ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
جهود علماء الأزهر في الرد على الشيعة في الممارسات العقدية المخالفة
ردود علماء الأزهر على حج المشاهد والسجود لها عند الشيعة الاثنى عشرية :
في قولهم أن كربلاء أفضل من الكعبة :
لقد فضلت روايات الشيعة من بقاع الأرض ما كان متصلاً بحياة الأئمة وأحداثهم، ككربلاء والنجف وقم، على بقاع الأرض التي ارتبطت بحياة الأنبياء الكرام، فإذا كانت الكعبة المشرفة والمدينة المنورة وبيت المقدس ارتبط تاريخها بحياة أنبياء الله تعالى، كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق وعيسى ومحمد (صلوات الله وسلاماته عليهم أجمعين)، فإن كربلاء والنجف والكوفة، وقم ارتبط تاريخها بحياة بعض الأئمة، ففضّل الشيعة ما ارتبط بتاريخ أئمتهم على ما ارتبط بحياة أنبياء الله تعالى، وهذا يؤكد عقيدتهم تفضيل الأئمة على الأنبياء[1].
أو على الأقل فيما يبدو أنه قد أقضّ مضاجعهم اجتماع المسلمين في هذا الملتقى الطاهر، وأرق أجفانهم تلاقيهم وتوجههم لهذا المكان الواحد.
فراموا الكيد لذلك بكل وسيلة.. وراحوا يبحثون عما يصرفون قلوب المسلمين..[2].
لأجل هذا يصرّح الدكتور صابر طعيمة : أن هذا الروايات التي تفضل كربلاء عن الكعبة « روح عدوانية خبيثة ضد الإسلام والمسلمين »[3].
أو كما يقول الدكتور البرّي : « أن السر الخفيّ الذي يشين مكانه الكعبة في أعماق قلوبهم، أنها في عز ومنعة وسلطان من أهل السُّنَّة والجماعة، وبنوا شيبة ليسوا إلا خدماً للكعبة المشرفة، وحجابًا لبيت الله الحرام وهو حق متوارث منذ الجاهلية الأولى، لم ينازعهم فيه أحد، ولما فتح الله مكة، وتسلم نبيه القائد المظفر ﷺ مفاتيح الكعبة وسلمها لأربابها الأُول من بني شيبة، وجعلها حقًا مؤكدًا لهم، خالدًا تالداً لا ينزعه منهم إلا ظالم، وهم في هذا المقام أمناء مسئولون أمام رب البيت جل جلاله، وهو القائل عز شأنه : ﴿ فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[البقرة : 181].
وإذا سلمتُ إنسانًا في موقع الأمانة والثقة زكاة أو صدقة للفقراء، وأساء التصرف، فلي الأجر بالنية، وإنما لكل امرئ ما نوى، وعليه الوزر بسوء تصرفه، وتفريطه في الأمانة، ولا تزر وازرة وزر أخرى[4].
وببداهة أن هذه الضلالات : « لا تحتاج إلى جُهد في الرد عليها، لأنها مخالفة لكتاب الله، وما ورد عن رسوله ﷺ مخالفة صريحة، فالله سبحانه وتعالى لم يجعل الكوفة حرامًا ولا حرّمها رسوله ﷺ، وإنما جعل الله مكة حرامًا وامتن بذلك على أهل مكة، فقال سبحانه : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾[العنكبوت : 67]، وكذلك جعل رسوله ﷺ المدينة حرامًا.
والذي لا شك فيه أن تحريم ما لم يأت الشرع بتحريمه هو من جنس فعل المشركين الذين جعلوا البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، قال تعالى : ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ َ﴾ [ المائدة : 103] [5].
ثم إن البحراني يروي : عن علي بن الحسين - كما يفترون عليه - « اتخذ الله أرض كربلاء حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يخلق الله أرض الكعبة، ويتخذها حرمًا بأربعة وعشرين ألف عام، وقدسها وبارك عليها فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزل ومسكن يسكن فيه أولياءه في الجنة »[6].
