المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412637
يتصفح الموقع حاليا : 324

البحث

البحث

عرض المادة

سيدنا عيسى - عليه السلام -

تنوعت الرؤى النقدية لعلماء المسلمين حول هذا الموضوع - المسيح - عليه السلام - في العهد القديم - ومعظم من تكلم فيها ربط فكرة المسيح المنتظر بالناحية السياسية والقومية لليهود وبين مدى ارتباط هذه الفكرة بفكرة المجيء الثاني للمسيح وأرض الميعاد، وهذه الرؤية تأخذ طابع التحليل السياسي لرأي اليهود في المسيح - عليه السلام -.

وبعمق التحليل وفهم النصوص والدراسة التاريخية تناول د/ عبد الوهاب المسيري هذه القضية بالمناقشة مبينًا مدى الخلاف بين اليهودية والمسيحية في المسيح - عليه السلام - فيقول: (يُشار إلى المسيح (عيسى ابن مريم) بكلمة "يشو" العبرية .. أما كلمة "ماشيح" فإذا تشير إلى المسيح المخلِّص اليهودي الذي سوف يأتي في آخر الأيام) (1).

وثمة خلاف بين العقيدتين (اليهودية والمسيحية) حول فكرة المسيح فبينما تري اليهودية المسيح "الماشيح" باعتباره شخصية سياسية قومية سيقود شعبه إلى صهيون ويعيد بناء الهيكل ويؤسس المملكة اليهودية مرة أخرى ... وقد تبدي كل هذا في شكل صراع تاريخي حقيقي، فقد رفض اليهود المسيح (عيسى (بن مريم) ولا زالوا يرفضونه ويلوم الآباء المسيحيون الأوائل اليهود باعتبارهم مسئولين عما حاق بالمسيحيين الأولين من اضطهاد ... وهم المسئولون عن صلب المسيح .. ومن ثم فإن العلاقة بين اليهودية والمسيحية علاقة عدائية متوترة إلى أقصى حد) (2).

بينما يؤكد د/ عبد الراضي محمد أن رفض اليهود للمسيح - عليه السلام - سببه أنه جاء ليزيل تشدد اليهود وقسوتهم وأنه جاء ليقوض الأصول الدينية القومية لدى اليهود معتمدًا في نقده لهذه الفكرة - المسيح المنتظر - على وجهة نظر بعض علماء النصارى ومتبنيًا لها وكثيرًا ما أضاف إليها ما يشفي الغلة ويوفي القضية حقها فيقول نقلاً عن هؤلاء: عندما ظهر المسيح - عليه السلام - ودعا اليهود إلى اتباعه رفض اليهود منذ البداية الإقرار بنبوته والاعتراف بأنه المسيح المنتظر الذي بشرت به التوراة وكتب الأنبياء، وذهبوا في جحودهم لنبوته إلى أبعد مدى، فاعتبروه ثائرًا خارجًا على اليهودية يستحق القتل والرجم ومن ثم فقد بدءوا بالكيد له ولأتباعه لدى "بيلاطس" الحاكم الروماني وعقدوا له محاكمة دينية خاصة أمام مجلس السنهدريم أعلى هيئة قضائية في اليهود ووجه إليه اتهام بأنه نبي مزيف وأنه كان ساحرًا ... وأنه كان يقوض الأصول الدينية القومية وادعي زورًا أنه المسيح المنتظر ... ويعتبرونه ابنا غير شرعي شريرًا .. مضللا وغير ذلك من التهم التي ألصقوها به (3).


(1) اليهود واليهودية والصهيونية د/ المسيري 5/ 340.
(2) المرجع السابق ص 341، 342 بتصرف بالحذف.
(3) ينظر: التطرف اليهودي د/ عبد الراضي ص 47، 48 بتصرف بالحذف، وانظر: الإرهاب في اليهودية والمسيحية والإسلام والسياسات المعاصرة أ/ زكي على السيد أبو غضة ص 105 طبعة دار الوفاء - المنصورة - الطبعة الأولى 1423 هـ / 2002 م، وانظر: اليهود واليهودية والإسلام د/ عبد الغني عبود ص 117.

وفي معالجة د/ حسن ظاظا لعقيدة اليهود في المسيح المخلِّص يطرح في رؤيته النقدية أبعاد تطور هذه الفكرة عبر العصور وكيف تعلق اليهود بهذا الحلم ومازالوا ينشدونه وينتظرون تحقيقه لأنه لم يأت بعد، وأرجع د/ ظاظا تعلقهم بالمسيح المنتظر إلى أمرين:

1 - العصبية القومية.

2 - ما حدث لهم من تشريد وضياع في السبي البابلي وبعده.

