برهاناً.الأناجيل لم يملها المسيح ولم تنزل عليه:26- وهذه الأناجيل الأربعة لم يملها المسيح، ولم تنزل عليه هو بوحي أوحى إليه، ولكنها كتبت من بعده - كما رأيت - وتشتمل على أخبار يحيى (يوحنا المعمدان) والمسيح، وما كان منه، وما أحاط بولادته من عجائب وغرائب، وما كان يحدث منه من أمور خارقة للعادة، ولا تحدث من سواه من البشر، وما كان يحدث له من أحداث، وما كان يجرى بينه وبين اليهود، وما كان يلقيه من أقوال وخطب وأحاديث وأمثال ومواعظ، وفيها قليل من الشرائع التي تتعلق بالزواج والطلاق، ثم أخبار المؤامرة عليه، واتهامه والقبض عليه، ومحاكمته، سواء أكانت تلك المحاكمة أمام اليهود، ثم أمام الرومان، ثم فيها الحكم عليه بالموت صلباً، وصلبه بالفعل فيما يعتقدون، وفيها أيضاً قيامته من قبره، ومكوثه أربعين يوماً، ثم رفعه إلى السماء. وفي الجملة هي تشتمل على أخبار المسيح وصلواته. وأقواله وعجائبه، كم بدايته إلى نهايته في هذا العالم. وهذا - كما قلنا - لب المسيحية ومعناها، لأن فيها النواة الأولى لألوهية المسيح، وعقيدة النصارى فيه، ولنتكلم على كل إنجيل من هذه الأناجيل تبين تاريخ تدوينه، وتعرف بمؤلفه، ومكانته من المسيح.
إنجيل متى:27- وقد كتبه متى، وهو أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر، ويسميهم المسيحيون رسلاً، وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب، وكانوا يسمون في ذلك العهد عشارين، ولقد كان جابيا للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل بفلسطين، وكان اليهود ينظرون للجباية نظر ازدراء، لأنها تحمل صاحبها على الظلم، أو على الأثل تحمله على العنف، والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التي تحكم البلاد بغير رضا أهلها، ولكن السيد المسيح اختاره تلميذاً من تلاميذه كما جاء في إنجيله، ففي الإصحاح التاسع منه: "وفيما يسوع يجتاز من هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية، واسمه متى، فقال له: اتبعني، فقام وتبعه، وبينما هو متكئ في البيت إذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاءوا، واتكئوا مع يسوع وتلاميذه.فلما نظر الفريسيون قالوا لتلاميذه: لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة؟ فلما سمع يسوع قال لهم: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى، فاذهبوا وتعلموا ما هو، إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة".ولما صعد المسيح إلى ربه جال متى للتبشير بالمسيحية في بلاد كثيرة. ومات في سنة 70 ببلاد الحبشة على أثر ضرب مبرح أنوله به أحد أعوان ملك الحبشة. وفي رواية أخرى إنه طعن برمح في سنة 62 بالحبشة بعد أن قضى بها نحو ثلاث وعشرين سنة داعياً للمسيحية مبشراً بها، فموطن دعايته كما يروي مؤرخو المسيحية هو الحبشة.إنجيل متى كتب بالعبرية ولن يعرف إلا باليونانية وجهل المترجم:28- وقد اتفق جمهورهم على إنه كتب إنجيله بالعبرية أو السريانية، كما اتفقوا على أن أقدم نسخة عرفت شائعة رائجة كانت باليونانية، ولكن موضع الخلاف في تاريخ تدوينه، ومن الذي ترجمه إلى اليونانية، فمن المتفق عليه منذ أكثرهم أن متى كتب إنجيله بالعبرانية، وذلك لأنه كتبه لليهود ببشر بالمسيحية بينهم، وليقرأه مؤمنوهم بها، قال جيروم: "أن متى كتب الإنجيل باللسان العبري في أرض يهودية للمؤمنين من اليهود" وقال غيره " أن متى كتب الإنجيل باللسان العبري. وهو الذي أنفرد باستعمال هذا في تحرير العهد الجديد".وإذا انتقلنا إلى تاريخ تدوين هذا الإنجيل وترجمته نرى ميدان الخلاف فسيحاً، فنجد ابن البطريق يذكر إنه دون في عهد قلوذيوس قيصر الرومان من غير أن يعين السنة التي كتب فيها.ويذكر أن الذي ترجمه يوحنا، فيقول في ذلك: "في عصر قلوديوس كتب متاوس (متى) إنجيله بالعبرانية في بيت المقدس. وفسره من العبرانية إلى اليونانية يوحنا صاحب الإنجيل".