وتقديسهم لأرض كربلاء لأنها ضمت قبر الحسين فاستمدت قداستها بوجوده فيها، فهل كان الحسين مدفونًا فيها قبل خلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، أم هي معدة لاستقباله منذ غابر الأزمان؟ وإذا كان كل هذا الفضل لوجود جد الحسين فلماذا لم تفضل المدينة وفيها جسد رسول الله ﷺ ؟
ولله الحمد.. لقد خاب واضع هذه الأساطير وفشل في تحقيق أهدافه، فلم يتجه المسلمون إلى كربلاء، وظلت هذه الروايات لا تؤثر إلا بأولئك الذين أصمهم التعصب عن سماع الحق وأعمى قلوبهم، فهاموا في أودية من الضلال[7]
وكربلاء بل الكوفة كلها ضمن مئات المدن والقرى، التي كانت تعيش في كنف الإمبراطورية الفارسية الساسانية، لم تخرج عن هذه الدائرة، أو تتميز لشيء يستدعي التزكية النبوية الشريفة المدعاة.
في زيارة القبور والطواف حولها والانكباب عليها واتخاذها قبله كبيت الله مما علم من الدين بالضرورة أننا مأمورون بعمارة المساجد والصلاة فيها :
قال تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾[التوبة : 17- 18].
وحذرنا الشارع من تخريب المساجد التي يذكر فيها اسم الله، وتعطيلها عن الجمعات والجماعات.
قال تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾[البقرة : 114].
ولم يأمرنا ببناء مشهد لا علي قبر نبي ولا علي غير قبر نبي، ولا علي مقام نبي لكن الاثني عشرية نقلوا هذا التعظيم إلى قبور أئمتهم وهاموا بالطواف حولها والتبرك بها.
وهذا ما ينكره فضيلة الشيخ حسنين محمد مخلوف جملة وتفصيلاً قائلاً : « لا لشدّ الرحال إلى كربلاء والنجف الأشرف وتقديسهما كما يزعمون »[8].
بينما يعلّق الدكتور محمد عبد المنعم البرّي : على هذه الروايات التي تستدل بها الشيعة على الطواف بالقبور وزيارتها « بأن الأمة التزمت وهي على قلب رجل واحد، بهدى من اختاره مولاه رحمة للعالمين، وقال في شأنه : ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾[النساء : 08].
وأتم الله النعمة والدين على يديه يوم نزل قول الحق سبحانه : ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[المائدة : 3 ].
وقد صاح أكثر من مرة في أذن الزمان، ومسامع التاريخ، في حجة الوداع، ألا هل بلغت : فقالت الأمة اللهم نعم، قال اللهم فاشهد[9]...، ولم يثبت عنه ﷺ القول بوجوب زيارة الحرم النبوي الشريف، وأن ذلك من تمام الحج، رغم بيان فضله من قوله الشريف : « لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى »[10]، وإن الفرض في مكة بمائة ألف وفي المدينة بألف، وفي رحاب الأقصى الأسير بنصف ألف، ولا مكان لقوائم الدجالين دون ذلك. كتسويتهم الحرم المدني بالكوفة في الأجر وقم المقدسة عندهم.. الخ.
من حق شيوخهم أن يقدسوا قبور أئمتهم، والمقبورين فيها، بدعوى أنهم شفعاؤهم عند الله، ويرفعونها إلى العلياء، تفخيمًا وتوقيرًا، وفي المقابل يأتي الحديث في شأن الكعبة، في غَمز مهين، عار عن الحياء والأدب، وتعظيم شعائر في قوله تعالى : ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [سورة الحج : 32 ].
ومما يؤكد هذه النظرة الوضيعة الشاذة، عقيدتهم في وجوب السجود في الصلاة على تربة الحسين (وهي قطعة من الآجر، المطبوخ في مصنع بلاط كربلاء، طولها حوالي 5 سم، وعرضها ثلاثة)، وهي عندهم أطهر وأشرف من الأحجار الرخامية البيضاء، التي تغطي ساحة الحرمين الشريفين، ولا يسجدون في داخل الحرمين الشريفين بجبهتهم إلا على التربة، التي لا صلاة بدونها عندهم[11].
وكأن عقول الشيعة رفضت إخلاص العبادة لله، أو أنهم استكثروا على الله تعالى أن يختص بعبادة مفردة فأضافوا الأئمة إليه في جانب من هذه العبادة فهم في حقيقة الأمر كما يقول الدكتور العسّال : « يعبدون مشاهد لا صلة لها بآل البيت، وهم في الحقيقة إنما يعبدون أهوائهم وما تمليه عليهم عقيدتهم الفاسدة في الأئمة من آل البيت...
فالتوجه إلى تلك المشاهد لقضاء الحوائج ورفع الحاجيّات عندها، فهو أيضًا شرك مضاف للتوحيد الخالص والقرآن مليء بالنهي عن ذلك.
