المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409004
يتصفح الموقع حاليا : 387

البحث

البحث

عرض المادة

نقد التشريعات الخاصة بالزواج والأسرة

عند فحص الإنتاج العلمي لعلماء المسلمين حول هذا الموضوع، يتبين أن مغزى التشريعات الخاصة بالزواج والأسرة، في العهد القديم يهدف إلى ما يلي:

1 - امتهان كرامة المرأة وإباحتها.

2 - حرمانها من حقوقها الطبيعية.

3 - تقييد حريتها وقهرها.

وسوف تتضح هذه الأمور جيدًا من خلال انتقادات العلماء لتلك التشريعات التي تخص المرأة من حيث الزواج وحقها في الاختيار والضغوط التي تُمارس عليها لإجبارها على مالًا ترضاه، وبالتالي تتعدد صور الامتهان والحرمان والقهر للمرأة في العهد القديم على ما يلي:

[الصورة الأولي: حق المرأة في اختيار زوجها]

بين النقاد أن حق المرأة في اختيار زوجها له صورتان في العهد القديم: الصورة الأولي: لها الحق في اختيار الزوج ولكن بشروط. فالدكتور / الهاشمى يلفت النظر إلى تشدد التوراة وتقييدها لهذا الحق في نفس النص الذي يعطيها الحرية في الاختيار فيقول:

(يظهر من بعض النصوص أن للمرأة الحق الكامل في اختيار الزوج، دون إكراه أو مذلة والنص التالي يمكن إيراده في هذا الصدد عن بنات "صلفحاد (1) " اليهودي: "هذا ما أمر به الرب عن بنات صلفحاد قائلًا: من حسن في أعينهن يكن له نساءً، ولكن لعشيرة سبط آبائهن يكن نساء (2) " غير أن هذه الحرية للمرأة في اختيار الزوج محددة في سبط واحد من أسباط بني إسرائيل لا تجاوزها إلى غيرهم: "فلا يتحول نصيب لبني إسرائيل من سبط إلى سبط بل يلازم بنو إسرائيل كل واحد نصيب سبيط آبائه (3) ") (4).


(1) هو: أحد أعقاب منسى في البرية ولم يعقب سوي بنات فحكم بأن ترث الإناث إذا لم يكن وارث سواهن من الذكور على شرط ألا يتزوجن خارج سبطهن (قاموس الكتاب المقدس ص 546، 547).
(2) عدد: (36/ 6 - 7) ميراث بنات صلفحاد.
(3) عدد: (36/ 7) السابق.
(4) التربية في التوراة د/ الهاشمي ص 136.

[الصورة الثانية: انعدام حق المرأة في اختيار زوجها وإجبارها على الزواج]

وقال د/ الهاشمي عن هذه الصورة:

إن هناك نصوصًا تبيّن انعدام فرصة المرأة في اختيار زوجها، فالمرأة مجبرة على قبول أحد إخوان زوجها الميت كزوج لها ولا حق لها في الرفض أو الاعتذار، وليس له الحق في الرفض للزواج بها، وهي وهو مكرهان على هذا الزواج (1).

[ابتذال المرأة وإباحتها في التوراة]

بالنسبة لهذا الأمر رصد علماء المسلمين مواضع متعددة من التوراة تمتهن فيها كرامة المرأة وتبيحها جنسيًا دون مراعاة لأدنى حق من حقوقها، ود/ بدران ينتقد ما تشرعه التوراة بالنسبة للمرأة غير المخطوبة فيقول:

(تعاليم دينية غاية في الغرابة، وشريعة أعجب من العجب ذاته، تلك التي تحويها التوراة حيث يروى سفر الخروج شيئًا عجيبًا فيقول: إذا راود رجل فتاة عذراء لم تخطب بعد وضاجعها فليمهرها الرجل لنفسه زوجه، وليس في هذا عيب، ولكن إذا رفض أبوها تزويجها له يعطيه الزاني فضة تساوى مهر العذارى "وإذا راود رجل عذراء لم تخطب بعد فاضطجع معها يمهرها لنفسه زوجه، وإن أبي أبوها يعطيه إياها يزن له فضة كمهر العذارى (2) ") (3).

