المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412249
يتصفح الموقع حاليا : 323

البحث

البحث

عرض المادة

ماذا وراء طرح موضوع العدالة؟

عندما يطرح علماء الشيعة الإثني عشرية موضوع عدالة الصحابة فإنهم لا يريدون أعرابياً أسلم وأهمله التاريخ أو صحابية كالغامدية زنت ثم اعترفت باقترافها الذنب طالبة إقامة الحد عليها لتتطهر وتموت نقية من الذنب فيغفره لها رب العالمين! (1)

ولا يريدون كذلك حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سر قدوم المسلمين لمكة خوفاً على أهله هناك، ورغبة في أن تكون له يد على قريش حتى يحفظوه في أهله، فعفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه بعد معاتبته ونهى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن التعرض له (2).

لكنهم يريدون كبار الصحابة (أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعائشة والبقية) ويريدون تمهيد الطريق لضرب هؤلاء الأعلام بكسر حاجز العدالة ... فحين يتحطم الجدار


(1) قال عنها عليه الصلاة والسلام: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وَجَدْتَ توبةَ أفضلَ من أنْ جادت بنفسها لله تعالى؟) صحيح مسلم (كتاب الحدود - باب من اعترف على نفسه بالزنى).
(2) نص الحديث كما في البخاري (كتاب الجهاد والسير - حديث رقم (3007) من حديث علي رضي الله عنه: (... فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا حاطب، ما هذا؟ قال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأً مُلصقاً في قريش، ولم أكنْ من أنْفُسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفراّ ولا ارتداداً، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد صدقكم، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، (وفي رواية: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فأضرب عُنقه)، قال- أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم -: إنه شهد بدراً! وما يُدريك لعل الله أن يكون قد اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم).

ويجوز الطعن في صحابي من هؤلاء الصحابة الكرام يصبح الطعن بأبرز الصحابة وأكثرهم ثقلاً أمراً سهلاً للغاية!

وبالذات إذا جاء هذا الطعن وهذا الشتم والتنقيص تحت مسمى الاعتدال أو الموضوعية والمنهجية العلمية!

ما كنت أعجب منه خلال قراءاتي في كتب الفريقين هو استنكار علماء الشيعة الإثنى عشرية القول بعدالة الصحابة وإعطائهم للقضية حجماً أكبر من حجمها في حين أنهم يتناسون أنّ الأصل في المسلم العدالة (1) وأنّ الصحابة ليسوا بأهل إسلام وإيمان فقط بل مزكّون من الله ورسوله!

فحتى لو ادعى مدّع أنه لا يوجد دليل واحد على عدالة الصحابة فإنه سيقف عند هذه النقطة التي أثرناها عاجزاً عن الإجابة .. إنّ الأصل في المسلم العدالة وعلى الذي يقدح في عدالة أي مسلم أن يأتي بالدليل وليس العكس!

فعلى أي أساس يطالبون بالإتيان بأدلة عدالة الصحابة؟!

يقول شيخ الطائفة الطوسي في كتابه "الخلاف": (إنّ الأصل في المسلم العدالة، والفسق طارئ عليه يحتاج إلى دليل) (2)، وهذا أمر بدهي عند كل مسلم، لا يحتاج حتى إلى استدلال.


(1) المراد بالعدالة في هذه القاعدة الشرعية هي (السلامة من الفسق)، فالأصل في كل مسلم أنه سالم من الفسق حتى يثبت فسقه.
(2) كتاب الخلاف – كتاب آداب القضاء – المسألة رقم (10).

[عدالة الصحابة مستحيلة وعدالة (مراجع التقليد) لا غبار عليها!]

إنّ قول الله عز وجل في كتابه المجيد {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين} (1) ليس محصوراً في مكيال البيع والشراء بل في كل ما يُكال للناس به.

حينما يُكال لأصحاب رسول الله بمكيال يُحاسبون فيه على كل سَعْلَة وهمسة وحركة وسَكَنَة، بينما يُخصص لعلماء الشيعة الإثني عشرية ومراجع التقليد مكيالٌ آخر يتغاضى عن أمور كثيرة تُستنكر في صحابة رسول الله وتُقام لها الدنيا وتقعد بينما لا تُستنكر وليس لها أدنى أثر حينما يكون الكلام عن علماء الشيعة الإثني عشرية ومراجعها.

إنها أزمة الإنصاف وأزمة تحكيم الضمير ... خصوصاً ونحن لا نتكلم عن أصحابنا في المدرسة أو زملائنا في العمل وإنما عن صحابة وأصهار سيد الخلق (محمد عليه الصلاة والسلام).

