المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413188
يتصفح الموقع حاليا : 296

البحث

البحث

عرض المادة

العهود الفتراة التي تقضي لليهود بتملك أرض فلسطين وجهود العلماء في تفنيدها

(إن العهود التوراتية الموجودة في التوراة الحالية التي بأيدي اليهود تنص على أن هناك أرضًا أعطاها الله لبنى إسرائيل أيام رسلهم، ويدعى اليهود اليوم أن هذه العهود تنطبق عليهم وأن هذه الأرض عطاء إلهى لهم يعتبر فوق القانون مهما كان نوع هذا القانون وفوق إرادة الشعوب مهما كانت هذه الشعوب حتى لو كانت صاحبة الأرض التي يطالب بها اليهود) (1).

ولذلك (يخادع اليهود أنفسهم، كما يخادعون العالم المسيحى وغيره بأحقيتهم في تملك فلسطين من العرب ويغمطون حقهم فيها، وذلك من خلال العهود والمواثيق المفتراة في توراتهم المحرفة على أنبيائهم) (2).

ولقد رصد كل من د/ عابد الهاشمي, د/ محمد أبو زيد هذه العهود في كتابيهما وأتبعاها بالنقد والتحليل الممزوج بالتفسير الصحيح للتاريخ خاصة سيرة أنبياء بني إسرائيل ولقد أبطلوا من خلال نقدهم نظرية الحق التاريخى المزعومة بتمليك أرض فلسطين لليهود، من هذه العهود ما يلي:

[(1) عهد الله لإبراهيم - عليه السلام -]

تقول التوراة: "فلا يدعي اسمك بعد إبرام بل يكون اسمك إبراهيم لأنني أجعلك أبًا لجمهور من الأمم ... وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهدًا أبديًا ... وأعطي لنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكًا أبديًا" (3).



(1) أرض الميعاد د/ محمد أبو زيد ص 1.
(2) فلسطين في الميزان: ص 25.
(3) تكوين: (17/ 1 - 8) عهد الختان.

والرؤية النقدية لهذا العهد تدور حول موطن الشاهد منه وهو قول التوراة: "وأقيم عهدي بينى وبينك وبين نسلك من بعدك ... أرض كنعان".

وفي نقد د/ محمد أبو زيد وهو يفند هذا العهد تاريخيًا بمنظور الإسلام يقول: (الواقع يشهد بأن الإله الذي وعد إبراهيم هذا العهد لم يف بعهده لأن إبراهيم لم يملك شيئًا من أرض كنعان (وهي فلسطين) وكان فيها غريبًا، وكما تذكر التوراة نفسها أن إبراهيم عندما ماتت سارة في فلسطين لم يكن يملك مكانًا في فلسطين ليدفنها فيه حتى استعطف بنى حثّ هناك فباعوه قبرًا لها (1).

وطلب إبراهيم - عليه السلام - شراء مغارة في طرف الحقل فكافؤه بالحقل والمغارة كرمًا فاشتراهما بأربعمائة شاقل من الفضة ولم يكن يملك إبراهيم غير ذلك الحقل والمغارة في جميع أرض فلسطين وسوريا ولم تشر التوراة ولو إشارة واحدة إلى تملك إبراهيم في تلك البلاد غير ذلك! بل كان غريب الأهل والعشير وهو وحيد في فلسطين بشهادة التوراة، وحين مات إبراهيم - عليه السلام - عن عمر (175) سنة دفن في نفس المغارة التي دفن فيها زوجته، وما كان يملك من فلسطين حين موته إلا تلك المغارة والحقل معها، اللذين اشتراهما بنقد فضي كما تذكر التوراة (2)، ولم يكن هبة من الله كما وعد افتراءً عليه (3).

وفي جملة نقد د/ الهاشمي لعهد إبراهيم - عليه السلام - تاريخيًا يؤكد إبطال هذا العهد المزعوم بالتحليل التالي الذي صدَّره بقوله: ليس وإبراهيم نصيب من حكم أو ملك أو أرض أو أهل في فلسطين.

