المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409071
يتصفح الموقع حاليا : 381

البحث

البحث

عرض المادة

جهود علماء المسلمين فى نقد سند رسائل العهد الجديد

أولًا: نظرة عامة على هذه الرسائل:

قام العلامة رحمة الله الهندي بنقد سند الأسفار الأخرى للعهد الجديد (بقية الأسفار غير الأناجيل الأربعة) واعتمد في نقده لها على ما ذكره رجال الدين المشهورين عندهم آخذًا من كلامهم ما يهدم دعواهم بصحة هذه الأسفار مبينًا من خلال ذلك مكانتها من حيث الصحة وعدمها وهل هي مقبولة لدى الكنائس أم مردودة فيقول:

(الرسالة العبرانية والرسالة الثانية لبطرس والرسالة الثانية والثالثة ليوحنا ورسالة يعقوب ورسالة يهوذا ومشاهدات يوحنا وبعض الفقرات من الرسالة الأولى ليوحنا إسنادهم إلى الحواريين بلا حجة وكان مشكوكا فيهم إلى سنة 363 م وبعض الفقرات المذكورة مردودة وغلط إلى الآن عند جمهور المحققين) (1).

ويقول ل/ أحمد عبد الوهاب في إلقائه الضوء على هذه الأسفار:

(من الملاحظ أن كثيرًا من الكتب المسيحية التى يشتمل عليها العهد الجديد قد كتبت ثم نسبت إلى أشخاص ماتوا أو قتلوا قبل التواريخ المقررة لها بعشرات السنين مثال ذلك ما ينسب إلى بطرس وبولس اللذين قتلا قبل عام 70 م ببضع سنين إذ تنسب إلى الأول رسالة بطرس الأولى (حوالي 95) ورسالة بطرس الثانية (عام 150) كما تنسب إلى الثاني الرسالة الأولى والثانية إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس (عام 100) وفي جميع الأحوال يجب أن نتذكر أن التاريخ المرجح لنهاية حياة المسيح على الأرض ورفعه إلى السماء هو حوالى عام 33 م) (2).

ثانيًا: موقف الكنائس من هذه الرسائل:

يقرر العلامة رحمة الله الهندي أن الكنائس العربية والسريانية لا تعترف ببعض هذه الرسائل وأن بعض تراجم الكتاب المقدس قد خلت منها فيقول:

عن هذه الرسائل أنها (لا توجد في الترجمة السريانية، وردت جميع كنائس العرب الرسالة الثانية لبطرس والرسالتين ليوحنا، ورسالة يهوذا ومشاهدات يوحنا وكذلك تردهم الكنيسة السريانية من الابتداء إلى الآن ولا تسلمهم) (3).


(1) إظهار الحق: 1/ 100.
(2) المسيح في مصادر العقائد المسيحية ل. م/ أحمد عبد الوهاب ص 31.
(3) إظهار الحق: 1/ 101.

وحول قانونية الكتاب المقدس ومتى اعتبرت الرسائل التى توجد في العهد الجديد نصوصًا مقدسة عند النصارى يقول أ/ علاء أبو بكر في كتابه: (لم تأت هذه الفكرة إلا بعد تحارب التيارات المختلفة للنصرانية، وبعد أن دعت الحاجة إلى الاستناد إلى شىء ملزم، وهذه الطريقة بدأ التفكير حوالي عام (200) بعد الميلاد لاعتبار هذه المدونات كتابات مقدسة، وبعد ذلك بـ (200) سنة أخرى نشأ خلاف آخر حول آية الكتابات يمكن اعتبارها مقدسة -أي قانونية- ويمكن قراءتها على الملأ، فقد أيد البعض هذا وأيد البعض الآخر تلك، وحتى هذا اليوم لم يتفق النصارى على هذه المشكلة منذ 1600 سنة عندما تم الاختيار الإجباري لهذه النصوص من قبل القياصرة الوثنيين والملحدين وبتأثير من الأساقفة التائهين ولم يكن للكنيسة دخل في الاختيار آنذاك حيث قد ارتدت عن الروح الأصلية (لتعاليم المسيح) وتغربت عنه) (1).

ثالثًا: أهمية أعمال الرسل عند النصارى:

ولقد أولى علماء المسلمين سفر أعمال الرسل الأهمية بخلاف الرسائل الأخرى باعتبار (أن أعمال الرسل قد كتبت لتلتمس المعاذير للكنيسة عندما رأت أن تنفصل عن اليهودية وتكوِّن لنفسها كنيسة مستقلة) (2).

