المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409080
يتصفح الموقع حاليا : 391

البحث

البحث

عرض المادة

الإمام والإمامة في القرآن الكريم

(الإمام في اللغة لفظ مشترك بين ثلاثة معان هي:

1 - القدوة.

2 - الكتاب.

3 - الطريق.

جاء في "مختار الصحاح" للرازي:

(الإمام): الصقع من الأرض والطريق، قال الله تعالى {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (1).

و (الإمام): الذي يُقتدى به، وجمعه (أئمة).

وقوله تعالى {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين} (2) قال الحسن: في كتاب مبين.

فأصل معنى اللفظ ما يؤتم به ويُتّبع.

وبما أنّ (القدوة والكتاب والطريق) تشترك في هذا المعنى لذا أُطلق عليها هذا اللفظ.

فالقدوة من يؤتم به ويُتبع محقاً كان أم مبطلاً، والطريق يتبعه السالك ليصل إلى غايته وكذلك الكتاب تتبع ألفاظه وسطوره ومقاصده للوصول إلى المراد.

ويُعرف المراد من اللفظ المشترك من كلام المتكلم بقرائن يشير لها المتكلم في كلامه وإلا لم يكن الكلام فصيحاً بل مُبهماً مشكلاً.

مثال: لو أخذنا لفظ (العين) كمثال، نجده في أصله اللغوي مشتركاً بين عدة معان منها: العين الباصرة والجاسوس وعين الماء.

تقول: ذهبت إلى طبيب العيون. وأمسكنا بعين للعدو. وشربنا من عين صافية.


(1) سورة الحجر آية 79
(2) سورة يس آية 12

ولا يصح حمل (العين) في اللفظ الأول على الجاسوس ولا في الثاني على عين الماء ولا عين الإنسان في اللفظ الثالث للقرائن اللفظية المانعة من ذلك والحاملة على تفسير (العين) الأولى بعين الإنسان، والثانية بالجاسوس، والثالثة بعين الماء، اللهم إلا عند غير العقلاء أو المعاندين.

أرأيت ما قصد يوسف عليه السلام بكلمة (الرب) في قوله الذي حكاه الله عنه {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ} (1) وقوله {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} (2)، هل يحتمل السياق وقرائنه أن نفسّر لفظ (الرب) هنا بغير الملك؟!

وبنظرة استقرائية لكتاب الله تعالى نجد أنّ لفظ (الإمام) قد ذُكر وأريد به معنى (الشخص المقتدى به) في آيات عدة هي:

قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (3).

وقوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (4).

وقوله {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (5) وقوله {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} (6).


(1) سورة يوسف آية 42
(2) سورة يوسف آية 41
(3) سورة الفرقان آية 74
(4) سورة الأنبياء آية 73
(5) سورة البقرة آية 124
(6) سورة التوبة آية 12

وقوله {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّار} (1)

فالإمام هنا معناه واحد وهو القدوة في الخير أو الشر.

وقد أتى لفظ (الإمام) بمعنى (الكتاب) بعدة أيات أُخر كما في قوله تعالى {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً} (2) وقوله {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (3) وقرينته الصارفة لمعنى اللفظ هنا إلى الكتاب هو تتمة الآية نفسها التي تقول {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}، وقد جاء في أول السورة {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً. اقْرَا كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} (4) وهو بالضبط كقوله تعالى {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (5).

أما المعنى الثالث للإمام فهو بمعنى (الطريق) كما في قوله تعالى {وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ. فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (6) أي إنّ آثار قرى قوم شعيب وقرى قوم لوط المذكورتين قبلهم لبطريق واضح، يأتمون به في سفرهم، ويهتدون به إلى غايتهم) (7).

فهذه ثلاثة معانِ للإمام في القرآن لا رابع لها فيه.


(1) سورة القصص آية 41
(2) سورة هود آية 17
(3) سورة الإسراء آية 71
(4) سورة الإسراء آية 13
(5) سورة الجاثية آية 28
(6) سورة الحجر آية 79
(7) المنهج القرآني الفاصل بين أصول الحق وأصول الباطل ص214 - 221 بتصرف.

أما المعنى الرابع الذي هو (شخص معصوم مُعين من قِبل الله تعالى المفترض الطاعة على الخلق) فهو معنى مخترع لا وجود له في لغة العرب ولا اصطلاح القرآن.

إنه من السهل على أحدنا أن يجمع كل آية في القرآن تضمنت كلمة (إمام) أو (أئمة) ويجعلها دليلاً على الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كانت الآية تتحدث عن أنبياء سابقين أو رجال لا علاقة لهم بالأئمة الإثني عشر لا من قريب ولا من بعيد.

ومتى ما ألزم نفسه بهذا المنهج في احتجاجه واستنباطه فإنّ هذا المنهج لا بد أن يكون سارياً في كل الآيات التي تتكلم عن الأئمة، لا أن تكون هناك انتقائية للنصوص.

فالله عز وجل الذي ذكر لفظ (إمام) و (أئمة) في القرآن الكريم استخدم اللفظ ذاته في المؤمن والكافر، فقال {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (1) وقال واصفاً الكفار الملعونين {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ} (2).

فلو كان لفظ (أئمة) علماً على الأوصياء، ومنصب إلهي من الله تعالى لما جاز استخدام اللفظ ذاته في صنف ممن يدعون إلى النار.

وحُق لنا أن نسأل: لماذا لم يصرّح القرآن الكريم بأنّ علياً وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كي لا يُترك المجال لأحد أن يفتح فمه وينكر الإمامة النصية بعد رسول الله؟

أوليس من العجيب أن يُظن في الله تعالى أنه قد جعل من قوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} التي تتحدث عن بني إسرائيل دليلاً على إمامة الأئمة الإثني عشر بعد محمد عليه الصلاة والسلام؟!!


