المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408995
يتصفح الموقع حاليا : 425

البحث

البحث

عرض المادة

نظرة تاريخية حول العهد الجديد

لقد أحاط العلامة رحمة الله الهندي الأناجيل الأربعة بالدراسة النقدية الفاحصة التي أثبتت بالأدلة العقلية والنقلية وأقوال كتابهم أن هذه الأناجيل ليس لها سند متصل، وأنها قد ألفت بعد رفع المسيح -عليه السلام- بمدة طويلة.

وأثبت أيضًا من خلال جولاته النقدية بين النصوص والشروح المختلفة للكتاب المقدس أن الإنجيل الأصلى قد فُقد، وأن الأسباب التي اعتذروا بها لفقدان سندهم أسباب واهية (1).

وعلى الفرض لو كانت هذه الأناجيل تصح نسبتها إلى مؤلفيها- متى- مرقس- لوقا- يوحنا- إلا أن النصارى أنفسهم وطوائفهم المختلفة قد اختلفوا في تحديد تواريخ كتاباتها واضطربوا في ذلك اضطرابًا شديدًا، فإسنادهم هذه الأناجيل إلى أصحابها بلا حُجة ولا برهان كما سبق بيانه في المبحثين السابقين.

ولقد اعتمد عُلماؤنا الأجلاء في نقد الجانب التاريخي للعهد الجديد على تلك التواريخ إلى ذكرها مفسرو العهد الجديد على اختلاف طوائفهم مما دفعهم لمناقشة الأدوار التاريخية التى مرت بها الأناجيل، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة في قانونية هذه الأناجيل.

[موثوقية الأناجيل الأربعة]

(وحول موثوقية الأناجيل الأربعة يقول أ / محمَّد السعدي في كتابه "دراسة في الأناجيل" إن فناء النسخ الأصلية للأناجيل يعني ببساطة أننا لا نستطيع التأكد من موثُوقية المخطوطات والنسخ التي بين أيدينا اليوم، وإذا علمنا أن أقدم مخطوطات العهد الجديد الموجودة حاليًا ترجع إلى القرن الرابع الميلادي، وأن آخر الأناجيل كُتب سنة 100 م فإننا نخلص إلى أن هناك فاصلًا زمنيًا بين تاريخ كتابة الأناجيل وتاريخ مخطوطاتها يزيد على مائتي سنة) (2).

وهذا الفاصل الكبير نسبيًا يجعل الأناجيل معلقة في الهواء بلا سند متصل بين كتبتها ومخطوطاتها، وفناء نسخ الأناجيل التي يرجع تاريخها إلى ما قبل مجمع نيقية عام 325 م يرجع لسببين:

1 - قرار الكنيسة بإلغاء الأناجيل المخالفة لأناجيلها والأمر بإعدامها.

2 - جو الخوف والاضطهاد والمطاردة والمذابح التي تعرض لها النصارى لمدة ثلاثمائة سنة متواصلة على يد اليهود والرومان الوثنيين ... وفي تلك الفترة العصيبة لم تكن هناك قوة تحمى النصارى أو تحافظ على كتبهم، وفي مثل هذا الجو تتهيأ الفرصة لضياع الحقائق وتعديل النصوص، ونسبة الكتب إلى غير مؤلفيها، ويصبح التحقق من موثوقية الأقوال والأفعال والنصوص أمرًا غير ميسور (3).


(1) انظر: إظهار الحق 1/ 100.
(2) دراسة في الأناجيل الأربعة والتوراة أ/ محمَّد السعدي ص 35 ط دار الثقافة بقطر طـ 51 - 1400 هـ - 1985م.
(3) انظر: المرجع السابق ص 16 بتصرف بالحذف.

[تأثر الأناجيل برسائل بولس]

(وقصة هذه الأناجيل وعلاقاتها بالمعتقدات المسيحية قصة تدعو للعجب فمن الطبيعي أن تنبني المعتقدات على الأناجيل، ولكن الواقع غير هذا أو قل عكس هذا إذ انبنت الأناجيل على المعتقدات، فقد نشأت المعتقدات بواسطة بولس، ثم كتب بولس رسائله بين سنة 55 وسنة 63 م بيد أن الإنجيليين لم يبدءوا كتابة أناجيلهم إلا في سنة 63 م ورجحت كفة بولس وكفة معتقداته فتأترت الأناجيل بهذه الرسائل (1).

