المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412611
يتصفح الموقع حاليا : 281

البحث

البحث

عرض المادة

هل يمكن للمسلم المحافظة على دينه في ظل العلمانية؟

إذا كان يمكن للمسيحي المحافظة على دينه في ظل العلمانية، لأن المسيحية مجموعة وصايا وآداب تمارس داخل الكنيسة، فإن الإسلام بتشريعاته المتعددة والمتداخلة والشاملة لكافة مناحي الحياة يستحيل تطبيقه في ظل نظام علماني.

فالعلمانية تؤطر المجتمع وتوجهه بطريقة لا تمكن المسلم من ممارسة دينه في جو مطمئن.

فلا يستطيع المسلم أكل الحلال وفق مفهوم الشريعة، لأن الشريعة كما ترى العلمانية لا دخل لها في التحليل والتحريم، فذبح الحيوان هو طقوس دينية لا تلزم العلمانية، وتحريم الخنزير والميسر والربا فروض دينية لا ترى فيها العلمانية إلا كوابح دينية يجب تجاوزها وإلغاؤها، وبالتالي فلن يجد المسلم أين يضع ماله ولا حلالا يأكله.

وتبيح العلمانية للمرأة كشف مفاتنها وعورتها، وتبيح لها ممارسة الفاحشة برغبتها، فيتعرض المسلم للتحريش والإغواء والفتنة.

ولا يسمح في ظل النظام العلماني للمسلم منع ابنته من الاختلاط والتبرج، بل والعري التام، واتخاذ صديق لها تدخله معها منزل والدها المسلم، والويل للأب المسلم المسكين إن اعترض، فقوانين العلمانية صارمة في ردعه وتركه عبرة لأمثاله.

وللابن في ظل العلمانية اتخاذ الخليلات ومشاهدة أفلام الإباحة في منزل والده، الذي هو ملزم بالنفقة عليه. وليس أمام المسلم إلا طاعة المبادئ العلمانية والانصياع لها.

فكيف يقال إن حرية التدين مكفولة في ظل العلمانية؟

وأما الإعلام فسواء عرض أفلام الجنس أم عروضا نسائية عارية تماما فلا يحق للمسلم أن يعترض أو ينكر، وللإعلام الدفاع عن الدعارة باعتبارها نشاطا اقتصاديا مربحا، أو عرض أصناف الخمور والتحريض على شربها أو بيان أصناف طهي الخنزير.

وما على المسلم إلا الإذعان والاستسلام، وكل ما يمكنه فعله أن يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله، إن تركت له العلمانية إيمانا يستطيع به فعل ذلك.

وأما الحديث عن تغيير المنكر فأحد المستحيلات العشر في دين العلمانية.

هذا فضلا عن أن هناك أركانا وواجبات دينية شرعية لا يمكن القيام بها إلا في ظل دولة إسلامية تحمي هذه الواجبات، وإلا يستحيل القيام بهذه الشعائر دون وجود السلطة السياسية التي تحميها، بل وتقوم بها. كالزكاة، والجهاد، والشورى، والعدل الاجتماعي، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الربا، وتحريم الخمر، وتحريم الخنزير، ومنع التبرج، وغيرها.

وهل السياسة العلمانية التي تحلل الحرام الشرعي مثل الزنا والخمر والربا والعري والتفسخ والأفلام الإباحية والشذوذ، وتدافع عنها وتنشرها بشتى الوسائل وتحرض عليها إعلاميا وإشهاريا، وتذوذ عنها أمنيا وتحميها عسكريا وقانونيا تعتبر محايدة ضد الدين ولا تسعى لتهميشه؟

لا حجة في الوحي.

نصوص القرآن والسنة لا حجة فيها عند العلمانيين، وتَنازُل بعض العلمانيين للاحتجاج بها تنازل خطير في نظر عادل ضاهر.

وقد أخذ على إخوانه الاحتجاج بالنصوص الدينية لتسويغ وجهة نظرهم، وأنهم بذلك ينخرطون في حرب النصوص، واعتبره تنازلا خطيرا للخصم، لأن القضية الأساسية للعلماني هي قضية استقلالية العقل الإنساني (1).