(1) سورة السجدة آية 24
(2) سورة القصص آية 41

أيعجز رب العزة على أن ينزل آية واضحة وصريحة في الإمامة بعد رسول الله، تكون حجة على منكر الإمامة؟!!

إنّ الذين يستدلون بهذه الآيات على إمامة الأئمة الإثنى عشر هم أنفسهم الذين يرفضون القياس في الفقه بحجة أنّ (أول من قاس ابليس) (1) فما بالهم يقيسون في العقيدة وفي القرآن؟!

وخلاصة الأمر أن يُقال: إنّ الإمامة التي يذهب إليها الشيعة الإثنا عشرية لا وجود لها في كتاب الله أبداً، ولما عجز الإماميون عن إثباتها لجأوا إلى التأويلات الباطنية والتلاعب في كتاب الله وضرب بعضه ببعض من أجل سد هذه الثغرة الكبيرة.

والإمامة شرعاً لا تخلو أن تكون إحدى ثلاث: إما إمامة علم أو إمامة هدى أو إمامة اقتداء.

فأما إمامة العلم فثابتة لأئمة أهل البيت كما هي ثابتة لغيرهم من أهل العلم والتقوى قديماً وحديثاً، فإنّ إمامة العلم ليست حكراً على فئة دون أخرى أو قبيلة دون أخرى.

وأما إمامة الهدى فإنّ الله تعالى لم يشترط الله تعالى فيها العصمة، فقد جعلها الله تعالى في بني اسرائيل إذ يقول {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (2) بل جعلها لكل مستضعف كما قال عز من قائل {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (3).


(1) تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 267
(2) سورة السجدة آية 24
(3) سورة القصص آية 5

وأما إمامة الاقتداء فقد نص تعالى على أنه جعلها في إبراهيم عليه السلام وهو نبي معصوم وجعلها كذلك في أتباعه المؤمنين وهم غير معصومين لكنهم مؤمنون طائعون فقال عز من قائل {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (1).

ولو كانت حكراً على المعصومين لما أمر الله تعالى جميع عباده بأن يطلبوها ويتطلعوا إليها وما كان ليطلب منهم ما لا يُمكن أن ينالوه، إذ يقول {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (2).


(1) سورة الممتحنة آية 4
(2) سورة الفرقان آية 74

[القرآن وعقيدة الإمامة الشيعية]

من يتأمل كتاب الله الكريم الذي جعله الله نوراً تهتدي به العقول والقلوب، سيجد أنّ الإيمان بكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته.

(فالذي يؤمن بأنّ محمداً صلى الله عليه وآله وسلم هو رسول الله حقاً وأنّ طاعته واجبة إن قيل بأنه يدخل الجنة استغنى عن مسألة الإمامة ولم يلزمه طاعة سوى الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن قيل لا يدخل الجنة إلا باتباعه الإمام كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم، فإنه سبحانه وتعالى أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع من القرآن ولم يعلق دخول الجنة بطاعة إمام أو إيمان به أصلاً كمثل قوله تعالى {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (1) وقوله تعالى {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2) (3).

ولو كانت الإمامة أصلاً للإيمان الذي لا يقبل الله عمل العبد إلا به كما تقول الروايات الشيعية، لذكر الله عز وجل الإمامة في تلك الآيات وأكّد عليها لعلمه بحصول الخلاف فيها بعد ذلك، ولا أظن أحداً سيأتي ليقول لنا بأنّ الإمامة في الآيات مذكورة ضمناً تحت طاعة الله


(1) سورة النساء آية 69
(2) سورة النساء آية 13
(3) منهاج السنة النبوية 1/ 87 بتصرف.

وطاعة الرسول لأنّ في هذا تعسفاً في التفسير، بل يكفي بياناً لبطلان ذلك أن نقول بأنّ طاعة الرسول في حد ذاتها هي طاعة للرب الذي أرسله، غير أنّ الله عز وجل لم يذكر طاعته وحده سبحانه ويجعل طاعة الرسول مندرجة تحت طاعته بل أفردها لكي يؤكد على ركنين مهمين في عقيدة الإسلام (طاعة الله، وطاعة الرسول)، وإنما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنة لأنّ الرسول مبلّغ عن الله وأنّ طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً، ولمّا لم يثبت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانب التبليغ عن الله، فإنّ الله عز وجل علّق الفلاح والفوز بالجنان بطاعة رسوله والتزام أمره دون الآخرين.

وثمت دليل قاطع يقطع على الشاك دربه ويزيل عنه الشك وهو قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (1).

فإنّ الله عز وجل أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر منهم، لكنه جعل الرد عند التنازع إلى الله والرسول دون أولي الأمر، لأنّ الله عز وجل هو الرب، والرسول هو المبلغ عن الله وهو معصوم لا يخطئ في بيان الحق عند التنازع، أما أولو الأمر فليسوا بمعصومين وإلا لجعل الله الرد إليهم، لكن الله عز وجل أظهر بهذه الآية أنهم كسائر الناس يرجعون في التنازع إلى كتاب الله وسنة نبيه، وقد يكونون خصوماً لأحد ويكون الحق معه حين الرد إلى كتاب الله وسنة نبيه.

فأين يذهب القائلون بنظرية الإمامة من دلالة هذه الآية الكريمة؟!

ولماذا يتعمدون اجتزاء الآية الكريمة عند الاستدلال بها فيذكرون الجزء الأول الدال على وجوب طاعة الله وطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر، ويتعمدون إغفال الجزء الثاني من الآية الذي يهدم نظريتهم؟!


(1) سورة النساء آية 59

  • السبت AM 03:43
    2022-05-21
  • 1683
Powered by: GateGold