أما نسبته إلى فلسطين فنسبة باطلة لأنها ليست وطنه، لا ولادة ولا ملكا ولا حكمًا، ذلك أن ولادته في مدينة "أور" على نهر الفرات فى جنوب العراق وكانت مدينة كلدانية عريقة عمرها أكثر من 3000 سنة ق. م. ... وهو من العبرانيين - والعبرانيون مشتقة من "عبر" أي اجتاز من مكان إلى آخر، فهم العابرون إلى أرض فلسطين، عبروا نهرا الفرات حتى وصلوا الشام ففلسطين - أما الكنعانيون - فمشتقة من "كنع" أي استقر ومكث وهدأ (4) ...

فهم السكان الثابتون المستقرون في فلسطين منذ ثلاثة آلاف سنة قبل المسيح أي منذ خمسة آلاف سنة حتى اليوم ... ثم استقر فى حاران الواقعة على الحدود السورية التركية حيث توفي والده عن عمر (205) سنة ... وتعترف التوراة أن إبراهيم حين غادر حاران على الحدود التركية متجهًا إلى بلاد الشام، كان الكنعانيون - العرب- هم سكان البلاد مستوطنين فيها "وكان الكنعانيون حينئذ فى الأرض" (5). (6).


(1) انظر: تكوين: (23/ 1 - 16)، انظر: أرض الميعاد ص 1.
(2) انظر: تكوين: (25/ 9 - 11) والنص يقول: "ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة في حقل عفرون ... الذي أمام ممر الحقل الذي اشتراه إبراهيم من بني حث هناك دفن إبراهيم وسارة امرأته".
(3) فلسطين في الميزان: د/ الهاشمي ص 33.
(4) يشوع: (24/ 2).
(5) تكرين: (12/ 6) دعوة إبراهيم.
(6) انظر: فلسطين في الميزان: ص 32، 33 بتصرف بالحذف.

[تقويم هذا العهد بمنظور الإسلام]

يقول د/ محمد أبو زيد في بحثه المشار إليه قبل ذلك وكذلك يوافقه في هذا التقويم د/ الهاشمي هذا العهد يصطدم عقديًا مع الإسلام صدامًا مباشرًا, لأن الوعد لم يتحقق ولم يملك إبراهيم أرض الميعاد ملكًا أبديًا, ولأن خلفى الوعد لا يليق أن يكون من صفات الإله الحق فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} (1).

وقوله تعالى: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (2).

لذلك فإن هذا العهد من تحريفات اليهود إلى أضافوها إلى التوراة لتوافق هوي في نفوسهم وسياستهم ... وعلاقته ببلاد الشام أنها كانت ملجأ له عندما نجاه الله من النمروذ في العراق قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (3) والمقصود فيها بالاجماع بلاد الشام (4)، ولا يوجد دليل قطعى على تخصيص مكان معين فى بلاد الشام، ومن المعلوم أن فلسطين من بلاد الشام، بل نجد فى القرآن نهيًا لليهود والنصارى عن إقحام إبراهيم فيما يخصهم بغير دليل واضح (5).

والشىء الغريب في عهد إبراهيم أن الأصل أن يكون لإسماعيل من بعده باعتباره الابن الأكبر وإبراهيم بل كان وحيده وقت هذا العهد وكان عمره 13 سنة ولم يكن إسحاق قد ولد بعد ولا يوجد أي مبرر لاقصاء إسماعيل غير أنه جد العرب وجد رسولهم - صلى الله عليه وسلم - (6).

[وخلاصة تفنيد هذا العهد]

1 - أنه وعد مكذوب ومفترى على الله -عَزَّ وَجَلَّ- لإبراهيم - عليه السلام -.

