المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412387
يتصفح الموقع حاليا : 371

البحث

البحث

عرض المادة

نقد التشريعات الخاصة بالكهنة والقرابين

اهتم النقاد من علماء المسلمين بتعرية السلطه الكهنوتية وكشف زيفها والمبالغات والعجائب التي تحيط بالكهنة في الشريعة اليهودية، واهتموا أيضًا بتوجيه سهام النقد إلى تلك الأمور الغريبة التي يطلبها إله إسرائيل من سيدنا موسى - عليه السلام - كما تزعم التوراة- ومن خلال هذه الطلبات يتضح استغلال الطبقة الكهنوتية لشعب إسرائيل وابتزازهم.

من هؤلاء العلماء د/ بدران، د/ كامل سعفان، قد فصلا الحديث حول الكهنة في التشريع اليهودي وبينوا من خلال نقدهم أن هذه التشريعات تتعارض مع العقل والحقائق العلمية الثابتة وبينوا أيضًا أن التشريع اليهودي قد تأثر كثيرًا بالتشريعات الوثنية القديمة.

ويمكن حصر هذه التشريعات التي نقدها العلماء تحت العناوين التالية:

(1) عبادة العجل وتقديم القرابين.

(2) القرابين وأنواعها.

(3) تابوت العهد.

(4) المائدة والمنارة.

(5) مسكن الشهادة والمذبح وثياب الكهنة.

(6) مراسيم الكهانة والكفارات ومناسباتها.

يقول د/ كامل سعفان في بداية نقده للتشريعات اليهودية:

(قد يثير الدهشة أن الرب - في كثير من أسفار التوراة وكتب الأنبياء - يستغل استغلالًا قاسيًا في سيطرة طبقة أو في ابتزاز خيرات الشعوب لصالح سبط من الأسباط "فريضة دهرية" - أي أبدية - ويتخذ "تابوت الرب" الذي هو نصب من الأنصاب. بمثابة شرك للإيقاع بالشعب المخدوع بين أنياب ومخالب لا تشبع ولا ترتوي فإذا كان "هارون" - عليه السلام - في عبارة القرآن الكريم فصيحًا شجاعًا وشريكًا في أداء الرسالة فقال تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} (1) وقوله تعالى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} (2) فإنه في عبارة العهد القديم يهودي قبل أن يكون ربانيًا) (3).

فماذا صنع هارون؟ وما هي البداية التي انحرف من عندها بني إسرائيل؟ هذا ما سيتضح في السطور التالية:

[(1) عبادة العجل وتقديم القرابين]

وحولى هذه القضية استدل د/ كامل بالنص التالي:

"لما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا عن أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه فقال لهم هارون: انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وائتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالأزميل وصنعه عجلًا مسبوكًا فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر فلما نظر هارون بني مذبحًا أمامه ونادي هارون وقال: غدًا عيد الرب فبكروا في الغد، وأصعدوا محرقات وقدموا ذبائح السلامة" (4).

ومضي د/ كامل في سرد ما حدث لهذا العجل الذهبي وطحن موسى - عليه السلام - له عندما عاد وذراه على وجه الماء وسقى به بنى إسرائيل (5).


(1) سورة القصص الآية: (34).
(2) سورة طه الآية: (31، 32).
(3) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 233، 234.
(4) خروج: (1/ 32 - 6) العجل الذهبي.
(5) خروج: (32/ 20) السابق.

ثم يعلق د/ كامل على صناعة العجل وعبادته بقوله:

(طلب الشعب إلهًا مصنوعًا، وكان بوسع هارون أن يجعله من طين، أو من خشب، أو من نحاس مثلًا، لكنه أراده من ذهب في صورة الإله المصري القديم - قبل عهود الذل والعبودية في مصر - وصنعه بيده لا بيد أخرى وبني له مذبحًا وجعل له عيدًا، وأصعد المحرقات - وقدم الذبائح، ويلاحظ أن عبادة (العجل) تتكرر وتتجدد في حياة بنى إسرائيل ... "فقد عمل يربعام (1) " عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه في دولة إسرائيل، وحتى لا يحتاجوا للذهاب إلى الهيكل الذي يقع في دولة يهوذا برئاسة "رَحُبْعام (2) " (3)) (4).

ويقول أيضًا: "وملك" بعشا بن أخيا" (5) على جميع إسرائيل، وسار في طريق يربعام في خطيئته التي جعل بها إسرائيل يخطئ" (6).

