المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409110
يتصفح الموقع حاليا : 272

البحث

البحث

عرض المادة

الخلافة والإمامة

(أيها الناس؛ إنّ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل. ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى تحضرها عامة الناس؛ ما إلى ذلك من سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها؛ ثم ليس للشاهد أن يرجع، ولا للغائب أن يختار).

نهج البلاغة

إنّ وجود نظام يكفل للمجتمع كيانه ويحفظه من الفوضى ضرورة لازمة لاستمراريته وبقائه وحفظ كيانه من الاندراس.

يوضح ابن خلدون ماهية هذا النظام في مقدمته (فصل 25 - ص238) فيقول: (قوانين سياسية مفروضة يُسلّمها الكافة وينقادون إلى أحكامها، فإذا خلت الدولة من مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها ولم يتم استيلاؤها {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ}).

والمسلمون بشتى توجهاتهم المذهبية ومشاربهم الفكرية مجمعون على أهمية وجود النظام وكونه ضرورة لا غنى عنها، بل كل من لديه مسحة عقل لا يجادل في هذا أصلاً.

ولذلك تجد أنّ الخلاف السني الشيعي حول قضية الإمامة ليس منصباً على ضرورة وجود إمام يقود الأمة أو عدم وجوده، إذ كلا الفريقين يرى وجود إمام وقائد للأمة الإسلامية أمراً لا بد منه ولا محيص عنه، لكن مفترق الطريق بين الفريقين منصبّ على نمط هذه الإمامة .. هل لها القدسية التي أعطاها الله عز وجل للنبوة بحيث يكون أمر الحاكم تماماً لو كان النبي عليه الصلاة والسلام موجوداً، لا يخالف، ولا يعارض، ولا يُتصور فيه الخطأ ولا حتى النسيان أم أنها لا تعدو أن تكون ضرورة دينية واجتماعية لحفظ نظام المجتمع الإسلامي؟

هل تنحصر باثني عشر رجلاً منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قيام الساعة أم أنها غير محددة الحكام بحسب حاجة الأمة والتغيرات السياسية التي تحوطها وتتجدد معها؟ هل تنعقد بالنص الإلهي على أشخاص محددين أم بنظام الشورى الإسلامي وبضوابط شرعية تكفل أن لا يتصدر الحكم إلا من هو أهل له؟

هنا يكمن الخلاف، وهنا تتشعب القضية بل وتصل إلى طريق مسدود يوم أن تنتقل القضية المتنازع عليها من إطار الخلاف الفقهي إلى إطار الخلاف العقائدي بحيث تصير الإمامة أصلاً لقبول أعمال العباد عند خالقهم، وأصلاً في معرفة الدين، وأصلاً في تقييم صحابة الرسول وزوجاته وخلفاء المسلمين وعلماء الأمة والفتوحات الإسلامية!!

فقضية تنصيب خليفة على المسلمين لا تعدو عند أهل السنة والجماعة أن تكون ضرورة اجتماعية لحفظ دين المجتمع وكيانه كما قرر ذلك جمع من علمائهم.

ولكنها عند الشيعة الإثني عشرية لها شأن آخر، يصفها الإمام محمد آل كاشف الغطاء بأنها (منصب إلهي كالنبوة) (1)، ويقول عنها نعمة الله الجزائري: (الإمامة العامة التي هي فوق درجة النبوة والرسالة) (2) ويصفها آية الله هادي الطهراني بأنها: (أجل من النبوة) (3).

بل إنّ الإمامة ليست من أصول الدين فحسب ولا ركناً من أركانه بل جاءت روايات شيعية لتجعل ولاية الأئمة الإثني عشر أعظم أركان الإسلام!

روى الكليني بسند موثق عن أبي جعفر قال: (بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية) (4)، فحتى الشهادتان قد قامت مقامهما الولاية!!


(1) أصل الشيعة وأصولها ص211
(2) زهر الربيع ص12
(3) ودايع النبوة ص114
(4) الكافي 2/ 18 - كتاب الإيمان والكفر - باب دعائم الإسلام - حديث رقم (3)، علّق الشيخ عبد الحسين المظفّر في (الشافي شرح الكافي) على الحديث فقال: (موثق كالصحيح).

وورد الحديث بذاته بسند آخر مع زيادة (قلت (أي الراوي): وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل) (1).

ووردت رواية ثالثة بنحو الرواية الأولى مع زيادة تقول: (فرخّص لهم في أشياء من الفرائض الأربع ولم يُرخّص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا، لا والله ما فيها رخصة) (2) بل وصلت الأخبار إلى أكثر من هذا حينما قالت: (عُرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة وعشرين مرة ما من مرة إلا وقد أوصى الله عز وجل فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالولاية لعلي والأئمة عليهم السلام أكثر مما أوصاه بالفرائض) (3)!

هذه الروايات الشيعية ومثيلاتها في كتب الشيعة ساهمت بشكل مباشر في جعل مسألة الإمامة النصية مسألة إيمان أو كفر، فبات المسلم معرضاً للاتهام بالكفر لمجرد اختلافه مع الشيعة الإمامية في عقيدة الإمامة التي يعتقدونها!

ولذا رأينا بعض كبار علماء الشيعة الإمامية السابقين واللاحقين يصرّحون بهذه الحقيقة المرّة بكل جرأة واندفاع.

يقول ابن بابويه القمي في رسالته "الاعتقادات": (واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء، واعتقادنا فيمن أقر


(1) الكافي 2/ 18 - كتاب الإيمان والكفر - باب دعائم الإسلام - حديث رقم (3)، وهو حديث صحيح السند كما صرّح بذلك علماء الشيعة (انظر الشافي شرح الكافي 5/ 59)، وقد ورد الحديث في (تفسير العياشي 1/ 191، البرهان 1/ 303، بحار الأنوار 1/ 394)
(2) الكافي 2/ 22، قال المجلسي في مرآة العقول 4/ 369 (حديث صحيح)، والخصال ص600 (باب الواحد إلى المائة) حديث رقم (3).
(3) بحار الأنوار 23/ 69

بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمد صلى الله عليه وآله) (1).

ويقول يوسف البحراني في موسوعته "الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة": (وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين) (2).

ويقول المجلسي في موسوعته الحديثية "بحار الأنوار 23/ 390" (اعلم أنّ إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام وفضّل عليهم غيرهم يدل أنهم مخلّدون في النار).

وبهذا التشعب الكبير يسير الفريقان في خطين متوازيين، لا يلتقيان!!


(1) الاعتقادات ص104
(2) الحدائق الناضرة 18/ 153

 

  • السبت AM 03:33
    2022-05-21
  • 754
Powered by: GateGold