فيقول د/ ظاظا: تأتي فكرة انتظار المخلص أو المسيح مقترنة بفكرة تجديد العهد مع الرب أو فكرة "العهد الجديد" عندئذ تتجدد آمة الله لتصبح جديرة بالله وعندئذ تصير أورشليم مدينة لا مثيل لها بين المدائن يقيم فيها الرب على جبل صهيون ويتجمع فيها المشردون من بنى إسرائيل، وتزول فيها الأحقاد، بل ويموت فيها الموت نفسه وفي وسط هذه الآمال المركزة على إسرائيل لا ينسي مروجو تلك البشارات أن يجعلوا فيها نصيبًا للإنسانية من غير بنى إسرائيل يقول أشعياء: "ويصنع رب الجنود لجميع الشعوب في هذا الجبل وليمة سمائن ... ويقال في ذلك اليوم" هو ذا إلهنا انتظرناه فخلصنا هذا هو الرب انتظرناه نبتهج ونفرح بخلاصه لأن يد الرب تستقر على الجبل" (1). ويكاد المعلقون على أمثال تلك النصوص يتفقون على أمر واحد هو أن مبعثها - فكرة المخلص - إنما كان تعصبًا قوميًا ضيق الأفق شديد الحقد وتعلقًا بفكرة الحق الإلهي في السلطة الدينية" (2).

وعن تطور هذه الفكرة عبر العصور يضع د/ ظاظا يده على بداية ظهورها وسار معها حتى بين في أي وقت تأكدت عندهم وأصبحت عقيدرة ملازمة لهم حتى الآن وأصبحت من الثوابت العقائدية التي تتمركز حولها سائر أفعال اليهود في العصر الحاضر فيقول:

3 - بدأت كلمة "مسيح" بالعبرية "ماشيح" حياتها اللغوية بمدلول مادي عادي فالفعل "مسح" كان يستعمل لمبايعة الملوك إذ يأتي الكاهن الأكبر الذي يقوم بطقوس التتويج ويأخذ على كله بعضًا من الزيت المقدس فيمسح به مقدم رأس الملك ثم يضع التاج وهكذا كان كل ملك عند العبريين يسمى في القديم "مسيحًا" أي أنه متوج بطريقة شرعية وممسوح بالزيت المقدس (3).


(1) الإصحاح: (26/ 6 - 10) أنشودة حمد. مع الحذف.
(2) الفكر الديني اليهودي: د/ حسن ظاظا، ص 98.
(3) المرجع السابق، ص 109.

(ومع الحوادث الجسام التي تعرض لها اليهود في إبان السبي البابلي أصبح حلم الأنبياء والمصلحين والكثرة الكثيرة من اليهود أن يأتي ملك فذ من نوعه مخلص معه القوة والبركة معجز يعيد الأمجاد السالفة فيكون هو الملك بحق وهو "المسيح" وهذه الفكرة واضحة في قول أشعياء: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه" (1)) (2).

واستدل د/ أحمد شلبي بالنص السابق ونصوص أخرى مثل "العذراء تحبل وتلد ابنًا اسمه "عمانوئيل" (3) ثم علق عليها بقوله: وتهيأ الرأي العام اليهودي لهذا المسيح، وكان توقعه يتجدد كلما نزلت باليهود البلايا والمحن، وظهر عيسى ابن مريم - عليه السلام - وأعلن أنه المسيح الذي ينتظره اليهود لكن أكثرية اليهود رفضوا هذا الادعاء وقاوموا دعوة سيدنا عيسى - عليه السلام - وألقوا القبض عليه وحكموا عليه بالإعدام (4).

وقد علل د/ ظاظا عدم إيمان اليهود بدعوة سيدنا عيسى - عليه السلام - أنهم يقولون عنه بأنه: (لا تتحقق فيه الشروط التي وردت عند الأنبياء السابقين حول المسيح المنتظر وزمانه فإن النبي إيليا لم ينزل مرهصًا له ولم يعد من السماء قبل مجيئه معلنًا عن بعثته، ثم إنهم يقولون إن النبي أشعياء يصف هذا المسيح المنتظر فيقول: "ويخرج قضيب من جذر يَسيَّ وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب ... إلى آخر تلك الشروط التى وردت فيه" (5)) (6).

ثم يقرر د/ ظاظا في نهاية مناقشته لهذه القضية أن عقيدة المسيح المخلص تأكدت مع السبي البابلي ثم مع النكبات المتعاقبة التي حلت باليهود ومازالت أملاً يراودهم حتى أصبحت من أركان العقيدة اليهودية العامة وسميت عند كثير من مؤرخي تطور الفكر الإسرائيلي باسم "المسيحانية" ... والواقع أن هذا الحلم المسيحاني لم يكف عن مداعبة خيال اليهود منذ السبي البابلى وحتى القرن العشرين (7).

