المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409037
يتصفح الموقع حاليا : 336

البحث

البحث

عرض المادة

الانحلال الخُلقي في العهد القديم

تتبع علماء المسلمين- فترة البحث- أسفار العهد القديم وأخرجوا ما فيها من نصوص تدل على مدى ما وصل إليه اليهود من انحلال في الأخلاق وانحراف في السلوك، وبينوا أن هذه النصوص لا تفرق في هذه السلوكيات بين الأنبياء وغيرهم بل إن ما تنسبه التوراة زورًا وبهتانًا إلى الأنبياء من الحوادث اللا أخلاقية أمر لا يقبله عقل ولا دين ويتنافى مع العصمة التي اختصهم الله بها، وتتعدد صور الاتهام للأنبياء وذويهم على النحو التالي:

أولًا: اتهام الأنبياء بما يتنافى مع العصمة التي اختصهم الله بها:

رصد العلامة رحمة الله الهندي والإمام ابن القيم، د/ بدران، د/ عبد الراضي محمَّد، ما يتصل بالجانب الأخلاقي في العهد القديم، وكذلك ينتقد د/ على خليل في كتابه "التعاليم الدينية"، الأسفار التوراتية ويبرز في نقده انحراف التوراة في جانب الأخلاق والسلوك من خلال استقرائه وتتبعه لأسفار العهد القديم .. وقد ذكر هؤلاء العلماء ما تفتريه التوراة على الأنبياء زورًا وبهتانًا وكذبًا ويتنافي مع عصمتهم على النحو التالي:

ما نُسب زورًا وبهتانًا إلى سيدنا إبراهيم، لوط، إسحاق، وداود (1) وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام وقد ذكرت ما يتصل باتهام التوراة للأنبياء في أخلاقهم هنا باختصار لأنه قد تقدم التفصيل في مبحث نقد عقيدة النبوة والأنبياء في العهد القديم (2).

ثانيًا: تجريح بيوت الأنبياء وذويهم والتطاول عليهم:

[1 - رأوبين بن يعقوب]

إذا كان كَّتاب العهد القديم لم يراعوا حرمة الأنبياء وألصقوا بهم ما يتنافِى مع عصمتهم فلم يتركوا نبيًا إلا وبحثوا له عن شىء يجعله كالبشر العادي يصدق عليه ما يجرى على البشر من خطأ وصواب لذلك عند التأمل فيما رصده علماء المسلمين حول هذه القضية يتضح أن بيوت الأنبياء أيضًا وأقربائهم لم تسلم من أيدي المحرفين الذين بدلوا وغيروا في النص التوراتي حسب أهوائهم، فهذا رأوبين بن يعقوب انظر كيف صورته التوراة ابن نبي يهتك حرمة بيت أبيه ويدنس عرضه في غيابه.


(1) انظر: تكوين: (12/ 10 - 19)، (20/ 1 - 7)، (19/ 30 - 37)، (26/ 6 - 10) وصموئيل الثاني: (11/ 2 - 7)، انظر: هداية الحيارى، ص 202، إظهار الحق: 2/ 556، 557، التوراة: د/ بدران، ص 50 - 51، 53، التعاليم الدينية اليهودية: ص 25 - 27 والعقيدة اليهودية: د/ سعد الدين صالح، ص 325، التطرف اليهودي: د/ عبد الراضى، ص 36، وأيضًا التوراة د/ بدران ص 95 - 97.
(2) انظر: الفصل الأوّل من نقد المتن في هذه الدراسة المبحث الرابع من ص 143 إلى 176 ص.

وقد ذكر هذه القصة كثير من الكتاب منهم من ذكرها دون تعليق لوضوح المخالفة فيها ومنهم من علق عليها فقد قدم لها د/ على خليل، بقوله نقرأ في سفر التكوين أن: (رأوبين بن يعقوب وهو بكره، استغل غياب والده ودخل على امرأته بلهة وكان لها ولدان وإن ونفتالي واضطجع معها) (1)، ثم ذكر النص وهو: "وحدث إذ كان إسرائيل ساكنًا في تلك الأرض أن رأوبين ذهب واضطجع مع بلهة سرية أبيه" (2).