قال تعالى :﴿ وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ﴾[يونس :106].
وقال تعالى :﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾[الأحقاف : 5، 6].
ولقد رفع الله الوساطة بينه وبين خلقه في دعائه حتى لا تبقى شائبة إشراك في ذلك، فقال تعالى : ﴿ﯩإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ َ﴾[البقرة : 186].
والمعتاد في القرآن في مثل هذا : أن يقول مثلاً (يسألونك عن كذا فقل كذا)، بخلاف هذه الآية فحذف كلمة (قل) رفعًا لهذا الإبهام لمن تدبره، ودخل في الجواب بلا واسطة بقوله : ﴿ إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾[البقرة : 186]...، أما ما تصنعه الشيعة عند قبور الأئمة ويحالون تبريره بشواهد من القرآن فهو خطأ بيّن، فإن القرآن من أهم أهدافه توجيه الخلق إلى الله بإخلاص العبادة له خالية من شوائب الشرك بأي صورة، وهل يدخل الشرك في عقائد الناس إلا من هذا الجانب بالذات؟
فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾[ نوح : 23].
قال : (هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبدت)[12]، [13].
أما عن الانكباب على هذه القبور والروايات التي تدل على العلاج بطينة قبور أئمتهم[14].
فيوجههم الدكتور البرّي : « أن هذا من خبايا علومهم الدنيئة، ولا عجب، أن يتخذ المستشرقون والمنصّرون وأعداء الإسلام، من قِبل هذا الهراء مجالاً فسيحًا لتشويه وجه الإسلام على المستوى العالمي، ووصمه بكل نقيضة، ولذا كان من دعوات الصالحين ما سجله القرآن العزيز في قوله سبحانه : ﴿رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ﴾[الممتحنة : 5] »[15].
الرد على غلوهم في أئمتهم، وزعمهم أنهم يعلمون الغيب ويعلمون ما كان وما يكون، وأنهم يعلمون متى يموتون ومتى يبعثون
أبدأ رد علماء الأزهر عليهم في هذه المسألة بكلمة الدكتور صابر طعيمة : « هذه مزاعم لا يقرها عقل فضلاً عن أن يرتضيها دين»[16].
فالمعروف عن الأئمة أنهم مع فضلهم كانوا كغيرهم من الناس لايزيدون عليهم شيئًا في مجال العلم، فضلاً عن علمهم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
لأجل هذا يستغرب الدكتور مصطفي مراد : « ماذا بقي لله من خصائص الإلوهية وقد قال : ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنعام : 59] بطريق النفي والاستثناء المفيد للقصر، وقال : ﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ [النمل : 65].
وهي على نفس الوتيرة من الحصر والقصر، بل لقد نفي القران نفيًا باتًا علم الغيب عن الرسول ﷺوأمره الله أن يعلن ذلك حتى لا يضل فيه ضال.
قال تعالى : ﴿ قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف : 188]، والقرآن مليء بهذا وما في السُّنَّة أكثر[17].
أما بخصوص الروايات التي ذكرت وتنسب إلى الأئمة أنهم يعلمون الغيب وما كان وما يكون : فقد ذكر الأستاذ الحسن ياسر : أن هناك روايات أخرى عن الأئمة يرويها الاثنا عشرية تتناقض مع هذه الروايات وتنفي علم الغيب عن هؤلاء الأئمة.
فيما رواه الكليني عن جعفر الصادق : أنه قال : « يا عجبًا لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي... »[18]، حتى أن رواياتهم التي تثبت في مضمونها نفيٌ لهذا الإثبات.
منها ما رواه الكليني بسنده عن سيف التّمار، قال : « كنا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر، فقال : علينا عين فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدًا، فقال : ورب الكعبة ورب البنية - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وراثة»[19].
يوجّه الدكتور صابر طعيمة كلامه إلى سيف التمار مباشرة : وكأنه يلمح إلى أنه هو الذي وضع هذه الرواية على الإمام الصادق قائلاً : « لا بد أن نسأل سيف الثمار : إن الإمام الذي لم يعلم شيئًا عن أصحابه، وتكلم على خلاف الواقع بأن هناك جاسوسًا، مع أنه لم يكن ثمة جاسوس، فأنّى لذلك الإمام أن يعلم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة؟! »[20].