2 - إبطال نظرية الحق التاريخي لملكية سيدنا إبراهيم - عليه السلام - لأرض الميعاد إلا موضع قبر بثمن.

3 - أثبتت النصوص التوراتية أن العبرانيين ومنهم إبراهيم - عليه السلام - مروا فقط بأرض فلسطين بعد أن عبروا النهر ولم يمكثوا فيها طويلًا وعليه فليسوا هم السكان الأصليون لتلك البلاد.

4 - أثبتت النصوص أيضًا أن الكنعانيين هم السكان الأصليون لتلك البلاد.


(1) سورة الرعد جزء من الآية: (31).
(2) سورة إبراهيم الآية: (47).
(3) سورة الأنبياء الآية: (71).
(4) جامع البيان: لابن جرير الطبري: ج 17 ص 47 دار الفكر في لبنان 1405 هـ -1984 م.
(5) انظر: أرض الميعاد: ص 1 بتصرف بالحذف. وانظر: فلسطين في الميزان: ص 33، 34.
(6) انظر: أرض الميعاد: ص 1.

[2 - عهد الله لإسماعيل - عليه السلام -]

رصد كل من د / الهاشمي، د/ محمد أبو زيد أيضًا ما يتصل بعهد إسماعيل - عليه السلام - حيث تقول التوراة: "وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرًا جدًا ... ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده سارة في هذا الوقت في السنة الآتية ... وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين ختن في لحم غرلته (1).

ينتقد د/ الهاشمي هذا العهد تاريخيًا فيقول: لا نصيب لإسماعيل - عليه السلام - في فلسطين، وليس في التوراة نص صريح يعطى لإسماعيل الحق فيها! لأنه عربي، في حين أن العرب هم أهل فلسطين الأصليون سكنوها قبل إبراهيم - عليه السلام - بألفي سنة، وقبل الميلاد بخمسة آلاف سنة، واستمروا هم "والعمالقة" (2) "والفلسطينيون" (3) "والفينيقيون" (4) وهم جميعًا عرب، استمروا في العيش في فلسطين بأغلبية حتى بعد غزوهم من قبل الإسرائيليين، واستمروا إلى ما بعد حكم سليمان - عليه السلام - بأغلبية سكانية في فلسطين، كما تنص التوراة في الحديث عن عهده - عليه السلام - بعد استئصال بني إسرائيل من فلسطين (5).

فلا عهود ولا مواثيق ربانية صريحة لتملك إسماعيل لفلسطين بسبب كونه أبا العرب حتى لا تعطى التوراة حقًا لهم في فلسطين، لتخلو لهم وحدهم غير أن فيها إشارات إلى حق إسماعيل وأولاده العرب في تمليكها ... هكذا صاغ اليهود توراتهم (6).

[وخلاصة ما يتصل هذا العهد]

1. تدعي التوراة أنه لا حق لإسماعيل - عليه السلام - في فلسطين وهذا محض افتراء وكذب وتحريف

2. وتدعي أيضًا أنه لا حق للعرب عمومًا في تمليك أرض فلسطين لأنهم من نسل إسماعيل العربي.

3. استبعاد إسماعيل وذريته من هذا الحق لتخلوا الأرض لبنى إسرائيل وحدهم كما تدعى التوراة.

[3 - عهد الله لإسحاق - عليه السلام -]

ذكره أيضًا د/ الهاشمي، د/ محمد أبو زيد وانتقداه نقدًا تاريخيًا من وجهة نظر قرآنية فتقول التوراة: "وظهر له الرب وقال لا تنزل إلى مصر، اسكن في الأرض التي أقول لك ... لأني لك ولنسلك أعطى جميع هذه البلاد وأفي بالقسم الذي قسمته لإبراهيم أبيك وأكثر نسلك كنجوم السماء ... وتتبارك في نسلك جميع أمم الأرض من أجل أن إبراهيم سمع لقولي وحفظ ما يحفظ لى: أوامري وفرائضي وشرائعى فأقام إسحاق في جرار" (7).