ويقول: "وكذلك فعل "عُمْرى" (7) وجاء أخاب بن عمري، فتزوج ابنة ملك الصيدونيين، وعبد العجل وسجد له، وأقام مذبحًا" (8).

كما يلاحظ أن الإله من ذهب دائمًا، كأنما هو للتعبير عن القوة في عرف اليهود (9).

وفي نهاية حديثة عن عبادة العجل قال عن تحطيمه: (أراد موسى أن يحطم الوثنية فأجراها في دمائهم ذرات ذهبية صارت نسيج أبدانهم وميراث أجيالهم) (10).


(1) هو: ابن ناباط من سبط افرايم وصروعة ولد في صردة في وادي الأردن وهو الملك الأول في المملكة الشمالية بعد انقسام مملكة سليمان في أيام رحبعام وملك حوالي 22 سنة (قاموس الكتاب المقدس ص 1059).
(2) هو: ابن سليمان من نعمة العمونية قامت الحرب بينه وبين يربعام ملك مملكة إسرائيل واستمرت طويلًا وانتشرت العبادة الوثنية في مملكة إسرائيل منذ بدايتها ... ملك حوالي 17 سنة ومات حوالي 915 ق. م (قاموس الكتاب المقدس ص 401).
(3) ملوك الأول: (12/ 28) إسرائيل يتمرد على رحبعام.
(4) اليهود تاريخًا وعقيدة، ص 234.
(5) هو: بعشا بن أخيا من سبط يساكر، تآمر علي ناداب بن يربعام وضربه في جبثون التى للفلسطنيين وملك عوضًا عنه عشرين سنة ومن أجل ألا يعارضه أحد قتل كل عائلة يربعام وسلك بعشا في طريق يربعام وعمل الشر في عيني الرب وكانت الحروب والاضطرابات كل أيام ملكه (قاموس الكتاب المقدس ص 181).
(6) الملوك الأول: (15/ 33 - 34) بعشا يملك على إسرائيل.
(7) هو: أحد ملوك إسرائيل وكان قبل توليه العرش قائدًا لجيش بني إسرائيل في زمن الملكين بعشا وأيلة ولم يعمل عمرى المستقيم في عيني الرب وعبد الأصنام التى عبدها يربعام وعمل من الشر ما لم يعمله أي ملك آخرمن قبله من ملوك إسرائيل (قاموس الكتاب ص 639).
(8) الملوك الأول: (16/ 29 - 33) أخاب يملك على إسرائيل.
(9) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 234 مرجع سابق.
(10) المرجع السابق 235.

وينتقد د/ بدران عبادتهم لهذا العجل قائلًا:

(إن عبادة الإسرائيليين من أعجب العبادات وإلههم من أغرب الآلهة كما أنها من أبهظ العبادات تكليفًا. عبادة يبدو أنها مخلوقة للأثرياء فقط، الأغنياء القادرون على اقتناء الذهب والفضة) (1).

وقد ذكر د/ بدران في كتابه: (أن إله إسرائيل (المزعوم) يأمر موساهم بأشياء غاية في العجب والغرابة وبتفاصيل أكثر عجبًا وغرابة، ويقفى أي قارئ للتوراة مشدوهًا أمام هذه الفخفخة الإلهية، هذا بالإضافة إلى الخرافات التي لا تخطر على بال) (2).

وفصل القول فيما يتعلق بالقرابين والمقدس والطقوس الكهنوتية على النحو التالي:

1. قربان التقدمة أول شروط إله إسرائيل ليهبط ويكلم موسى وجهًا لوجه:

إن أول ما طلبه "يهوه" من موسى أن يقدم شعب إسرائيل تقدمة من ذهب وفضة وغيرها ... كل ذلك حتى يسكن إله إسرائيل في وسطهم (3).

واستدل على ذلك بما جاء في سفر الخروج: "وكلم الرب موسى قائلًا: كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة من كل من يحثه قلبه تأخذون تقدمتى وهذه هي التقدمة التى تأخذونها منهم ذهب وفضة ونحاس وإسمانجوني وأرجوان وقرمز وبرص وشعر معزي وجلود كباش محمرة وجلود تخس وخشب سنط وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر وحجارة ترصيع للرداء والصدرة فيصنعون لي مقدسًا لأسكن في وسطهم" (4).