ولأهمية هذه العقيدة عند اليهود لما رأوا أنه قد مرت فترة طويلة دون أن يجيء المسيح الذي ينتظرونه انتهز بعضهم الفرصة وادعي أنه المسيح المنتظر وحدث ذلك أكثر من مرة عبر التاريخ وكل واحد منهم يعد اليهود بعودة فلسطين وتحقيق آمالهم.


(1) الإصحاح: (9/ 6) ولد لنا ولد.
(2) الفكر الديني اليهودي ص 109.
(3) أشعياء: (7/ 14) آية عمانوئيل.
(4) اليهودية د/ أحمد شلبي ص 214.
(5) أشعياء: (11/ 1 - 10) جذع يسي.
(6) الفكر الديني اليهودي: ص 110.
(7) المرجع السابق: ص 110 - 112 بتصرف بالحذف.

وقد ذكر د/ أحمد شلبي بعضًا من هؤلاء الذين ادعوا كذبًا - كل منهم على حدة أنه المسيح - وكذلك د/ ظاظا ذكر بعضًا من هؤلاء مبينين في عرضهما لهؤلاء الكذبة فشلهم الذريع في عدم إمكانية تجميع اليهود وعدم القدرة على تحقيق آمالهم. بل إن بعضهم لما ظهر لليهود عدم صدقه أعلن إسلامه إيثارًا للسلامة (1).

بينما أكد ل/ أحمد عبد الوهاب أن لفظ المسيح قد أطلق على أكثر من نبي في العهد القديم فيقول: (ظهر في بني إسرائيل مسحاء كثيرون كانوا يحظون هذا اللقب بمجرد أن يمسحهم أحد الأنبياء بالزيت المقدس فهكذا كان الحال مع شاول الذي مسحه النبي صموئيل " ... فكان المسيح هو اللقب الذي حظي به شاول كما أعلن صموئيل لكل إسرائيل: اشهدوا علىّ قدام الرب وقدام مسيحه ... " (2).

وبعد شاول قام صموئيل بمسح داود فتحول إلى مسيح آخر، قال الرب لصموئيل: قم امسحه ... فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه (3) وقبل أن يصعد إلياس إلى السماء فإنه مسح تلميذه اليشع نبيًا من بعده" وقال الرب لإيلياء: اذهب وامسح اليشع بن شافاط نبيًا عوضًا عنك" (4)) (5).

(وأخيرًا جاء المسيح عيسى - عليه السلام - أعظم مصيح ظهر في بنى إسرائيل والذي سمي في الإنجيل مسيح الرب "وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان ... وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب فأتى بالروح إلى الهيكل وعندما دخل بالصبي يسوع أبواه ليصنعا له حسب عادة الناموس أخذه على ذراعيه وبارك الله" (6)) (7).

وخلاصة ما وقف عليه نقاد العهد القديم من علمائنا الاجلاء في هذه القضية ما يلي:

1 - عدم اعتراف اليهود بالمسيح "عيسى ابن مريم - عليه السلام - "ومعنى ذلك أنهم يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض وذلك هو الكفر والضلال بعينه.

2 - عدم قصر العهد القديم لفظ المسيح على عيسى ابن مريم - عليه السلام - وذلك لتمييع القضية وليكون ذلك تبرير لهم في اعتقادهم في عيسى ابن مريم - عليه السلام - إذ أنهم يعتبرونه ملكُ وليس نبيًا كداود وشاول وغيرهم.

3 - يدعي اليهود أن هناك مسيحًا آخر غير عيسى ابن مريم - عليه السلام - ينتظرون مجيئه ليقودهم إلى فلسطين ليعيد بناء الهيكل ويحكم من جديد.


(1) انظر: اليهودية: د/ أحمد شلبي، ص 214، 217. الفكر الديني اليهودي: د/ ظاظا ص 112 وما بعدها.
(2) صموئيل الأول: (12/ 1 - 3) خطات صموئيل الوداعى.
(3) صموئيل الأول: (16/ 12 - 13) صموئيل يمسح داود ملكًا.
(4) ملوك الأول: (19/ 15 - 17) الرب يظهر لإيليا.
(5) النبوة والأنبياء: ل / أحمد عبد الوهاب، ص 57.
(6) لوقا: (2/ 25 - 28) ختان الطفل يسوع وتقديمه في الهيكل.
(7) النبوة والأنبياء: ص 58.

  • الثلاثاء AM 11:24
    2022-05-17
  • 1022
Powered by: GateGold