(1) انظر: تكوين: (17/ 20 - 26) عهد الختان. مع الحذف.
(2) هم: شعب من أقدم سكان سورية الجنوبية ومن ذرية عيسو (قاموس الكتاب المقدس ص 636).
(3) هم: شعب عظيم في أيام خروج نبي إسرائيل، غزاهم العبرانيون القادمون من مصر واستولوا على مدنهم ثم استرد الفلسطنيون هذه المدن (قاموس الكتاب المقدس ص 693).
(4) هم: قوم هاجروا من الخليج العربي عن طريق سورية إلى سواحل كنعان وقيل هاجروا عبر الصحراء الغربية الشمالية (قاموس الكتاب المقدس ص 706،705).
(5) فلسطين في الميزان د/ الهاشمي ص 37.
(6) المرجع السابق نفس الصفحة.
(7) تكوين: (26/ 2 - 5) إسحاق وأبيمالك.

ففى نقد د/ محمد أبو زيد لهذا العهد يبرز مواطن الخلل والتناقض فيه فيقول:

(العهد الذي نسبته التوراة لإسحاق - عليه السلام - ذكر أن جميع الأمم تتبارك بنسله وهذا خلل واضح في التوراة؛ لأن اليهود مبغوضين من كل أمم الأرض ولم يتبارك أحد بهم؛ بل لا يكاد ينجو من شرهم كل من ربطته بهم علاقة ما قريبة أم بعيدة! لذلك تراهم يخشون الناس ويخشاهم الناس) (1).

وبناء على هذا الخلل الواضح فإن العهد لا يستقيم لليهود ولم يتحقق وعد الله لإسحاق كما تدعى التوراة أنه يعطي له ولنسله الأرض .. وعلى كل حال لم يتملك شيئًا من بلاد الشام وهذا يتناقض مع عهود التوراة ويتفق مع القرآن لأن القرآن لم يذكر أي عهد لإسحاق (2).

[فما نصيب إسحاق - عليه السلام - من فلسطين؟]

ليس له من نصيب فيها ذلك أنه ولد في جرار وهي خارج فلسطين وكان يحكمها أبيمالك العربي ... فجرار أرض غريبة، وإسحاق الجد الأعلى لبني إسرائيل، لم يتمتع بأية حقوق في أرض فلسطين، لم يملك حق الولادة فيها، إذ ولد في أرض غريبة يحكمها حاكم عربي خارج فلسطين، وعاش فيها فترة ضيفًا على أهلها, ولم يملك حق الدم، إذ أنه "كلداني" (3) بسبب أن أبويه إبراهيم وسارة كلدانيان ثم رحل إسحاق إلى "فدان آرام" على الحدود السورية التركية ما بين "الخابور" (4) والفرات و"رفقة" زوجته ووالدة يعقوب من أصل كلداني لأنها من نسل إبراهيم - عليه السلام - أي لم تكن فلسطينية كما أنها لم تولد في فلسطين وإنما جيء بها من بلدان كلدان - أرض ما بين النهرين، أرض العراق، وما ملك أرضًا ولا نال حكمًا ولا نسبًا يهوديا بحكم التوراة والتاريخ والقرآن ولم يكن يهوديا، إذ لم تنزل التوراة إلا بعده بخمسة قرون وتوفي إسحاق في حبرون - حيث تغرب إبراهيم وإسحاق فمات غريبًا في حبرون في جنوب فلسطين على حدود صحراء "النقب" (5) والنص يقول: "جاء يعقوب إلى إسحاق أبيه إلى حبرون، حيث تغرب إبراهيم وإسحاق وكانت أيام إسحاق 180 سنة فأسلم إسحاق روحه ومات ودفنه عيسو ويعقوب - ابناه" (6).