ويقول الدكتور العسّال معلقًا على هذه الرواية : « لقد غفل واضع هذا الخبر ومفتريه على أبي عبد الله، فإن أول الخبر كذب آخره، فإن في أوله البرهنة على أن أبا عبد الله لا يعلم حتى خاصة أصحابه من غيرهم حين سأل عن الجاسوس، فما أسوأ الكذب الذي يعمى صاحبه عن الصواب فيظن أن كذبه لن يظهر من فلتات لسانه هو »[21].
وبعد هذا العرض، تبين أن هذه الروايات باطلة، ونحن إجلالاً وتكريمًا لآل البيت ننكرها ونرفضها، لأنها كذب وافتراء عليهم[22].
أما بخصوص توسلهم واستغاثتهم بأئمتهم : فلا شك أن هذا ضلال في التوحيد، الذي لا يأخذون منه إلا اسمه فحسب، أما مقتضيات التوحيد التي تستلزم إخلاص العبادة لله وحده والاستعانة به وحده واللجوء إليه وحده والتوكل عليه وحده فلا مجال لهذه المقتضيات عندهم.
وهذا ما استنكره عليهم العلامة الشيخ. يوسف القرضاوي[23] قائلاً : « وللشيعة بدع عملية مثل :...، ومن ذلك الشركيات عند المزارات والمقابر التي دفن فيها آل البيت، والاستعانة بهم ودعائهم من دون الله، وهو ما قد يوجد لدى بعض أهل السُّنَّة، ولكن علماءهم ينكرون عليهم ويشددون النكير »[24].
والذي قاله الشيخ : ليس فيه تجن عليهم، فالذي يطالع القوم عند قبور أئمتهم وهم يصرخون ويعوذون بهم فيما يحاذروه، ويلوذون بهم فيما يؤملوه يدرك هذا جيدًا، وإلا فماذا يبقى لرب العباد إذا كان هناك توسل واستغاثة بالعباد؟!
وهذا ما صرّح به الأستاذ طه السواح ( التيار الشيعي الإمامي ) قائلاً : « يتضح مما يقع فيه الإمامية الاثنا عشرية من ضلال في توحيد الإلهية، وذلك لأنهم يدعون الأئمة، والدعاء لا يجوز طلبه إلا من الله عز وجل ولا شك في بطلان تلك العقيدة ومخالفتها للاعتقاد الصحيح الذي جاء به القرآن من الأمر بدعاء الله عز وجل وإخلاص الدعاء له سبحانه، وما جاء به رسول الله ﷺمن أن « الدعاء هو العبادة »[25].
قال تعالى : ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (4) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف : 4-6].
وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأعراف : 194].
وقال تعالى : ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا﴾ [الإسراء : 56].
والقرآن الكريم مليء بالآيات الدالة على أن العبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله فهو سبحانه الذي بيده النفع والضر ليس هذا لملك مقرب ولا بني مرسل، ولا رجل من الصالحين...وهذا هو المتعيّن على كل مسلم لا يجوز صرفه لغير الله مطلقًا، إذ إن فعل ذلك شرك بالله العظيم وينافي كلمة :لا إله إلا الله، قال تعالى : ﴿ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [فاطر : 14] [26].
في زيارة القبور والطواف حولها والانكباب عليها واتخاذها قبله كبيت الله :
مما علم من الدين بالضرورة أننا مأمورون بعمارة المساجد والصلاة فيها :
قال تعالى : ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ ۚ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾ [التوبة : 17- 18].
وحذرنا الشارع من تخريب المساجد التي يذكر فيها اسم الله، وتعطيلها عن الجمعات والجماعات.
قال تعالى : ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة : 114].
ولم يأمرنا ببناء مشهد لا على قبر نبي، ولا على مقام نبي لكن الاثني عشرية نقلوا هذا التعظيم إلى قبور أئمتهم وهاموا بالطواف حولها والتبرك بها.
وهذا ما ينكره فضيلة المفتي الشيخ حسنين محمد مخلوف جملة وتفصيلاً قائلاً : « لا لشدّ الرحال إلى كربلاء والنجف الأشرف وتقديسهما كما يزعمون »[27].
بينما يعلّق الأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم البرّي : على هذه الروايات التي تستدل بها الشيعة على الطواف بالقبور وزيارتها « بأن الأمة التزمت وهي على قلب رجل واحد، بهدى من اختاره مولاه رحمة للعالمين، وقال في شأنه : ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ [ النساء : 08].
وأتم الله النعمة والدين على يديه يوم نزل قول الحق سبحانه : ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [ المائدة : 3].