وهنا نجده لم يعين السنة التي كتب فيها الإنجيل، بل عين الملك الذي كتب في عهده، وهذا الملك لم يكن هو الذي عاصر المسيح، ولا الذي يليه. بل الذي عاصر المسيح وصلب - على زعمهم - في عهده طيباريوس،وولي من بعده غابيوس، وملك أربع سنين وثلاثة أشهر، ثم جاء من بعده قلوديوس وملك أربع عشرة سنة، فيحتمل تدوين هذا الإنجيل أن يكون في آخر العشرة الرابعة من ميلاد المسيح، ويحتمل أن يكون في أول أو آخر العشرة الخامسة أو أوائل السادسة. فكلام ابن البطريق يحتمل كل هذا، وقال جرجس زوين اللبناني فيما ترجمه عن الفرنسية، "أن متى كتب مشارته في أورشليم في سنة 39 للمسيح على ما ذهب إليه القديس أيونيموس، والسبب في ذلك على ما ذهب إليه القديس ابيفانيوس أنه كتبه إما إجابة لليهود الذين آمنوا بالمسيح، أو إجابة لأمر الرسل، ولم يكتب إنجيله باليونانية بل العبرانية على زعم اوسيبيوس في تاريخه، وقد وافق اسيبيوس القديس ايرنيموس، إذ أن بانتيوس قد ذهب ليكرز بالإيمان المسيحي في الهند، فوجد إنجيلاً لمتى الرسول مكتوباً بالعبرانية، فجاء به إلى الإسكندرية، وبقى محفوظاً في مكتبه قيصرية إلى أيامه، لكن هذه النسخة العبرانية قد فقدت، وبعد فقدها ظهرت ترجمتها في اليونانية" أهـ. وفي هذا يعين الكاتب تاريخ السنة الذي دون فيها الإنجيل، ولكن لا يعين المترجم. بل يذكر إنه غير معروف، بينما نرى ابن البطريق يعين إنه يوحنا صاحب الإنجيل المسمى باسمه.ويقول بالنسبة لتاريخ التدوين صاحب كتاب (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) : "أن متى بموجب اعتقاد جمهور المسيحيين كتب إنجيله قبل مرقس ولوقا ويوحنا، ومرقس ولوقا كتبا إنجيلهما قبل خراب أورشليم. ولكن لا يمكن الجزم في أية سنة كتب كل منهم بعد صعود المخلص، لأنه ليس عندنا نص إلهي على ذلك".وقال صاحب ذخيرة الألباب: "أن القديس متى كتب إنجيله في السنة 41 للمسيح باللغة المتعارفة يومئذ في فلسطين، وهي العبرانية أو السبروكلدانية ... ثم ما عتم هذا الإنجيل أن ترجم إلى اليونانية. ثم تغلب استعمال الترجمة على الأصل الذي لعبت به أيدي النساخ الأيونيين ومسخته بحيث أضحى ذلك الأصل خاملاً، بل فقيداً، وذلك منذ القرن الحادي عشر".وقال الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس، مخالفاً جمهور المتقدمين في إنه بالعبرانية أو السربانية: "أن هناك من يقول إنه كتب باليونانية، ثم يرجح إنه لف باليونانية مخالفاً بذلك إجماع مؤرخيهم. ثم يقول بالنسبة لتاريخ تدوينه: "ولا بد أن يكون هذا الإنجيل قد كتب قبل خراب أروشليم" ويظن البعض طأن الإنجيل الحالي كتب ما بيم سنة 60 وسنة 65". والحق أن باب الاختلاف في شأن التاريخ لا يمكن سده، ولا يمكن ترجيح رواية، ولا جعل تاريخ أولى من تاريخ بالإتباع، وذلك يقول هورن: "ألف الإنجيل الأول سنة 37 أو سنة 38 أو سنة 41 أو سنة 43 أو سنة 48 أو سنة 61 أو سنة 62 أو سنة 63 أو سنة 64 من الميلاد". ونقول نحن: "يجوز غير ذلك، والجمهور على إنه كتب بغير اليونانية، ولكن لم يعرف غيرها، ولم يعرف جمهرة المؤرخين من يكون المترجم، وفي أي عصر ترجم، وقد علمت أن ابن البطريق يذكر أن يوحنا هو الذي ترجمه إلى اليونانية، ولكن لا نجد أحدا من المؤرخين أيده، بل أن الكثيرين منهم يقولون: "إنه لم يعرف المترجم".أثر جهل تاريخ التدوين والمترجم:29- لا شك أن جهل تاريخ التدوين، وجهل النسخة الأصلية التي كانت بالعبرية، وجهل المترجم وحاله من صلاح أو غيره، وعلم بالدين واللغتين التي ترجم عنها والتي ترجم إليها، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي، ولئن تسامح الباحث في تاريخ التدوين، وتاريخ الترجمة وملابساتها، ليمنعنه المسلم من الاسترسال في التسامح، حتى لا يرى أن السلسلة تكون كاملة إذا لم يعرف الأصل الذي ترجم، فلقد وددنا أن نعرف ذلك الأصل، لنعرف أكانت الترجمة طبق الأصل، أم فيها انحراف، ولنعرف أفهم المترجم مرامي العبارات ومعانيها، سواء أكانت هذه المعاني تفهم بظاهر القول أو بإشاراته، أم بلحن القول وتلويحاته، أم بروح المؤلف وغرضه، ومرماه الكلي من الكلام، ولكن عز علينا العلم بالأصل، ولقد كنا نتعزى عن ذلك لو عرفنا المترجم، وإنه ثبت ثقة أمين في النقل، عالم لا يتزيد على العلماء، ففيه في المسيحية حجة فيها، عارف للغتين فاهم لهما، مجيد في التعبير بهما، فعندئذ كنا نقول: ثقة روي عن ثقة بترجمته، ونسدد الخلة بتلك الرواية، ونرأب الثلمة بتلك النظرة، ولكن قد امتنع هذا أيضاً، فقال جمهرة علمائهم: أن المترجم لم يعرف، فبقيت الثلمة من غير ما يرأبها.

  • الثلاثاء AM 09:47
    2016-10-04
  • 5379
Powered by: GateGold