[صلاحية العهد الجديد]

أما بالنسبة لصلاحية العهد الجديد كمصدر أساسى عند النصارى يقول د/ أحمد شلبي في موضع آخر من كتابه "المسيحية":

إن الأناجيل اختيرت لتلائم المعتقدات التي وضعها بولس، ومن ثم كانت الأغلبية الساحقة من "العهد الجديد" من وضع بولس ومريديه .. ومع هذا فإنه بمرور الزمن ظهر للمسيحيين أن هذه الأناجيل لا تفي بما أرادوا أن يضيفوه للمسيحية من معتقدات كغفران السيئات وعصمة البابا وغير ذلك، ثم اقترحوا المجامع يثبتون بها ما يشاءون من الأصول، وإذا كانت المجامع قد أخذت الحق في تقرير ألوهية المسيح فلا ضير عندهم أن تأخذ الحق فيما دون ذلك من مسائل (2). ويؤكد د / موريس بوكاي أن الأناجيل الأربعة قد ظهرت بعد مؤلفات بولس بفترة طويلة فيقول:

(لا تشير أولى كتابات العصر المسيحي إلى الأناجيل إلا بعد مؤلفات بولس بفترة طويلة جدًا، فالشهادات المتعلقة بوجود مجموعة من الكتابات الإنجيلية تظهر فقط في منتصف القرن الثاني وبالتحديد بعد عام 140م، وذلك على حين أن هناك كثيرًا من الكتاب المسيحيين يوحون بوضوح منذ بداية القرن الثاني بأنهم يعرفون عددًا كبيرًا من رسائل بولس، وهذه الملاحظات التي تفرضها "المقدمة إلى الترجمة المسكونية للعهد الجديد" المنشورة عام 1972 م تستحق أن تذكر على الفور كما يفيد التنويه إلى أن هذه الترجمة هى نتيجة عمل جماعى تضافر له أكثر من مائة متخصص من الكاثوليك والبروتستانت) (3).


(1) المسيحية د/ أحمد شلبي ص 206 نقلاً عن يسوع المسيح للأب بولس إلياس ص 18.
(2) المرجع السابق ص 208.
(3) القرآن والتوراة والإنجيل والعلم د/ موريس بوكاي ص 62.

[دعوى تمتع الأناجيل الأربعة بحق الامتياز ومناقشة العلماء لها]

يقول أ/ أحمد زكى في كتابه "انزعوا قناع بولس":

(بين سنة 1861 - 1870 م عقد الفاتيكان مجمعًا أقر فيه أن الكتب القانونية للعهد القديم والجديد قد كتبت بإلهام من الروح القدس، ولكن بعد أن طال النقد للكتاب المقدس من النقاد المسيحيين الغربيين أنفسهم واشتد ذلك في السنوات الأخيرة عقد الفاتيكان مجمعًا آخر في أواسط الستينيات 1962 - 1965 م وخرج بوثيقة جديدة تراجع فيها عن قراره السابق بالنسبة للعهد القديم واعترف فيها صراحة أن العهد القديم يحتوي على شوائب وشىء من البطلان، ولكن عندما جاء للعهد الجديد نفى عنه ذلك وكرر أنه كُتب بإلهام من الروح القدس) (1).

وذكر بعد ذلك نص هذه الوثيقة التى أصدرها مجمع الفاتيكان وجاء فيها:

(لا يغفل أي إنسان أن من بين الكتب المقدسة بل حتى العهد الجديد كان هناك ما يتمتع بحق الامتياز مثل الأناجيل باعتبار أنها تكون شهادة حقيقية عن حياة وتعاليم الكلمة المجسدة) (2).

[مناقشة العلماء لهذه الوثيقة]

(إن محرري هذه الوثيقة حرروها وهم قابعون في بروج كنائسهم وأديرتهم العالية فلم يحتكوا بالأغلبية الساحقة من عامة الشعب ليقرؤوا كتبهم ولم ينزلوا قط إلى الشارع ليروا المكتبات والأرصفة وقد امتلأت بالكتب التي تنتقد العهد الجديد الذي قالوا أنه يتمتع بالامتياز، إذ ثبت بعد ضعف الكنيسة وظهور فن النقد وامتلاك الناس للكتاب المقدس بعد أن كان حكرًا على الكنيسة أن العهد الجديد ليس حصينًا كما يدعى الفاتيكان في وثيقته، بل ظهر أنه ممتلئ بالثغرات التي يمكن الهجوم عليه منها من كل جانب لذا هاجمه النقاد الغربيون المسيحيون أنفسهم وأثخنوه بالجراح، وأزاحوا عنه غطاء الوحى والقداسة وذهب عنه الامتياز المزعوم) (3).

[وخلاصة هذه النظرة التاريخية للعهد الجديد ما يلي]

1 - فقدان الإنجيل الأصلي بعد رفع المسيح -عليه السلام- إلى السماء.

2 - فقدان الثقة في الأناجيل الأربعة والعهد الجديد عمومًا.


(1) انزعوا قناع بولس ص29.
(2) المرجع السابق: ص 30
(3) المرجع السابق نفس الصفحة

  • الثلاثاء AM 10:45
    2022-05-17
  • 893
Powered by: GateGold