ولكن العلامة رحمة الله الهندي علق عليها منتقدًا ما تقول التوراة بقوله: (فانظروا إلى رأوبين الولد الأكبر ليعقوب -عليه السلام- كيف زنى بزوجة أبيه؟، وإلى يعقوب كيف لم يجر الحد أو التعزير، لا على ابنه ولا على هذه الزوجة، والظاهر أن حدّ الزنا في هذا الوقت كان إحراق الزاني والزانية بالنار كما يُفهم من الآية 24 من الإصحاح 38 من سفر التكوين (3)، ودعا لهذا الابن بالبركة والخير في آخر حياته كما هو مصرح به في الإصحاح 49 من هذا السفر (4)) (5).

ويضيف د/ بدران، بعدًا جديدًا زيادة (6) على ما قاله العلامة رحمة الله الهندي فيقول: (هذا مع العلم بأن التوراة تحرم مجرد النظر لعورة زوجة الأب (لاويين 18/ 1) (7).

[2. ثامار (كنة يهوذا) ابن يعقوب الرابع]

تقول التوراة أن ثامار أخطأت مع حميها يهوذا وحبلت منه وولدت ولدين أحب الأوّل (فارص) والثاني (زارح) والنص يقول: "وأن يهوذا زوج ابنه بكره" عير "امرأة اسمها ثامار". وكان عير بكر يهوذا رديئًا بين أيدي الرب فقتله الرب. وقال يهوذا لابنه أونان: ادخل على امرأة أخيك، وكن معها، وأقم زرعًا لأخيك. فلما علم أونان أن الخلف لغيره كان إذا دخل على امرأة أخيه يفسد على الأرض لئلا يكون زرعًا لأخيه. فظهر ذلك منه سوء أمام الرب لفعله ذلك، وقتله الرب، فقال يهوذا لثامار كنته اجلسي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلة ابني ... فأعلموا ثامار قائلين هو ذا حموك صاعدًا إلى تمنة ليجز غنمه فطرحت ثامار عنها ثياب الترمل وأخذت رداءً وتزينت، وجلست في قارعة الطريق، فلما رآها يهوذا ظن أنها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها لئلا تعرف، ودخل عندها وقال لها دعيني أدخل إليك لأنه لم يعلم أنها كنته فقالت له:


(1) التعاليم الدينية: ص26.
(2) تكوين: (35/ 22) موت راحيل وإسحاق.
(3) النص يقول: "أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كَنَّتكَ، وهاهى حبلى من الزنى فقال يهوذا أحرجرها فتحرق".
(4) النص يقول: "وهذا ما كلمهم وبه أبوهم وباركهم، كل واحد بحسب بركته باركهم".
(5) إظهار الحق: 2/ 563.
(6) انظر: التوراة د/ بدران، ص 60.
(7) والنص يقول: "عورة امرأة أبيك لا تكشف إنها عورة أبيك".

ماذا تعطيني حتى تدخل علىّ؟، فقال لها أنا أرسل لك جديًا ماعزًا من الغنم وهي قالت له: أعطني رهنًا حتى ترسله فقال يهوذا: أي شيء أعطيك رهنًا؟ فقالت خاتمك وعمامتك وعصاك التي بيدك فأعطاها لها. ودخل عليها فحبلت منه وقامت فمضت وطرحت عنها لباسها ورداءها ولبست ثياب ترملها فلما كان بعد ثلاثة أشهر أخبروا يهوذا قائلين: زنت ثامار كنتك وهو ذا قد حبلت من الزنا فقال يهوذا أخرجوها لتحرق أما هى فلما خرجت أرسلت إلى حميها قائلة: من الرجل الذي هذه له حبلت أنا فأعرف لمن هو الخاتم والعمامة والعصا، فعرفها يهوذا وقال تبررت هي أكثر من لموضع أني لم أعطها لشيلة ابني ولكنه لم يعد يعرفها بعد ذلك وكان لما دنا وقت الولادة وإذ توأمان في بطنها فعند طلقها، واحد سبق وأخرج يده فأخذت القابلة قرمزًا وربطته في يده قائلة: هذا يخرج أولًا، ولكن حين رد يده إذا أخوه قد خرج فقالت لماذا اقتحمت؟ عليك اقتحام. فدعي اسمه فارص، وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يد القرمز فدعت اسمه زراح" (1).