وقد صاح أكثر من مرة في أذن الزمان، ومسامع التاريخ، في حجة الوداع، ألا هل بلغت : فقالت الأمة اللهم نعم، قال اللهم فاشهد [28]...، ولم يثبت عنه ﷺ القول بوجوب زيارة الحرم النبوي الشريف، وأن ذلك من تمام الحج، رغم بيان فضله من قوله الشريف : « لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى »[29]، وإن الفرض في مكة بمائة ألف وفي المدينة بألف، وفي رحاب الأقصى الأسير بنصف ألف، ولا مكان لقوائم الدجالين دون ذلك. كتسويتهم الحرم المدني بالكوفة في الأجر وقم المقدسة عندهم.. إلخ.
من حق شيوخهم أن يقدسوا قبور أئمتهم، والمقبورين فيها، بدعوى أنهم شفعاؤهم عند الله، ويرفعونها إلى العلياء، تفخيمًا وتوقيرًا، وفي المقابل يأتي الحديث في شأن الكعبة، في غَمز مهين، عار عن الحياء والأدب، وتعظيم شعائر في قوله تعالى : ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [ سورة الحج : 32 ].
ومما يؤكد هذه النظرة الوضيعة الشاذة، عقيدتهم في وجوب السجود في الصلاة على تربة الحسين (وهي قطعة من الآجر، المطبوخ في مصنع بلاط كربلاء، طولها حوالي 5 سم، وعرضها ثلاثة)، وهي عندهم أطهر وأشرف من الأحجار الرخامية البيضاء، التي تغطي ساحة الحرمين الشريفين، ولا يسجدون في داخل الحرمين الشريفين بجبهتهم إلا على التربة، التي لا صلاة بدونها عندهم » [30].
وكأن عقول الشيعة رفضت إخلاص العبادة لله، أو أنهم استكثروا على الله تعالى أن يختص بعبادة مفردة فأضافوا الأئمة إليه في جانب من هذه العبادة فهم في حقيقة الأمركما يقول الدكتور العسّال : « يعبدون مشاهد لا صلة لها بآل البيت، وهم في الحقيقة إنما يعبدون أهوائهم وما تمليه عليهم عقيدتهم الفاسدة في الأئمة من آل البيت... ».
فالتوجه إلى تلك المشاهد لقضاء الحوائج ورفع الحاجيّات عندها، فهو أيضًا شرك مضاف للتوحيد الخالص والقرآن مليء بالنهي عن ذلك.
قال تعالى : ﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ يونس : 106].
وقال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴾ [ الأحقاف : 5، 6].
ولقد رفع الله الوساطة بينه وبين خلقه في دعائه حتى لا تبقى شائبة إشراك في ذلك، فقال تعالى :﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [البقرة : 186].
والمعتاد في القرآن في مثل هذا : أن يقول مثلاً (يسألونك عن كذا فقل كذا)، بخلاف هذه الآية فحذف كلمة (قل) رفعًا لهذا الإبهام لمن تدبره، ودخل في الجواب بلا واسطة بقوله : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [البقرة : 186]...، أما ما تصنعه الشيعة عند قبور الأئمة ويحالون تبريره بشواهد من القرآن فهو خطأ بيّن، فإن القرآن من أهم أهدافه توجيه الخلق إلى الله بإخلاص العبادة له خالية من شوائب الشرك بأي صورة، وهل يدخل الشرك في عقائد الناس إلا من هذا الجانب بالذات؟
فقد أخرج البخاري بسنده عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [ نوح : 23].
قال :(هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبدت) [31]، [32].
أما عن الانكباب على هذه القبور والروايات التي تدل على العلاج بطينة قبور أئمتهم [33]، فيوجههم الدكتور البرّي : « أن هذا من خبايا علومهم الدنيئة، ولا عجب، أن يتخذ المستشرقون والمنصّرون وأعداء الإسلام، من قِبل هذا الهراء مجالاً فسيحًا لتشويه وجه الإسلام على المستوى العالمي، ووصمه بكل نقيضة، ولذا كان من دعوات الصالحين ما سجله القرآن العزيز في قوله سبحانه : ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [ الممتحنة : 5] » [34].