وبناءً على ما سبق:

(فالعهود الربانية والمواثيق لإسحاق في تملك فلسطين له ولذراريه إلى الأبد في أكثر من ثلاثة مواضع في التوراة: لم يتحقق منها شيء قط كما تقول التوراة وكما يشهد التاريخ ولم يذكر القرآن تملكهم أو حكمهم فيها، فلابد أن كاتبي التوراة كاذبون وحاشا لله أن يكذب أو أن يخلف الميعاد، في عهود مفتراة ومواثيق مكذوبة - تنقضها التوراة نفسها إذ تذكر العهود ولا تذكر تنفيذها ولا تحقيق شىء منها) (7).


(1) أرض الميعاد: د/ محمد أبو زيد: ص 2.
(2) انظر: المرجع السابق: نفس الصفحة.
(3) كان الكلدانيون يسكنون "كلديا" في جنوب بابل وكانوا هم الجنس الغالب في بابل وكانوا يشغلون مناصب السلطة والسيادة فيها (قاموس الكتاب المقدس ص 785).
(4) هو: نهر في أرض الكلدانيين استقر على ضفتيه بعض المسببين اليهود وهو قناة كبيرة في جنوب شرق بابل (قاموس الكتاب المقدس ص 334).
(5) فلسطين في الميزان: ص 39.
(6) تكوين: (35/ 37، 38) عودد يعقوب إلي بيت إيل.
(7) فلسطين في الميزان: ص 39.

[4 - عهد الله ليعقوب - عليه السلام -]

وفي هذا العهد تقول التوراة: "ومتى أتي بك الرب إلهك إلى الأرض التي حلف لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب أن يعطيك ... الرب إلهك تتقي إياه تعبده وباسمه تحلف لا تسيروا وراء آلهة أخرى من آلهة الأمم التي حولكم ... اعمل الصالح والحسن في عيني الرب لكي يكون لك خير وتدخل وتمتلك الأرض الجيدة إلى حلف الرب لآبائك ... وإن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة ... لأنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم" (1).

تفنيد هذا العهد تاريخيًا:

يقول د/ الهاشمي: ليس ليعقوب نصيب من حكم أو ملك أو أرض في فلسطين، فقد ولد من أبوين غريبين عن فلسطين وهما إسحاق ورفقة فهما كلدانيان، وجميع أولاد يعقوب ولدوا وعاشوا عشرين سنة في فدان آرام - خارج فلسطين بين نهر الخابور والفرات - على حدود سوريا وتركيا اليوم ولم يولد منهم واحد في فلسطين، ثم انتقل جميع نفوس بها يعقوب السبعون إلى مصر (2) باختيارهم من غير إكراه ثم عاشوا في البلاط الفرعوني عند ولده يوسف الصديق - عليه السلام - سبع عشرة سنة وعاش نسلهم أربعة قرون أو قرنين ومات في مصر - أي خارج فلسطين - (3).

ويقول د/ محمد أبو زيد: التمكين في الأرض مشروط بالصلاح مع الله ومع عباده فإن انتفي هذا الشرط فلا تمكين ولا تمليك لهذه الأرض (4).

ويؤكد هذه النظرة أيضًا د/ الهاشمي فى تقويمه لهذا العهد فيقول:

لما كان شرط العهود والمواثيق التقوى فقد نقضها يعقوب نفسه بنصوص التوراة فيه، وشعبه المشرك، لذا فلا قيمة لهذه المواثيق المفتراة التي عقدها الله كذبًا عليه مع يعقوب، بسبب عصيانه لله إذ جمع الشرك وعبادة الأصنام.

والغش والسرقة ولعنة الله وشتائم الناس، ومصارعته لله وانتصاره عليه إلى غير ذلك من الاتهامات التي ألصقت به في نصوص التوراة المحرفة (5).