تنوعت نظرة النقاد إلى هذا النص فالعلامة رحمة الله الهندي بفكره الثاقب وتحليله الرائع للنصوص وبيان مالها وما عليها واستخراج ما فيها من هنّات ومخالفات يأخذ على هذه القصة الأمور التالية:

1 - (أن الرب قتل عيرًا لكونه رديئًا ورداءته لم تبيّن أكانت هذه الرداءة أشد من رداءة عمه الكبير حيث زنى بزوجة أبيه، ومن رداءة عليه الآخرين شمعون ولاوي حيث قتلا ذكور أهل البلدة كلهم ومن رداءة أبيه وجميع أعمامه حيث نهبوا أموال تلك البلدة وسبوا نساءها وأطفالها، ومن رداءة أبيه حيث زنى بزوجته بعد موته؟ أهؤلاء كانوا قابلين للرأفة وعدم القتل وكان عير قابلًا للقتل فقتله الرب؟.

2 - العجب أن الرب قتل أونان على خطأ عزل المنى، وما قتل أعمامه وأباه على الخطايا المذكورة. أهذا العزل أشد ذنبًا من هذه الخطايا؟.

3 - أن يعقوب لم يجر الحد ولا التعزير على هذا الولد العزيز ولا على هذه المرأة الفاجرة بل لم يثبت من هذا الإصحاح ولا من إصحاح آخر أنه تضايق لهذا الأمر من يهوذا والإصحاح 49 من سفر التكوين (2) شاهد صدق على عدم تضايقه حيث ذم رأوبين وشمعون ولاوي على ما صدر منهم، وما ذم يهوذا على ما صدر منه بل سكت عما صدر منه ومدحه مدحًا بليغًا ودعا له دعاءً كاملًا ورجحه على إخوته.


(1) تكوين: (6/ 38 - 30) يهوذا وثامار.
(2) النص يقول: "رأوبين أنت بكرى قوتي وأول قدرتي فضل الرفعة وفضل العز فائرًا كالماء لا تتفضل لأنك صعدت على مضجع أبيك حينئذ دنسته. على فراشي صعد شمعون ولاوي أخوان، آلات ظلم سيوفهما في مجلسهما لا تدخل نفسي بمجمعهما لا تتحد كرامتى لأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا ... "تكوين: (49/ 3 - 7).

4 - أن ثامار شهد في حقها يهوذا صهرها بشدة البر، فسبحان الله نعم البار ونعمت البارة الفائقة في البر من الإصحاح المذكور كيف تكون بارة وهي لم تكشف عورتها إلا لأبي زوجها وما زنت إلا بحميها؟ وحصلت منه بهذا الزنا على ابنين كاملين؟

5 - أن داود وسليمان وعيسى عليهم السلام كلهم من أولاد فارص الذي جاء بالزنا كما هو مصرح به فى الإصحاح الأوّل من إنجيل متى (1).

6 - أن الله ما قتل فارص وزارح مع كونهما ولدي زنا، أبقاهما كابني لوط اللذين كانا ولدي زنا، وما قتلهما كما قتل ولد داود -عليه السلام- الذي ولد بزناه بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بزوجة الابن) (2).

ويأتي د/ بدران ليؤكد ما ذهب إليه العلامة رحمة الله الهندي من خلال وقفاته مع النص أثناء سرده وبعد الانتهاء منه متعجبًا من تلك الشريعة التي يتبعونها مع من يخطئ ويرتكب الفواحش حيث يقول: (والأعجب من هذا كله أمر يهوه إله إسرائيل الذي يميت أونان بن يهوذا لأنه قذف منيه على الأرض، ولا يميت يهوذا الزاني. أهذه هي الشريعة التي أنزلها الله على موسى؟ والغريب أيضًا مثل هذا الفحش في كتاب يُقال عنه أنه مقدس!!) (3).

[3 - أمنون بن داود]

ينتقد د/ بدران، قصة أمنون بن داود وبيَّن ما فيها من انحلال خلقي وطعن في بيت النبوة ويقدم تعليقة على القصة مشيرًا إلى ما فيها من جرائم خلقية تسىء إلى أولاد الأنبياء فيقول: (يروى سفر صموئيل الثاني ما يخجل الإنسان من روايته، يروى ما تشيب له الولدان، يروى قصة زنا لا تحدث مع أعتي الفجرة، وحتى أعتي الفجار لا يجرؤ على فعل ما أقدم عليه أمنون بن داود ... ابن داود النبي الملك، ملك يهوذا وكل إسرائيل كما يقولون. إمّا قصة زنا أخ بأخته والاثنان أبناء نبي .. فأين مثل الأنبياء وأسوتهم؟ إنها لا بد وأن تبدأ من أسرته فيتخلق أبناءه: بخلقه) (4).


