المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413434
يتصفح الموقع حاليا : 231

البحث

البحث

عرض المادة

شبهة أن الرسول كان مضطجعا في فراشه، لابساً مرط - ثوب - عائشة

وقفتنا اليوم مع شبهة جديدة لا رصيد لها من المعنى الذي يمكن أن تستسيغه العقول، أوتهضمه النفوس، بل هوأقرب إلى السفسطات المجرّدة، والكلام الذي ينمّ عن تفكيرٍ ساذجٍ وعقلٍ سطحي.
إن من أثاروا مثل هذه الشبهة، رأوا الإحكام في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والطُّهْر في سريرته، فلم يروبدّاً من التنقيب في روايات أخباره، علّهم يجدوا مدخلاً يمكّنهم من تناول شخص
النبي صلى الله عليه وسلم والنيل من قداسته، بعد أن تمكّن الهوى من قلوبهم، وضرب جذوره في نفسهم، فأشاعوا بين الناس ما يتعارض مع أبسط قواعد العقل والمنطق،
وما يتنافى مع الذوق السليم، ثم أتبعوا ذلك بما يتصادم بداهةً مع غيرة أي عربيٍّ، فضلاً عن أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، ثم حاولوا النيل من نزاهة زوجه أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها، وهم بمحاولتهم تلك يريدون أن يهدموا الجبل الأشمّ الشامخ بأظفارهم، أويحجبوا نور الشمس بغربالهم.
وهذه الشبهة تدور حول حادثة وقعت في العهد النبوي، إذ ذكرت الروايات دخول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عليه، فاستقبل زائريه وعليه مرط امرأته
، فقفزوا بذلك إلى نتيجة عجيبة!، ألا وهي أن امرأته صلى الله عليه وسلم كانت عارية - والعياذ بالله -.
وإليكم نصّ هذه الشبهة: " جاء في صحيح مسلم عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج النبي وعثمان حدثاه أن أبا بكر استأذن على رسول الله وهومضطجع على فراشه
لابس مرط عائشة، فأذن ل أبي بكر وهوكذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهوعلى تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان:
ثم استأذنت عليه فجلس وقال ل عائشة: (اجمعي عليك ثيابك)، فقضيتُ إليه حاجتي ثم انصرفتُ، فقالت عائشة: يا رسول الله، مالي لم أرك فزعت ل أبي بكر
وعمر كما فزعت ل عثمان؟. قال رسول الله: (إن عثمان رجل حييّ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليّ في حاجته).
يقول أصحاب الشبهة: " واضحٌ من الحديث أن الرسول كان مضطجعا في فراشه، لابساً مرط - ثوب أوفستان - عائشة، فلما حضر عثمان لم يرد الرسول
أن يراه عثمان هكذا؛ لما يعرفه من حياء عثمان وخجله، فأعطى المرط ل عائشة وجلس وقال لها: (اجمعي عليك ثيابك)، وباقي التفاصيل واضحة في الحديث.
فالسؤال: لماذا قال النبي ل عائشة عندما جاء عثمان: (اجمعي عليك ثيابك؟)، هل هذا يعني أن زوجة النبي وأم المؤمنين عائشة كانت هي الأخرى كاشفة عن عورتها؟!
لأنها من غير مرط (ثوب)؟!!. ألم يقل في الحديث أن أبوبكر وعمر استأذنا على النبي فأذن لهم وهوعلى تلك الحال (أي مضطجع وعليه مرط عائشة)
، ثم عندما جاء عثمان قال ل عائشة: (اجمعي عليك ثيابك)!، أليس هذا دليل على أنها كانت موجودة كما أنها هي التي نقلت الرواية هذه؟ وجاء الحديث بلفظ أخر،
أن عائشة قالت: كان رسول الله مضطجعاً في بيتي، كاشفاً عن فخذيه أوساقيه، فاستأذن أبوبكر فأذن له وهوعلى تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهوكذلك
، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله وسوّى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبوبكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله،
ثم دخل عثمان فجلستَ وسوّيتَ ثيابك؟، فقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟) "، انتهى نصّ الشبهة.
وواضحٌ لمن تأمّل الكلام السابق، أن التلبيس حصل في موضعين: تفسيرهم لمعنى المرط، ثم تفسيرهم لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (اجمعي عليك ثيابك)
، ثم ما أدّاهم إليه فكرهم المنحرف إلى أنّ عائشة رضي الله عنها لم يكن عليها لباسٌ يواريها.
والجواب عن السخافات السابقة فيما يلي:
الوجه الأول: اتفق علماء الحديث الذين شرحوا هذه الروايات، وعلماء اللغة الذين بيّنوا معاني كلام العرب، أن المرط هوالكساء، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
" (لابس مرط عائشة): هوبكسر الميم، وهوكساء من صوف. وقال الخليل: كساء من صوف أوكتّان أوغيره " أ. هـ، وقال ابن منظور في " لسان العرب ":
" المَرْطُ كِساء من خَزّ أَوصُوف أَوكتّان، وجمعه مُرُوطٌ. وفي الحديث: أَنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مُرُوط نسائه، أَي أَكْسِيَتِهِنّ، الواحد:
مِرْط يكون من صوف، وربما كان من خزّ أَوغيره يؤتَزر به. وفي الحديث: أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُغَلِّس بالفجر، فينصرف النساء مُتَلَفِّعات
بـ مُروطهنّ ما يُعرفْن من الغَلَس؛ والمِرْط: كل ثوب غير مَخِيط ". أ. هـ.
فهذا الكساء ليس بمخيط كما اتضح من كلام أهل اللغة، وهومشترك بين الرجال والنساء فليس فيه خصوصيّة لأحد الجنسين، وقد روى الإمام مسلم والترمذي
أن النبي صلى الله عليه وسلم " خرج ذات غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود ".
وإذا كان الأمر كذلك، فهل يُعقل أن يقال أن المرط هو(الفستان)؟.
الوجه الثاني: إن الكساء غير المخيط يكون لبسه عند العرب أن يُلتحف به أويُفترش على الأرض، فكيف يكون لبس النبي صلى الله عليه وسلّم لمرط عائشة معيبا؟
الوجه الثالث: أن قوله صلى الله عليه وسلم هنا: (اجمعي عليك ثيابك) معناه: خذي هذا المرط عنّي، وليس معناه أنها كانت عارية - والعياذ بالله -
، ويدلّ لذلك ما يلي:
أولاً: أن الحديث ليس فيه ذكر شيء من الثياب سوى المرط الذي كان على النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن قوله: (اجمعي عليك ثيابك)
المراد منه ذلك الثوب وهوالمرط، ولوكان المراد به شيئاً آخر، لما كان لذكر وضع النبي صلى الله عليه وسلم لمرط عائشة عليه في أوّل الحديث فائدة،
ولاحتجنا إلى تقدير عودة الثياب إلى ثياب غير مذكورة في السياق، وهوخلاف ظاهر اللفظ ومقتضى الكلام العربي.
ثانياً: لوكان حال عائشة رضي الله عنها أنها كانت غير مستترة، لما كان هناك فائدة من تستّرها بعد أن رآها عمر غير مستترة، وهذا لا يمكن بحال.
ثالثاً: أن مدار الحديث كان في بيان حال النبي صلّى الله عليه وسلّم لا في بيان حال عائشة أوغيرها، وانظر إلى ألفاظ الحديث:
(فاستأذن أبوبكر فأذن له وهوعلى تلك الحال) فالضمير يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك، ثم قال: (ثم استأذن عمر فأذن له وهوكذلك)
، والضمير هنا يعود كذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قالت: (ثم دخل عثمان فجلستَ وسوّيتَ ثيابك)
