المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412226
يتصفح الموقع حاليا : 346

البحث

البحث

عرض المادة

العلامة جعفر التستري

يقول في كتابه "الخصائص الحسينية": (اعلم أنّ الله جل جلاله لم يزل متفرداً ولم يكن مخلوق ولا زمان ولا مكان، فلما ابتدأ بخلق أفضل المخلوقات اشتق من نوره نور علي وفاطمة والحسن والحسين - عليهم السلام - وجعل لهم محال متعددة وعوالم مختلفة كما يظهر من مجموع الروايات المعتبرة فمنها: قبل خلق العرش، ومنها: بعده خلق آدم، ومنها: بعده أنوار تارة وأشباح نور تارة، وظلال وذرات وأنوار في الجنة تارة، وعمود نور وأقذف في ظهر آدم عليه السلام تارة، وفي أصابع يده الأخرى، وفي جبينه تارة، وفي جبين كل جد من الأجداد من آدم عليه السلام إلى والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن عبد المطلب وفي جبين كل جدة عند الحمل ممن هو في صلبه من حواء، إلى أم النبي آمنة بنت وهب. ثم إنّ أنوارهم محال متعددة قدام العرش، وفوق العرش، وتحت العرش، وحول العرش، وفي كل حجاب من الحجب الإثني عشر، وفي البحار الأنوار، وفي السرادقات ولبقائهم في كل محل مدة مخصوصة. فمدة وجودهم قبل خلق العرش أربعمائة ألف وعشرون ألف، وزمان كونهم حول العرش خمسة عشر ألف عام قبل خلق آدم عليهم السلام، وزمان كونهم تحت العرش اثنا عشر ألف سنة قبل آدم، وليس المقام مقام هذه التفاصيل فإنه يحتاج إلى كتاب مستقل، إنما المقصود بيان خصائص الحسين عليه السلام في نوره وامتياز نوره من الأنوار في جميع هذه العوالم والحالات في الظلال والأشباح والذرات، وحين تجسمه بالشجرة في الجنة والقرط في أذن الزهراء عليها السلام وهي في الجنة في إحدى هذه العوالم.

نقول: إنّ هذه الأنوار في هذه العوالم مصدرها نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم وامتيازه كون نوره من نوره، فإنه من حسين وحسين منه، وحين افتراقهما قد كان لنور الحسين عليه السلام خصوصية في أن رؤيته كان موجباً للحزن) (1).

ويقول تحت عنوان (في أنّ الله خصه – عليه السلام – بخصائص الكعبة) بعد مقارنة بين مقام وزيارة الحسين وبين الكعبة ما نصه: (التاسعة: جعل طوافه ركناً من أركان الإسلام فقال {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} (2) ومن لم يأت به نقص ركناً من أركان الإسلام والحسين – عليه السلام – قد جعلت زيارته ركناً من أركان الإسلام والإيمان، فقد ورد في الحديث أنّ تارك زيارته منتقص الإيمان قاطع لحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورحمه، وقد عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي رواية (ليس بشيعة)، وفي رواية (إن كان من أهل الجنة فهو من ضيفانهم)، وفي رواية (تارك حقاً من حقوق الله ولو حج ألف حجة)، وفي رواية (محروم من الخير)، وفي رواية بعد أن سمع أحدهم – عليهم السلام – أنّ جماعة من الشيعة تأتي عليهم السنة والسنتان لا يزورونه، قال: (حظهم أخطؤوا، وعن ثواب الله زاغوا وعن جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تباعدوا)) (3).


(1) الخصائص الحسينية (محل نوره بعد خلقه) ص28 - 29
(2) سورة آل عمران آية 97
(3) الخصائص الحسينية ص293

ويقول تحت العنوان نفسه أيضاً (الثالثة عشرة: جعله مطافاً للناس وجعل ثواب الطواف جزيلاً بالنسبة إلى أشواطه وخطواته، وقد زادت فضيلة زيارة الحسين عليه السلام على ذلك أضعافاً كثيرة كما تبين في عنوان الزيارة.

الرابعة عشرة: جعله مطافاً للملائكة كما ورد أنه لما بنى جبرائيل الكعبة بأمر الله طافت حولها الملائكة وهم سبعون ألف ملك كانوا يحرسون الخيمة التي أُنزلت من الجنة وبنيت على قواعد البيت التي بناها الملائكة قبل خلق آدم، ورفعت قواعدها بإزاء الضراح والبيت المعمور والعرش، ولما نحى الخيمة وبنى جبرائيل البناء الثاني وطافت الملائكة حوله نظر آدم وحواء إليهم فانطلقا وطافا سبعة أشواط، والحسين عليه السلام قد كان مطافاً للملائكة حين كان نوراً مع الأنوار المحدقة بالعرش وكان شفيعاً للملائكة) (1).

وتحت العنوان نفسه أيضاً: (التاسعة عشرة: أنّ الكعبة مطاف الأنبياء من آدم إلى خاتم النبيين عليهم السلام كما دلت عليه الروايات الكثيرة المتواترة. وقد ثبت مثل ذلك للحسين عليه السلام بالنسبة إلى جسده تارة وبالنسبة إلى رأسه الشريف وبالنسبة إلى قبره المنيف) (2).

ويؤكد التستري على أنّ مرقد الحسين حرم كسائر بيوت الله بل هو عند الشيعة أعظم حرمة من الكعبة بحسب الروايات الشيعية الكثيرة.