[2. تابوت العهد أو تابوت الشهادة]

ذلك التابوت الذي وضعوا فيه اللوحين اللذين أعطاهما الله لموسى وهذه مواصفاته التى أمر بها إله إسرائيل (5): "فيصنعون تابوتًا من خشب السنط، طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف رتغشيه بذهب نقى من داخل ومن خارج تغشيه وتصنع عليه إكليلًا من ذهب حواليه وتسْبك له أربع حلقات من ذهب وتجعلها على قوائمه الأربع. على جانبه الواحد حلقتان وعلى جانبه الثاني حلقتان، وتصنع عصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب وتدخل العصوين في الحلقات على جانبي التابوت ليحمل التابوت بهما، تبقي العصوان في حلقات التابوت، لا تنزعان منها وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك، وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك على الغطاء من بين الكروبين الذين على تابوت الشهادة (6).


(1) التوراة: د/ بدران ص 153.
(2) المرجع السابق، ص 153.
(3) المرجع السابق ص 153.
(4) الاصحاح: (25/ 1 - 8) التقدمات لخيمة الاجتماع.
(5) التوراة د/ بدران ص 153.
(6) خروج: (25/ 10 - 22) تابوت العهد وغطاؤه مع الحذف.

ثم يعلق د/ كامل على هذا الوصف المطول بقوله:

(نلاحظ أن التابوت لا يخرج عن صندوق فيه لوحا الشهادة وقاية لهما، وكان بوسع "الرب" أن يؤكد على صيانة اللوحين، وعلى شعبة المختار أن يختار الطريقة التي تتناسب مع ظروف حياتهم، كأن تحفظ التعاليم وترتل، أو تكتب منها نسخ مختلفة حتى يكون عهد الطباعة، فتطبع آلاف النسخ أو ملايينها لكن "الكهنة" أرادوا شيئًا أو صنمًا، يلتف حوله الشعب أو أرادوا حقل تجارب لمعرفة إمكانيات الشعب وقدرته على الحركة داخل اقتصاديات الشعوب المستغلة لهذا لزم أن تبقى العصوان في حلقات التابوت لا تنزعان منها رمزًا للحركة المستمرة) (1).

[3. المائدة التي سيجلس عليها إله إسرائيل والمنارة]

(فهي بالمواصفات التالية حسب أوامر الإله لموسى- في زعمهم -: "وتصنع مائدة من خشب السنط طولها ذراعان وعرضها ذراعان وارتفاعها ذراع ونصفى وتغشيها بذهب نقي وتصنع إكليلًا من ذهب حواليها وتضع لها حاجبًا على سبر حواليها وتصنع لحاجبيها إكليلًا من ذهب حواليها" (2) إلى نهاية وصف هذه المائدة) (3).

ويقول د/ بدران:

(ولم ينس إله إسرائيل أن يأمر موسى بأن يصنع له منارة (شمعدان) من ذهب خالص حتى تكتمل للجلسة الإلهية أجمتها وفخامتها، والدليل على ذلك قول التوراة: "وتصنع منارة من ذهب نقي .. عمل الخراطة تُصنع المنارة قاعدتها وساقها تكون كاساتها وعجرها وأزهارها منها وسِتُ شُعبٍ خارجةٍ من جانبيها من جانبها الواحد ثلاث شعب منارة ومن جانبها الثاني ثلاث شعب منارة إلى آخر وصف هذه المنارة" (4)) (5).

وينتقد د/ كامل سعفان هذه النصوص التى اشتملت على وصف المائدة والمنارة ويحلل ما وراء هذه النصوص من أطماع اقتصادية قائلًا: (من أين هذا الذهب كله وقد جمعه هارون في العجل الذهبي الذي أحرقه موسى فصار رمادًا فشرابًا؟ وإذا كان الرب قد صنع صورة هذا كله فلماذا لم يقدمها هدية إلى شعبه المختار ويعفيه من هذا الابتزاز الذهبي العجيب؟ لكن يبدو أن سياسة "الرب" مستقبلية فهو يضع أسس المذاهب الاقتصادية التي ستنبثق في صورة إلهام من العقلية اليهودية فتركيز الثروة في يد "اللاويين" يعني سيطرة الطبقة أو السياسة الرأسمالية، وأن تجتمع الثروة في يد (المشرعين) يعني عدم الملكية الفردية أو السياسة الشيوعية) (6).


(1) اليهود تاريخًا وعقيدة د/ كامل ص 236.
(2) خروج: (25/ 23 - 30) مائدة خبز الوجوه.
(3) التوراة: د/ بدران، ص 154، اليهود تاريخًا وعقيدة د/ كامل سعفان ص 237.
(4) خروج: (25/ 31 - 39) المنارة.
(5) التوراة: د/ بدران، ص 154.
(6) اليهود تاريخًا وعقيدة: د/ كامل، ص 237.