والغريب في علماء الشيعة الإثني عشرية ومفكريهم أنهم يستنكرون على أهل السنة إثباتهم لعدالة من زكاهم الله ورسوله، وبذلوا الغالي والرخيص في سبيل هذا الدين، ويشنعون عليهم أشد التشنيع ويعدّون القول بعدالتهم تقديساً لا يستحقونه! لكن حينما يأتي الكلام عن مراجع التقليد يختلف الميزان وتصير كلمة (عدالة) كلمة عادية لا تستحق التشنيع ولا الوقوف عندها أصلاً!


(1) سورة المطففين آية 1 - 2

لا تتصور أني أبالغ ... هذه حقيقة واضحة جلية يستشعرها كل منصف يرتضي الدليل والبرهان.

كنت ولا زلت أتساءل كيف لشيعي منصف أن يردد طعونات علماء الشيعة الإثني عشرية في عدالة الصحابة ويناقش القضية بحماس وانفعال في حين يتجاهل أموراً ربما يقرأها يومياً في رسالة مرجع التقليد الذي يقلده دون توقف عندها أو وزنها بالميزان نفسه الذي يزن به أصحاب رسول الله.

هذا هو آية الله العظمى الخوئي يقول في رسالته العملية لمقلديه ولمن تتلمذ على يديه من مراجع التقليد الحاليين:

(مسألة 29 - العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة، وعدم الانحراف عنها يميناً ولا شمالاً، بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل محرم، من دون عذر شرعي، ولا فرق في المعاصي من هذه الجهة، بين الصغيرة والكبيرة) (1).

وقد ذكر مثل هذا آية الله السيستاني في رسالته العملية لمقلديه "منهاج الصالحين 1/ 16" وآية الله محمد صادق الروحاني في رسالته العملية "منهاج الصالحين 1/ 12" بلفظ (العدالة المعتبرة في مرجع التقليد عبارة عن الاستقامة في جادة الشريعة المقدسة، وعدم الانحراف عنها يميناً ولا شمالاً بأن لا يرتكب معصية بترك واجب أو فعل محرم من دون عذر شرعي ولا فرق في المعاصي في هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة).


(1) منهاج الصالحين 1/ 12

فتزكية رب العالمين ورسوله الكريم للصحابة فيها نقاش وجدال وبحث عن كل خطأ وزلة ثم تلميعها، وتزكية مراجع التقليد والنص على عدالتهم بهذه الصورة المبالغ فيها لا يُحتاج فيها إلى نقاش ولا استنكار من أي شيعي!

عجباً لأولئك المتباكين على الإنصاف والموضوعية والبحث العلمي؟!

بماذا سيبررون العدالة التي ينسبونها إلى مراجع التقليد؟

أليس اشتراط الخوئي والسيستاني والروحاني وباقي مراجع التقليد عند الشيعة الإثنى عشرية لعدالة المرجع بهذه الصورة المبالغ فيها هو قول بعصمة هذا المرجع (1)؟!

يكفيك أن تقرأ قول الخوئي بعدها مباشرة: (مسألة 30 - ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية، وتعود بالتوبة والندم، وقد مرّ أنه لا يفرق في ذلك بين الصغيرة والكبيرة) لتتساءل (أيعقل أن يمر أسبوع من حياة المرجع (لن أقول يوم) دون أن يرتكب معصية تخرجه من العدالة؟! وهل سيبقى مرجع التقليد على وضعه كمرجع تقليد بعد اقترافه للإثم وقبل توبته أم أنه يخرج من المرجعية ثم يعود إليها بعد رجوع العدالة إليه؟!

إنّ نظرة فاحصة في الصراعات الداخلية بين مراجع التقليد ومقلديهم أظنها كافية لأَنْ تؤكد بأنّ ما يذهب إليه الإثنا عشرية اليوم من القول بعدالة ونزاهة مراجع التقليد وتورعهم عن ارتكاب الصغائر من الذنوب فضلاً عن الكبائر كالظلم والكذب والتجني والضلال هو أمر واقعي للغاية!


(1) إذ أنّ المرجع كما في النصوص السابقة منزه عن ارتكاب الصغيرة والكبيرة! ولولا الحياء من الأئمة الإثني عشر لنُفي عن المرجع السهو والنسيان!

إنّ مقلدي الشيرازي يتهمون الخامنئي بظلم مرجعهم الراحل محمد الحسيني الشيرازي بفرض الإقامة الجبرية عليه أكثر من عشرين عاماً وبالاعتداء على جنازته بعد وفاته ودفنه بخلاف وصيته، وبالاعتداء على زوار ضريحه الذي سُوّي بالأرض، وبالعبث بالتشيع الحق إلى حد إطلاق بعضهم لقب (طاغوت) أو (أبو بكر) أو (عمر) أو (يزيد) على الخامنئي كنوع من التشهير به وانتقاصه!

