المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409178
يتصفح الموقع حاليا : 392

البحث

البحث

عرض المادة

ذرية إسماعيل المباركة

خرج إبراهيم عليه السلام من أرض العراق واتجه إلى الأرض المباركة، أرض فلسطين، وتذكر التوراة أن عمره حينذاك الخامسة والسبعين، ولما يولد له ولد، وخرج بعد أن بشره الله بأن قال: "أجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة ... وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (التكوين 12/ 2 - 3).

وفي أرض فلسطين حملت هاجر - مولاة سارة - بابنها إسماعيل - عليه السلام -، وتذكر التوراة غِيرة سارة من هاجر وقد أضحى لها ذرية، فيما حرمت سارة الولد والذرية حتى ذلك الحين.

عندها أذلت سارة هاجر، فهربت هاجر من وجه مولاتها " فقال لها ملاك الرب: ارجعي إلى مولاتك واخضعي تحت يديها. وقال لها ملاك الرب: تكثيراً أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة، وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى فتلدين ابناً، وتدعين اسمه: إسماعيل، لأن الرب قد سمع لمذلتك، وإنه يكون إنساناً وحشياً (1)، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن " (التكوين 16/ 11 - 12)، لقد بشرها الملاك بابن عظيم يسود على كل أحد، لكنه أحياناً يكون على خلاف ذلك، فيتسلط عليه كل أحد.

وولدت هاجر ابنها إسماعيل - عليه السلام -، فكان بكراً لإبراهيم - عليه السلام -، "وكان أبرام ابن ست وثمانين سنة لما ولدت هاجر إسماعيل" (التكوين 16/ 16).

ولما بلغ إبراهيم التاسعة والتسعين تجددت البركة من الله لإبراهيم " قال له: أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً، فأجعل عهدي بيني وبينك، وأكثرك كثيراً جداً .. أجعلك أباً لجمهور من الأمم، وأثمرك كثيراً جداً، وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون، وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً ... " (التكوين 17/ 1 - 8).

وابتلى الله إبراهيم - عليه السلام -، فأمره بذبح ابنه الوحيد يومذاك، إسماعيل، فاستجاب وابنه، وامتثلا لأمر الله، وحينها "نادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء، وقال: بذاتي أقسمت، يقول الرب: إني من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك، أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيراً، كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر، ويرث نسلك باب أعدائه" (التكوين 22/ 1 - 17).

وطلب إبراهيم - عليه السلام - من الله الصلاح في ابنه إسماعيل: " قال إبراهيم لله: ليت إسماعيل يعيش أمامك" (التكوين 17/ 18).

فاستجاب الله له وبشره بالبركة فيه وفي ابن آخر يهبه الله له، فقد بشره بميلاد إسحاق من زوجه سارة فقال: " وأباركها وأعطيك أيضاً منها ابناً، أباركها فتكون أمماً، وملوك شعوب منها يكونون ... وتدعو اسمه إسحاق، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً لنسله من بعده.

وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة " (التكوين 17/ 16 - 20).

وقد كان إسحاق - عليه السلام - أصغر من إسماعيل - عليه السلام - بأربع عشرة سنة "وكان إبراهيم ابن مائة سنة حين ولد له إسحاق ابنه" (التكوين 21/ 5).

وقد ولد لإبراهيم أبناء آخرون من زوجته قطورة، لكن الله لم يعده بالبركة فيهم "عاد إبراهيم فأخذ زوجة اسمها قطورة، فولدت له زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا" (التكوين 25/ 1 - 2)، ولم يخرج من نسلهم أنبياء لعدم الوعد فيهم بالبركة.

وهذا الذي تذكره التوراة يتفق إلى حد كبير مع ما يقوله القرآن، فالقرآن يقرر بركة وعهداً لإبراهيم في صالحي ذريته من ابنيه المباركين إسماعيل وإسحاق، حيث يقول: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} (البقرة: 124).

وذكر الله بركة الابنين وأن من ذريتهما صالح مستحق للعهد، وظالم ليس له من العهد شيء فقال عن إسماعيل: {وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين} (الصافات: 113).

وهذا يتفق مع ما جاء في التوراة التي نصت على أن العهد والاصطفاء مشروط بالعمل الصالح، والبركة التي أُعطيها إبراهيم إنما هي بسبب عمله الصالح، "تتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أن إبراهيم سمع لقولي، وحفظ ما يحفظ لي أوامري وفرائضي وشرائعي" (التكوين 26/ 4).

وتتوالى البركة في ذريته وفق هذا الشرط "سر أمامي وكن كاملاً فأجعل عهدي .. " (التكوين 17/ 1 - 2)، وكما قال عنه وعن ذريته المباركة: " إبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية، ويتبارك به جميع أمم الأرض، لأني عرفته، لكي يوصي بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب، ليعملوا براً وعدلاً، لكي يأتي الرب لإبراهيم بما تكلم به " (التكوين 18/ 18 - 19)، فالعمل بوصايا الله هو سبب هذه البركة، وقد قال الله لإبراهيم: "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض، من أجل أنك سمعت لقولي" (التكوين 22/ 18).