في نياحتهم على أئمتهم وضربهم وإيذائهم للأجساد
من المسلـّم به لدى الجميع أن أبا عبد الله الحسين سيد شباب أهل الجنة كما بشّر جده ﷺ [35]، وقد نال منازل الشهداء، وهم أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، وإنما أذن الشرع الشريف بالإحداد للنساء دون الرجال، على الأموات لا على الأحياء، وكما ورد في السُّنَّة أنه : « لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج فأربعة أشهرًا وعشرًا »[36]، و « ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ومن دعا بدعوى الجاهلية »[37].
لكن الشيعة أخذوا يقنطون على قدر الله عز وجل وقدره على استشهاد الحسين t، رغم أنهم هم الذين تخلوا عنه في وقت شدته، وتركوه يواجه الموت منفردًا هو وآل بيت النبي ﷺ، وأباحوا لرجالهم النياحة وشبهوهم بالنساء، ولم يكتفوا بذلك بل عادوا إلى أفعال الجاهلية مرة أخرى من لطم للخدود وشق الجيوب... إلخ.
لأجل هذا يستنكر الشيخ حسنين مخلوف : هذا الفعل المبتدع من الشيعة وبين ما يستحب فعله فقط يوم عاشوراء بما أوردته السُّنَّة الصحيحة.ولا أصل لاتخاذ يوم عاشوراء يوم حزن وعزاء بل كل ما ورد في شأنه[38] : (استحباب صومه، وقيل : استحباب التوسع في النفقة على العيال أيضًا )[39].
ويستغرب فضيلة الشيخ إسماعيل صادق العدوي : من هذه الأفعال وينتقدها بشدة ويؤكد مخالفتها للكتاب والسنة يظل العزاء من سنة 61ﻫ إلى سنة 1400ﻫ : يعني ألف وثلاثمائة وتسع وثلاثين سنة عزاء، ويخرج الناس في بقاع الأرض بصورة ينكرها الإسلام وينكرها الدين « لا ضرر ولا ضرار »[40]، ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة : 195].
فكل منهم يمسك سيفه أو خنجره ويضرب صدره، في يومين في السنة؛ في يوم العاشر من المحرم، وفي يوم العشرين من صفر؛ في يوم الأربعين، ولم يكن أربعون في الإسلام، ولم يكن هناك هذه الصور البشعة التي يبتدعها هؤلاء تبعًا لعقيدتهم.
ما هذا الذي يحدث؟
هل هذا من العقيدة؟ أن يقتل المسلم بيده؟ فيضرب صدره بالسيف والحجر، ويُدْمي الناس في الطرقات وفي الشوارع، ما هذا؟ ما المرجع في ذلك من سننهم؟ هل ورد حديث عن الإمام على أو الإمام الحسن أو الحسين، أو على زين العابدين، أو سيدنا محمد الباقر، أو سيدنا جعفر الصادق؟
هل ورد حديث واحد أو وصية واحدة أن يقتل الناس أنفسهم[41]، وأن يضرب الناس أنفسهم بهذا، إنهم يحققون عقيدتهم من أصول عندهم ويرجعون شيعتهم إلى الكتاب والسنة، وإلى محبة الرسول، وإلى غير ذلك من الأحاديث ويرجعون عقيدتهم إلى أصول الأئمة؟
هل هذا في الأئمة؟ وهل فعل إمام من الأئمة مثل ما يفعلون في هذا الوقت، ومن سابق العهد؟ لم يحدث هذا إطلاقًا إذًا المذهب أصلاً مبتدع، وابتدع فوق المبتدع مبتدعات أخرى ليست من أصولهم، كمسألة المآتم، ومسألة الضرب، ومسألة الجنازة، كل ذلك خارج عن منهجهم وعن أصول مذهبهم »[42].
ويحذّر الدكتور البرّي : أن هذه الأفعال تشوه وجه الإسلام المشرق، وتروع وتنفر البشر عن رائحته الطيبة، يقول فضيلته متحدثًا عن نفسه : « وقد شاهدت إبان عملي كأستاذ بإحدى جامعات الخليج في الثمانينات الميلادية برنامجًا حاشدًا في عاشوراء تحت شعار الإحداد على الحسين، وعلى رأس الجميع قائدهم الخميني، وقد جلل وجهه بالسواد ينوح ويلطم وجهه ويضربون أجسادهم بالسلاسل الحديدية، ويصرخون الرجال قبل النساء والأطفال، في مشهد درامي ملتهب فظيع، والمصوّرون الأجانب ووكالات الأنباء العالمية تصور للعالم كله هذه المآسي، وتبثها عبر الأثير بالصوت والصورة، على أنها الوجه الأصيل الذي جاء به محمد للدنيا، باسم الإسلام كمنقذ للبشرية ورحمة مهداة للعالمين.