ثم يعلق على هذا النص قائلًا: (ألم يحسب كتبة التوراة حساب ضعاف النفوس؟ إنها بذلك تعطيهم تصريحًا بالفجور، فيمكن لرجل أن يدفع بناته وخصوصًا إن كن جميلات إلى الزنا ويقبض من زناهن؛ لأنه لن يرضي بتزويجهن لمن زنوا بهن ويأخذ في كل مرة فضة كمهر العذارى، وهكذا ويثرى الرجل ضعيف النفس ولم تقل لنا التوراة ما هي عقوبة مثل هذا الأب!، وبالنسبة للطرف الآخر الزاني .. فإن التوراة في صفه .. وخصوصًا إن كان غنيًا فيمكن لهذا الثري أن يزني كيفما شاء، مادام قادرًا على الدفع والتعويض) (4).

عجيب حقًا لشريعة تبيح الفجور وليس ذلك فحسب بل وتعطي عليه أجرة. هذا إن دلّ على شىء فإنما يدلّ على أن الذي شرع هذا بشر وليس بشرًا سَوِيّا، إذ يقنن الفجور بقانون يدعى أنه قانون إلهى، وحاشا لله أن يشرع مثل هذا الانحراف.


(1) التربية في التوراة: د/ الهاشهي ص 136، 137 والنص يقول: "إذا سكن اخوة معًا ومات واحد منهم وليسر له ابن فلا تصير امرأة الميت إلى خارج الرجل أجنبي أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجه ويقوم لها بواجب أخي الزوج" (تثنية 25/ 5 - 6) واجب أخي الزوج نحو أرملة أخيه.
(2) التوراة: د/ بدران ص 65.
(3) خروج: (22/ 16، 17) حماية الأملاك.
(4) التوراة: د/ بدران ص 65.

ويضيف د/ عابد الهاشمى إلى ما سبق فيقول:

على الرغم من مشروعية الزواج في التوراة والحض على العفة الجنسية، ورغم تبيين أحكام الحل والحرمة في العلاقات الزوجية إلا أنه مع ذلك فإن الناظر في التوراة يجد ما يناقض ذلك، فهناك نصوص كثيرة (1) تدعو إلى إباحة المرأة وإهدار كرامتها وإنسانيتها (2) وذكر أمثلة من التوراة هى:

أ- تفتري التوراة النص التالي: " وشاخ الملك داود تقدم في الأيام وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ فقال له عبيده: ليفتشوا لسيدنا الملك على فتاة عذراء فلتقف أمام الملك ولتكن له حاضنه ولتضطجع في حضنك فيدفأ سيدنا الملك ففتشوا على فتاة جميلة في تخوم إسرائيل فوجدوا "أبيشيج الشمونية (3) " فجاءوا بها إلى الملك، وكانت الفتاة جميلة جدًا وكانت حاضنة الملك وكانت تخدمه ولكن الملك لم يعرفها (4) ".

ب- التوراة تبيح خطف النساء: فقد جاء في سفر القضاة ما يلي: (فقال شيوخ الجماعة ... وأوصوا بني بنيامين قائلين: امضوا واكمنوا في الكروم وانظروا فإذا خرجت "بنات شِيلُوة (5) " ليدرن في الرقص، فأخرجوا أنتم من الكروم، واخطفوا لأنفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوة، واذهبوا إلى أرض بنيامين (6) ...) (7).

ج- التوراة تبيح- كذبًا على داود- اغتصاب الزوجات، فتدعي: أن وسيط داود انتزع زوجة من رجلها الذي كان يسعى وراءها ويبكى ويُطرد، لتكون زوجه لداود التي خطبها لنفسه وهي متزوجة بمائة غلفة من الفلسطينيين! أي بقتل مائة منهم، وقطع غلفهم من ذكورهم ليقدمها مهرًا لزوجته المغتصبة من زوجها، فكان الختان اليهودي الذي يمثل العهد القدس اليهودي مهرًا لامرأة حرام (8).


(1) انظر: سفر التكوين: (19/ 30 - 37) (لوط وابنتاه) وفيها قصة الزنى المفتراة على النبى لوط، وغير ذلك في مواضع أخرى.
(2) التربية في التوراة د/ عابد الهاشمي ص 137، بتصرف يسير.
(3) هي: المرأة التي اختيرت أمة لداود للعناية به، (قاموس الكتاب المقدس، ص 22).
(4) ملوك الأول: (1/ 1 - 4) أدونيا يعلن نفسه ملكًا.
(5) هي: مدينة شمالي بيت إيل في منتصف الطريق بين بيتين ونابلس، (قاموس الكتاب المقدس، ص 535).
(6) هو: ابن يعقوب من امرأته راحيل، وكان أصغر أخوته وسمى بذلك لأنّ أباد دعاه بنيامين أي ابن يميني، (قاموس الكتاب المقدس، ص 192).
(7) الإصحاح: (21/ 16، 20 - 22) زوجات للباقين من سبط بنيامين.
(8) القصة الكاملة في سفر صموئيل الثاني: (3/ 14 - 17) أبنير ينضم لجيش داود.