[4. مسكن الشهادة والمذبح وثياب الكهنة]

ذكر د/ كامل، التفصيلات التى وردت في العهد القديم عن مسكن الشهادة والمذبح وثياب رئيس الكهنة وثياب بقية الكهنة وقد استغرق ذلك من العهد القديم عددًا من الإصحاحات في سفر الخروج. ففيما يتعلق بمسكن الشهادة فله مواصفات عجيبة وكثيرة (1) تبين اهتمام الرب ببيته فيقول:

(وإذا كان الرب قد اهتم ببيته هذا الاهتمام، فإن عنايته بالقوّامين عليه وبخدامه تبدو واضحة من خلال الأوصاف التي تتمثل فيهم والملابس التي يتحلون بها والحقوق التي كفلها لهم، وفي هذا يقول الرب لهارون: "إذا كان رجل من نسلك في أجيالهم فيه عيب فلا يتقدم ليقرب خبز إلهه، لا رجل أعمى، ولا أعرج، ولا أفطس، ولا زوائدى، ولا رجل فيه كسر رجل أو كسر يد، ولا أحدب (2) ولا أكشم (3) ولا من في عينه بياض، ولا أجرب، ولا أكلف (4) ولا مرضوض الخصى لئلا يدنس مقدسى" (5)) (6).

وفيما يتعلق بالمذبح فله مواصفات عجيبة وغريبة أيضًا حسب أوامر إله إسرائيل (7). أما ثياب الكهنة والتكاليف الباهظة التي تشتمل عليها من ذهب وأحجار كريمة ورمانات وجلاجل من ذهب نقي (8).

وينتقد د/ كامل هذه التكاليف الباهظة الخاصة بالمسكن والثياب قائلًا:

(يحار المرء - دون شك - في تكاليف هذه الثياب أكثر من حيرته في أوصافها هذا الذهب وهذه الحجارة الكريمة كلها ممن؟ من شعب ضائع في الصحراء؟ ولماذا؟ من أجل المثول بين يدي الرب؟ أي رب هذا الذي يستولي على كل ما يملك شعبه، ليصنع ثياب أسرة لا شرف لها إلا الانتساب إلى موسى الرسول - عليه السلام - ويجعل هذه الثروة في بيتها وسيلة ترف وخداع، بحسبان أن البيت بيت الرب ولابد أن يتناسب المكان مع جلالة هذا الرب الذي يحتاج إلى أن يلبس من يدخل عليه رمانات وجلاجل تحدث صوتًا، حتى لا يفاجأ متلبسًا بمالا ينبغى، فيغضب، وتكون النتيجة موت من انكشف له ما لا ينبغي أن يرى!! (9).


(1) خروح: (26/ 1 - 27) خيمة الاجتماع.
(2) هو: من برز صدره ودخل ظهره (معجم الكلمات الصعبة، ص 8).
(3) هو: ناقص الخلقة قزم (معجم الكلمات الصعبة، ص 10).
(4) هو: الذي في بدنه بثور (معجم الكلمات الصعبة، ص 10).
(5) اللاويين: (21/ 17 - 24) شرائع الكهنة.
(6) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 240.
(7) خروج: (27/ 1 - 8) مذبح المحرقة.
(8) خروج: (28/ 2 - 14) ثياب الكهنة، راجع: التوراة د/ بدران ص 155 - 157.
(9) اليهود تاريخًا وعقيدة ص 241 مرحع سابق.

[5. مراسيم الكهانة والقرابين والذبائح والمناسبات التي تقدم فيها هذه القرابين]

* أولًا مراسيم الكهانة:

يناقش د/ بدران، د/ كامل سعفان، هذه الأمور من خلال نصوص العهد القديم فيقول د/ بدران: (للكهانة مراسيم أبدية يقوم بها الكهنة بعد الاغتسال وارتداء ثياب الكهنوت حيث يقدم ثورًا واحدًا من البقر وكبشين صحيحين وفطير ورقاق ملتوت بالزيت من دقيق الحنطة واشترط إله إسرائيل أن توضع جميع هذه الفطائر في سلة واحدة ثم تجرى مراسيم الاحتفال) (1)، ثم عرض بعد ذلك هذه المراسيم وهي كالتالي:

أ. بالنسبة للثور: يضع رئيس الكهنة وأتباعه أيديهم على رأس الثور ثم يذبح ويؤخذ من دم الثور وتدهن قرون المذبح بالإصبع ويصب بقية الدم إلى أسفل المذبح، وأما شحم الثور فيوقد على المذبح وأما اللحم والجلد فيحرق بعيدًا لأنها ذبيحة خطية (2).