وقد اقتنصت هذه الفرصة إحدى أكبر دور البث والإعلام في انجلترا (بي بي سي) : تصوير فيلم كامل مدته ثلاث ساعات، يحوي فظائع هذه الأحداث، يوزع عالميًا تحت اسم (عاد سهم الإسلام للانطلاق من جديد)، بعد قيام ما عرف بثورة الخميني في إيران لتشويه وجه الإسلام ولترويع البشر من رائحته »[43].
ولماذا يفعل الشيعة ذلك في ذكرى استشهاد الحسين t كل هذه الأفاعيل، ولم يفعلوا عُشر معشارها في ذكرى استشهاد أبيه علي بن أبي طالب t، مع أنه يفضل ولده بل يفضل الأئمة كلهم؟ يوم أن قتله الخارجي (عبد الرحمن بن مُلجم) وهو خارج لصلاة الصبح.
وهذا ما استنكره عليهم الدكتور يوسف القرضاوي :
« وللشيعة بدع عملية مثل : تجديد مأساة الحسين كل عام بلطم الوجوه، وضرب الصدور إلى حد سفك الدم، وقد مضى على المصيبة أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، ولماذا لم يُعمل ذلك في قتل والده؟ وهو أفضل منه؟ »[44].
لكن ما يبدو لي أن الشيعة تستثمر ذكريات استشهاد الحسين استغلالاً كبيرًا لإحياء التشيع ونشره، ويفرعون على استشهاده المناسبات من يوم توجهه إلى العراق إلى أربعينية استشهاده، ويوجهون هذه الأحداث لتذكير الشيعة بثارات الحسين على الأمويين، وكأن أهل السُّنَّة من الماضي إلى اليوم هم قتلة الحسين[45].
[1] محمد زكريا النداف : مسائل الاعتقاد عند الشيعة الاثنى عشرية، ج2 ص798- 799.
[2] ناصر القفاري : أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية، ج2 ص463، بتصرف يسير
[3] صابر طعيمة : الأصول العقدية للأمامية، ص228.
[4] محمد البري : الجذور اليهودية للشيعة، ص89- 90.
[5] طه السواح : التيار الشيعي الإمامي وموقفه من أهل السُّنَّة، ص74.
[6] المجلسي : بحار الأنوار : ج101 ص107.
[7] ناصر القفاري : أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية، ج2 ص464- 465، بتصرف يسير.
[8] انظر : فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في الشيعة، ص42.
[9] هذا حديث في الأصل أخرجه البخاري في صحيحة : كتاب بدء الوحي، باب كيف يقبض العلم ح رقم [105]، رواه أبو بكرة.
[10] صحيح البخاري : كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مكة والمدينة ح رقم [1189].
[11] محمد عبد المنعم البرّي : الجذور اليهودية للشيعةص97
[12] صحيح البخاري : كتاب التفسير، تفسير سورة نوح، باب ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرا.
[13] محمد العسال : الشيعة الاثنا عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم.
[14] المجلسي : بحار الأنوار، ج101، ص119.
[15] محمد البرّي : الجذور اليهودية للشيعة، ص90.
[16] صابر طعيمة : الأصول العقدية للأمامية(ص137، مكتبة مدبولي، ط 1، 2004م).
[17] انظر : مصطفي مراد : رؤية إصلاحية شيعية لعقائد الشيعة(ص272) بتصرف يسير، أحمد الكسروي : الشيعة والتشيع (ص 120)، وكذا انظر : محمد العسال :الشيعة ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم(ص547).
[18] الحسن ياسر الحسن : النبي ﷺ وآل بيته بين أهل السُّنَّة والشيعة (ص170).
[19] الكليني : الأصول من الكافي، كتاب الحجة، باب «إن الأئمة عليهم السلام علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفي عليهم شيء صلوات الله عليهم« (ج1/ ص260).
[20] صابر طعيمة : الأصول العقدية للإمامية (ص123)، نقله عن البرقعي : كسر الصنم(ص198، دار البيارق، رابطة أهل السُّنَّة في إيران مكتب لندن، عام 1419هـ = 1998م).
[21] محمد العسال : الشيعة ومنهجهم في تفسير القرآن (ص533).
[22] الحسن ياسر الحسن :النبي ﷺ وآل بيته(ص181)، العسال : (ص533).
