المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413415
يتصفح الموقع حاليا : 225

البحث

البحث

عرض المادة

نقد عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر فى العهد القديم

اهتم بعض المعاصرين من علماء المسلمين بالحديث عن القضاء والقدر في العهد القديم، وفى دراستهم لهذا الموضوع بينوا حقيقة القضاء والقدر في أسفار العهد القديم وألقوا الضوء على النصوص التي تثبت مراتب القضاء والقدر ثم أردفوهها بذكر النصوص التي تقدح فى كمال هذه المراتب، وبالتالي أثبتوا مدى التناقض والتعارض في عقيدة اليهود في هذا الموضوع.

وقد اتبعوا في نقدهم أسلوب الإثبات والنفى بعرض النص الذي يثبت هذه العقيدة ثم يذكروا بعد ذلك النص الذي ينفيها أو يقدح فيها وهو ما يسمى في اللغة بأسلوب التضاد، وبذلك تظهر المخالفة جيدًا ويتضح التناقض في النصوص التوراتية التي تتحدث عن القضاء والقدر ويتبين الاضطراب العقائدي في قضية هى من أخطر القضايا العقائدية إذ هي من الأركان الأساسية للإيمان.

ويمكن إجمال ما يتعلق بالقضاء والقدر تحت العناصر التالية:

1 - إثبات مراتب عقيدة القضاء والقدر بنصوص من العهد القديم.

3 - انحراف اليهود في عقيدة القضاء والقدر ونقد العلماء لها.

أولاً: مراتب القضاء والقدر في العهد القديم (1):

[أ - العلم الأزلي المسبق]

توجد نصوص في العهد القديم تنص على أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- وسع كل شىء علمًا، من هذه النصوص: "مخبر منذ البدء بالأخير ومنذ القديم بما لم يفعل قائلًا رأي يقوم وأفعل كل مسرتي .... وقد تكلمت فأجريه قضيب فأفعله (2) ".

[ب - كتابة الأشياء قبل كونها]

ينص العهد القديم على أن الله تعالى كتب كل شىء قبل الخلق من بدء الخلق حتى تقوم الساعة من ذلك: "رأت عيناك أعضائي وفي سِفْرك كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها" (3). وقول التوراة: "لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقعت: للولادة وقت ... ، وللموت وقت، قد عرفت أن كل ما يعمله الله أنه يكون إلى الأبد لا شيء يُزاد عليه ولا شيء يُنقص منه ... ما كان فمن القدم هو، وما يكون فمن القدم قد كان" (4).


(1) جهود الإمامين من ص 569 - 580 باختصار.
(2) أشعيا -: (46/ 10 - 11) وانظر: أشعياء: (44/ 6 - 8)، أيوب: (10/ 7)، مزمور: (1/ 139 - 5).
(3) مزمور: (139/ 16) بدون.
(4) جامعة: (3/ 1 - 14) لكل شيء زمان.

[ج - مشيئه الأشياء قبل كونها]

جاء في التوراة أن الله تعالى فعال لما يريد، ومشيئته نافذة لا يردها شىء ... ولا شىء خارج عما أراد من هذه النصوص: "من ذا الذي يقول فيكون والرب لم يأمر" (1)، "كما قصدت يصير وكما نويت يثبت" (2).

[د- خلق الأشياء بأمره]

أشارت بعض النصوص إلى خلق الله وإيجاده لكل المخلوقات بمجرد إرادته وبكلمة منه من هذه النصوص: "بكلمة الرب صُنعت الأرض وبنسمة فيه كل جنودها ... لتخش الرب كل الأرض ومنه ليخف كل سكان المسكونة, لأنه قال فكان، هو أَمْرٌ فصار" (3).

فما سبق يثبت مراتب القضاء والقدر في العهد القديم ويبدو أن هذه النصوص من بقايا الحق التي مازالت موجودة فيه وهي دليل إدانة لليهود حينما ينكرون عقيدة القضاء والقدر.

ثانيًا: انحراف اليهود عن الإيمان بمراتب القضاء والقدر وجهود العلماء فما نقدها والرد عليها:

ذكرت الباحثة / سميرة عبد الله ما يعارض إثبات المراتب السابقة للقضاء والقدر حيث ذكرت النصوص التي تصف الإله بصفات لا تليق بذاته المقدسة وقد أشرت إلى بعض هذه الصفات في المبحث الأول من هذا الفصل (4). من هذه الصفات التي ألصقوها بالإله:

نفى العلم الإلهي "الجهل" ... والذي يدل على ذلك من التوراة: قصة آدم وحواء وأكلهما من شجرة معرفة الخير والشر إذ اختبأ آدم من أمام وجه الإله حين سمع صوت مشيه داخل الجنة فلم يره الإله ولم يعرف مكان اختبائه حتى عرفه آدم وأخبره بذلك (5).

والجدير بالذكر أن المسلم (يؤمن أن قدر الله كله خير، وأن الشر لا يُنسب إلى الله تعالى مباشرة تأدبًا مع مقام الربوبيه؛ لأن علم الله تعالى ومشيئته وكتابته وخلقه للأشياء عدل كله ورحمة وخير وحكمة بالغة) (6).