ووفق هذا الشرط كانت البركة والعهد لأبناء لاوي " إني أرسلت إليكم هذه الوصية، لكون عهدي مع لاوي قال رب الجنود. كان عهدي معه للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى، فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو، شريعة الحق كانت في فيه، وإثم لم يوجد في شفتيه، سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم " (ملاخي 2/ 4 - 7).

فبركة الله إنما تكون للصالحين، ولعنته هي نصيب الكافرين، كما قال الله لموسى: " انظر. أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة، البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم، واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيكم بها اليوم، لتذهبوا وراء آلهة أخرى لم تعرفوها" (التثنية 11/ 26 - 28).

كما قال الله له أيضاً: "فاحفظ الوصايا والفرائض والأحكام التي أنا أوصيك اليوم لتعملها، ومن أجل أنكم تسمعون هذه الأحكام وتحفظون وتعملونها، يحفظ لك الرب إلهك العهد والإحسان اللذين أقسم لآبائك، ويحبك ويباركك ويكثرك، ويبارك ثمرة بطنك وثمرة أرضك " (التثنية 7/ 11 - 13)، و (انظر: التثنية 28/ 1 - 68) وهكذا فالبركة مشروطة بطاعة الله والاستقامة على دينه، فإذا ما نكَل بنو إسرائيل عنها حاقت عليهم اللعنة والبوار.

وبالفعل بدأت بركة إبراهيم بابنه الثاني إسحاق، وذلك لا يعني حرمان إسماعيل من نصيبه من البركة "ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة الآتية " (التكوين 17/ 21).

وتذكر التوراة أنه بعد فطام سارة لإسحاق، هاجرت هاجر وابنها، وأنها " مضت وتاهت في برية بئر سبع، ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار .. ونادى ملاك الله هاجر .. قومي احملي الغلام، وشدي يدك به، لأني سأجعله أمة عظيمة، وفتح الله عينيها فأبصرت بئر ماء .. وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر " (التكوين 21/ 17 - 21).

ويتجاهل النص التوراتي خصوصية إسماعيل في نبع ماء زمزم المبارك في مكة المكرمة، ويرى قصة الهجرة في صحراء بئر سبع جنوب فلسطين، ثم يسميها برية فاران. (2)

ونعود للبركة الموعودة في ابني إبراهيم، فما هي البركة التي جعلها الله في إسحاق وإسماعيل؟ هي بلا ريب بركة النبوة والكتاب والملك بأمر الله والظهور باسمه {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} (الجاثية: 16).

ويعتبر اليهود والنصارى من بعدهم أن الوعد في إسحاق وعد أبدي لن ينتقل إلى غيرهم، فقد قيل: "فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً، وتدعو اسمه إسحاق. وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً، لنسله من بعده ... ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية" (التكوين 17/ 19 - 21)، فقد فهموا من كلمة (أبدياً) أن العهد لبني إسرائيل إلى يوم القيامة، وأنه غير مشروط ولا متعلق بصلاحهم وانقيادهم لأمر الله.

لكن كلمة (الأبد) لا تعني بالضرورة الاستمرار إلى قيام الساعة، بل تعني طول الفترة فحسب، ومثل هذا الاستخدام معهود في التوراة، يقول سفر الملوك: "فبرص نعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد" (الملوك (2) 5/ 27)، فالأبدية هنا غير مقصودة، وإلا لزم أن نرى ذريته اليوم أمة كبيرة تتوالد مصابة بالبرص.

وفي سفر الأيام "وقال لي: إن سليمان ابنك، هو يبني بيتي ودياري، لأني اخترته لي ابناً، وأنا أكون له أباً، وأثبت مملكته إلى الأبد" (الأيام (1) 28/ 6)، وقد انتهت مملكتهم منذ ما يربو على ألفين وخمسمائة سنة على يد بختنصر البابلي، فالمراد بالأبدية الوقت الطويل فحسب.

ووقتَّ سفر التثنية الأبدية بما يساوي عشرة أجيال، فقال: "لا يدخل عموني ولا موآبي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد، من أجل أنهم لم يلاقوكم بالخبز والماء" (التثنية 33/ 3 - 4)، فالجيل الحادي عشر للمؤابي غير محروم من جماعة الرب، وهو دون الأبد والقيامة.

ومثله قول دانيال لنبوخذ نصر: "فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك عش إلى الأبد" (دانيال 6/ 21)، أي عش طويلاً.

نعم لقد استبدلت البركة باللعن والطرد، فقد رذلهم الله واستبدلهم بغيرهم بعد أن تنكروا لشرعه ودينه " والآن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة، إن كنتم لا تسمعون ولا تجعلون في القلب لتعطوا مجداً لاسمي، قال رب الجنود: فإني أرسل عليكم اللعن، وألعن بركاتكم، بل قد لعنتها لأنكم لستم جاعلين في القلب، ها أنا ذا أنتهر لكم الزرع، وأمدّ الفرث على وجوهكم" (ملاخي 2/ 1 - 3).