(1) متى: (1/ 3 - 7) نسب يسوع المسيح.
(2) إظهار الحق: 2/ 564.
(3) التوراة: د/ بدران، ص 61.
(4) التوراة: د/ بدران ص 97، بتصرف يسير.

تبدأ القصة بأن أمنون بن داود، رأي أخته ثامار فلفت نظره جمالها البارع هكذا فجأة يشعر بجمالها يسحر ليه. ويأخذ بكل عقله، وهام أمنون بأخته حبًا لدرجة أنه مرض من السهاد وساءت صحته بسبب أخته وجمالها الأخاذ وأفضى أمنون بن داود بكل ما في قلبه إلى ابن عمه" يوناداب بن شمعى" ويقول النص:

"وكان يوناداب رجلًا حكيمًا حبرًا فبماذا أشار عليه هذا" الحكيم" يقول الكتاب المقدس: "فقال يوناداب اضطجع على سريرك وتمارض. وإذا جاء أبوك الملك (داود النبي والملك) ليراك فقل له دع ثامار أختي فتأتي وتطعمني خبرًا وتعمل أمامى الطعام لآكل .. " وهكذا رسم الحكيم الخطة المحكمة لابن عمه العاشق أخته ونفذ المفتون بأخته كل تفاصيل الخطة بكل دقة. وأتت أخته لتخدمه وهجم عليها فصرخت ولم يسمع صراخها أحد؛ لأنه وابن عمه دبرا كل شيء بإحكام وزنا أمنون بأخته ثامار وتوسلت إليه (حسب قول الكتاب المقدس) واسترحمته فلم يرحم. وماذا يقول الكتاب المقدس عن ثامار وأمنون بعد هذا؟: "ثم أبغضها أمنون بغضه شديدة جدًا حتى إن البغضة التي أبغضها إياها كانت أشد من المحبة التي أحبها إياها" وماذا قال العاشق المفتون لأخته بعد أن زنا بها يقول الكتاب المقدس" وقال لها أمنون: قومى انطلقى" بل يقول أنه أمر خادمه بطردها من حجرته شر طرده) (1).

ثم يذكر د/ بدران، نصًا آخر يناقض هذا النص فى الحكم يقول هذا النص: "وإذا أخذ رجل أخته بنت أبيه أو بنت أمه. ورأى عورتها ورأت عورته فذلك عار يقطعان أمام أعين شعبهما. قد كشف عورة أخته. يحمل ذنبه" (2).

(مجرد كشف العورة حرام في الشريعة الموسوية وجزاء هذا الذنب القطع أي الموت وأمام كل الشعب. ولكن ماذا فعل داود؟ لا شىء كل ما فعله أنه اغتاظ فقط حسب قول الكتاب المقدس: "ولما سمع داود الملك بجميع هذه الأمور اغتاظ جدًا" (3) النبي الذي ينفذ شريعة الله لا يفعل شيئًا) (4).

من خلال ما سبق فقد بين علماؤنا الأجلاء، عن طريق التفسير التحليلي للنصوص التوراتية والقصص في العهد القديم ما يلي:

1. احتواء النصوص على مخالفات وافتراءات تقدح في بيوت الأنبياء وذويهم.

2. التناقض والتعارض بين النصوص في الحكم الواحد، والمسلم حينما يقرأ مثل هذه الأباطيل في كتاب يدعى أصحابه أنه مقدس يصاب بحالة شديدة من الضيق وينكر ما ينسبونه إلى الأنبياء وذويهم بألف لسان ولسان.


(1) صموئيل الثاني: (13/ 1 - 14) أمنون وثامار وانظر: التوراة د/ بدران ص 98.
(2) لاويين: (2/ 17) عقوبات الخطية.
(3) صموئيل الثاني: (13/ 21) أمنون وثامار.
(4) التوراة د/ بدران ص 98.