(1) مراثى أرميا: (3/ 37) توبة ورجاء.
(2) أشعياء: (14/ 24) نبوءة ضد آشور.
(3) مزمور: (33/ 6 - 9) بدون.
(4) راجع: ص 110 من هذه الدراسة.
(5) انظر القصة كاملة في: تكوين: (2/ 6 - 12) آدم وحواء.
(6) جهود الإمامين: ص 577.

ويبين د/ أحمد شلبي أن اليهود يخالفون هذه العقيدة المستقيمة في القضاء والقدر فيقول:

إنهم ينسبون الشر لله -عَزَّ وَجَلَّ- وأن الإنسان مجبر في أفعاله وبالتالي فإن صدور الشر عنه أمر طبيعي؛ لأنه خلقه وقد ركبت فيه هذه الطبيعة الشريرة وأن المنحرف من البشر لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن ينصلح حاله أبدًا ولا يمكن له أن يُقوّم ويؤكد ذلك ما تعتقده الطوائف اليهودية: فطائفة "الفريسيون" لها رأى في القضاء والقدر فهم يرون أن الأفعال يمكن أن تتأثر بالقضاء والقدر ولكنها غير واقعة بها (1).

وطائفة "الصدوقيون" لا يقولون بالقضاء والقدر ويؤمنون بحرية الاختيار ويرون أن الأفعال مخلوقة للإنسان لا لله (2).

وطائفة "القراؤون" ذهبت إلى القول بالجبر المطلق ونفي الاختيار أو تأثير أفعال العبد (3).

ويؤكد د/ الهاشمي، هذه النظرة - من أن الإنسان مجبر في أفعاله لا مخير- فيقول:

إن عقيدة الجبر هي المهيمنة على أهل التوراة يهودًا أو نصارى، وهذه العقيدة تؤمن أن الله ليس فقط خالق الخير والشر؛ بل تزعم أنه الذي أجبر الإنسان على السلوك الذي يتجاوب مع ما أودع فيه من شر، فلا يقدر الإنسان أن يسلك سلوكًا خيرًا فتقول التوراة: "لماذا أضللتنا يا رب عن طريقك؟، قسيت قلوبنا عن مخافتك (4).

يضاف إلى ذلك نسبة الشر صراحة إلى الله في عقيدة التوراة: "أنا الرب وليس آخر: مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر أنا الرب صانع كل هذه" (5). ولقد غالت التوراة في عقيدة الجبر للحد الذي زعمت فيه أن الله ينزل الروح الرديء ليقتحم النبي فيؤدي به إلى الجنون" وكان في الغد أن الروح الرديء من قبل الله اقتحم شاؤل وجن في وسط البيت (6) " (7).


(1) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 227.
(2) المرجع السابق: ص 230.
(3) جهود الإمامين: ص 583.
(4) أشعياء: (63/ 17) تسبيح وصلاة.
(5) أشعياء: (45/ 7) رسالة الله لكورش.
(6) صموئيل الأول: (18/ 10) غيرة شاول من داود.
(7) التربية في التوراة: د/ الهاشمي، ص 57.

وأن اعتقادًا كهذا في الجبر يشل الحياة فلا تطور ولا تحسن حتى إن النبي سليمان - عليه السلام - ينسب له ذلك: "ما كان فهو ما يكون، والذي صنع فهو الذي يصنع فليس تحت الشمس جديد" (1) ولا إرادة للإنسان في أي تغيير، إذ هو سليب الإرادة "الأعوج لا يمكن أن يقوم، والنقص لا يمكن أن يجبر (2) " (3).

[التقويم]

تتلخص طبيعة النفس البشرية في التوراة المحرفة فيما يلي:

1 - أن الله خلق الإنسان نفسه وقلبه مليئًا بالشر والخداع منذ حداثته حتى مماته.

2 - النفس الإنسانية في عقيدة التوراة في ظلام دامس ... فهي الشر بأوسع مداه ولا تقدم للحياة ولا خير ولا حضارة ولا إرادة في تغيير الأعوج وإكمال الناقص.

3 - أما مقام الإيمان في هذه العقيدة، فهو مجرد شعور بوجود الله، لا يدفع إلى العمل, لأن باب العمل مسدود بطبيعة هذه النفس ومغلق بعقيدة الجبر التي تشل العقل والجسد (4).

وبعد بيان التضارب الذي أثبته العلماء في هذه العقيدة التي تتأرجح بين الإثبات تارة والنفي تارة أخرى يتضح لدى الباحث بُطلان عقيدة اليهود في القضاء والقدر.


(1) جامعة: (1/ 9) الكل باطل.
(2) جامعة: (1/ 15)، (3/ 14، 15) لكل شيء زمان.
(3) التربية في التوراة: د/ الهاشمي، ص 57.
(4) المرجع السابق: ص 61.

  • الثلاثاء PM 04:18
    2022-05-17
  • 1459
Powered by: GateGold