المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413263
يتصفح الموقع حاليا : 306

البحث

البحث

عرض المادة

تأليه البشر وأبناء الله

تعد دولة أكد السامية (2350ق. م) هى أول دولة استحدثت تأليه الملوك (1) حيث ارتبط اسم (سرجون) أول ملوك أكد بالصفات المقدسة ومن بعده جاء الملك نرامسن الذي كان ينادي بلقب نرامسن المقدس إله أكد (2)

كذلك فى عصر إحياء الدولة السومرية استمر الملوك فى اكتساب الصفات الإلهية فبنيت لهم المعابد وقدمت لتماثيلهم العطايا والقرابين، وألفت الأناشيد والترانيم لتمجيدهم كما يتضح من هذا النشيد المصاغ عن الملك (شولجي):

أنا ملك الأحياء الأربعة (العالم)

وإله كل البلاد

والإبن المولود لنن سون (اسم إلهة)

أنا الذي باركني أنليل (إله الهواء)

ومنحنى أنكي الحكمة (إله الأرض)

كذلك ذكر الملك (جوديا) أنه ابن الألهات نن سون ونانشي (ألهة الحكمة) وجاتو مدوج.


(1) الحضارات السامية القديمة: موسكاتي
(2) معالم العصر التاريخي فى العراق القديم: د. نبيلة محمد عبد الحليم.

وكان يخاطب جوديا الإلهة جاتو قائلا:

ليس لى أم أنت أمي

ليس لي أب أنت أبي

واستعمل اسم الملك شولجي كجزء من أسماء رعاياه مثل (شولجي إلهي) و (شولجي خالقي) و (شولجي والدي)

وجاء من بعده ابنه (أمرسن) الذي قبل العطايا فى المعابد المكرسة له كما فعل أبوه وقد ظل هذا الملك فى عداد مجمع الآلهة.

ومن دراسة آثار حمورابي يستدل على أنه كان يكتسب الصفة الإلهية فقد أطلق على نفسه إله الملوك (1) وادعي أن شرائعه المشهورة كانت وحيا من إله الشمس (شمش) وإن الإله مردوك انتدبه ليحكم البشر ومدينة بابل.

وفى مصر كان اتوم أول إنسان مصري يقوم الشعب بتأليهه واعتباره إله الشمس الغاربة وهو الذي قام بخلق بقية الثالوث وهما الإله شو والإلهة تفنوت (2)

وكما قدس المصرييون أتوم فى حياته قدسوا اوزوريس بعد مماته فكان أول إنسان يؤله بعد موته.


(1) دراسات فى تاريخ الشرق القديم: د. أحمد فخري
(2) آلهة المصريين: أ. أ. والاس

وقد ادعي فراعنة الأسرات الأولى أنهم مقدسون، وكان الفرعون نفسه مقتنعا بقدسيته الشخصية كاقتناع رعيته (1)

وكان رعاياه مجبرين على طاعته وطائفة الكهنة منشغلة بالتوكيد الدائم لقدسيته.

ففرعون مصر كان تجسيدا لإله الشمس على الأرض أى أنه إله متجسد رضى أن تكون الأرض موطنا له إلى حين (2) وفى الوقت نفسه ابنا للإله آمون - رع.

وكان كهنة المعابد قد أعلنوا إمكانية حلول الالهة فى أجساد الملوك فأصبح كون هؤلاء الملوك آلهة أمرا مألوفا.

وفى زيارة الإسكندر الأكبر لمبعد سيوه زعم كهنة هذا المعبد أنه ابنا للإله آمون رغم أن أمه كانت قد أعلنت أن الإله عطارد نفخ فيها فحبلت به أى ابنها ابنا للإله عطارد.

ومنذ بداية العصر الإمبراطوري فى عهد أغسطس قيصر قامت ديانة رسمية على أساس تأليه الإمبراطور بعد مماته.

ومن وجهة نظر شعبه كان أغسطس حاكما إلهيا وفى مصر لقبه المصريون باللقب الذي كانوا يلقبون به بطالستهم اى (الالهة)، وكان من ألقابه الرومانية لقب (ابن الإله)، ولقب أغسطس أى الممجد أو صاحب الجلالة وهى جميعا ألقاب للألهة.