وهكذا قال نصر أبو زيد، فقد لام صديق دربه زكي نجيب محمود كيف أنه أعطى لمعارضيه فرصة للنيل منه، بل ولاغتياله (أي: فكريا) من جانبين على حد تعبيره.


(1) الأسس الفلسفية للعلمانية (399).

الجانب الأول هو تسليمه بحجية النصوص الدينية وخاصة القرآن، وهي في نظر أبي زيد لا تستحق ذلك، ولولا طول كلامه لنقلته برمته، لكن أكتفي بقوله في آخره: وإذا كان زكي نجيب محمود بذلك الإقرار والإعلان قد كرس مرجعية النصوص الدينية، فإنه قد منح بذلك خصمه سلاحا فتاكا للنيل منه، هذا هو الجانب الأول، والجانب الثاني الذي مكن للخصم من اغتيال خطاب زكي نجيب محمود إقراره لا بالفروق النوعية بين الرجل والمرأة فقط، بل وتسليمه بالنتائج المترتبة على هذه الفروق اجتماعيا وثقافيا ونفسيا (1).

واعتبر بعد أن الخطاب الديني يزيف قضية المرأة حين يصر على مناقشتها من خلال مرجعية النصوص (2).

وهو نفس ما أكده فرج فودة أنه لا حجة في القرآن والسنة بل الحجة في الدستور والقانون (3).

وأكد القمني أن الأديان برمتها موضوع للبحث فقط لا وسيلة للمعرفة، قال: والأديان بالنسبة لمثلي هي موضوع درس ومعرفة، وليست وسيلة لأي نوع من أنواع المعرفة (4).

فالأديان موضوع للبحث، لا وسيلة للمعرفة.

[الذئب الوديع]

يظهر أغلب العلمانيين أنفسهم بمثابة الناصح الأمين الذي يريد فهما أوسع للدين وأشمل وأكثر حضارية وعقلانية على حد تعبير بعضهم.

ونص آخرون على أن العلمانية مرادها وضع الدين في موضعه الذي وضعه الله فيه، فالدين مكانه المسجد ودوره تهذيب الأخلاق والقيم الروحية التي ينحصر أثرها داخل المسجد.


(1) دوائر الخوف (113).
(2) دوائر الخوف (123).
(3) حوار حول العلمانية (22 - 23 - 24).
(4) شكرا ابن لادن.

وادعى آخرون أن هدفهم هو الوفاء للإسلام وإعطاء ديناميكية جديدة وحقنة حيوية جديدة في شرايينه.

وحاول العلمانيون المغاربة وغيرهم أصحاب «المفاهيم الملتبسة» و «قدر العلمانية في العالم العربي» جاهدين إيهام قرائهم بأن علمانيتهم ليست ضد الدين، بل هي في خدمة الدين. بل أكد أحد كُتابهم -وهو محمد سبيلا- بأن العلمانية هي أحسن حاضن للدين (1). وعند عبد العلي بنعمور: العلمانية تكريم للدين.

هكذا بكل صفاقة وجه!!!.

وكتابي هذا إن شاء الله لطحن هذه التفاهات وذرها في الهواء.

وزعم عبد المجيد الشرفي أنه يهدف لمصالحة المسلم المعاصر مع دينه (2).

وكأن المسلم في خصام مع دينه، لكن كما يقال: كل إناء بما فيه ينضح.

ونصحنا بعدم التمسك بحرفية النص وأنه لا بد من البحث عن روح النص ومغزاه ومقصده حتى تكون العبادة لله وحده (3).

هكذا قال.


(1) قدر العلمانية في العالم العربي (41).
(2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (59).
(3) نفس المرجع (61).

لكن لا تلبث هذه الوداعة إلا أن تكشف عن حقيقتها وتسفر عن شراستها، فضرب لنا الشرفي مثلا، بأن ما ورد في القرآن عن آدم وحواء وإبليس والجن والشياطين والملائكة ومعجزات الأنبياء ليست إلا تماشيا مع الذهنية الميثية الأسطورية، وأنها رموز وأمثال لا حقائق تاريخية (1).