وبالمقابل يتهم مقلدو الخامنئي مرجعية الشيرازي بالإنحراف والغلو وبإثارة الفتن مع التشكيك في استحقاق الشيرازي للمرجعية، ومع ذاك ما زال الخامئني عند غالبية الشيعة عدلاً بل هو (ولي أمر المسلمين) عند القائلين بولاية الفقيه، وما زال الشيرازي عند الشيرازية هو (المرجع الأعلى للطائفة الشيعية) كما ورد ذلك في نص النعي الذي نشرته ممثلية الشيرازي بعد وفاته!

أما مقلدو التبريزي ووحيد خراساني وآخرون فإنهم يعتبرون المرجع محمد حسين فضل الله ضالاً مضلاً وأنّ تقليده غير مجزئ، وبالمقابل ترى بعض مقلدي فضل الله يتهمون (1) التبريزي وخراساني ومن معهم بأنهم تكفيريون أو متمصلحون أو مغالون، وما زال كلا الطرفين (عدول)!

أما آية الله جنتي (رئيس مجلس صيانة الدستور الإيراني) فقد وصف المرجع السيستاني بالعمالة للإنجليز (2)، فيما وصف (مقتدى الصدر) نجل المرجع محمد محمد صادق الصدر


(1) لا أعلم أهذه نظرة سائدة عند مقلدي فضل الله أم أنها نظرة خاصة لبعض أتباعه النشطين عندنا في البلد.
(2) نشرت الخبر صحيفة الوطن الكويتية - تاريخ 4/ 2/2004م تحت عنوان (كروبي ينتقد جنتي لاتهامه السيستاني بالعمالة للإنجليز).

مرجعية (السيستاني) بأنها المرجعية الصامتة عن الحق في مقابل مرجعية أبيه الناطقة.

وقد كتب المفكر الشيعي زهير الأسدي مقالاً بعنوان (السيستاني في الميزان) ألقى فيه الضوء على كثير من الحقائق الهامة من بينها (إلغاء السيستاني لموضوع الجهاد) من الرسالة العملية التي ذكر في مقدمتها أنها في الأصل لأستاذه أبو القاسم الخوئي، وأنّ دوره فيها فحسب هو تنقيح بعض الأحكام التي يخالف فيها أستاذه، فإذ به يحذف موضوع (الجهاد) الذي هو ذروة سنام الإسلام!

وبالمقابل سمعنا من بعض مخالفي التياري الصدري أنهم يتهمون المرجع محمد محمد صادق الصدر بالعمالة لنظام صدام حسين قبل وفاته وأنّ ما حصل له كانت مسألة تصفية جسدية لعميل انتهى دوره!

حتى المرجع الراحل محمد باقر الصدر لم يسلم من الطعن في عدالته، ومن أستاذ كبير في الحوزة العلمية بـ (قم) هو العلامة علي الكوراني (1)، حيث صرّح في مقدمته لكتاب "الحق المبين" بأنّ فكره (التقاطي) و (انتقائي) لا يمثل خط أهل البيت الحقيقي!

أما الشيخية فصراعهم التاريخي المرير مع باقي المرجعيات لا يكاد ينتهي.

أيها القارئ الكريم ... إنّ ما ذكرته لك ههنا لا يُمثل كل ما يخص مراجع التقليد وعدالتهم المزعومة وإنما هو غيض من فيض، عفّ عن إكماله اللسان والقلم.

إنّ هؤلاء المراجع هم أولئك الذين يُراد لك أن تعتقد عدالتهم وأنت مغمض العينين وتسير وراءهم دون هدى من الله بحجة أنهم نواب الإمام الحجة العدول إلى حين يخرج.

إنك لتعجب من الشيعة الإثني عشرية (علماء وعامة) وهم يبالغون ويغالون في (مراجع التقليد) إلى حد التقديس، رغم علمهم بما يدور بين أتباع كل مرجعية وبالخلافات الحادة بين بعض المرجعيات والتي تصل أحياناً إلى حد التشكيك في استحقاق المرجعية أو التفسيق أو التكفير! في حين أنهم يوجّهون سهامهم للصحابة وبكل ضراوة، حتى إنّك لتعجب أحياناً من تعسفهم في فهم بعض النصوص ومحاولة قلبها إلى منقصة لصحابي أو إساءة الظن بعبارة قالها دون خشية من الله، وبيننا وبين المنصفين التفتيش.

 


(1) وهو عضو سابق في حزب الدعوة الإسلامية الذي أسسه محمد باقر الصدر، فإذا بالتلميذ ينقلب على الحزب ويتناول مؤسسه بالطعن بعد أن تبين له مخالفة الصدر للتشيع الحق!

  • الاثنين AM 03:16
    2022-05-23
  • 877
Powered by: GateGold