، مما يدلّ على أن مدار القصّة كلها على وضعيّة النبي صلى الله عليه وسلم وصفة جلسته، وإذا كان كذلك، كان الثوب المأمور بجمعه - أي أخذه -
هوالثوب الذي كان على النبي صلى الله عليه وسلّم نفسه، ويدلّ لذلك ما جاء عن أبي يعلى بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(خشيتُ إن أذنت له وأنا على تلك الحال أن لا يبلغ في حاجته)، فهذا دليل على أن الحياء من عثمان كان من حاله صلى الله عليه وسلّم هو، وليس من حال عائشة رضي الله عنها.
رابعاً: أن الحديث جاء مرتِّبا لحال النبي صلى الله عليه وسلم كالآتي: اضطجاعه، ولبسه لمرط امرأته، ثم دخول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهوعلى تلك الحال
، ولما دخل عثمان رضي الله عنه كان مقتضى الأمر أن يعدّل تلك الحالين بعد دخول عثمان رضي الله عنه، فتعديل الاضطجاع بأن يعتدل في جلوسه،
وتعديل لبسه للمرط أن يردّه إلى زوجه؛ ولهذا قال أول الحديث: " وهومضطجع على فراشه لابس مرط عائشة "، ثم قال في آخره: " فجلس وقال ل عائشة:
(اجمعي عليك ثيابك) "، فوجب أن يكون الثوب عائداً على نفس المرط الأوّل.
خامساً: أن عثمان رضي الله عنه قال: " ثم استأذنتُ عليه فجلس، وقال ل عائشة .. "، فهذا يدل على أن الترتيب الزمني للأحداث كان كالآتي:
استئذانه بالدخول، ثم دخوله، ثم اعتدال النبي صلى الله عليه وسلّم وأمره ل عائشة رضي الله عنها بأن تأخذ ثوبها، كما هومقتضى الضمائر المذكوره، وعليه:
فلوكان عثمان رضي الله عنه قد رأى ما يسوؤه، لما بقي في تلك الحجرة، ولبادر بالخروج.
سادساً: أنه قد عُرف عن عثمان رضي الله عنه شدّة الحياء بنصّ هذا الحديث، ومن طبيعة صاحب الحياء أنه إذا رأى أوأحس بوجود ما يحرجه
، فإنّه يتلعثم ولا يقدر على تبيلغ حاجته، فلوكان عثمان رضي الله عنه قد رأى من عائشة رضي الله عنها ما لا يجوز كشفه - وهي امرأة - لمنعه ذلك من طلب حاجته قبل تستّرها وبعده.
سابعاً: أنّنا نتساءل، من الذي روى هذه الحادثة؟ إنه عثمان وعائشة رضي الله عنهما، أفيُعقل أن تروي عائشة حدثا يسيء إليها أوإلى عثمان رضي الله عنهم؟
، إنه لوكان كذلك لاتفقوا على كتمان الخبر، لا إذاعته ونشره.
إذاً فما هوالتفسير الصحيح لهذه الحادثة؟
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم جالساً في بيته مضطجعا، وقد وضع عليه لحاف عائشة رضي الله عنها، وعادة الناس جرت ألا يتكلفوا في التهيء والاستقبال
لخواصّ الناس وكثيري الدخول، وكان هذا شأن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لكن عثمان رضي الله عنه كان شديد الحياء، فهنا خشي النبي صلى الله عليه وسلّم
أن يرى عثمان جلسته والمرط عليه، فيتبادر إلى ذهنه خصوصية الجلسة، أوكونه على حال لا يستطيع فيها استقبال أحد، فيحول حياؤه دون أن يسأل حاجته،
ولذلك اعتدل النبي صلى الله عليه وسلّم في جلسته، ورفع عنه مرط امرأته وأمرها بأخذه، وفزع إلى زائره واحتفى به ليزيل عنه أسباب الحياء.
وعلى الرغم من ضحالة هذه الشبهة وتفاهتها، إلا إنه لا مفرّ من بيان الرد عليها، فإننا نعيش في زمان تفشّى فيه الجهل، وانتشرت فيه العُجمة، وابتعد الناس عن العلم وأهله،
فما كان بالأمس شمساً لا يحتاج إلى دليل، إذا به اليوم يتطلب من المخلصين إثباته لعوامّ الناس، خشية أن يُفتنوا بمثل هذه الترهات، والله متمّ نوره ولوكره الكافرون.

  • الجمعة PM 04:10
    2015-10-09
  • 3214
Powered by: GateGold