المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413414
يتصفح الموقع حاليا : 232

البحث

البحث

عرض المادة

سيدنا نوح - عليه السلام -

ومن خلال استقراء وتتبع جهود العلماء حول بيان مقام الأنبياء عليهم السلام في العهد القديم وجدت المحاولات النقدية للعلماء تتميز بالسمات التالية:

[1. النقد الإجمالي]

من العلماء من يتسم نقده بالنظرة الإجمالية دون الدخول في التفاصيل نظرًا للتشابه في نصوص التوراة حول ما ألصق بالأنبياء تفاديًا للتكرار واكتفى بعرض النص لوضوح المخالفة فيه مع الإشارة إلى موضع الخلل في هذا النص أو التناقض والتعارض وهذه السمة تظهر أحيانا في نقد د/ بدران في كتابه "التوراة" وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام ابن القيم والألوسي - رحمهم الله جميعًا -.

[2. التفصيل والتوضيح]

وذلك من خلال إبراز التناقض وتقويمه وقد تناول بعض العلماء نقد ما يقدح في النبوة والأنبياء بتقديم رؤية نقدية واضحة ومفصلة مبينا مكانتهم اللائقة هم وما يقره العهد القديم من صفات حسنة لهم ويتبع ذلك ببيان افتراءات العهد القديم عليهم وانحراف اليهود فيما يعتقدون فيهم، وبعد ذلك يلقي نظرة تقويمية لما استدل به من نصوص من خلال المنظور الإسلامي لمقام النبوة والأنبياء ومن هؤلاء د/ الهاشمي والباحثة/ سميرة عبد الله.

[3. الوحدة الموضوعيه في المعالجة النقدية]

وهذه السمة تظهر جيدًا في البحث العلمى المعاصر الذي يمتاز بحسن التبويب والترتيب وتنظيم المعلومات تحت عناوين رئيسة ومفاهيم محددة ويراعى فيها الوحدة الموضوعية فيأتي بالنص موضع الشاهد ويذكر ما يعضده من نصوص أخرى في ذات الموضوع من سائر أسفار العهد القديم ثم يناقش هذا الموضوع مناقشة موضوعية ومن هؤلاء: د/ عبد الوهاب المسيري ود/ الهاثهى، ود/ المطعني، ود/ صفوت مبارك، ود/ عبد الراضى محمد وغيرهم.

[4. الدراسه التحليليه التي تعتمد على المناقشة والاستنتاج]

وظهور هذه السمة في جهود العلماء هدفها الأساسي الوصول إلى ما تهدف إليه مفردات النص بعيدًا عن التأويل الذي يصرفه عن وجهه الأصلى وبيان الملاحظات التي تؤخذ على النص التوراتي من حيث التفسير الخاطئ للنص من قبل مفسري الكتاب المقدس، وهذه السمة ظهرت بوضوح في جهود العلامة رحمة الله الهندي ود/ المطعني.

وبعد بيان بعض السمات التي تتميز بها الجهود النقدية لعلمائنا الأفاضل في نقدهم لما ورد في حق الأنبياء أبين هذه الجهود من خلال العناوين التالية:

1 - المقام الحسن لكل نبي من الأنبياء في العهد القديم.

3 - بيان افتراءات العهد القديم على الأنبياء.

3 - عرض لجهود العلماء في الرد على تلك الافتراءات.

2 - التقويم.

وعند تتبع جهود علمائنا الأفاضل حول النبوة والأنبياء في العهد القديم يتبين أنهم قد أماطوا اللثام عن أمور خطيرة ألصقت بالأنبياء عليهم السلام ونقدوها نقدًا علميا من خلال نصوص العهد القديم التي تثبت عكس ما يدعون ويبطل بعضها بعضًا؛ لما فيها من التناقض والتعارض الذي يظهر عند المقابلة بين الأسفار من جهة وبين النصوص في المسفر الواحد من جهة أخرى. مع ملاحظة أن بعض الكتاب قام بدراسات موسعة عن بعض الأنبياء ولم يتوسع في البعض الآخر ويرجع ذلك إلى كثرة النصوص التوراتية عنهم.