ب. الكبش الأول: يضع الكهنة أيديهم على رأس الكبش ثم يذبح ويرش دم الكبش في كل مكان ويقطع الكبش إلى قطعة ويغسل جوفه ثم يحرق الكبش بأكمله على المذبح لأنه رائحة سرور وقود الرب (3).

ج. الكبش الثاني: ويسمى كبش الملء ويذبح بعد أن يضع الكهنة أيديهم على رأسه ثم تمسح أذن رئيس الكهنة اليمني من دم الكبش وكذلك بقية الكهنة وتمسح كذلك أيديهم اليمني وأرجلهم اليمني ويرش الدم في كل ناحية في المذبح ثم تدهن ثياب رئيس الكهنة وأتباعه من الدم المتبقى، ثم تؤخذ "إلية" الكبش وشحم جوفه وساقه اليمني (الخلفية) وزيادة الكبد والكلية بالإضافة إلى رغيف واحد من الخبز ورقاقة ويحرق كل هذا على المذبح لصنع رائحة سرور وقود الرب، أما نصيب رئيس الكهنة من كبش الملء فهي: القص -أي الصدر- والساق الأمامية، أما بقية الكبش فيطبخ ويأكله الكهنة بني هارون مع الذين قدموا الكبش كتكفير عن ذنوبهم ليملأ أيديهم ويصيروا مقدسين، أما الأجزاء المتبقية من الطعام فلا يأكلها أحد بل تحرق جميعها بالنار لأنها مقدسة (4).

ويقدم الإسرائيليون كل يوم خروفان حوليان (أي عمرها عامان) الأول في الصباح والثاني في المساء لتحرق على المذبح المقدس وقد أمرهم إلههم أن تظل المحرقة دائمة لتصنع رائحة سرور وقود الرب ووعدهم بأنهم لو فعلوا هذا سيسكن في وسطهم (5).


(1) التوراة د/ بدران، ص 157، 158.
(2) انظر: خروج: (29/ 10 - 24) تكريس الكهنة - بالمعني.
(3) انظر: خروج: (29/ 15 - 18) السابق.
(4) انظر: خروج: (29/ 19 - 34) السابق باختصار، انظر التوراة: د/ بدران، ص 157 - 158.
(5) انظر: خروج: (29/ 38 - 46) المرجع السابق، ص 158.

(أما الآنية التي يحرقون فيها البخور فيسميها إله إسرائيل "مذبح البخور" وقرر لها مواصفات خاصة أهمها أنها مصنوعة من الذهب (1) ويتدخل إله إسرائيل في كل شىء حتى المرحاض شكله، مادته حتى مكانه والمستعملين له وهو من النحاس النقي وأمر بوضعه في خيمة الاجتماع وهو خاص بهارون وأبنائه -أي الكهنة فقط (2)) (3).

ويعلق على ما سبق بقوله:

وهناك الكثير من مثل هذه الأشياء الباهظة التكاليف والتي لا يقدر عليها إلا الأثرياء فقط، هذا بالإضافة إلى غرابة الأشياء نفسها (4).

وبذلك تتجلى الأطماع اليهودية التي لا تقف عند حد مع استغلال كل الوسائل الممكنة دون تقدير للظروف القاسية التي كان يمر بها الشعب (5).

* ثانيًا: الكفارات والقرابين:

يقول د/ رفقى زاهر:

أ. (تكثر الكفارات والقرابين في الديانة اليهودية، كثرة ظاهرة وتدفع كلها إلى اللاويين الذين تخصصوا لخدمة الهيكل، كمصدر أساسى لسد نفقاتهم، ونفقات الهيكل على السواء وذكر منها: ذبيحة الإثم، وهي ثور يقدمه المذنب إلى الكاهن بعد أن يعترف بخطيئته (6)، ذبيحة السلامة وهي للشكر (7)، والنذور وهي ما يلزم المرء بتقديمه للرب من قرابين دون أن تفرض عليه الشريعة (8)) (9).