د- تفتري التوراة على الرب أنه أباح انتهاك عرض نساء داود -عليه السلام- لأنه كما تكذب التوراة أخذ امرأة أوريا الحثي، يقول النص: " هكذا قال الرب: ها أنذا أقيم عليك الشر من بيتك وآخذ نسائك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس لأنك أنت فعلت بالسر، وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس (1) ".

ثم يعلق على هذه النص منتقدًا ويقول:

(فهذا دون شك مما أدخله كاتبو التوراة فيها وحرفوه خلافاً لتلك النصوص التي تؤكد على عفة المرأة، وتدعو إلى الزواج الكريم الذي يحفظ للمرأة عفافها واستقامتها (2)).

[زواج الأرملة (زوجة الأخ المتوفى) من أخيه]

يذكر د/ بدران ما يتعلق هذه الأرملة وأنها لا بد وأن تتزوج من أخي زوجها ولا يحق لها أن تتزوج بغيره من خارج البيت فإن رفض ففي ذلك الذلة والمهانة، تقول التوراة:

"إذا سكن إخوة ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبي .. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة. ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يمحى اسمه من إسرائيل (3).

هذا تناقض واضح في الشريعة اليهودية ولأن هناك ما هو أهم حيث تقول التوراة مكملة للنص السابق: "وإن لم يرض الرجل أن يأخذ امرأة أخيه تصعد امرأة أخيه إلى الباب إلى الشيوخ وتقول: لقد أبي أخو زوجى أن يقيم لأخيه اسمًا في إسرائيل .. لم يشأ أن يقوم لي بواجب أخي الزوج. فيدعوه شيوخ مدينته ويتكلمون معه. فإن أصر وقال: لا أرضي أن أتخذها. تتقدم امرأة أخيه إليه أمام أعين الشيوخ وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتصرخ وتقول: هكذا يُفعل بالرجل الذي لا يبني بيت أخيه فيدعي في إسرائيل بيت مخلوع النعل (4) ".


(1) صموئيل الثاني: (12/ 11 - 12) ناثان يوبخ داود.
(2) التربية في التوراة: ص 142.
(3) تثنية: (25/ 5، 6) واجب أخي الزوخ نحو أرملة أخيه.
(4) تثنية: (25/ 7 - 10) والتوراة د/ بدران ص 75.

وفي نظرة د/ بدران النقدية يحلل هذا الموقف تحليلًا عقليًا لإظهار ما فيه من أمور غير أخلاقية وإهدار لكرامة المرأة فيقول:

كيف يكون هذا العبث وحيًا إلهيًا؟ وهل الوحي الإلهي هذه الطريقة المنافية للأخلاق؟ أين حياء تلك المرأة؟ ألا تحمي الشريعة كرامتها؟ إن مثل هذا الرجل الذي يرفض الزواج من أرملة أخيه يكون أمام أحد أمرين: إما أن يتقيد بامرأة لا رغبة له فيها- خشية الفضيحة التي قد تسببها له- وهذا ضد الدين وضد كرامته وكرامتها، وإما التشنيع عليه من امرأة تجبرها شريعتها بجرأة، وبلا حياء (1).

ثم يضيف إلى ذلك التحليل التالي:

(1) إن مثل هذا الأمر يجعل الأخ - عندما يلعب الشيطان برأسه ويرغب في زوجة أخيه- متربصًا لأخيه .. ويود التخلص منه وإن لم يستطع يتمني له الموت.

(2) إن كانت المرأة ترغب شقيق زوجها .. فهذا يجعلها تتصرف حتى تتخلص منه وعند الخلاص تحميها الشريعة (2).

[* المرأة الأجنبية في الشريعة اليهودية]

انتقد علماء المسلمين التشريعات اليهودية الخاصة بالمرأة غير اليهودية الواردة في التوراة على النحو التالي:

أ- زواجها: ذكر د/ عابد الهاشمى موقفًا يدلّ على أن المرأة غير اليهودية إذا أرادت أن تتزوج بيهودي عليها أن تذل نفسها حتى تصل إلى ما تريد فيقول: "إن المرأة إذا لم تكن يهودية. ورغبت بالزواج من أحد اليهود، فعليها إذلال نفسها، وإطراحها مضطجعة عند رجليه حتى الصباح كما فعلت راعوث الموآبية مع بوعز (3) واستجدته أن يتزوجها وقد وافق على زواجها بهذه الطريقة المهينة (4).