ولهذا أفرد له النقاد المعاصرون نقدًا موسعًا عن بقية الرسائل الأخرى لأهميته في النصرانية وبناءً على ذلك فإن أعمال الرسل (تعتبر الكتاب الأول في العهد الجديد وينسب إلى لوقا باليونانية كتتمة للإنجيل المنسوب إليه، وقد حوت تاريخ الكنيسة الأولى سواء من الناحية المادية أم الروحية، وهذا الكتاب موجه إلى شخص اسمه ثيوفيلس، لعله شخص رمزي ... فمن الناحية التاريخية لم يستدل حتى الآن على من هو ثيوفيلس) (3).

رابعًا: مصدر أعمال الرسل:

نقد ل. م/ أحمد عبد الوهاب هذه الرسائل مبتدءًا بسفر أعمال الرسل وقد نقده من ناحيتين:

الأولي: الناحية الأدبية وهي بيان ما يحتويه النص من معانٍ وصيغ مختلفة.

والثانية: "الناحية التاريخية" (4) ببيان السند التاريخي لهذا السفر وكيف تم تدوينه ومن هو مؤلفه فقال: (من أراد أن يطالع مؤلفًا قديمًا وجب عليه أن يثبت نصه والحال أن إثبات نص أعمال الرسل مسألة معقدة (5)، فالناحية الأدبية في أعمال الرسل: لا شك أن واضع سفر أعمال الرسل استعمل بعض المراجع والأدلة على ذلك كثيرة، ولكن هل كانت هذه المراجع مراجع مخطوطة أم شفهية؟ لربما كانت من كلا النوعين، إنه من العسير ... أن نعزل تلك المراجع ونحددها على وجه أكيد حتى في أمر يوميات السفر التى تدل فيها صيغة (نحن) على وجود تلك المراجع من دون أن تمكننا من رسم حدودها بدقة) (6).


(1) المسيحية الحقة التى جاء بها المسيح بين الالتزام والتحريف ودعوة الإسلام أ/ علاء أبو بكر ص 121 طبعة مكتبة وهبة سنة 1418 هـ 1997م.
(2) الأناجيل- دراسة مقارنة- د/ أحمد طاهر ص 47 طبعة دار المعارف. بدون.
(3) المرجع السابق ص 45.
(4) سيأتي بيانها في النقطة الخامسة من هذا المبحث.
(5) اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ل. م / أحمد عبد الوهاب ص 88 طبعة مكتبة وهبة.
(6) المرجع السابق ص 88.

وعن هذه المصادر التي اعتمد عليها كاتب سفر أعمال الرسل يطرح ل. م/ أحمد عبد الوهاب رؤىً متعددة للنقاد المسلمين وغيرهم تدور حول مرجعية أعمال الرسل مرجحًا ما رآه أقرب للصواب منها وهي كالتالى:

(قيل إن كاتب لوقا اتخذ من إنجيل مرقس مرجعًا له، ولكن لا يستبعد أن يكون قد استخدم مصادر أخرى غير هذا الإنجيل سواء أكانت هذه المصادر مكتوبة أم شفهية عندما وضع أعمال الرسل، ولقد كان لوقا في أمس الحاجة إلى مصادر جديدة لكتابة الاصحاحات الخمسة عشرة الأولي التى أورد فيها أحداثا لم يكن هو أحد أطرافها أو شهودها. وهنا نتساءل كيف عرف هذه الأحداث إن كانت صادقة أو مجرد شائعات، لقد بذل القساوسة محاولات جمة من أجل افتراض سلامة هذه المصادر فمثلًا وجد كثير من العلماء أنه استمد الجزء الأول من كتابه من مصدر يهودي قيصري ويهودي إنطاكى، ويرى البعض الآخر أن المصدر عقائدي استنتاجًا من الأسلوب والنظرة الشاملة ثم يضربون مثلًا على استخدامه ضمير الجماعة ويقولون إذا ما كان المؤلف غير مؤلف أعمال الرسل، فلابد وأن يكون مؤلف أعمال الرسل قد استفاد من مصدر سابق) (1).

(ومن المحتمل أيضًا أن يكون هذا المصدر ضعيف التركيب والأسلوب، فقام بولس بإعادة تحريره أو بعبارة أخرى بإعادة تفسيره أو تحويره، ولكن ليس هناك في أعمال الرسل ما يدل على اعتماد الكاتب على رسائل بولس، وقد تكون الوثائق التي يظن أن لوقا قد قرأها، والأقرب إلى الصواب: أن المصادر التي اعتمد عليها لوقا في كتابته أعمال الرسل روائية أي شفهية، والمصادر الشفهية هي أقل ثقة من المصادر المكتوبة) (2).