ولما كان تناول جميع الأنبياء الذين ورد ذكرهم في العهد القديم فيه شىء من التطويل رأيت أن أذكر بعضًا من الأنبياء الذين ذكرهم العهد القديم ولكنه لم يعطهم حقهم من الإجلال والاحترام وذلك على النحو التالي:

[1. سيدنا نوح - عليه السلام -]

المقام الحسن لسيدنا نوح - عليه السلام - في العهد القديم: ذكرت الباحثة / سميرة عبد الله النصوص التي تصف نوحًا - عليه السلام - بالرجل البار بمسيرته على أوامر الله -عَزَّ وَجَلَّ- وجميع أهل بيته وقد أنقذه الله وجميع أهل بيته لبره وصلاحه في السفينة التي أمره بصناعتها من هذه النصوص:

1 - "وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب وكان نوح رجلًا بارًا كاملًا في أجياله وسار نوح مع الله" (1).

2 - "وقال الرب لنوح ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك لأني إياك رأيت بارًا لدىِ في هذا الجيل" (2)

3 - "وبارك الله نوحًا وبنيه وقال لهم أثمروا وأكثروا واملؤا الأرض ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء (3) " (4).


(1) تكوين: (6/ 8 - 10) الطوفان.
(2) تكوين: (7/ 1) بدون.
(3) تكوين: (9/ 1 - 2) عهد الله مع نوح.
(4) جهود الإمامين: ص 386.

[ب - افتراءات العهد القديم على سيدنا نوح - عليه السلام -]

1. زعموا أنه سكر حتى تعرى والنص يقول: "وابتدأ نوح يكون فلاحًا وغرس كرمًا وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خبائه (1).

2. زعموا أن نوحًا - عليه السلام - يلعن كنعان بن حام لذنب لم يقترفه بل وقع فيه والده عن غير قصد فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه وأخبر إخوته خارجًا فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير, فقال ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لإخوته وقال: "مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدًا لهم، ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدًا لهم (2) " (3).

[ج - جهود العلماء في الرد على هذا الافتراء]

ينتقد د/ بدران هذا الافتراء الذي افترته التوراة على سيدنا نوح - عليه السلام - فيقول متسائلًا: لماذا أسكرته التوراة؟ وما أهمية ذكر مثل هذه الواقعة في كتاب مقدس. وأجاب على ذلك بقوله قد يرجع السبب في هذا: إظهار الحقد الدفين في قلوبهم تجاه الفلسطينيين وهذا تشويه لصورة سيدنا نوح - عليه السلام - (4).

ويرد ل. م/ أحمد عبد الوهاب على هذا الزعم بقوله:

من الواضح أن هذه أول بذرة لما يعرف بـ "السامية" باعتبارها عرقًا جنسيًا يتعالى عن بقية البشر، ولو كانوا أخوة "أبناء أب واحد" وإذا كان علماء اليوم على إدراك تام بأن الحديث عن السامية لا يعني مدلولًا عرقيًا، وإنما يمكن أن يعطى مفهومًا لغويًا بمعنى أن الشعوب التي عاشت في منطقة الشرق الأوسط تكلمت لغات بينها أواصر قربى وتعرف بمجموعة اللغات السامية - نسبة إلى سام بن نوح - (5).

وثمة تساؤل يلح عن الظلم الفادح الذي أصاب كنعان بسبب تصرف نُسب إلى أبيه حام، إذ من الواضح أن كنعان برئ تمامًا من كل خطية تورثه اللعنة والعبودية أو حتى ما هو أقل منهما بمراحل كاللوم والتقريع. وإذا كان هناك من يدان فهو بلا شك شخص آخر غير كنعان وأبيه حام (6).


