المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413381
يتصفح الموقع حاليا : 229

البحث

البحث

عرض المادة

المعجزات والخرافات

تفتقر المسيحية المحرفة في كثير من تعاليمها إلى الإقناع العقلي والبرهان المنطقي لإثباتها نظراً لتنافيها مع الفطرة وبدائه التفكير، لذلك اضطرت الكنيسة إلى تعويض نقص بضاعتها من الأدلة بادعاء الخوارق والمعجزات قاصدة التمويه على العقول الضعيفة واستغفال النفوس الساذجة، وكانت خوارق الكنيسة وشعوذتها تتراوح بين الرؤى المنامية ذات التهويل البالغ وبين التكهن المتكلف بالمغيبات وحوادث المستقبل، وبين تحمل الأساليب واستجداء شتى الوسائل لشفاء الأمراض المستعصية يتبع ذلك أمور أخرى كتعليق التمائم والرقى والتمتمات المجهولة واستعمال إشارة الصليب وتعليق صور القديسين، ومحاربة الشياطين، وطرد الأرواح الشريرة، وصد الكوارث والأوبئة، واستنزال النصر في الحروب وغير ذلك.وكان من السهل على العقلية الأوروبية الهمجية أن تتقبل هذه السخافات، وتصدق الكنيسة في كل شيء بفضل الإرث الوثني الذي ظل متغلغلاً في أعماقها.وفي القرون الأولى للمسيحية كان معظم المعجزات يدور حول شخصية المسيح وأمه وشيء منها للرسل والتلاميذ، لكن الكنيسة لم تقتصر على المعجزات الربانية الحقة، بل نسج خيالها خوارق أخرى هي أخلاط وأوهام يغلب عليها عنصر التهويل وتتسم بطابع الأساطير الوثنية القديمة التي تخيلها شعراء اليونان وغيرهم.ولنأخذ على ذلك مثلاً: (مولد عيسى) -عليه السلام- كما صوره يوحنا في الإصحاح الثاني عشر من الرؤيا: "ظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر، تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً، وهى حبلى وتصرخ متمخضة ومتوجعة لتلده وظهرت آية أخرى في السماء هوذا تنين عظيم، أحمر له سبعة رءوس وعشرة قرون، وعلى رءوسه سبعة تيجان، وذنبه يجر ثلث نجوم السماء، فطرحها إلى الأرض والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد، حتى يبتلع ولدها حتى ولدت، فولدت ابنا ذكراً يرعى جميع الأمم بعصا من حديد، واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه، والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولها هناك ألفا ومائتين وستين يوماً، وحدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته".أما بطرس فتروي له رسالة (أعمال الرسل) هذه المعجزة: "صعد بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة، فجاع كثيراً واشتهى أن يأكل، وبينما هم يهيئون له، وقعت عليه غيبة فرأى السماء مفتوحة، وإناء نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف، ومدلاة على الأرض، وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء" (1).أما في العصور اللاحقة فقد اتسع نطاق المعجزات حتى أصبحت مكانة رجل الدين وقداسته مرهونة بما يظهر على يديه من الخوارق، وما يتعاطى من الشعوذات، وكان باستطاعته أن يترقى في منصبه بالقيام بأي عمل تجهل العقول الساذجة علته الحقيقية، مدعياً أن ذلك هبة من الروح القدس له، وإذا كان التاريخ يذكر فزع الامبراطور (شارلمان) وحاشيته من الساعة التي أهداها إليه الرشيد ظانين أن بها قوى خفية من الجن والشياطين، فما بالك بعامة الشعب من الفلاحين والرعاة؟!ونظراً لكثرة الشواهد التاريخية على ذلك فسنتجاوز القرون الوسطى إلى العصر الحديث حيث نلمح الكثير من الخرافات الكنسية لا تزال تمارس نشاطها على أتباع الكنيسة في العالم الغربي ذاته، يقول فريزر: "معظم الفلاحين في فرنسا لا يزالون يعتقدون أن القسيس يملك على العناصر قوة خفية لا تقاوم، وأنه حين يتلو البعض الصلوات المعينة بالذات التي لا يعرفها سواه والتي لا يحق لغيره أن يرتلها، فإنه يستطيع في حالة الخطر الداهم أن يبطل لفترة معينة فعل القوانين الأبدية للعالم الفيزيقي أو حتى يقلبها تماما".