ب- إذا وقعت في الأسر: ويذكر د/ المطعني كيف أن التوراة تهين المرأة الأجنبية إذا وقعت في الأسر واستدل على ذلك بالنص التالي: "وإذا خرجت لمحاربة أعدائك ودفعهم إلهك إلى يدك وسبيت منهم سبيًا ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة والتصقت بها واتخذتها لك زوجة فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلم أظافرها وتنزع ثياب سبيها عنها وتقعد في بيتك وتبكي أباها وأمها شهرًا من الزمان ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها فتكون لك زوجة (5).


(1) التوراة د/ بدران ص 75، بتصرف يسير، والتربية في التوراة، ص 141، 142، بتصرف يسير.
(2) المرجع السابق ص 75.
(3) هو: رجل من نسل يهوذا، وأحد أسلاف ملوك يهوذا، (قاموس الكتاب المقدس، ص 195).
(4) انظر: راعوث (3، 4)، راعوث وبوعز في البيدر، بوعز يتزوج من راعوث، التربية في التوراة، ص 137.
(5) تثنية: (21/ 10 - 13) الزواج من أمرأة أسيرة، الإِسلام: د/ المطعني، ص 229.

وينتقد د/ المطعني هذا النص قائلًا تحت عنوان مُثْلةُ وطقوسُ غير مفهومة:

(إن في هذا النص التشريعي المقدس مثلة بالمرأة الغريبة- غير اليهودية- إذا ساقها القدر فوقعت أسيرة في أيدي اليهود، لماذا تحلق المرأة شعر رأسها؟ أليس المقصود من ذلك إذلالها طبعًا؟ وإذا تجاوزنا شناعة هذا التمثيل بالأجنبيات فما معني أن تبكى المرأة أباها وأمها شهرًا من الزمن قبل أن تكون زوجة لمن أسرها وما الحكم إذا لم تساعدها عيناها على البكاء؟ (1).

[التقويم]

للدكتور / الهاشمى نظرة تقويمية فيما يتصل بفرصة المرأة في اختيار زوجها فيقول منتقدًا ما تقرره التوراة في حق المرأة: (إن الزوجة لا تملك الحرية الكاملة في اختيار زوجها، فإذا وجدت نصوصًا في التوراة تعطيها هذا الحق، فإن التقييد يلاحقه، وهذا يدلّ على تشدد التوراة الحالية مع المرأة وحرمانها من بعض حقوقها الطبيعية، أما الإِسلام فقد أعطي المرأة من الحقوق ما كفل لها حريتها وكرامتها ومن ذلك حق اختيار الزوج ... وقد أمر الإِسلام باستئذان المرأة في الزواج ثيبًا كانت أو بكرًا ففى الحديث: "لا تنكح الأيم- الثيّب- حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها قال: أن تسكت (2) ") (3).

[وخلاصة ما سبق]

أن النصوص التوراتية التي تحمل بعض التشريعات المتعلقة بالمرأة تنص على:

1 - ضياع حقوق المرأة وظلمها.

2 - إجبارها على الزواج ممن لا ترغب في الارتباط به.

3 - تناقض التوراة في إعطائها حق الاختيار في موضع ثم هى تقيد هذا الحق وتجبرها في موضع آخر.

4 - إباحة المرأة دون مراعاة لمشاعرها الإنسانية.

5 - إذلال المرأة غير اليهودية وإهانتها إذا وقعت في الأسر.

وهذه الأمور كلها ضد كرامة المرأة وإنسانيتها، والملاحظ أن المرأة في التوراة تعتبر محور ارتكاز تدور حوله أحداثها.


(1) الإِسلام في مواجهة الاستشراق العالمى، د/ المطعني ص 229، 230، مرجع سابق.
(2) أخرجه الإمام مسلم: في كتاب النكاح باب استئذان الثيّب في النكاح والبكر في السكوت 2/ 1036،حديث رقم (1419).
(3) انظر: التربية في التوراة، د/ الهاشمى، ص 141، 142، بتصرف بالحذف.

  • الثلاثاء PM 04:48
    2022-05-17
  • 787
Powered by: GateGold