(1) انظر: خروج: (30/ 1 - 8) مذبح البخور.
(2) انظر: خروج: (30/ 17 - 21) مرحضة للاغتسال.
(3) انظر: التوراة د/ بدران ص 158، 159.
(4) المرجع السابق: ص 160.
(5) اليهود تاريخًا وعقيدة: ص 245.
(6) انظر: لاويين: 4/ 1 - 10) ذبيحة الخطية باختصار.
(7) انظر: لاويين: (3/ 1 - 5) ذبيحة السلامة.
(8) انظر: عدد: (30/ 1 - 14) النذور باختصار شديد.
(9) قصة الأديان "دراسة تاريخية مقارنة" د/ رفقى زاهر ص 86 باختصار ط الأولي 1400 هـ - 1680 م، وانظر: التوراة د/ بدران، ص 161 - 163.

ب. قربان الزوجة الخائنة: وينتقد د/ بدران سيطرة الكهنة على الشعب حتى في أدق الأمور فيقول: (إن في التوراة أشياءً لا تليق بعبادة الأوثان في العهود السحيقة، يوم أن كان الظلام مخيم على الأرض، ويبدو أن كهنة بني إسرائيل يحبون الظلام حتى تقوى سلطتهم على الشعب ويتحكموا فيه ويتدخلوا في دقائق أموره وتروى التوراة (1):

"أنه إذا خانت زوجة زوجها ولم تعترف له بخيانتها أو إذا شك رجل- مجرد الشك- في زوجته يذهب للكاهن ويكشف له عما في نفسه ويدعو الكاهن الزوجة المتهمة وعليها أن تقدم قربانا (يسمي تقدمة الغيرة) للكاهن وهي عبارة عن دقيق شعير ويحضر الكاهن الماء المقدس ويضعه في إناء خزفي ويضع عليه من تراب المعبد ويكشف الكاهن رأس المرأة المشكوك في أمرها ويسقيها من هذا الماء المقدس المترب، ويحرق الكاهن القربان (دقيق الشعير) على المذبح، فإذا كانت المرأة بريئة لا يصيبها ضر وإن كانت خائنة فتتورم بطنها في الحال ويسقط فخذاها وتصير امرأة ملعونة في وسط شعبها" (2).

ويحلل د/ بدران هذا الموقف مفندًا ما فيه من خرافات وأمور تتعارض مع العقل وتتناقض مع الحقائق العلمية فيقول:

(أي عقل هذا الذي يقبل مثل هذه الخرافات والأباطيل والماء الذي يتكلمون عنه، ويسمونه الماء المقدس عبارة عن ماء وزيت وتراب وأشياء أخرى غاية في الغرابة وتعتبر من أسرار الكهانة وهذا الماء مصلى عليه وطبيعى جدًا أن تتقلص أمعاء كل من يشرب من مثل هذا الشىء العجيب والذي يسمونه بالماء المقدس بل إنه شيء طبيعى أن تمرض المرأة المتهمة وتنتفخ بطنها حتى لو كانت بريئة وتضيع بذلك نساء كثيرات بريئات لعب الشيطان برؤوس أزواجهن، أليس من الأجدى بهؤلاء الكهنة أن يقتفوا أثر الحقيقة وينصحوا ويغفروا بدلاً من تلك الأباطيل؟، إن مثل هذا العمل يتنافى مع العقل والعلم، وليس فيه من الروحانيات شىء يذكر فهل من العلم أن يشرب إنسان -أي إنسان- خليط من الماء والزيت والتراب وأشياء أخرى غريبة ويشم رائحة دقيق محروقة في مكان ضيق ولا يمرض؟ وهل من الروحانيات أن يكشف شعر امرأة؟) (3).

ج. قربان الولادة: يقول د/ فقي زاهر: منتقدًا ما تفرضه الشريعة اليهودية على المرأة التي ولدت: تعتبر اليهودية الولادة من النجاسات التي لا تطهر منها المرأة إلا بالتكفير فعليها أن تقدم إلى الكاهن زوجًا من الحمام أو اليمام وبدون هذه الكفارة لا تتطهر من نجاستها (4).


