المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409061
يتصفح الموقع حاليا : 377

البحث

البحث

عرض المادة

دوافع الدراسة النقدية للكتاب المقدس

كثيرة هى الدوافع التى تكمن وراء تناول الكتاب المقدس بالنقد والتحليل، والتي كانت وراء تنوع الجهود في هذا الميدان مما أسفر عن حصيلة هائلة من الكتب إلى تضطلع بدراسة الكتاب المقدس "دراسة نقدية" من هذه الدوافع ما يلي:

1 - ما ذكره القرآن الكريم من أدلة كثيرة تخبر عن وقوع التحريف في التوراة والإنجيل فقال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)} (1) فقوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} أى فسدت فهومهم وساء تصرفهم فى آيات الله وتأولوا كتابه على غير ما أنزله وحمَّلوه على غير مراده وقالوا عليه ما لم يقل عياذاً بالله من ذلك (2).

(وكان لهذه الآيات الكريمة أثرها في حمل بعض المسلمين على دراسة معتقدات أهل الكتاب دراسة نقدية هادئة يستنبط من خلالها الأدلة الدامغة علي تحريف هؤلاء لما ورثوا، وتبديلهم لما ينبغى عليهم أن يعتقدوا، وقد قامت الدراسة علي النصوص المتوارثة عن السابقين والتي يدعى أربابها أنهم قد تلقوها خلفًا عن سلف دون تصرف بالقبض أو البسط في الوقت الذي صرحت فيه التوراة والإنجيل بأن الكتبة تصرفوا فيما كتبوا بالزيادة والنقصان ودليل ذلك: "لا يرتد غضب الرب حتى يجري ويقيم مقاصد قلبه في آخر الأيام تفهمون فهما لم أرسل الأنبياء بل هم جروا لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا ولو وقفوا في مجلسى لأخبروا شعبى بكلامى وردوهم عن طريقهم الردىء وعن شر أعمالهم" (3)) (4).

2 - ما ذكر في السنة النبوية المطهرة من تحريف اليهود للتوراة فقد جاء في الحديث: "أتي رسول الله بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعًا فقال لهم: ما تجدون في كتابكم؟ قالوا: إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتحبية قال عبد الله بن سلام: ادعهم يا رسول الله بالتوراة، فأتي بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له ابن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله فرجما" (5).


(1) سورة المائدة الآية: (13).
(2) تفسير القرآن العظيم -لابن كثير2/ 33 - ط/مكتبة دار التراث -القاهرة.
(3) أرميا: (23/ 20 - 22) غصن البر.
(4) مقدمة المنتخب الجليل من تخجيل من حرف الإنجيل- لأبي الفضل المالكي المسعودي ص 9 والمقدمة للدكتور / بكر زكى عوض محقق الكتاب، مطبعة أولاد عثمان بالقاهرة، ط 1/ 1414 هـ، 1993 م.
(5) سبق تخريجه ص 2.

وغير ذلك من الأحاديث التي دفعت علماء المسلمين إلى وضع الكتاب المقدس في الميزان لبيان ما حدث فيه من تحريف وتبديل.

3 - ظهور مؤلفات تنتصر للكتاب المقدس على ما سواه من كتب والادعاء من قبل النصارى أنه غير محرف، الأمر الذي دفع علماء المسلمين لنقد ما يدعون وإثبات التحريف والتبديل في الكتاب المقدس.

4 - ادعاء النصارى أن المسيحية دين عالمي وغير ذلك من الدعاوى الباطلة إلى يتمسك بها النصارى مما جعل علماء المسلمين يوجهون أقلامهم للرد علي هؤلاء بالدراسة النقدية لبيان حقيقة ما يدعون.

5 - أن التوراة الحالية وكذلك الأناجيل ليست وحيا من عند الله وبالتالى فهي من وضع بشر وكلام البشر خاضع بلا شك للنقد والمناقشة لبيان الصحيح من الفاسد فيه.

6 - الكشف عن حقيقة كتبة التوراة والأناجيل وأنهم الذين أفسدوا دين عيسى -عليه السلام فزادوا وأنقصوا وبدلوا وغيروا حسب أهوائهم.