وفي مناطق أخرى يعتقد الناس أن القسيس يملك القدرة على تشتيت العواصف وإن لم يكن لكل القساوسة مثل هذه الملكة، ولذا فانه حين يتغير راعي الكنيسة في بعض تلك القرى يبدى أتباع الأبرشية كثيراً من التلهف لمعرفة ما إذا كان الراعى الجديد يتمتع بهذه السلطة كما يسمونها، وعلى ذلك فمجرد أن تظهر أدنى بادرة بهبوب إحدى العواصف الشديدة؛ فإنهم يخضعونه للاختبار، فيطلبون إليه القيام ببعض الشعائر والتراتيل ضد الغيوم المتكاثفة، فإذا جاءت النتائج محققة لآمالهم ضمن الراعي الجديد لنفسه عطف أتباع الكنيسة واحترامهم (1) وإلا فالعكس بالعكس.وهناك قداس خاص يستعمله القساوسة في الأعمال الانتقامية يتحدث عنه فريزر بقوله: "لا يقام هذا القداس إلا في كنيسة متهدمة أو مهجورة، حيث تنعق البوم وتمرح الخفافيش وقت الغسق، وتأوي إليها جماعات الغجر في الليل، وحيث تقبع الضفادع البرية تحت مذبحها المدنس، فهناك يأتي ذلك القسيس الشرير بالليل ومعه عشيقته الفاجرة الخليعة، وحين ترسل الساعة أول دقاتها معلنة الحادية عشر يبدأ يُهَمْهِم في تلاوة القداس ابتداءً من آخره إلى أوله بحيث يفرغ منه حين تبدأ دقات الساعة تعلن منتصف الليل، وتقوم عشيقته بمساعدته في ذلك، أما القربان الذي يباركه فلابد أن يكون أسود اللون كما أنه لا يتناول النبيذ، ولكنه يشرب بدلاً منه بعض الماء من بئر سبق أن ألقيت فيها جثة طفل مات قبل تعميده، ثم يرسم علامة الصليب، ولكن على الأرض وبقدمه اليسرى، ويقوم بأداء كثير من الأعمال الأخرى التي لا يستطيع أي مسيحي أن يراها دون أن يصيبه العمى والصمم والبكم بقية حياته" (1).وفي سنة (1893م) حدثت في جزيرة صقلية واقعة تصور الموضوع أبلغ تصوير، فقد كانت الجزيرة تمر بمحنة رهيبة بسبب الجفاف، وكان الجدب قد استمر ستة أشهر متصلة وتناقصت كميات الطعام بسرعة وانتاب الناس ذعر شديد، فجربوا كل الطرق المعترف بها للحصول على المطر، خرجت جموعهم من منازلهم، وأحاطوا بالصور والتماثيل المقدسة، يتوسلون إليها بترتيل الصلوات وإضاءة الشموع في الكنائس طيلة الليل والنهار، وعلقوا على الأشجار سعف النخيل الذي سبق لهم أن باركوه في " أحد السعف" (2) ونثروا في الحقول (الكناسة المقدسة) وهى التراب الذي كنسوه من الكنائس في ذلك اليوم فلم يجد ذلك شيئاً، وحملوا الصلبان على أكتافهم، وساروا حفاة الأقدام عراة الرءوس وجلد بعضهم بعضاً بالسياط ولكن دون جدوى.وأخيراً لجئوا إلى القديسين، وتجمعوا حول القديس فرانسيس الذي اعتادوا حسب اعتقادهم أن ينالوا المطر ببركته، فأقاموا له الصلوات والترانيم والزينات، لكن جهودهم كلها ذهبت هباء، فنبذوا معظم القديسين حتى إنهم ألقوا بالقديس يوسف في إحدى الحدائق ليجرب بنفسه الحال التي وصل إليها الناس، وأقسموا أن يتركوه هناك في الشمس حتى يأتيهم بالمطر، وأداروا وجوه بعض القديسين إلى الحائط كما يفعل المدرس بالتلاميذ الأشقياء، وجردوا بعضهم من ملابسهم الفاخرة وقذفوهم بأقذع السباب والشتائم، أما القديس ميخائيل رئيس الملائكة -حسب عقيدتهم- فقد نزعوا أجنحته الذهبية ومزقوها ووضعوا مكانها أجنحة ورقية، وفي بعض المناطق قيد الناس قس بلدتهم وتركوه عارياً، وأخذوا يهتفون إليه بغضب (المطر أو حبل المشنقة) (1).ومن الخرافات التي ما تزال عالقة بأذهان النصارى إلى اليوم خرافة (تجلَّي العذراء) التي يثيرونها حيناً بعد آخر (2) كما أن هناك عادت غربية شائعة اليوم أصلها خرافات كنسية، فمثلاً التشاؤم من الرقم (13) أصله أن يهوذا الذي دل على المسيح هو التلميذ الثالث عشر للمسيح، فكان ذلك مصدر شؤم للكنيسة وأتباعها حتى أنه عند ترقيم المنازل في المدن الغربية يرفض بعضهم وضع هذا الرقم على منزله ويضع مكانه (12ب).وهذا غير الخرافات الكنسية عن الكون والحياة التي سنعرض لها عند موضوع (علمانية العلم)، وحينئذٍ سيتضح أثر هذه الخرافات بجملتها في إثارة الصراع الذي دار طويلاً بين الدين والعلم (أو العقل والوحي).

  • الاحد PM 08:02
    2016-04-03
  • 3467
Powered by: GateGold