المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412644
يتصفح الموقع حاليا : 329

البحث

البحث

عرض المادة

أثر الاضطهادات في الديانة المسيحية

20- هذه هي الاضطهادات التي قارنت المسيحية في نشأتها وفي تكوينها وليداً وفي تدرجها، وفي عصر تدوينها ورواية كتبها، وهي مع أسباب أخرى جعلت بعض العلماء يبحثون عن قيمة هذه الكتب، وجعلت بعض علماء المسيحيين أنفسهم يعتذرون عن بعض الاضطراب في الأناجيل بأنها دونت في عصور اضطهاد المسيحية الأولى، بل أن مناظريهم يقررون بأن تلك الاضطهادات كانت سبباً في عقد سندها المتصل بصاحب الشريعة. يقول الشيخ - رحمه الله - الهندي في كتابه إظهار الحق: "طلبنا مراراً من علمائهم التحول إلى السند المتصل فما قدروا عليه، وأعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال: أن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة، وتفحصنا كتب الإسناد لهم، فما رأينا فيها شيئاً غير الظن، يقولون بالظن، ويتمسكون ببعض القرائن. وقد قلت أن الظن في هذا الباب لا يغني شيئاً، فما داموا لم يأتوا بدليل شاف، وسند متصل فمجرد المنع يكفينا, وإيراد الدليل في ذمتهم لا في ذمتنا". وفي الحق أن تلك الاضطهادات جعلت كل عمل يقومون به في شئونهم الدينية - وخاصة ما كان متصلاً ببيان الشريعة يقومون به سراً لا جهراً، وفي خفية من العيون المتربصة، والأعداء المترقبين، والسرية يحدث في ظلمتها ما يجعل العقل غير مطمئن إلى ما يحكى عما يحدث فيها، فيتظنن في كل ما يروى عنها، ولا مانع من أن يدس على اجتماعاتها ما لم يجر فيها، وينقل عن أشخاصهم ما لم يقولوه، ويتسامع الجمهور أموراً ما حدثت في تلك الاجتماعات، ولا قالها حاضروها، فإذا جرى الشك والريب فيما دون من كتب المسيحية التي فقدت سندها بسبب هذا الاضطهاد، والتي كتبت في ظلمة السرية، يكون قد وقع حيث وجدت دواعيه، وقامت شواهده.الفلسفة الرومانية والمسيحية:21- ولقد كان من المسيحيين من يفرون بدينهم، ومنهم من يظهر الوثنية ويبطن المسيحية، ومنهم من دخل النصرانية وفي رأسه تعاليم الوثنية لم تخلع منه ولم تزايله، وأن زايلها بعقله المدرك فعقله الباطن ما زال مستقراً لها ومكمناً تكمن فيه، وهؤلاء لا شك أثر تفكيرهم في المسيحية التي لم يكن لها قوة تحميها ولا شكيمة تعقل النفوس إلى حظيرتها.وإن التاريخ يروى لنا إنه في القرن الثاني، والثالث، والرابع الميلادي قد دخل الرومان والمصريون أفواجاً أفواجاً في المسيحية. فمن حق العلم أن نحكي ما مان يسيطر على هذه الأمم من أفكار، وما كان يسود تفكيرها من منازع عقلية ودينية، ولا نعتمد في ذلك إلا على ما أثبته تاريخ العلم والفلسفة، وما أجمع عليه المؤرخون.يحكى التاريخ أن مدينة الرومان لم تكن متناسقة تناسقاً اجتماعياً، فلم يكن توزيع الثروة فيها توزيعاً يتحقق معه العدل الاجتماعي، فبينما ترى ترفا ورخاء لمن أفاءت عليهم الدولة بالغئ والغنائم والأسلاب من الفتوح الرومانية، ترى ألوف الألوف من الناس قد حرموا مل يتبلغون به في حياتهم، فاستولى عليهم الإحساس بالظلم، والسخط على الحياة، والتململ بها، والناس لا يشقون لآلامهم وحرمانهم بمقدار ما يشقون لسعادة غيرهم التي امتنعت عليهم، وكذلك كانت آلام سواد الرومان، ولولا الإيمان بحياة مستقبلية، يستمتعون فيها بما حرموا منه في هذه الحياة، لضاقت الصدور بما يجلجل في القلوب، ولانفجرت في ثورة اجتماعية، لكن توجت هذه النفوس إلى الإيمان بعالم علوي، وأعترف الإنسان بعجزه التام عن معرفة نفسه وإسعادها، إذا اعتمد على تفكيره فقط، لذلك رجعوا إلى الدين.وفي هذا الوقت أراد الفلاسفة أن يحلوا فلسفتهم محل الأديان، إذ أخذت التماثيل والأوثان تفقد قوة تأثيرها، ولم يعد لها سلطان في تصريف سلوك الإنسان، وفقدت معابدها ما كان لها من روعة وقوة، فاعتور النفس الرومانية حينئذ عاملان، كلاهما فيه قوة وبأس، فشعورهم بالبأساء والآلام يجعلهم في حاجة إلى عزاء من الدين، وسلوى باليوم الآخر، وملاذ إلى حياة روحية، والفلسفة - بما لها من سلطان العقل - لما وجدت الأوثان تسقط قيمتها أرادت أن تحل محلها، حينئذ التحمت الفلسفة بالشعور الديني، أو التقت الفلسفة والدين، ولم يكن التقاؤهما عداوة وخصاماً، بل كان محبة وسلاماً، فكانت تلك الحال داعية اتصال بينهما، لا داعية افتراق.قال غندليند في ذلك: "أن الفلسفة استخدمت نظريات علوم اليونان لتهذيب الآراء الدينية، وترتيبها ولتقدم الشعور الديني اللجوج فكرة في العالم تقنعه. فأوجدت نظماً دينية من قبيل ما وراء المادة تتفق مع الأديان المتضادة اتفاقاً يختلف قلة وكثرة".هذه كلمة ذلك الفيلسوف نقلها عنه صاحب كتاب المبادئ الفلسفية، فما هذه الأديان المتضادة التي ألفت بينها الفلسفة، وجعلت من نغماتها المختلفة نغمة واحدة مؤتلفة؟إن التاريخ يقص علينا أن الأديان التي كانت في بلاد الرومان ناشئة: الوثنية الرومانية، واليهودية، والمسيحية الناشئة، فهل علمت الفلسفة على إيجاد ديانة تجمع بين المسيحية واليهودية، وفيها وثنية؟ وهل المسيحية التي تؤمن بالتوراة التي عند اليهود على اختلاف هين، ويؤمن بالتثليث وألوهية المسيح وتقديس الصليب، هي النظام الديني الجامع بين الأديان الثلاثة!! لنترك ذلك الآن. وقد وضعنا أمام القارئ المصباح الذي يرى به الطريق.

  • الاربعاء PM 06:07
    2016-09-28
  • 5839
Powered by: GateGold