المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414086
يتصفح الموقع حاليا : 211

البحث

البحث

عرض المادة

الكرة على القرآنيين: بعضُ أدلة القرآنيين وتفنيدها

إنّ المطّلع على فكر جماعة أهل القرآن المعاصرين يجد أنهم يُردّدون شُبَهاً عفى عليها الزمن، وهكذا هم أهلُ البدع، وأصحابُ الأهواء، وأربابُ الضلالات، يُكرّرون أشياءَ هتفَ بها أسلافُهُم منذُ مئاتِ السنين!

وهذا ديدن أهل الباطل دائماً يُعيدون ما فُرِغَ منه لعلّهم يصطادون ضحايا جديدة من الغافلين.

وصدق الله العظيم الذي حكى منهج الضالّين المضلّين في كتابه العزيز فقال: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [سورة فصلت 41: الآية 43].

وقال سبحانه: {قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [سورة البقرة 2: الآية 118].

ومنكرو السنّة الغرّاء ـ أراح اللهُ الأمةَ من بلائهم ـ ليسوا مختلفين عن الغواةِ الآخرين، وهم لو قصدوا الحقَّ، ولو استَحيَوا من ربِّهم تباركَ وتعالى، ثم من خلقه؛ لَبَحثوا عن الأجوبة التي أُجيبَ بها مَنِ اقتَدَوا بهم ممّن تقدّمهمُ من المبتدعة السابقين.

وها هي كتبُ أهل العلم المختلفة ملأى بالردود على تلك التشغيبات التي شغّبَ بها الأولون، ولكنهم يلوكون الأقوال العفِنَةَ، ويَجترّون الآراءَ المُنتِنَة، ويُغمضون أعيُنَهم عن الأدوية الناجعة التي فيها علاجُ أسقام قلوبِهم، ويتجاهلون البلاسم الشافية التي بها يُداوى بها زيغُ عقولِهم.

والدليل على ما أقول: أن أطروحاتِهم تُغفِلُ عموماً الردودَ على شُبَهِهم، وتطوي ذكرَ مواضِعِ بيان ما يستشكلون.

أوليس من العجيب أنهم يقولون ويُعيدون، ويروحون ويجيئون، في طرح أسئلةٍ وقضايا الجوابُ عنها أجلى من الجليّ؟

إن هؤلاء الناس يرومون الجدل للجدل، شأنُهم شأنُ من ذكروا في القرآن العزيز فقال: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [سورة الزخرف 43: الآية 58].

وقال عزّ من قائل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [سورة الأنعام 6: الآية 121].

إنّ من يُطالعَ أدبياتِ أعداءِ السنة من القرآنيين يَجدُهم يأتون في لَجَجِهم بأدلة نقليةٍ جُلُّها ما ساقه أسلافهم من قبلُ من آياتٍ قرآنية انتزعوها من سياقِها، وأوّلوها على غير وجهِها، وحسبوا أنّهم حسموا بذلك النزاع من المسلمين.

أما الآيات القرآنية التي يسوقُها القرآنيون، فإنّي مُورِدٌ طائفةٌ منها مبيِّناً ـ بحول الله تعالى ـ فسادَ استنادهم إليها، وبُطلانَ اتكالِهم عليها.

والعجيبُ أنهم قد يستشهدون بشيءٍ من الأحاديث النبوية، والأخبار المرويّة، وهدفُهُم التشكيك والتشتيت.

والعجبُ كلّ العجب من هؤلاء كيف يُريدون أن ينقُضوا مبدأ السنةِ ببعضِ المرويِّ فيها، وكيف يُريدون إثبات الكذب في الروايات المنسوبة إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بشيءٍ من هذه المرويّات! وإنّ لي عودةً إلى هذا التعجُّبِ عما قريب بإذن الله.

وهم عصابةٌ هدفُها إشغال الأمة عن قضاياها المصيرية، وإلهاؤها عن سبيل نهضتها الحقيقية، وأنّى للأمة ذلك والطابور الخامس يفُتُّ في عضُدِها، ويطعنُها في ظهرِها؟

وصدق الشاعر:

أرى ألْفَ بانٍ لا يقومُ لهادِمٍ ... فكيف ببانٍ خلفَه ألفُ هادمِ

وصدق قبلَه ربُّ العالمين الذي وصفَ هؤلاء بقوله: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [سورة المنافقون 63: الآية 4].