7 - اختلاف عقائد النصارى، وتباين أفكارهم مما أدى إلى تعرض طوائفهم- بما تتبنى من أفكار خاطئة- للنقد من قبل علماء المسلمين.

8 - تعدد فرق اليهود بين متعصبين ومفرطين ومغالين في العقيدة والتشريع والأخلاق واعتمادهم في ذلك كله على نصوص التوراة المحرفة وبقية مصادرهم المزيفة ومن هؤلاء:

(شاول "بولس" الذي حقد على دعوة المسيح ولم يستطع القضاء بالكلية على أهلها أو عليها فتظاهر باتباع المسيح على أثر اختياره له وهو في طريقه إلى الشام للقضاء على المسيحيين فيها ثم ألف كتبا وأرسى قواعد صارت ضمن التشريع المعمول به عند النصارى وكان لتعاليمه أثرها الواضح في تحريم ما أحل المسيح بدءاً أو نقلاً عن العهد القديم وكذلك حل ما حرمه العهد القديم وكذلك المسيح وقد عمل ذلك دون نظر إلى نصوص العهد القديم أو الأناجيل بعين التقدير) (1).

وبالتالى كان لا بد للنقاد المسلمين وغيرهم أن يفضحوا أفعال هؤلاء وينبهوا الناس لما أحدثوه من تحريف وتزييف حتى لا يُخدع بأقوالهم أحد.


(1) مقدمة المنتخب الجليل: د / بكر زكي عوض ص 6 مرجع سابق.

9 - اختلاف تراجم (1) العهد القديم وتعددها إلى سامرية، عبرية، يونانية وغيرها مما أدى إلى وجود تناقضات كثيرة جداً فضلاً عما فيها من زيادة ونقصان يؤدى إلى فقدان الثقة في العهد القديم خاصة وفي الكتاب المقدس عامة، الأمر الذي يدفع علماء المسلمين إلى ضرورة المقابلة بين النسخ لاكتشاف ما فيها من تناقضات واختلافات.

ولذلك فإن (تفاوت الطبعات يحمل بين طياته تفاوتا في كثير من النصوص بما لا يمكن القطع بأن الطبعة الثانية هى عين الأولى، ومن يرجع إلى الطبعة المفهرسة للكتاب المقدس (1883 م /1983م) يدرك من الصفحة الأولى وعنوانها "تنبيه" أن التحريف قد وقع في هذا الكتاب من خلال ما ذكره هؤلاء من إشارات متعلقة بالكتاب إلى تدل دلالة قطعية على الزيادة والنقصان