(1) التوراة: د/ بدران ص 68.
(2) عدد: (5/ 11 - 28) اختبار الزوجة غير الأمينة.
(3) التوراة: د/ بدران ص 69.
(4) انظر: قصة الأديان د/ رفقى زاهر ص 88، بتصرف يسير،

* ثالثًا: المناسبات التي تقدم فيها القرابين:

تنوعت هذه المناسبات التي تقدم فيها القرابين وقد ذكرها د/ بدران، د/ رفقى زاهر كعيد الفصح الذي يرتبط بذكرى خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى -عليه السلام- ويقع في اليوم الرابع عشر من شهر أبيب (يوليو) ويستمر سبعة أيام يأكل فيه اليهود فطيرًا غير مخمر تذكيرًا بما كانوا يأكلونه أيام الخروج ولا يعملون فيه عملًا ويقربون القرابين إلى الهيكل كما يرفعون فيه الصلوات إلى الرب (1)، ويوم التكفير (2)، ويوم التنظيف (3)، ويوم السبت (4)، ويوم الباكورة (5)، ويوم الإذلال (6) ولم تكن هذه القرابين تطوعًا وتقربًا اختياريًا بل كانت بناءً على أوامر إله إسرائيل نفسه حتى يباركهم وبعد أن قدم بنو إسرائيل هذه القرابين دخل موسى خيمة الاجتماع فوجد إله إسرائيل داخلها فتكلما معًا (7).

بعد كل هذا طلب إله إسرائيل من موسى أن يكلم قومه بأن يصنعوا بوقين من الفضة الخالصة لينادى بهما علي بني إسرائيل: "وكلم الرب موسى قائلًا: اصنع لك بوقين من فضة مسحولين -أي منحوتين- تعملهما فيكونان لك لمناداة الجماعة (بني إسرائيل) ولارتحال المحلات .. فإذا ضربوا بهما يجتمع إليك كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع وإذا ضربوا بواحد يجتمع إليك الرؤساء رؤوس ألوف إسرائيل (8) " (9).


(1) لاويين: (23/ 4 - 8) الفصح الفطير.
(2) وهو: يوم في العام يحاول فيه اليهودي أن يعبد الله لا كإنسان بل كملك والملك لا يأكل ولا يشرب ويمضى وقته كله في العبادة وتعظيم الله وتقع أيامه في الشهر السابع من شهور السنة اليهودية. انظر: اليهودية د/ أحمد شلبى ص 305.
(3) وهو: ثمانية أيام يسرجون في الليلة الأولى سراجًا وفي الثانية اثنين وهكذا في الثامنة ثمانية سرج وذلك احتفالا باليوم الذي قتل فيه أحد ملوك اليونان الذي كان يدخل علي بنات إسرائيل قبل زواجهم. قصة الأديان ص 93.
(4) وهو: اليوم الذي تدعى التوراة فيه أن الله خلق الكون في ستة أيام واستراح في اليوم السابع وعلى هذا تحتم التوراة على بني إسرائيل ألا يمارسوا أي عمل من الأعمال في يوم السبت. سفر التثنية 5.
(5) انظر: عدد (26/ 28 - 31) عيد الباكورة.
(6) وهو: اليوم العاشر من الشهر السابع. انظر: (عدد 29/ 7 - 11) يوم الكفارة.
(7) عدد: (7/ 89) تقدمات عند تكريس خيمة الاجتماع.
(8) عدد: (10/ 1 - 9) البوقان الفضيان.
(9) انظر: التوراة د/ بدران، انظر: قصة الأديان د/ رفقى زاهر ص 90 - 94.

* ثالثًا: المناسبات التي تقدم فيها القرابين:

تنوعت هذه المناسبات التي تقدم فيها القرابين وقد ذكرها د/ بدران، د/ رفقى زاهر كعيد الفصح الذي يرتبط بذكرى خروج بني إسرائيل من مصر بقيادة موسى -عليه السلام- ويقع في اليوم الرابع عشر من شهر أبيب (يوليو) ويستمر سبعة أيام يأكل فيه اليهود فطيرًا غير مخمر تذكيرًا بما كانوا يأكلونه أيام الخروج ولا يعملون فيه عملًا ويقربون القرابين إلى الهيكل كما يرفعون فيه الصلوات إلى الرب (1)، ويوم التكفير (2)، ويوم التنظيف (3)، ويوم السبت (4)، ويوم الباكورة (5)، ويوم الإذلال (6) ولم تكن هذه القرابين تطوعًا وتقربًا اختياريًا بل كانت بناءً على أوامر إله إسرائيل نفسه حتى يباركهم وبعد أن قدم بنو إسرائيل هذه القرابين دخل موسى خيمة الاجتماع فوجد إله إسرائيل داخلها فتكلما معًا (7).

بعد كل هذا طلب إله إسرائيل من موسى أن يكلم قومه بأن يصنعوا بوقين من الفضة الخالصة لينادى بهما علي بني إسرائيل: "وكلم الرب موسى قائلًا: اصنع لك بوقين من فضة مسحولين -أي منحوتين- تعملهما فيكونان لك لمناداة الجماعة (بني إسرائيل) ولارتحال المحلات .. فإذا ضربوا بهما يجتمع إليك كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع وإذا ضربوا بواحد يجتمع إليك الرؤساء رؤوس ألوف إسرائيل (8) " (9).