خامسًا: المؤلف وتاريخ التأليف:

(إن مؤلف سفر أعمال الرسل هو مؤلف الإنجيل الثالث، هذا أمر اقتنع به التقليد طوال القرون، يضاف إلى ذلك أن المقارنة بين فاتحي الكتابين تقتضى هذه الوحدة فالكتابان مرفوعان إلى ثاوفيلس، ووجود الأجزاء بصيغة (نحن) يوحى بأن المؤلف كان منتميًا إلى بيئة بولس فيكون لوقا الطبيب هو المرشح الممكن الوحيد ... والتوافق بين أفكار أعمال الرسل وأفكار بولس في رسائله يبقي على أقل تقدير غير أكيد في شئون بعضها مهم كمعنى الرسالة رقم 13/ 13 ومكانة الشريعة على سبيل المثال، ولما كان نقاد عصرنا يحددون تاريخ تأليف الإنجيل الثالث فيما بعد السنة 70 م فهم يحددون تاريخ تأليف أعمال الرسل في نحو 80 م في وقت ينقص أو يزيد عشر سنوات) (3).


(1) الأناجيل دراسة مقارنة د/ أحمد طاهر ص 47 بتصرف يسير.
(2) المرجع السابق: ص 47.
(3) اختلافات في تراجم الكتاب المقدس ص 89، 90.

وعن تاريخ أعمال الرسل يقول د/ أحمد طاهر مؤكدًا الرأي السابق:

هناك شواهد تدل على أن أعمال الرسل قد وجدت في أوائل القرن الثاني من الميلاد ويذهب البعض إلى أنها كتبت في عام 96 بعد الميلاد، ويستندون في ذلك إلى أنها استخدمت الأعمال الأخيرة للمؤرخين اليهود خاصة يوسفوس، ولكن هذه الأقوال لا يمكن أن تكون نهائية دون معرفة التاريخ الذي كتب فيه لوقا الإنجيل المنصوب إليه، إذًا من هو كاتب هذه الأعمال؟ والواقع أن أعمال الرسل لم تشر إلى موت بولس ولا إلى سقوط القدس في عام 70 ولا إلى رسالة لبولس وبالتالي يمكن القول أن أعمال الرسل كتبت قبل 70 ميلادية ... ويرى الكثيرون من علماء المسيحية أن لوقا قد كتب أعماله بعد الإنجيل المنسوب إليه أي حوالي عام 80 بعد الميلاد ولكن أعيد تحرير كل ذلك بمعرفة الكنيسة فخلطت بعضها مع البعض الآخر (1).

وبناءً على ما تقدم:

فإن مجرد الاختلاف حول قانونية الرسائل المقدسة في العهد الجديد والذي ظهر من تعدد الآراء حول موقف الكنائس منها والمصادر المتعددة التي اعتمد عليها كاتب أعمال الرسل - مجرد الاختلاف- يولد الشك في صدقها وبالتالي يضعف من قيمتها العلمية والدينية وينفي عنها القداسة التي يدعيها النصارى.

[خلاصة جهود العلماء حول نقد سند العهد الجديد]

لقد استوفى علماء المسلمين سند العهد الجديد بالنقد والتحليل، وأثبتوا من خلال الدراسة النقدية الفاحصة، أن أول الأناجيل قد كتب بعد رفع المسيح عليه السلام بستين سنة تقريبًا أو يزيد، ولم يكن هناك إنجيل قد كتبه المسيح عليه السلام.

حتى باقى الأناجيل المعتمدة لدى الكنيسة، مشكوك في نسبتها إلى أصحابها، وقد أيد علماؤنا الأجلاء، ما قالوا بالأدلة العقلية الدامغة، والأدلة التاريخية الموثقة، وكان ممن برع في نقد سند العهد الجديد، العلامة رحمة الله الهندي، يليه في جودة النقد، العلامة البغدادي، ثم بعد ذلك العلماء العاصرون، فقد بنوا وجهة نظرهم على رؤية السابقين، مع تفرد كل واحد منهم برؤيته النقدية إلى تميزه عن غيره، من هؤلاء الإمام أبو زهرة، ول / أحمد عبد الوهاب، د/ عبد الكريم الخطيب، وغيرهم.


(1) الأناجيل دراسة مقارنة د / أحمد طاهر ص 48، 49 بتصرف بالحذف.

  • الثلاثاء AM 10:49
    2022-05-17
  • 887
Powered by: GateGold