المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412332
يتصفح الموقع حاليا : 281

البحث

البحث

عرض المادة

المرجعيات ولغة التكفير

قد يتصور القارئ الكريم سنياً كان أو شيعياً بأنّ مثل هذه التصريحات التكفيرية لغير الشيعة المذكورة آنفاً باتت اليوم في طي النسيان، نقلتها بالأمس كتب صفراء يعلوها الحماس غير المنضبط الذي ما لبث أن تنحى عنها اليوم متجهاً نحو الاعتدال.

لكن الواقع يحكي شيئاً آخر ... إنّ هذا الصوت التكفيري الإقصائي الذي وقفنا على بعض أطرافه كان ولا يزال جزءاً لا يتجزأ من النسيج العقدي الإمامي، ولن يستطيع الشيعة التخلص منه إلا بالاعتراف بأنّ مسألة الخلافة وإمامة الإثنى عشر لا تستحق أن تكون بحال من الأحوال مسألة مفاصلة بين إيمان وكفر وإنما هي قضية اجتهادية في أحسن أحوالها.

فإن لم يحن الوقت بعد لتخطي أحقاد الماضي وإلى الارتقاء بمستوى الحوار بين الطرفين بحيث لا تطغى لغة العاطفة على لغة الدليل، فمتى يحين الوقت؟!

إنه لمن المحزن أن تجد الحوزات العلمية التي يُفترض فيها أن تقود شيعة اليوم نحو الوحدة الإسلامية أو لنقل نحو تقليل حدة الصراع بين أهل السنة والشيعة، تُصر وبكل ما أُوتيت من قوة على اجترار أحقاد الماضي وعلى المضي قُدماً على خطى السابقين في تكفير الخصوم واستحلال حُرماتهم بغيبة وسباب ولعن وبراءة وما إلى ذلك!

يقول آية الله العظمى أبو القاسم الخوئي في "مصباح الفقاهة في المعاملات": (ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، وإكثار السب عليهم واتهامهم والوقيعة فيهم: أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم لأنّ إنكار الولاية والأئمة حتى الواحد منهم، والاعتقاد بخلافة غيرهم وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية، وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من الضلالات. ويدل عليه أيضاً قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة (ومن جحدكم كافر) وقوله عليه السلام فيها أيضاً: (ومن وحّده قُبِل عنكم)، فإنه ينتج بعكس النقيض أنّ من لم يقبل عنكم لم يوحده، بل هو مشرك بالله العظيم)!! (1)


(1) مصباح الفقاهة 1/ 504 (حرمة الغيبة مشروطة بالإيمان).

وبهذه النظرة التكفيرية الضيقة وبأخلاقيات اللعن والسباب للمسلمين المخالفين تنشئ أجيالاً من المعممين الحانقين على الأمة، المتعاملين في الظاهر بالتقية وحسن المدارات والمضمرين في السريرة بالبغض والرغبة بالانتقام.

ويقول آية الله العظمى محمد الحسيني الشيرازي في موسوعته "الفقه" ما نصه: (غير الإثنى عشرية من فرق الشيعة كالزيدية والواقفية والفطحية إذا لم يكونوا ناصبين ومعادين لسائر الأئمة ولا سابين لهم طاهرون (1)، وكذا المخالفون.

أقول] الكلام للشيرازي [: دلت نصوص كثيرة على كفرهم، منها ما عن المفضل بن عمر قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وعلي ابنه في حجره – إلى أن قال- قلت: هو صاحب هذا الأمر من بعدك؟ قال: نعم، من أطاعه رشد، ومن عصاه كفر).

وعن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: منا الإمام المفروض طاعته من جحده مات يهودياً أو نصرانياً)). ثم ساق الشيرازي روايات كثيرة في تكفير المخالفين تأكيداً لما ذهب إليه من تكفير غير الإثني عشرية (2).

وليت الأمر يقف عند هذا الحد، فحتى منسك الحج الذي يُفترض فيه أن يكون فرصة للوحدة والالتقاء والأخوة الإسلامية يصر هؤلاء على جعله فرصة للفرقة وللتكفير!


(1) الحكم بطهارة فئة لا يعني الحكم بإسلامها عند مراجع التقليد كما بين ذلك الشيرازي نفسه حيث يقول في موسوعته "الفقه 4/ 239": (لا تلازم بين النجاسة والكفر، إذ لم يدل دليل شرعي أو عقلي على أنّ كل نجس كافر، وإن سلمنا العكس، وإن كل كافر نجس، فإنّ الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها، إلا إذا كان هناك دليل من الخارج على التساوي نحو كل ناطق إنسان على اصطلاح الأصوليين من التساوي الكلي بينهما).
(2) الفقه 4/ 259

ففي كتاب "مناسك الحج" لآية الله العظمى فاضل اللنكراني ولآية الله العظمى ميرزا جواد التبريزي (1) ولآية الله العظمى وحيد خراساني تتفاجئ وأنت تتصفح الكتاب بدعاء (الزيارة الجامعة) والذي فيه: (... ومن خالفكم فالنار مثواه ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك، ومن رد عليكم فى أسفل درك من الجحيم) (2).

إنّ أولئك الذين يكفرّهم هؤلاء المراجع هم مسلمون موحدون، ذنبهم الوحيد الذي ارتكبوه أنهم لم يعتقدوا ما اعتقده الشيعة الإثنا عشرية في الأئمة الإثني عشر، ولهذا يُكفّرون وتُستحل أعراضهم باللعن تارة وبالسباب تارة أخرى.

المفارقة المضحكة والمبكية في آن واحد أن تجد هؤلاء المراجع هم من أكثر الناس انتقاداً للإرهاب والإرهابيين والتكفير والتكفيريين في بياناتهم وتصريحاتهم الإعلامية، وكأنّهم بمنئى عن الإرهاب الفكري وعن الفكر التكفيري في إطروحاتهم وفتاويهم!

وما عشت أراك الدهر عجباً!


(1) الملفت للنظر أنّ (مناسك الحج) لكل من فاضل اللنكراني وجواد التبريزي اللذين نقلت عنهما هما باللغة الفارسية ويحتويان على بعض الزيادات التي ليست في (مناسك الحج) المنشور باللغة العربية لهما مثل (الزيارة الجامعة الكبيرة)، ولا أدري أيندرج هذا تحت باب (التقية المداراتية) كما يراها علماء الشيعة أم أنها غير مقصودة.
(2) مناسك الحج للنكراني ص250 ومناسك الحج للتبريزي ص307 ومناسك الحج لوحيد خراساني ص259

  • السبت AM 03:36
    2022-05-21
  • 703
Powered by: GateGold