(1) لاويين: (23/ 4 - 8) الفصح الفطير.
(2) وهو: يوم في العام يحاول فيه اليهودي أن يعبد الله لا كإنسان بل كملك والملك لا يأكل ولا يشرب ويمضى وقته كله في العبادة وتعظيم الله وتقع أيامه في الشهر السابع من شهور السنة اليهودية. انظر: اليهودية د/ أحمد شلبى ص 305.
(3) وهو: ثمانية أيام يسرجون في الليلة الأولى سراجًا وفي الثانية اثنين وهكذا في الثامنة ثمانية سرج وذلك احتفالا باليوم الذي قتل فيه أحد ملوك اليونان الذي كان يدخل علي بنات إسرائيل قبل زواجهم. قصة الأديان ص 93.
(4) وهو: اليوم الذي تدعى التوراة فيه أن الله خلق الكون في ستة أيام واستراح في اليوم السابع وعلى هذا تحتم التوراة على بني إسرائيل ألا يمارسوا أي عمل من الأعمال في يوم السبت. سفر التثنية 5.
(5) انظر: عدد (26/ 28 - 31) عيد الباكورة.
(6) وهو: اليوم العاشر من الشهر السابع. انظر: (عدد 29/ 7 - 11) يوم الكفارة.
(7) عدد: (7/ 89) تقدمات عند تكريس خيمة الاجتماع.
(8) عدد: (10/ 1 - 9) البوقان الفضيان.
(9) انظر: التوراة د/ بدران، انظر: قصة الأديان د/ رفقى زاهر ص 90 - 94.

وبعد أن انتهي د/ بدران من سرد أنواع القرابين والمناسبات المختلفة التي تقدم فيها هذه القرابين بين يدي إله إسرائيل علق عليها منتقدًا فقال:

(إن التوراة تحوي أشياء لا تليق إلا بعبادة الأوثان حيث يبتكر كهان الأوثان أشياءً باهظة يأمرون بها كافة الشعب ويقولون إنها أوامر الآلهة ليستمتعوا ويعيش الشعب حياة الفاقة والعوز، ذلك كان حال بني هارون يأمرون الشعب بأشياء عجيبة ذهب وفضة وثيران وكباش وخراف وتيوس ودقيق وزيت وبخور ... و ... إلخ كل هذا مقابل الكهانة وليزيدوا من أهمية طلباتهم يزيدوا الأمور تعقيدًا ولا مانع من حرق ثور أو كبش مقابل أن يأخذوا كباشًا وثيرانًا) (1).

وبذلك يتضح مدى ما وصل إليه الكهنة من سلطان علي بني إسرائيل إنه الخواء العقائدي والاضطراب التشريعي لأنه من وضع بشر، ألم يتفكر أحد فيما يطلبه الكهان؟ لماذا هذه المراسيم ولماذا هذه القرابين؟ إنها عملية خداع ومكر يستعملها الكهان لإرهاب شعب بني إسرائيل حتى يحصلوا منهم على المال الوفير ليعيشوا في رفاهية ونعيم دائم يا له من شعب ضعيف يخاف الكهنة وشعوذتهم ويرضي بالذلة والمهانة تحت سلطانهم، هذا أمر.

الأمر الثاني: يبدو أن هذه المراسيم والطلبات الذهبية التي يطلبها إله إسرائيل- كما يزعمون- رافدًا أساسيًا من الروافد الاقتصادية التي تكدس وراء تكدس الثروات والتضخم المالي لدي اليهود.

الأمر الثالث: وحين تتضخم الثروات اليهودية يتمكن اليهود من الهيمنة والسيطرة على باقى الشعوب سياسيًا واقتصاديًا، وبالتالي التحكم في مجريات الأحداث، التي تخص غيرهم من الشعوب الأخرى غير اليهودية.

الأمر الرابع: تحيط بالتشريعات الخاصة بالكهنة والقرابين التي تقدم في المناسبات المختلفة من الخطاة والمذنبين، علامات استفهام كثيرة، ولا يسلم لها العقل، فهي تتعارض مع المسلمات البديهية، وتتناقض مع الحقائق العلمية الثابتة.


(1) التوراة ص 168 مرجع سابق.

 

  • الثلاثاء PM 04:46
    2022-05-17
  • 833
Powered by: GateGold