(1) فلاسفة الشرق: أ. و. توملين
(2) قصة الحضارة: ول ديورانت

وقد أله أغسطس قيصر بعد مماته وأدمجت عبادته بعبادة الآلهة (روما) (1)

وفى القرن الثالث الميلادي تطورت عبادة الأباطرة فاصبحوا يقدسون فى حياتهم (2)

ولم يكن التأليه والتقديس من نصيب الملوك فقط فقد كان للفلاسفة نصيب أيضا فالفيلسوف اليوناني أنبا دوقليس (490ق. م:430ق. م) قد ادعى أنه مشتمل على روح إله (نظرية الحلول) ووصف نفسه بأنه إله خالد تحرر من الموت إلى الأبد (أى أنه خلص من عجلة الميلاد والتناسخ) وقد تبعه آلاف من الناس آملين الخلاص على يديه، وقد ألهه أتباعه بعد موته الذي تحوطه الأساطير.

ويقال أنه بعد اجتماع له مع اصدقائه (مثل مثرا وكذلك المسيح فى العشاء الرباني) اختفى تماما وظهر ضوء فى السماء (3): وأحاطت شخصية فيثاغورس 490:570 كثير من الأساطير إذ كان مصلحا دينيا وصاحب فريق من الأتباع وتجمعهم عقيدة دينية واحدة واتجاه فلسفي واحد.

وكان فيثاغورس يعتقد بأنه كائن اسمى من البشر إذ كان يقول هناك بشر وآلهة وكائنات وسط بينهما مثل فيثاغورس.

وكان أتباعه يعتقدون أنه ابن الإله (أبولون) وأنه لم يمت وسيبعث بعد حين (4).


(1) تاريخ العلم: جورج سارتون.
(2) التاريخ الوسيط: كانتور
(3) الفلسفة عند اليونان: د. أميرة حلمي مطر
(4) عبقرية المسيح: العقاد

وأحاطت الاساطير بجلجامش أحد ملوك الوركاء (أروك) بالعراق فاعتقد مواطنوه أن ثلثيه إله والثلث من البشر (1). وتشبه الملك انطيوخس خليفة الإسكندر به وأطلق على نفسه لقب الإلهي أو صاحب الشارة الإلهية.

إذاً من الواضح أن تأليه البشر وتقديسهم باعتبارهم آلهة متأنسة (فى صورة إنسان) أو أبناء آلهة كان أمرا مألوفا عند الشعوب الوثنية وقد بدأ فى دولة أكد منذ 2350 عاما قبل الميلاد كما يقول المؤرخ موسكاتي واستمرت إلى 300 عام بعد الميلاد كما يقول المؤرخ كانتور.

[أبناء الله فى الكتاب المقدس: الأبوة الإلهية]

وردت الأبوة الإلهية للملائكة وللبشر فى مواضع كثيرة فى الكتاب المقدس (العهد القديم) جاء فى سفر التكوين أن الملائكة أبناء الله (وأن أبنا ءالله رأوا بنات الناس حسنات فاتخذوا منهن زوجات) صح 2:6

وجاء فى تفسير الرهبان اليسوعيين أن جنس العمالقة جاء نتيجة هذا التزاوج بين الملائكة وبنات الناس.

وجاء كذلك فى سفر أيوب (وكان ذات يوم أنه جاء بنو الله ليمثلوا أمام الرب، وجاء الشيطان أيضا فى وسطهم) أيوب صح 1:2

وأطلق لقب ابن الله على شعب إسرائيل (فتقول لفرعون هكذا يقول الرب، اسرائيل ابني البكر، فقلت لك أطلق ابني ليبعدني) خروج صح 22:4

وتكرر ذلك فى موضع آخر (لما كان إسرائيل غلاما أحببته ومن مصر دعوت إبني) هوشع صح 1:11 وكذلك (ويكون عوضا عن أن يقال لهم لستم شعبي، يقال لهم أبناء الله الحي) هوشع 10:1 وكذلك (أنتم أولاد للرب إلهكم) تثنية 14:1

وأعطى هذا اللقب لداود النبي (قال الرب لى أنت ابني أنا اليوم ولدتك، اسألني فأعطيك الأمم ميراثا لك وأقاصي الأرض ملكا لك) المزمور الثاني: 7

وأطلق هذا اللقب على سليمان بن داود عليهما السلام (هو يبنى بيتا لا سمي وأنا أثبت كرسي مملكته إلي الأبد، أنا أكون له أبا وهو يكون لى ابنا) صموئيل الثاني صح 13:7

وسليمان هو الذي بنى الهيكل المنسوب إليه.