ولكن هل نتركُ هؤلاء يُفتّتون في الأمة، وينهشون في لحمها، ويُهلكون من أبنائها من كان يجب أن يكونوا عواملَ قوةٍ وبناء؟

لقد قرَّر كثيرٌ من أهل العلم لزومَ التّصدّي لأهل البدع؛ صيانةً للأمة من شرورهم؛ «إذ حدثت البدعة الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة، ونبتَ جماعةٌ لفّقوا لها شبهاً، ورتّبوا فيها كلاماً مؤلّفاً؛ فصار ذلك المحذور (1) بحكم الضرورة مأذوناً فيه بل صار من فروض الكفايات، وهو القدر الذي يقابَلُ به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة» (2).

وروي أنه قيل للإمام أحمد ابن حنبل: الرجلُ يصوم ويصلي ويعتكف أحبُّ إليك أو يتكلّم في أهل البدع؟

فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل (3).

ورأى ابن تيميةَ رحمه الله أنّ الإمام أحمدَ ـ عليه رحمات الله ـ قد بيَّنَ بجوابِهِ ذلك «أنَّ نفعَ هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله؛ إذ تطهيرُ سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفعُ بغي هؤلاء وعدوانِهم على ذلك واجبٌ على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يُقيمه الله لدفع ضررِ هؤلاء لفسد الدين، وكان فسادُه أعظمَ من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإنَّ هؤلاء إذا استولَوا لم يُفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً» (4).

وإنّي ـ بفضل الله تعالى أولاً وآخراً ـ جنديٌّ صغيرٌ شرّفني الله تبارك وتعالى بشيءٍ يسيرٍ من الذبّ عن دينه القويم، والدفاع عن سنّة نبيّه الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم.

فإن بلغَ كلامي هذا مسلماً فحصًّنه من غوائلِ أولئك القرآنيين، وعصمه من الهلاك في هرطقتهم، فذلك المنى، وهو المراد.

وإن بلغَ مسطوري هذا أحداً ممن غُرِّرَ بهم من المنضوين تحت لواء طائفة القرآنيين، فهداه الله بسبب هذه السطور، فارعوى أحدٌ عن غيّه، وأفاق بعد سُكره، فحيّهلا، وبها ونعمت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: «فوالله لَأَنْ يهديَ اللهُ رجلاً بك خير لك من أن يكون لك حمر النعم» (5).


(1) المحذور المعنيُّ في سياق الكلام هو علم الكلام.
(2) «إحياء علوم الدين» 1/ 42 للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى.
(3) «مجموع الفتاوى» 28/ 131.
(4) «مجموع الفتاوى» 28/ 131.
(5) أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (2942)، ومسلم في «صحيحه» برقم (6223)، وأحمد في «مسنده» برقم (22821).

وإلا فالحال كما قال ربّ العزّة على لسان مَن أدّى ما وجبَ عليه من فريضة الأمر بالمعروف: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [سورة الأعراف 7: الآيتان 164 - 165].اللهم أنجني بنهيي عن سوء القرآنيين من سوء الدنيا، وَاؤجُرْني عليه في الأخُرى؛ إنك أهل المغفرة والتقوى.

المطلب الأول: «القرآن وكفى» (1):

يُكثرُ القرآنيون لأجل اكتفائهم المزعوم بالقرآن من الاحتجاج بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [سورة النحل 16: الآية 89].

وبقوله سبحانه: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سورة يوسف 12: الآية 111].

بقوله تعالى: عز وجلّ: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [سورة الأنعام 6: الآية 38] زاعمينَ أنّ القرآن الكريم يُصرِّحُ بأنه يُغْني بنفسِهِ غناءً كاملاً عن أيِّ شيءٍ هو غيره، ولا حاجة معه إلى شيءٍ من دونه.

والجوابُ على هذا الزعم من وجهين:

الأول: إننا لا نُسلّمُ أنّ المرادَ في هذه الأخيرة على الراجح الذي لم يكَدْ يرَ المفسّرون غيرهُ (2) ـ لِما يُوحي به سياقُها (3) وتماثُلُ معناها مع غيرِها ـ هو اللوح المحفوظ.

فالآية بتمامها: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [سورة الأنعام 6: الآية 38].

وعلى مثالِ هذه الآية نجد قوله سبحانه في نفس السورة: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سورة الأنعام 6: الآية 59].

وقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود 11: الآية 6].

وقوله: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا} [سورة النبأ 78: الآية 29].

وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [سورة يس 36: الآية 12] (1).

وقوله: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [سورة طه 20: الآية 52] ... وآياتٍ عديدة أخرى.

ثم إنّ الآياتِ كلَّها هي مكية ولم يكن نزل كثيرٌ من القرآن ـ مما فيه الأحكام التشريعية ـ فكيف يكون القرآنُ حينئذٍ تبياناً لكل شيء؟

ووالله لو كان كذلك لَوجدَ فيه المشركون مَطعناً للتكذيب، ومَنعىً على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالافتراء.