(1) تكوين: (9/ 20 - 21) أولاد نوح.
(2) تكوين (9/ 22 - 27) السابق.
(3) وينظر: جهود الإمامين ص 386، 411.
(4) التوراة: د/ بدران ص 48.
(5) النبوة والأنبياء ل. م/ أحمد عبد الوهاب ص 33، والمنجد في اللغة والأعلام، ص 346 - 347.
(6) المرجع السابق ص 33، 34.

ويعلق د/ عبد الراضي محمد على هذه التهمة التي ألصقت بنوح - عليه السلام - ويأخذ عليها أنه كيف يؤخذ الابن بذنب أبيه فيقول: (والعجيب أن الذي أذنب بالنظر إلى عورة أبيه هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، وأخذ الابن بذنب الأب خلاف العدل وهذا وجه آخر من وجوه التطرف اليهودي) (1).

ويتعجب د/ الهاشمي أيضًا في نقده لهذه الفرية فيقول: (لم هذه اللعنة؟! إنها يجب أن تنصب أولًا على من يسكر ويتعرى وهو نوح - عليه السلام -في زعمهم- لا على من يرى عورة السكران المتعري! والرائى هو حام الأب والملعون هو كنعان الولد الثالث لحام وهل تُستجاب دعوة السكران المتعري؟ وكيف يكون النبي كذلك؟) (2).

(ثم لو صحت اللعنة وقبلت فلم لم تقع على الرائي وهو حام -الأب- وتقع على ولده كنعان الذي لم ير العورة؟ إنه الخبث والدهاء في الوقيعة، بل الغباء في الاتهام, لأن كنعان أبو العرب وذريته الكنعانيون هم سكنة فلسطين الأصليون والشرعيون وأعداؤهم التقليديون في فلسطين طيلة تواجدهم فيها حتى زمن أوسع مملكة لهم فيها: "مملكة داود وسليمان عليهما السلام" لذا لا بد لليهود في توراتهم من استبعاد ذرية حام -الكنعانيين - ومن يحمل عليهم من المصريين والسودانيين والأحباش والعرب جميعهم ملعونون في توراتهم من غير أي سبب إلا ليكون العرب الكنعانيون أعداء تقليديين قدماء ومعاصرين لهم في فلسطين) (3).

وبناءً على ما سبق

فإن ما ادعاه العهد القديم في حق سيدنا نوح - عليه السلام - هو من الأباطيل والخرافات إذ كيف يتصور أن نبي الله يشرب الخمر حتى يسكر ويتعرى ثم بعد أن يفيق ويعلم ما حدث يفرق بين أولاده فيدعو على كنعان ويبارك سام ويافث، وقد تبين من خلال نقد العلماء أن الدافع وراء تفضيل سام ويافث هو كراهية الفلسطينيين والعرب عمومًا لأن كنعان أبو العرب وهذا تتم عندهم أفضلية النسل الأعجمى على النسل العربي وقد فند العلماء هذه الأكاذيب وبرؤا ساحة نبي الله نوحًا - عليه السلام - الذي أخبر الله -عَزَّ وَجَلَّ- بأنه كان نبيًا يوحى إليه فقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (4) وكان رسولًا يدعو إلى التوحيد ويحذر من أهوال يوم القيامة فقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (5). وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} (6). وغير ذلك من الآيات إلى تبين مقام سيدنا نوح - عليه السلام - في القرآن الكريم (7)


(1) التطرف اليهودي د/ عبد الراضى ص 32.
(2) فلسطين في الميزان د/ الهاشمي ص 112.
(3) المرجع السابق ص 112.
(4) سورة النساء الآية: (163).
(5) سورة الأعراف الآيتان: (59)
(6) سورة نوح الآية: (5).
(7) انظر: النبوة والأنبياء: ص 34 - 36.

  • الثلاثاء AM 11:08
    2022-05-17
  • 929
Powered by: GateGold