وكذلك أطلق هذا اللقب على أفرايم بن يوسف ونسله، (لأني صرت لإسرائيل أبا وأفرايم هو بكري) أرميا 9:31

وشعب إسرائيل قد دعا الله أبا لهم (أنت يارب أبونا ولينا منذ الأبد اسمك) اشعياء 16:63 كذلك (والآن يا رب أنت أبونا نحن الطين وأنت جابلنا) أشعياء 8:64

ونتسائل ما المقصود بالأبوة الإلهية فى الديانة اليهودية وما معنى (أبن الله) أو (أبناء الله) الذي ورد فى العهد القديم؟

ويجيب على ذلك يهودا فيلون الفيلسوف اليهودي (30ق. م إلي 40م) قائلا: ينقسم الإنسان إلي ثلاثة أقسام: وليد الأرض وهو من يطلب متاع الجسد ووليد السماء وهو من يطلب متاع الفكر ووليد الله من تجرد عن الدنيا وزهد فى متاعها وهذا فى زمرة الهداة والمرسلين، إذاً الأبوة الإلهية عند اليهود مجازية وتختلف عن تلك المعتقدة عند الوثنيين.

وفى الأناجيل كثر استعمال لقب ابن الله وأطلق على تلاميذ المسيح والمسيحيين الأوائل وصانعي السلام، (طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون) متى 9:5

وعلى الرحماء (كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم)، (فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي فى السموات هو كامل) متى 48:5 وكذلك (لكى تكونوا أبناء ابيكم الذي فى السموات) متى 45:5، أيضا (فأبوك الذي يرى فى الخفاء هو يجازيك علانية) متى 4:6، ومخاطبة الله فى الصلاة (ابانا الدى فى السموات) وفى إنجيل يوحنا (لنا اب واحد هو الله) 41:8

وواضح أيضا أن الأبوة الإلهية هنا مجازية، ونتسائل ما الذي أدى إلي تأليه المسيح والرجوع بالبشرية إلى الوثنية من جديد؟ ما الذي أدى إلي فهم الأبوة الإلهية بمعناها اللفظى مما أنزل الإنسان إلي عقلية الإنسان البدائي فى دولة أكد وسومر ومصرالفرعونية؟

يقول يوهان سملر أستاذ الفلسفة فى (هالة): أن المسيحية قد جرفها عن تعاليم المسيح لاهوت القديس بولس الذي لم ير المسيح قط.

ويؤكد فولتير ذلك قائلا أن المسيح كان يهوديا يتمسك بالديانة اليهودية طيلة حياته ويؤدي شعائرها ويتردد على المعبد اليهودي ولا ينطق بشئ يخالف الشريعة اليهودية، يقينا أنه ليس هو الذي أسس الديانة المسيحية، أن المسيح لم يبشر بأية خصيصة واحدة من خصائص المسيحية.

وقد أعلن المسيح الهدف من رسالته (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل) متى 17:5 الناموس: شريعة موسى

ويتسائل فولتير لماذا نبذت المسيحية شريعة موسى على الرغم من تكرار توكيد المسيح عليها؟ وهل كان بولس الذي نبذ هذه الشريعة له سلطة أومرجعا أقوى من المسيح؟

إن قصر الفترة الزمنية التي استغرقتها رسالة المسيح (ثلاث سنوات وبضعة شهور) لم تتح للمسيح إرساء قواعد رسالته فهى فترة زمنية غير كافية لتأسيس ونشر ديانة كما أن رحيل المسيح المفاجئ عن التلاميذ جعلهم نهبا للشكوك وفريسة لخيبة الأمل فى تأسيس دولة اليهود وتبوء مراكز قيادية فى تلك الدولة.

إن الديانة المسيحية قد ولدت والديانات الوثنية محدقة بها من كل جانب، ففى مصر عبد المصريون الثالوث أوزوريس والإبن حورس والآلهة ايزيس واعتبر المصريون ايزيس أم الاله حورس فصوروا لها صورا من الجواهر وأقاموا التماثيل لها فى معبد ابنها اله الشمس، ولقد كان لهذه الأساطير والرموز الشعرية الفلسفية

 


(1) قصة الحضارة: ول ديورانت

أعمق الأثر فى الطقوس المسيحية وفى الدين المسيحي، حتى أن المسيحيين الاولين كانوا أحيانا يصلون أمام تمثال ايزيس الذي يصورها وهى ترضع طفلها حورس (1)

ويقول جورج سارتون: إن طقوس عبادة ايزيس المتقنة الرهيبة قد مهدت السبيل إلي طقوس سيدتنا مريم العذراء (2)

كما كان الاعتقاد بموت الإله أوزيريس ثم قيامته من الأموات راسخا عند الفراعنة حتى يكتسبوا هم أيضا الخلود فيبعثوا معه (3).