إنما يتحاشى الشرفي ذكر الله مع ما تقدم، مع أن الباب واحد، تجنبا لردود الأفعال التي قد تؤثر سلبا على تقبل مشروعه.

فكل الغيب -الذي هو أس الدين والإيمان- خرافات وهمية في نظر الشرفي، آمن الناس بها في عصر سيادة الخرافة، أما وقد تحررنا من كل ذلك فلم نعد بحاجة إليها وأصبح تجاوزها أمرا لازما وحتميا.

[استحالة اجتثاث الدين من المجتمع]

رغم الهجمة العلمانية الشرسة على الأديان، ورغم كونها مدججة بقوة الدولة وجبروتها، ورغم تسخيرها كافة الوسائل الأمنية والإعلامية والثقافية لتحقيق ذلك، لم تفلح في استئصال الدين من المجتمعات.

في ندوة لندن (يونيو 1994) حول سقوط العلمانية والتحدي الإسلامي للغرب أكد البروفيسور جون كين أن الدين لا يمكن أن يجتث نهائيا من حياة الناس، وإنما الذي نجحت العلمنة (2) في تحقيقه هو إخضاعها الدين لنظم مدنية أوجدها البشر صارت لها السلطة العليا والكلمة الأخيرة، غير أن ظهور الأصولية الدينية في الغرب اتخذ أشكالا عدة في مقدمتها: بروز الحديث عن «السباسة المسيحية» والجدل المتجدد حول الدين والإجهاض، ومطالبة 80% من البريطانيين بتدريس الدين في المدارس، هذه المؤشرات وغيرها كثير تثير تساؤلات عدة حول مدى نجاح العلمنة في إقصاء الدين عن الحياة، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في المسألة برمتها. 


(1) نفس المرجع (61).
(2) طبعا في الغرب.

من زاوية مراجعة موقف العلمانية من العلاقة بين الدين والمجتمع (1).

وكذا أكد أركون أن بوادر الانفراج بين الديني والعلماني في تصاعد في أوربا (2).

وذكر عالم الاجتماع الألماني وأستاذ اللاهوت الإنجليزي الدكتور جوتفرايد كونزلن: ولأن الاهتمام الإنساني بالدين لم يتلاش، بل تزايد .. وفي ظل انحسار المسيحية، انفتح باب أوربا لضروب من الروحانيات وخليط من العقائد الدينية لا علاقة لها بالمسيحية ولا بالكنيسة من التنجيم .. إلى عبادة القوى الخفية .. والخارقة .. والاعتقاد بالأشباح .. وطقوس الهنود الحمر .. وروحانيات الديانات الآسيوية .. والإسلام، الذي أخذ يحقق نجاحا متزايدا في المجتمعات الغربية (3).

وها قد حان الشروع في الكتاب بعون الله، نوثق فيه لنظرة العلمانيين للتدين عموما والإسلام خصوصا، فالعلماني يحاول دائما أن يظهر بمظهر الباحث النزيه والناقد البريء من أية أفكار مسبقة وأية إيديولوجيا. وهو دوما يرمي مخالفيه بتلك التهم المجانية، بينما لو تمعنا قليلا لا كثيرا لرأيناه في صورته الحقيقية: مثقف تسممت أفكاره بالدراسات الاستشراقية الغربية، حتى غدت قناعاته واختياراته منسجمة تماما مع الطرح الغربي والبحث الاستشراقي فأصبحت له مواقف متطرفة من الدين والتدين يغلفها بستار البحث العلمي أو النقد التاريخي.

ولو أزحت الستار لرأيت خلفه: أفكارا مسبقة، وإيديولوجيا متخفية، وأهدافا مسطرة يبحث لها عن سَنَد ودعم. وبعبارة أوضح: لرأيت مخالب تحت قفازات من حرير.


(1) المفترون (247).
(2) قضايا في نقد العقل الديني (258 - 259 - 275).
(3) مأزق المسيحية والعلمانية في أوربا (18 - 33 - 34).

  • الجمعة AM 01:29
    2022-08-05
  • 1245
Powered by: GateGold