[حوادث لا أخلاقية تتعلق ببنى إسرائيل]

رصد علماء المسلمين كثيرًا من الحوادث اللا أخلاقية في الكتاب المقدس تعبر عن الانحلال الخلقى وكلها ترتبط ببنى إسرائيل ارتباطًا مباشرًا أو غير مباشر أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر- نصوصًا انتقاها د/ على خليل، من بين نصوص كثيرة تختوى على جرائم أخلاقية تشمئز منها الفطرة النقية لخروجها وانحرافها من هذه النصوص:

1 - المثال الأوّل: أن رجلًا لاويًا متغربًا في عقاب "جبل أفرايم" (1) فاتخذ له امرأة سُريةً من بيت لحم يهوذا فزنت عليه سريته وذهبت من عنده إلى بيت أبيها؛ ومع هذا جاء زوجها وراءها ليطيب قلبها ويردها معه" (2). "عادت المرأة معه وجاء إلى مقابل يبوس (أورشليم) وكان معه حماران مشدودان والغلام أي غلامه فانحدر النهار وبدأت الشمس تغيب فقال الغلام لسيده: تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها، فقال له سيده لا نميل إلى مدينة غريبة حيث ليس أحد من بنى إسرائيل هنا نعبر إلى جبعة (3) وقال لغلامه تعال نتقدم إلى أحد الأماكن ونبيت في جبعة أو في الرّامة (4) فعبروا وذهبوا وغابت لهم الشمس عند جبعة التي لبنيامين فمالوا إلى هناك لكي يدخلوا ويبيتوا في جبعة وجلس في ساحة الدينة ولم يضمهم أحد إلى بيته للمبيت وإذا برجل شيح جاء من الحقل عند المساء .... فقال الرجل الشيخ السلام لك إنما كل احتيِاجك علىّ ولكن لا تبت في الساحة وجاء إلى بيته وعلف حميرهم فغسلوا أرجلهم وأكلوا وشربوا" (5) وفيما هم يطيبون قلوبهم إذا برجال المدينة رجال بنى بليعال أحاطوا بالبيت قارعين الباب وكلموا الرجل صاحب البيت الشيخ قائلين: أخرج الرجل الذي دخل بيتك فنعرفه فخرج إليهم الرجل صاحب البيت وقال لهم: لا يا اخوتي لا تفعلوا شرًا، بعد ما دخل هذا الرجل بيتي. لا تفعلوا هذه القباحة فأمسك الرجل سريته وأخرجها إليهم خارجًا فعرفوها وتعللوا بها الليل كله إلى الصباح وعند طلوع الفجر أطلقوها، فجاءت المرأة عند إقبال الصباح وسقطت عند باب بيت الرجل ... فأخذها ... ودخل بيته وأخذ السكين وأمسك سريته وقطعها مع عظامها إلى اثني عشرة قطعة وأرسلها إلى جميع تخوم (6) إسرائيل (7).


(1) هى: الأرض الجبلية الواقعة والقسم الأوسط من فلسطين الغربية والتي عينت نصيبًا لسبط أفرايم (قاموس الكتاب المقدس ص 91).
(2) قضاة: (19/ 1 - 3) اللاوي وسريته.
(3) هى: اسم عبري معناه "تل" اسم لعدة قرى منها "جبعة بنيامين"، هى تل الفول الحالية إلى على بعد 4 أميال شمال أورشليم شرقي الطريق من أورشليم إلى نابلس (قاموس الكتاب المقدس ص 246).
(4) هى: قرية صغيرة مبنية على هضبة عالية في نصيب سبط بنيامين على بعد خمسة أميال شمالي أورشليم على طريق بيت أيل بناها بعشا ملك إسرائيل (قاموس الكتاب المقدس ص 392).
(5) انظر: قضاة: (19/ 3 - 22) السابق.
(6) معناها: حدود (قاموس الكتاب المقدس ص 213).
(7) قضاة: (19/ 22 - 29) اللاوي وسريته.

ويعلق د/ على خليل، على هذه الحادثة البشعة بقوله: إنه انحطاط كبير في القيم الأخلاقية، جريمة بشعة جدًا، وسلوك شائن ومرعب جدًا قام به اليهود ببساطة ويقرأ عنه أطفالهم اليوم بافتخار ويقتدون به ويستحضرونه في سلوكهم اليومي الديني والمدني (1).