ومع التسليم بأنّ المقصودَ في الآية القرآن الكريم!

 


(1) «القرآن وكفى» منهجٌ علنيٌّ صريحٌ لفرقة القرآنيين، وهذه العبارة المشؤومة عنوان كتابٍ لكبيرِهم الذي علَّمَهُم السِّحرَ؛ الدكتور أحمد صبحي منصور!
طباعة مؤسسة الانتشار العربي ـ بيروت (علمانية متخصصة)، ثم تسرّبَ إلى بعض البلاد الإسلامية ـ وقد حُظِرَ فيها ـ خُفيةً وخلسة.
(2) لم يرَ الطبريُّ غيرَه، ولم ينقُله عن أحد، وهو الذي ينقُل الأقوال المختلفة في كلّ آية.
يُنظَر: «تفسير الطبري» 7/ 236 - 239، و «تفسير ابن أبي حاتم» 4/ 1286، و «تفسير ابن كثير» 2/ 193.
وأمّا القول الآخر (القرآن) فقد عزاه ابن الجوزي في «زاد المسير» 3/ 35 لعطاءٍ عنِ ابن عباسٍ، ثم ذكرَ في توجيهه كلاماً حسناً سأنقلُهُ قريباً جداً.
(3) إذا حاول القرآنيون التملُّصَ من الاستشهاد بدلالة السياق؛ فإننا سنرفُضُ من البدايةِ استشهاد أحمد صبحي منصور بسياق الآية {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر 59: الآية 7] ومحاولته إفراغها من معناها العامّ بمحاولة تخصيصها بالإيتاء الماليّ؛ بدلالة السياق.
«موقع أهل القرآن»: مقال «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا» للمدعو عثمان محمد علي.
(www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=1275).

فإنّ هذا العامَّ في الآية هو «من العام الذي أريد به الخاص فيكون المعنى: ما فرطنا في شيء بكم إليه حاجة إلا وبينّاه في الكتاب إما نصّاً، وإما مُجمَلاً، وإما دلالة» (1).

وذكر الإمام القرطبي (2) هذا القول بقوله:

«وقيل: أي: في القرآن. أي: ما تركنا شيئًا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب، قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [سورة النحل 16: الآية 89]، وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل 16: الآية 45]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [سورة الحشر 59: الآية 7].

فأجمل في هذه الآية وآية النحل ما لم ينصّ عليه مما لم يذكره، فصدق خبر الله بأنه ما فرّط في الكتاب من شيء إلا ذكره، إما تفصيلاً وإما تأصيلاً؛ وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}» (3).

وأما الوجه الثاني:

فإنّ الدلالةُ اللغويةُ المفهومةُ من لفظةِ «كلّ» في الآيتَين الأولَيَين بمعنى العموم المُطلَق الذي لا يخرُجُ عنه شيءٌ غيرُ مقصودةٍ؛ بدليلين:

- أولهما: أنّ العرب تستعمل لفظة «كل» وتُريدُ بها خُصوصاً تقصده.


(1) قاله ابن الجوزي في «زاد المسير» 3/ 35.
(2) محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي، أبو عبد الله، من كبار المفسرين.
رحل إلى الشرق واستقر في شمالي أسيوط بمصر، وتوفي فيها سنة (671 هـ).
أشهرُ كتبه التي تدل على غزارة علمه «الجامع لأحكام القرآن»، و «الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى»، و «التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة».
«الوافي بالوفيات» 2/ 87 الترجمة (472).
(3) «الجامع لأحكام القرآن» 8/ 371.

والاحتجاج ليس بشيءٍ قد يُشكك به القرآنيون بل بالقرآن نفسِه، فها هو الله عزّ وجلّ يحكي لنا عن ريح قوم عاد: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [سورة الأحقاف 46: الآية 25].

فهل دمّرت هذه الريحُ كلّ شيءٍ على الإطلاق؟ وهل دمّرت الجبالَ والوديان، والسماوات والأرض، .... ؟

إنها لم تُدمّر إلا قومَ عادٍ وما يتعلّق بهم، ولم تتعدّهم إلى شيءٍ غيرهم؛ {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [سورة الأحقاف 46: الآية 25].