يقول التستري: (الثلاثون: أنّ الله خلق مكة واتخذها حرماً قبل دحو الأرض، ولكن قد ورد في كربلاء عن علي بن الحسين (ع) أنه قال: اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وأنه إذا زلزل الله تبارك


(1) المصدر نفسه ص296
(2) المصدر نفسه ص300

وتعالى الأرض وسيرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنة، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنه إلا النبيون والمرسلون، أو قال: أولو العزم من الرسل وإنها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض) (1).

ويقول أيضاً: (الواحدة والثلاثون: أنّ مكة قد تكلمت وتفاخرت بكرامة الله لها فقالت: من مثلي وقد بني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق. ولكربلاء فضل على ذلك أنها تفاخرت فأوحى الله إليها أن كفي وقري ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غمست في البحر فحملت، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي به افتخرت فقري واستقري وكوني دنية متواضعة ذليلة مهينة غير مستنكفة ولا مستكبرة لأرض كربلاء وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم ...) إلى آخر كلامه (2).

ويقول تحت عنوان (ما أعُطي للأنبياء من الحسين (ع)) ما نصه: (المقصد الرابع: فيما أُعطي الأنبياء بالحسين (ع) اعلم أنه قد أُعطي جميع الأنبياء من الحسين (ع) شيئين: الأول: أنه أسوة لهم. فكان كل واحد منهم إذا أصابته مصيبة تأسى بالحسين (ع) وصبر عليها تأسياً بالحسين (ع) ولذا قال علي (ع) يوماً للحسين عليه السلام يا أبا عبد الله أُسوة أنت قدماً.

الثاني: أن كل ما وقع يعني في شدة فقد حصل الفرج له عند التلفظ باسم الحسين (ع) وفي ذلك روايات:


(1) المصدر نفسه ص306
(2) المصدر نفسه ص307

الأول: في قبول توبة آدم عليه السلام حين علّمه الله الأسماء الخمسة فكانت الاستجابة عند قوله بحق الحسين.

الثاني: في سكون سفينة نوح عليه السلام حين أُوحي إليه أن يتوسل بالخمسة فكان الاستواء على الجودي عند قوله وبحق الحسين.

الثالث: في استجابة دعاء زكريا عليه السلام حين قال فهب لي من لدنك ولياً فعلمه الأسماء الخمسة فحصلت البشارة بيحيى عند قوله بحق الحسين.

الرابع: في نجاة يونس من بطن الحوت فإنه دعا بحق الخمسة وحصل نبذه بالعراء عند قوله بحق الحسين.

الخامس: في كشف الضر عن أيوب عليه السلام فإنه حصل عند دعائه متوسلاً بالخمسة ونودي بقوله اركض برجلك هذا مغتسل بارد عند قوله بحق الحسين عليه السلام.

السادس: حصول الفداء لإسماعيل فإنه قد ورد أنّ المراد بذبح عظيم هو الحسين عليه السلام ولذلك معنى لا يلزم منه كون إسماعيل أعلى رتبة.

السابع: في خروج يوسف عليه السلام من غيابة الجب فإنه حصل بالتوسل بالخمسة وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه عند قوله (وبحق الحسين عليه السلام).

الثامن: في خروج يوسف من السجن فإنه لما توسل بالخمسة بعد بضع سنين فلما قال (وبحق الحسين) جاء صاحب السجن وقال يا يوسف أيها الصديق أفتنا إلى آخر القصة.

التاسع: في تفريج الغم ليعقوب عليه السلام فإنه لما ضاق عليه الأمر قال: رب أما ترحمني، ذهبت عيناي ونور عيني فأوحى الله إليه (قل: اللهم إني أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين أن ترد علي عيني) فبمجرد التلفظ بالحسين جاء البشير وارتد بصيراً) (1).

وهكذا قارن التستري بين أنبياء الله الذين اصطفاهم لحمل رسالاته وبين الحسين ابن بنت رسول الله، وفرق بين أن يكون الرجل قريباً من رسول الله وكونه سيد شباب أهل الجنة وله من الفضائل ما له وبين أن يقارن بنبي واحد فضلاً عن جميع الأنبياء كما حلا للتستري أن يقارن.

والحقيقة أنّ التستري لم يكتف بمقارنة الإمام الحسين بأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام وبأولي العزم من الرسل بل تعدّى ذلك إلى مقارنة بين ما لله رب العباد من القدسية والعظمة سبحانه وبين ما لموت الحسين شهيداً من قدسية حيث يقول تحت عنوان (في خصوصية عطاياه عليه السلام) ما نصه: (الأول: إنّ من صفات الله {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَه} وله خمس معان، وقد أُعطي الحسين عليه السلام ما يناسب ذلك، فإن من شيء إلا وقد بكى لمصيبته ولكن لا نفقه بكاءهم فبكاء كل شيء بحسب حاله، ولا ينحصر في تقاطر الدمع من العين، فبكاء السماء تقاطر الدم، وبكاء الأرض أنّ كل حجر يُرفع يرى تحته دم، وبكاء السمك خروجها من الماء، وبكاء الهواء إظلامها، وبكاء الشمس كسوفها، وبكاء القمر خسوفه كما ورد كل ذلك في الروايات) (2) ولا يخفى على القارئ اللبيب أنّ التستري فيما نقلناه عنه قد أتعب مَنْ بعده في أَنْ يأتي بغلو مشابه أو أكبر، اللهم إلا التصريح بألوهية الأئمة أو أنهم أبناء الله أسوة بالنصارى القائلين بأنّ المسيح عليه السلام ابن الله الإنسي.


(1) الخصائص الحسينية ص362
(2) المصدر نفسه ص72 - 73

 

 

  • السبت AM 03:30
    2022-05-21
  • 910
Powered by: GateGold