(1) يذكر علماء اللغات أن جميع أسفار العهد القديم قد دونت بلغة واحدة وهي اللغة العبرية، ما عدا بعض الفقرات باللغة الآرامية من سفري عزرا ودانيال وفقرة واحدة من سفر أرميا- ثم ترجمت هذه الأسفار إلى اللغات الأخرى لتسد حاجة اليهود الذين لم يعرفوا العبرية كذلك ترجمه المسيحيون لينتفع به الذين اعتنقوا المسيحية (تأثر اليهودية بالأديان الوثنية د/ فتحى الزغبي ص 57، 58). ومن أهم هذد الترجمات ما يلي:
أ- الترجمة الآرامية القديمة: حينما رجع يهود السبي من بابل وجدوا أن الآرامية هى اللغة السائدة في فلسطين وأصبحت العبرية لغة يصعب فهمها مما أدي إلى ضرورة إيجاد ترجمة بالآرامية ليفهمها الشعب ومن هنا ظهرت التراجم الآرامية لأسفار العهد القديم.
ب. الترجمة الإغريقية السبعينية: يرجع أصل تسمية الترجمة الإغريقية بالسبعينية إلى ما تقوله التقاليد اليهودية من أن سبعين عالماً من علماء الإسكندرية تحت رعاية بطليموس الثاني "فيلادلفوس" (282 - 246 ق. م) ترجموا الأسفار الخمسة الأولى إلى اليونانية في النصف الأول من القرن الثالث ق. م (285 - 247) أما بقية أسفار العهد القديم فقد ترجمت في الفترة بين سنة 250 - 100ق. م وتشتمل هذة الترجمة على أسفار الأبوكريفا إلى لا توجد في النسخة العبرية.
ج. الترجمة السامرية: ترجد ترجمة آرامية للتوراة- أسفار موسى الخمسة- يستخدمها السامريون وتعرف بالترجمة السامرية، ولقد كانت التوراة السامرية أصلا بالعبرية ولكنها مكتوبة بحروفٍ سامرية؛ ولكن عندما فقد اللسان العبرى بين السامريين رأوا أنهم في حاجة إلى ترجمة باللغة الآرامية إلى يفهمونها ,ولقد بدأ تصنيفها في القرن الأول الميلادي واستمر العمل بها حتى حلت اللغة العربية محل الآرامية في القرن الحادي عشر.
د. الترجمة اللاتينية: تُرجمت أسفار العهد القديم عن الترجمة السبعينية إلى اللغة اللاتينية وبدأت أول ترجمة في أواخر القرن الثاني الميلادي ويُطلق عليها اسم الترجمة اللاتينية القديمة.
د. الترجمة الآرامية الحديثة: ترجم أحبار اليهود في فلسطين أسفار العهد القديم من العبرية إلى اللهجة الآرامية الحديثة وساروا في ترجمتهم هذه على منهج خاص يختلف عن مناهج التراجم المعتادة فكانوا يدونون الفقرة بنصها العبري، ثم يتبعونها بترجمتها إلي اللغة الآرامية وقد أُطلق على كتبهم هذه اسم "الترجوم" وقد أُلفت في الفترة الواقعة بين أوائل القرن الثاني وأواخر القرن الخامس بعد الميلاد، وتم معظمها في القرنين الرابع والخامس الميلاديين.
و. الترجة السريانية: ترجم العهد القديم إلى اللغة السريانية فى خلال القرن الثانى الميلادي ليخدم الطوائف اليهودية التى انتشر بينها هذا اللسان الآرامى وقد قبلتها الكنيسة المسيحية .. وسارت هى النسخة إلى يأخذ بها النصارى اليعاقبة والنسطوريون بداية من القرن الخامس الميلادي.
ز. وهناك ترجمات ثانوية لأنها لم تُنقل عن العبرية رأساً بل نقلت عن اليونانية: مثل الترجمة القبطية، الترجمة الإثيوبية أو الحبشية والترجمة الأرمينية والترجمة الغوطية والترجمة الجورجانية والترجمة السلافية.

والذكر والعدم والاختيار بين بدائل دون أخرى) (2).


ح. الترجمات العربية: تبع انتشار الإسلام خارج حدود الجزيرة العربية ترجمات للكتاب المقدس باللغة العربية وأول ترجمة عربية كانت في عام 724 م قام بها "يوحنا" أسقف إشبيلية من أجل مساعدة المسيحيين والمغاربة بواسطتها ثم قام "سعيد بن يوسف الفيومى" بترجمة التوراة من العبرانية إلى اللغة العربية في (892 - 942 م) لمنفعة يهود المشرق، وترجم في باريس عام 1645م، وو لندن 1657 م، وفي روما 1671 م، وترجم في 1857م وغير ذلك من الترجمات (لمزيد من التفصيل يراجع: تأثر اليهودية بالأديان الوثنية د/ الزغبي ص 57 - 62، والأسفار المقدسة د/ علي عبد الواحد وافي ص 19 - 22، ط، دار نهضة مصر بالقاهرة، واليهودية واليهود د/ وافي ص 19 - 23. ط / دار نهضة مصر، الأجوبة الجلية في دحض الدعوات النصرانية للدمشقى الطيبي ص 13 - 22 تحقيق د/أحمد حجاري السقا. ط /مكتبة الإيمان بالمنصورة 1412 هـ - 1992 م وقاموس الكتاب المقدس ص 771).
(2) مقدمة المنتخب الجليل د/ بكر زكى عوض ص 11 مرجع سابق.

  • الثلاثاء AM 09:53
    2022-05-17
  • 678
Powered by: GateGold