(ولو صحت هذه المواثيق والعهود في توراتهم الحالية وهي لا تليق به أن يمنحه إياها ولو احتكمنا إلى واقع يعقوب في التوراة والتاريخ لوجدناه ولد خارج فلسطين من أبوين غير فلسطينيين وعاش خارجها هو وأهله وأولاده ثم هاجروا جميعًا إلى مصر، ومات خارجها في مصر، فأين تحقيق هذه العهود له ولأولاده في فلسطين إنهم لم يملكوا شبرًا واحدًا، ويعقوب هو "إسرائيل" الذي ينتسب إليه جميع اليهود في عمر التاريخ!! فأين حقهم التوراتي في فلسطين؟ إنه الغش والخداع والدجل على التوراة وعلى التاريخ وعلى العقول) (6).


(1) تثنية: (6/ 10 - 18)، (8/ 18 - 20) لا تنسي الرب إلهك.
(2) تكوين: (47/ 27) يوسف والمجاعة والنص يقول: "وسكن إسرائيل في أرض مصر، في أرض جاسان وتملكوا فيها وأثمروا وكثروا جدًا".
(3) انظر: فلسطين في الميزان: ص 45.
(4) انظر: أرض الميعاد: ص 2.
(5) فلسطين في الميزان: ص 45.
(6) انظر: المرجع السابق: ص 44.

[خلاصة تفنيد هذا العهد]

(1) ليس ليعقوب - عليه السلام - حق في أرض فلسطين.

(2) مخالفة نص العهد للتاريخ والواقع والعقل.

(3) الكذب والافتراء على الله في نسبة هذا العهد إليه.

[5 - عهد الله لموسى - عليه السلام -]

تقول التوراة: "وأما موسى فصعد إلى الله فناداه الرب من الجبل قائلًا هكذا تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل ... فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض وأنتم تكونون مملكة كهنة وأمة مقدسة" (1).

[تفنيد هذا العهد]

دلالته واضحة حيث علق إقامتهم بالأرض المقدسة طالما هم يعبدون الله ويحسنون إلى خلقه (2).

وموسى - عليه السلام - ليس يهوديا - من زاوية العرق إذ ليس من نسل بني إسرائيل فليس له أي صلة بالنسب اليهودي، بل هو مصري كما تقول التوراة الحالية أما القرآن فيعتبره من نسل يعقوب فيقول تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (3). أما التوراة المنزلة فلها منزلتها السامية في القرآن، ... وهي دين موسى - عليه السلام - غير المحرف الذي يلتقي مع هدي القرآن لذا فإن دين موسى - عليه السلام - في القرآن الكريم هو "الإسلام" ... وليس له صلة بالتوراة الحالية ولا بالدين اليهودي المحرف (4).

ولم يدخل فلسطين عقابا له من الرب ويؤكد القرآن عدم دخول موسى - عليه السلام - فلسطين فقال تعالى:

{وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} (5) أي من بعد وفاته، وتصرح التوراة أن الله صح لموسى أن يري فلسطين بالنظر إليها عن بعد ومنعه من الدخول إليها حيث تقول: "وقال له الرب: قد أريتك إياها بعينيك، ولكنك إلى هناك لا تعبر" (6).

وبعد هذا النص مباشرة تذكر التوراة موته "فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب - في الأردن - مقابل أريحا - حسب قول الرب ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور ولم يعرف إنسان قبره حتى اليوم" (7). حتى قبر موسى - عليه السلام - غير معروف في التوراة وهو خارج فلسطين (8).


(1) خروج: (19/ 3 - 6)، (20/ 7 - 17). وينظر أرض الميعاد ص 1.
(2) انظر: أرض الميعاد: ص 2.
(3) سورة الأنعام الآية: (84).
(4) فلسطين في الميزان: ص 50.
(5) سورة الإسراء: جزء من الآية: (84).
(6) المرجع السابق: ص 51.
(7) تثنية: (34/ 4) موت موسى.
(8) فلسطين في الميزان: ص 51.