[23] يوسف القرضاوي : عام 1926م، ولد الدكتور بقرية المحلة الكبرى في محافظة الغربية بمصر، وفي العام الدراسي 1952م- 1953م, حصل على الشهادة العالمية من كلية أصول الدين بالقاهرة، والعالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية عام 1954م، ثم التحق بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، وحصل منه على دبلوم عال في شعبة اللغة العربية والآداب، ثم حصل على الدكتوراه في أطروحته (الزكاة) عام 1973 في شعبة القرآن الكريم بكلية أصول الدين، شغل القرضاوي عدة وظائف منها : في سنة 1956م : عُين الشيخ القرضاوي بمراقبة الشئون الدينية بوزارة الأوقاف المصرية خطيبًا للوعظ والإرشاد والتدريس في المساجد، ثم مشرفًا على معهد الأئمة، وفي عام 1959م : نُقل إلى الأزهر الشريف للعمل بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد، وللإشراف على الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر ومطبوعاتها. وفي سنة 1961م : أعير القرضاوي إلى دولة قطر عميدًا لمعهدها الديني الثانوي، وفي سنة 1973م : نقل إلى كلية التربية التي أنشئت كنواة لجامعة قطر، فأسس الشيخ قسم الدراسات الإسلامية وأصبح أول رئيس له، كما أسس في عام 1977م : كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وصار عميدًا لها، كما أصبح لمدير لمؤسس لمركز بحوث السُّنَّة والسيرة النبوية بنفس الجامعة، فضلاً عن عمادته لكلية الشريعة.مؤلفات الشيخ يوسف القرضاوي : تزيد مؤلفاته عن مائة وعشرين كتابًا . انظر الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة (ص 432، 433، تحت رقم 1513).
[24] جريدة الدستور : تاريخ 19/ 9/ 2008م(ص 2).
[25] رواه أبو داود : كتاب سجود القران، باب الدعاء، ح (1479) (ج2/ ص77)، والترمذي : كتاب الدعوات، باب ما جاء فيفضل الدعاء، ح(3232) (ج11/ ص201)، وقال : « حديث حسن صحيح« من حديث النعمان بن بشير.
[26] طه السواح : التيار الشيعي الإمامي (ص80).
[27] انظر : فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في الشيعة، ص42.
[28] هذا حديث في الأصل أخرجه البخاري في صحيحة : كتاب بدء الوحي، باب كيف يقبض العلم ح رقم [105]، رواه أبو بكرة.
[29] صحيح البخاري : كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مكة والمدينة ح رقم [1189].
[30] محمد عبد المنعم البرّي : الجذور اليهودية للشيعة ص97
[31] صحيح البخاري : كتاب التفسير، تفسير سورة نوح، باب ولا تذرن ودًا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرا.
[32] محمد العسال : الشيعة الاثنا عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم.
[33] المجلسي : بحار الأنوار، ج101، ص119.
[34] محمد البرّي : الجذور اليهودية للشيعة، ص90.
[35] أخرجه الإمام أحمد في الفضائل : عن وكيع، عن ربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير.
[36] صحيح البخاري : كتاب الطلاق، باب تلبس الحادة ثياب العصب.
[37] صحيح البخاري : كتاب السهو، باب ليس منا من ضرب الخدود.
[38] حديث « من وسع على أهله يوم عاشوراء « أورده ابن الجوزي في الموضوعات (ج2/ ص200).
[39] انظر : فتاوى كبار علماء الأزهر الشريف في الشيعة (ص 42).
[40] هذا الحديث رواه ابن ماجه عن ابن عباس t، باب : من بني في حقه ما يضر بجاره في الزوائد، ح(2340)، (ج3/ ص430)، في إسناده جابر الجعفي منهم. قال الألباني : صحيح لغيره.
[41] بل أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ﷺ : « من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يَتَوجَّأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فهيأ أبدًا... إلخ »، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، ح(313)، (ج1/ ص72).
[42] إسماعيل صادق العدوي : نظرة في فكرة الشيعة(ص78-81).
[43] محمد عبد المنعم البرّي : الجذور اليهودية للشيعة(ص178).
[44] جريدة الدستور المصرية : بتاريخ 19/9/2008م(ص 2).
[45] محمد زكريا النداف : مسائل الاعتقاد عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية(ج2/ ص802).
-
الاحد PM 03:24
2025-04-06 - 159