- وثانيهما: الواقع المرئيّ المحسوس المشاهَدُ في كلّ زمانٍ ومكان، من أنّ ثمةَ أشياءَ لا تُعدُّ ولا تُحصى لم يُبيِّنها القرآن، من مثل كيفيةِ تنفيذِ أوامرِهِ بالصلاة على سبيل المثال. ودعونا من اختلافِ فقهاء الأمة الإسلامية حول «جزئياتٍ» في الصلاة، فإننا لن نحتجّ به، بل سنحتجّ باختلافِكم ـ معاشر القرآنيين ـ حول الصلاة:

إن بعض القرآنيين يرى أنّ القرآن الكريم يفرض على المسلم أن يصلي في كل وقت من أوقات الصلاة أكثر من ركعة، ولم يحدد له عدداً مخصوصاً وتركه يتصرف كما يشاء، وإن الإنسان يجب عليه أن يصلي ركعتين على الأقل، وله أن يزيد على ذلك ما شاء أن يزيد بحيث لا يخرج عن الاعتدال والقصد ... وبعد ذلك فللمسلم الاختيار فيما يفعل على حسب ما يجده من نفسه ومن قوته، أما الصلاة المعروفة اليوم بمواقيتها وهيئاتها، فما كان يعرفها الرسول نفسه ولا أصحابه، وهي غير واجبة على الأمة الإسلامية في جميع الأزمنة والأمكنة، أو فهي لا تدل على وجوب ما فوق الركعتين (1).

ويزعم أنه إذا كنا وليس عندنا دليل قطعي على وجوب هذه الأعداد من الصلوات والركعات، والله لا يتعبّدُنا بالظن، وحيث أن (2) هذا الأمر لم يصل إلينا


(1) هذا القائل هو الدكتور توفيق صدقي أحد أوائل القرآنيين في مصر، يُنظَرُ ما كتبه في مقاله «الإسلام هو القرآن وحده» في «مجلة المنار» المجلد 9/ص 517 - 520.
(2) كذا.

بالتواتر القولي دلّ ذلك على أن الله لا يريد منا المحافظةَ على هذه الأعداد، والاستماتةَ عليها (1).

بالمقابل نجد أحدَ القرآنيين يرفضُ كلّ ما سبق، ويُلزِمُ بأن الصلواتِ كلَّها تؤدّى ركعتين ركعتين (2).

وهو يرى أنها في طرفي النهار أي: في أوله (صلاة الصبح)، وآخر النهار (صلاة المغرب)، وفي طرفي الليل أي: في أوله (صلاة الفجر)، وفي آخره (صلاة العشاء).

أما صلاة الظهر فهي من الفروض التي لا ذكر لها في القرآن، وهي من الفروض التي زادها أعداءُ الإسلام (3).

بل يجعلها بعض القرآنيين ستّاً؛ حيث يزيد على الصلوات الأربع السابقة صلاتَيِ الظهر والليل! أما الظهر؛ فهي تبدأ عنده من ساعة توسط الشمس كبد السماء، وإلى أن يصير ظل كلّ شيء مثله! وأما صلاة الليل؛ فهي عنده اثنتين: صلاة الليل الأولى من دلوك الشمس إلى الغسق باستمرار غير منقطع، والثانية من غياب الشفق إلى منتصف الليل، وأما صلاة قيام الليل فهى مندوبة عنده (4).

وهذا يُناقضُ ما تؤكده الطائفة الآن على موقعها «أهل القرآن»، وهي تكفي بنقلها بالتواتر العمليّ؛ حيث يقول الدكتور أحمد صبحي منصور:

«التواتر هو المتوارث الذي تتمسك به الأغلبية من عبادات وثقافات، وفيه الصحيح والفاسد، لذا يكون مرجع الحكم فيه لله تعالى في القرآن الكريم ...

وفي نظرة سريعة إلى التدين العملي للمسلمين نجد فيه المتوارث الصحيح مثل وجود القرآن الكريم بيننا محفوظاً من لدن الله تعالى بكتابته وقراءته والذي يقف ضد محاولات الإلحاد فيما يسمى بعلوم القرآن التراثية (المتواترة أيضاً).

ونجد تواتراً في أداء الصلاة تبلغ صحته فوق التسعين في المائة، ونجد ملامح أخرى من التواتر الصحيح في جوانب أخرى تراثية، كما نجد أخطاء فادحة وابتداعات في الدين لا سبيل إلى حصرها» (5).

فيا أيها القرآنيون ... اتّفقوا فيما بينكم ثم جادِلونا.


(1) يُنظر: «مجلة المنار» المجلد 9/ص 920، 921.
(2) يُنظر: «الصلاة» للمدعوّ محمد نجيب ص 65، و «البيان بالقرآن» للمدعو مصطفى المهدوي 1/ 123.
(3) يُنظر: «الصلاة» ص 652 - 662. فهل مخالفوه من القرآنيين الذين لا يرون رأيه هم من أعداء الإسلام أيضاً.
(4) يُنظر: «البيان القرآن» لمصطفى المهدوي 1/ 107 - 113.

(5) «موقع أهل القرآن»: مقال «التواتر».
(www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3302).

 

  • الخميس AM 07:16
    2022-05-26
  • 2877
Powered by: GateGold