وفي نهاية تفنيد د/ الهاشمي لهذا العهد يقول:

إن موسى - عليه السلام - حسب عقيدة اليهود - نبيهم الذي أتاهم بالتوراة ليس إسرائيليًا ولم يولد ولم يعش ولم يمت فى فلسطين بل ولم يدفن فيها فأي حق لهم في شرعية تملكها في العهود المفتراة على الله تعالى ثم عليه، بل هو مصري لم ينحدر من يعقوب "إسرائيل" ولا من يهوذا وزوجته عربية بنت كاهن مديان - يثرون -وهو شعيب في القرآن وهو نبي عربي (1).

[وخلاصة تفنيد هذا العهد ما يلي]

1 - إن موسى - عليه السلام - لم يكن يهوديًا ولا من نسل إسرائيل.

2 - ليس له - عليه السلام - نصيب في أرض فلسطين.

3 - الكذب والافتراء على الله -عَزَّ وَجَلَّ- في نسبة هذا العهد إليه.

4 - أن موسى - عليه السلام - لم يدخل أرض فلسطين ومات ودفن خارجها.

ولقد ذكر علماؤنا الأجلاء كثيرًا من العهود والمواثيق المفتراة على الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعلى الأنبياء والتي تثبت عدم أحقية اليهود لشبر واحد في فلسطين وقد أبطلوا هذه العهود وتأكدوا من عدم صحتها وأنها تعارض القرآن والتاريخ الصحيح والمنطق السليم.

[مما سبق يتبين ما يلى]

1 - أن العرب هم السكان الأصليون لأرض فلسطين.

2 - تحريف اليهود للنصوص التوراتية ليثبتوا من خلالها أحقيتهم في تملك أرض فلسطين.

3 - أن فكرة أرض الميعاد فكرة سياسية قامت على أساس مزيف وباطل.

4 - مخالفة هذد العقيدة للعقل والمنطق والتاريخ.

5 - أبطل علماء المسلمين هذه العقيدة بالأدلة القوية والبراهين الساطعة مما لا يدع مجالًا للشك في أن أرض فلسطين عربية إسلامية.

6 - التوجهات اليهودية في الماضي والحاضر تنطلق نحو إبادة الشعب الفلسطيني لتخلو لهم الأرض وتصبح وطنًا لهم بدون منازعين.

من أجل ذلك كله يقنن الحاخامات والساسة اليهود على مر العصور القوانين ويرسمون الخطط وينادون بالهجرة إلى أرض الميعاد لانتظار النبوءة التوراتية بمجىء المسيح المنتظر الذي يقودهم لبناء هيكل سليمان.

[خلاصة جهود العلماء في نقد العقائد في العهد القديم]

تكاد تتقارب اتجاهات العلماء في نقد العهد القديم، فيلاحظ أن معظم من تناول العقائد فيه بالدراسة النقدية، أفرد للألوهية جزءًا كبيرًا من نقده باعتبار أنها من أسس الاعتقاد، ولكن دون تفصيلات لأصول التوحيد الثلاثة، أما في حديثهم عن النبوة والأنبياء، فقد أسهبوا كثيرًا في نقد نظرة العهد القديم لهم، واستوعبوا كل ما يتعلق بالأنبياء، ونفي التهم التى ألصقت بهم وبذويهم، وإثبات التحريف الذي وقع فيما يتعلق بالنبوة والأنبياء.

وقد أخذ العلامة الهندي، النصيب الأوفر من بين الكتاب في دراسة هذه العقيدة، والملاحظ على كتابات علمائنا الأجلاء، يجدهم قد أطنبوا الحديث عن الإيمان بالكتب المنزلة، في العهد القديم، وكذلك القضاء والقدر واليوم الآخر، إذا ما قورن نقدهم, بما نقدوه في جانب التوحيد. والنبوة.

 


(1) فلسطين في الميزان: ص 51

 

  • الثلاثاء PM 04:35
    2022-05-17
  • 957
Powered by: GateGold