وعليه نقول: إن العهد قد بدأ بإسحاق - عليه السلام -، وهو وعد أبدي متطاول إلى أجيال بعيدة، وهو ما تم حين بعث الله النبيين في بني إسرائيل، وأرسل إليهم الكتب، وأيدهم بسلطانه وغلبته على الأمم التي جاورتهم، وأقام لهم مملكة ظافرة إلى حين. ويتفق اليهود والنصارى مع المسلمين في أن بركة إسحاق - عليه السلام - أثمرت النبوة والملك والكتاب والكثرة والغلبة، لكنهم يعتبرون وعد إسماعيل - عليه السلام - وبركته أثمر الكثرة فقط، " وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة " (التكوين 17/ 20).

وهذا التفريق أيضاً بخلاف ما جاء في النصوص التي لم تفرق بالألفاظ والمعاني بين الأخوين المباركين، وعليه فبركة إسماعيل هي كبركة إسحاق: نبوة وكتاب وحكم وكثرة. فمتى تحقق ذلك لإسماعيل؟ متى اجتمع له ذلك؟

نقول: لم يجتمع له ذلك إلا في بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - من ذريته، فتحولت قبائل بنيه المتفرقة الضعيفة إلى ملك عظيم ساد الدنيا، واجتمع إلى كثرتهم النبوة والكتاب، فتحقق ما وعد الله إبراهيم وهاجر في ابنهما إسماعيل.

وإلا فأين تحققت البركة في إسماعيل - عليه السلام - الذي أخبر النص عن حاله، فقال: " يكون إنساناً وحشياً، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه " (التكوين 6/ 12) أي أنه يغلب تارة فيسود الجميع كما يسود الجميع عليه تارة أخرى.

وقد ساد العرب المسلمون الأمم برسول الله ودولته، وفيما عدا ذلك كانوا أذل الأمم وأضعفها وأبعدها عن أن يكونوا محلاً لبركة الله، إذ لا بركة في قبائل وثنية تكاثرت على عبادة الأوثان والظلم، فمثل هؤلاء لا يكونون في بركة الله.

وإذا عدنا إلى النصوص العبرية القديمة التي تحدثت عن إسماعيل نجد النص كالتالي " وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً (بماد ماد) اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة (لجوى جدول) " (التكوين 12/ 2) فكلمتي (ماد ماد) و (لجوى جدول) هما رمزان وضعا بدل اسم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلمة (ماد ماد) - حسب حساب الجمّل (3) الذي يهتم به اليهود ويرمزون به في كتبهم ونبوءاتهم تساوي 92، ومثله كلمة " لجوى جدول " وهو ما يساوي كلمة " محمد ".

وكان السمؤل أحد أحبار اليهود المهتدين إلى الإسلام قد نبه إلى ذلك، ومثله فعل الحبر المهتدي عبد السلام في رسالته " الرسالة الهادية".

ونقول: إن ما جاء في سفر التكوين عن وجود بركة في العرب تمثلت بنبوة وملك يقيمهم الله في العرب هو النقطة الأساس التي يخالفنا فيها أهل الكتاب، وهي المدخل الأهم لنبوءات الكتاب المقدس، إذ أن كثيراً مما يذكره المسلمون من نصوص توراتية يرونها نبوءات بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، كثير من هذه النصوص يراها النصارى أيضاً نبوءات بالمسيح أو غيره من أنبياء اليهود، ويمنعون أن تخرج هذه النبوءات عن بني إسرائيل.


(1) ذكر بعض المحققين أن النص في النصوص العبرانية القديمة استخدم ما معناه: إنساناً مثمراً، فيما الترجمة المتداولة تجعله وحشياً؟!

(2) لكن الكتاب المقدس عودنا على الأخطاء الجغرافية وغيرها المتكررة فيه، وكثرتها دعت الدكتور صبري جوهرة أن يقول، وهو يلخص رأي الكنيسة:" إن الله يسمح للإنسان (كاتب السفر) بأن يضع كل إحساساته وخبراته وحساسياته وميوله في النصوص مادام ذلك لا يغير ما قصده الله من معاني السفر الأخلاقية والدينية، وبالتالي تعترف الكنيسة بعدم دقة الكتاب في معلوماته الفلكية والجغرافية والتاريخية والجيولوجية .. الخ، فالمقصود بالكتاب هو أن يعلم الدين والأخلاق، ويساعد على الوصول إلى طريق الصلاح والسعادة ". اختلافات في تراجم الكتاب المقدس، أحمد عبد الوهاب، ص (61 - 62)، وانظر تاريخ الفكر المسيحي، الدكتور القس حنا جرجس الخضري (169 - 170).

(3) يجعل اليهود لكل حرف من الحروف مقابلاً من الأرقام، فالألف =1، والباء=2 .. وهكذا حسب الترتيب الأبجدي، ويعطى الحرف الحادي عشر (ك) الرقم20، و (ل) =30 .. فيما يعطى الحرف التاسع عشر (ف) الرقم 100، ثم (ص) =200 ... وهكذا.

 

  • الاثنين AM 09:40
    2022-05-16
  • 1558
Powered by: GateGold