[2 - المثال الثاني: الصراع بين شاول وداود]

وفي سفر صموئيل الأوّل حوادث تتعلّق ببني إسرائيل تفوح منها رائحة الانحلال الخلقي ... واللا إنسانية فنقرأا عن سلوك كل من "شاول" (2) وداود أثناء الصراع بينهما على السلطة وكيف كان كل طرف يسعى لدفع الآخر عنه بطرق وأساليب غير مشروعة محورها عمومًا المرأة والغدر (3).

إن شاول لكي يتخلص من داود قرر أن يزوجه ابنته الكبرى "ميرب" (4) علمًا أنها كانت قد تزوجت من رجل يدعي "عدرئيل المحولي" (5) لم يكن ليهتم بمسألة الأخلاق ابنته متزوجة وهو يريد أن يطلقها من زوجها ليعطيها لرجل آخر نظرًا لأنّ مصلحته تقتضي ذلك (6).

داود كان يميل إلى "ميكال" (7) الفتاة الأصغر للملك شاول وهي كانت تميل إليه وقد وافق شاول أن يزوجها لداود، ليس لأنه يريد أن يكون داود صهره ويُسعد ابنته بل من أجل أن تكون شركًا له ويقتله الفلسطينيون (8) حيث نقرأ: "ميكال ابنة شاول أحبت داود فأخبروا شاول فحسن الأمر في عينيه، وقال شاول أعطيه إياها فتكون له شركًا وتكون يد الفلسطينيين عليه (9).


(1) التعاليم الدينية ص 26.
(2) شاول هذا غير شاول العهد الجديد الذي هو بولس (قاموس الكتاب المقدس، ص 503).
(3) التعاليم الدينية ص 26.
(4) هى: ابنة شاول البكر وكان شاول قد وعد أن يعطيها لداود امرأة إلا أنه أعطاها لعدرائيل المحولي وأعطي داود ميكال أختها (قاموس الكتاب المقدس ص 939).
(5) هو: عدرائيل بن برزلاى المحولي. زوجه شاول ابنته البكر، ميرب التى كان قد وعد داود بها (صموئيل الأوّل 18/ 19) (قاموس الكتاب المقدس ص 612).
(6) الإصحاح: (18/ 17 - 19) غيرة شاول من داود.
(7) هى: ابنة شاول الثانية أمهرها داود بمائتى غلفة من الفلسطينيين فأخذها امرأة له، (قاموس الكتاب المقدس ص 940).
(8) التعاليم الدينية ص 26.
(9) الإصحاح: (18/ 20 - 22) غيرة شاول.

لقد طلب شاول مهر ابنته ميكال مائة غُلفةٍ من الفلسطينيين كما يرد في سفر صموئيل الأوّل: "فقال شاول هكذا تقولون لداود ليست مسرة الملك بالمهر بل. بمائة غلفةٍ من الفلسطينيين للانتقام من أعداء الملك وكان شاول يتفكر أن يوقع داود بيد الفلسطينيين (1).

وفي نهاية هذه الانتقادات اللاذعة لما في التوراة من انحلال أخلاقي يقول أ/ عبد الله التل، مؤكدًا غرابة هذا السلوك المشين الذي تروج له التوراة وتدعو له عبر نصوصها:

(ما اكتسب العهر والفجور والفسق والدعارة قداسة كما اكتسب في توراة اليهود، ونظمت التوراة بمهارات لم يسبق لدين من الأديان أن أباحها أو عالجها بالشكل الذي عولجت به في دين اليهود، وتعد التوراة بحق الكتاب الأوّل في التاريخ كله الذي قدَّم للإنسانية الدروس الأولى في الانحلال الخلقي والإباحية (2).

وتحت عنوان الفسق والدعارة ساق أ/ عبد الله التل نصوصًا كثيرة تبيّن مدى ما وصل إليه السلوك اليهودي من خلال التوراة إلى الانحراف والانحلال (3).


(1) الإصحاح: (18/ 25) غيرة شاول، بالمعني.
(2) جذور البلاء أ/ عبد الله التل، ص 38.
(3) انظر: المرجع السابق، ص 38 - 44.

  • الثلاثاء PM 05:13
    2022-05-17
  • 1152
Powered by: GateGold