ويردد المسيحيون صدى هذا الاعتقاد بقولهم: لما كان المسيح يحيا حقا سوف أحيا ولما كان المسيح لن يموت فلن أموت.

وقد غزت عبادة الاله الفارسي (مثرا) الإمبراطورية الرومانية قادمة من بلاد فارس والهند وكان يمثل هذا الاله فى صورة الشاب ذي الوجه الوسيم الذي تعلوه هالة من نور ترمز إلي الوحدة القديمة بينه وبين الشمس (4). وكان يفرد تابعوه يوم الأحد لعبادته (يوم الشمس) ويحتفلون بمولده فى الخامس والعشرين من ديسمبر (يوم الاعتدال الخريفي) وهو نفس يوم الاحتفال بمولد السيد المسيح عند الكنيسة الغربية. كما يعتقد علماء علم مقارنة الأديان اقتباس المسيحية لطقس العشاء الرباني من هذه الديانة وكانت ديانة ديونسيس فى اليونان قد زحفت أيضا إلي الإمبراطورية


(1) قصة الحشارة: ول ديورانت الجزء الثاني من المجلد الأول.
(2) تاريخ العلم: جورج سارتون الجزء الرابع.
(3) الديانة فى مصر الفرعونية
(4) هذه الصورة اشتهر بها السيد المسيح

الرومانية، وقد ولد الإله ديونسيس (إله الخمر والشمس) فى مذود كما ولد السيد المسيح، كما أن أول معجزة قام بها السيد المسيح كانت تحويل الماء خمرا عرفت فى عباة ديونسيس كمعجزة من معجزاته بصفته إلها للخمر. ومن حيوانات ديونسيس المقدسة الحمل والحمار وعلى الحمار ركوبه (1) ونرى السيد المسيح يطلب جحشا وحمارة لدخول أورشليم (إنجيل متى) وكما أشرنا من قبل أن يوم الاحتفال بميلاد ديونسيس هو السادس من يناير. (2) هكذا تأثرت المسيحية بالأديان الوثنية التي كان يعج بها العالم حينئذ فتركت الوحدانية التي شددت عليها شريعة موسى واتخذت الثالوث الها، كما انبهرت بعقيده الإله المخلص الذي يموت ثم يقوم من الاموات منتصرا على الموت فأخضعت لها المسيح فاصبح فى مصاف أوزريس وبعل وأرتيس وتموز .. وغيرهم من الآلهة المخلصة التي عرفت عند الوثنيين.

إن العقل المتحضر يرفض تماما فكرة تأليه المسيح، يقول جوته (3): أنا أنحني أمام المسيح بوصفه المظهر الالهي لأسمي مبدأ للفضيلة وكذلك أعبد الشمس كما أعبد المسيح لأنها مظهر معادل من مظاهر القوة الإلهية.

لقد اعتبر جوته السيد المسيح كالشمس مخلوقا تتجلى فيه قدرة الله. فلمادا يعبد دون مخلوقات الله


(1) الله: العقاد
(2) تحتفل الكنيسة الشرقية بميلاد المسيح فى السادس من يناير.
(3) قصة الحضارة: ول ديورانت

ويقول جوتسهولت ليسنج أن المسيح أفضل إنسان مثالي ولكن ليس تجسيدا للإله. ويقول جون تولاند (1) أن الاعتقاد بإله ذى شخصية إنسانية يرجع إلي الوثنية ويقول هرمان رايماروس (2) إن المسيح ليس ابنا لله بل هو صوفيا متحمسا.

وقد أنكر يوهان شولتز وهو أحد القساوسة لاهوت المسيح فطرد من وظيفته وقد وصف كارل بارت السيد المسيح بأنه معلم عظيم فقط مثل كونفوشيوس وسقراط وسملر ومثله هو (أى كارل بارت) وقد طرد أيضا من القسوسية.


(1) أستاذ الأدب بجامعة جلاسكو (رسائل إلى سيبرينا)
(2) أستاذ اللغات الشرقية فى أكاديمية همبورج

  • الجمعة PM 08:41
    2022-08-19
  • 681
Powered by: GateGold