المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412615
يتصفح الموقع حاليا : 294

البحث

البحث

عرض المادة

تناقضات العهد القديم

التناسق الداخلي شرط لا يختلف العقلاء على لزوم اشتراطه في توثيق نسبة أي كتاب إلى الله عز وجل، فالكتاب الذي يكذِّب بعضه بعضاً، لا يمكن اعتباره كتاباً مقدساً، كما لا يمكن اعتبار بقيته مقدساً، إذ وجود الكذب في بعضه يطرح الشك في مصدره الكاذب. {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء: 82).

ولوجود التناقضات في الكتاب المقدس دلالات كثيرة أهمها: أنه يثبت أن هذه الأسفار بشرية في مصدرها، فقد وقع كُتّابها فيما يقع فيه البشر الضعفاء الذين يتوقع منهم الجهل، ولو كانت هذه الأسفار ملهمة من قبل الله لما خالف كُتابها بعضَهم فيما أوردوه من معلومات تاريخية وغيرها.

ووقوع الخطأ من أحد المتناقضين من كُتَّاب التوراة في قضايا بسيطة يسهل حفظها والتمكن منها يشير إلى إمكانية بل تحقق وقوع مثله في المسائل اللاهوتية والغيبية التي تحتاج إلى مزيد من العناية والتدقيق.

وهذه التناقضات التي نسوقها، معظمها توصلنا إليه من خلال دراسة أجزاء تم إعادة كتابتها ثانية من قبل كتاب الأسفار، ولو كتبت بقية الأجزاء ثانية لوقفنا على تناقضات تطال كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الذي يدعي البعض أنه مقدس.

والتناقضات التوراتية كثيرة، ومنها ما هو متعلق بأصول المعتقد، ومنها ما هو متعلق بصفات الله عز وجل، فالأسفار التوراتية تصف الله بالصفة ونقيضها.

فتذكر التوراة أن الله " إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض، لا يكل ولا يعيا " (إشعيا 40/ 28)، وهو حق ولا ريب، لكنه يناقض ما ورد في مواضع أخرى زعمت أن الله يحتاج للاستراحة التي لا غناء للمتعب عنها بعد طول العمل والعناء، فبعد أن خلق الله السماوات والأرض تزعم الأسفار - كذباً - أنه استراح، فتقول: " فرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح " (التكوين 2/ 1)، ونحوه في سفر الخروج " في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع استراح وتنفّس" (الخروج 31/ 17).

وتحدثنا التوراة عن الله العظيم العليم، فتذكر أنه ليس كمثل البشر وضعفهم، فهو لا يندم ولا يكذب، فتقول: " ليس الله إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم، هل يقول ولا يفعل، أو يتكلم ولا يفي؟ " (العدد 23/ 19)، فالندم صفة الإنسان الجهول بعواقب الأمور "نصيح إسرائيل لا يكذب ولا يندم، لأنه ليس إنساناً ليندم" (صموئيل (1) 15/ 29).

ولكن التوراة تناقض ذلك فتنسب إلى الله الندم على أمور صنعها، ومن ذلك ندمه على اختيار شاول لملك بني إسرائيل، حيث يقول: " ندمت على أني جعلت شاول ملكاً، لأنه رجع من ورائي، ولم يقم كلامي " (صموئيل (1) 15/ 10)، فهل الله يندم أم لا؟.

وتذكر التوراة أن الله لا يرى " حقاً أنت إله محتجب، يا إله إسرائيل " (إشعيا 45/ 15)، والإنسان لا يقدر على رؤيته، فقد قال الله لموسى: " لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش " (الخروج 33/ 19 - 20).

لكن الأسفار التوراتية تذكر كثيرين رأوا الله، منهم شيوخ بني إسرائيل " لما صعد موسى وهارون وناراب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل رأوا إله إسرائيل" (الخروج 24/ 9)، ومنهم يعقوب فقد رآه حين صارعه " فدعا يعقوب اسم المكان: " فينئيل " قائلاً: لأني نظرت الله وجهاً لوجه، ونجيت نفسي " (التكوين 32/ 30).

وقد يزعم البعض أن الذين رأوا الله رأوه حال تجسده، ولم يروه على هيئته وفي صورة مجده، ويرون أن المنفي رؤيته هو الله في مجده، وهذا التفريق لا دليل عليه، وتدحضه النصوص التي تحدثت عن أناس رأوا الله في صورة مجده.

منهم إشعيا حيث يقول: "في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل، السرافيم واقفون فوقه، لكل واحد ستة أجنحة، باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير .. فقلت: ويل لي، إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود. فطار إليّ واحد من السرافيم، وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، ومس بها فمي، وقال: إن هذه قد مست شفتيك فانتزع إثمك وكفر عن خطيتك" (إشعيا 6/ 1 - 7)، فقد رأى الله على عرشه وحوله الملائكة، وخاف على نفسه الموت، لأنه رأى الله الذي توعدت النصوص من يراه بالموت.

ومثله ما جاء في سفر الملوك عن رؤية النبي ميخا لله، حيث يقول: "قد رأيت الرب جالساً على كرسيه، وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره ... " (الملوك (1) 22/ 19). فميخا حسب النص يرى الله في السماء على كرسيه، وهو بين ملائكته، فهو ليس متجسداً ...

وموسى طلب رؤية الله في مجده، ويذكر سفر الخروج أنه رآه بالفعل، لكنه لم ير وجهه "فقال: أرني مجدك ... قال: لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش. وقال الرب: هوذا عندي مكان، فتقف على الصخرة. ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى اجتاز. ثم ارفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يرى" (الخروج 33/ 18 - 23) فتفيد القصة أن وجه الله، أي الحقيقي لا يرى، ومن رآه يموت، لكن جسده الحقيقي رئي من قبل موسى، فقد مر من أمام الصخرة فرآه.

ومن تناقضات التوراة ترددها في وصف الله بالقدرة التامة تارة، وبالعجز تارة أخرى، فقد وصفه سفر طوبيا بوصف حق حين قال: "لا إله قادر على كل شيء سواه" (طوبيا 13/ 4)، ومثله في (أيوب 42/ 2).

وهذا المعتقد الصحيح تنقضه التوراة في مواطن كثيرة، نسبت إلى الله العجز كما مرّ معنا في غلبة يعقوب عليه في المصارعة (انظر: التكوين 32/ 24 - 32)، كما عجز عن طرد الكنعانيين الذين كانوا يمتلكون مركبات حديدية، إذ تقول الأسفار: "وكان الرب مع يهوذا، فملك الجبل، ولم يطرد سكان الوادي، لأن لهم مركبات من حديد " (القضاة 1/ 19).

وتتحدث التوراة عن رحمة الله وحلمه، فتقول: " الرب حنان رحوم بطيء عن الغضب، وعظيم النعمة " (المزمور 145/ 8)، ثم تنقضه حين تذكر ما حصل مع أهل بيت شمس الذين رأوا التابوت فقتلهم جميعاً، وكانوا أكثر من خمسين ألف رجل "وضرب الرب من أهل بيت شمس، لأنهم رأوا تابوت الرب، وضرب من الشعب سبعين رجلاً وخمسين ألف رجل" (صموئيل (1) 6/ 19) فهل يستحق هذا الفعل هذه العقوبة؟ والله حنان رحوم بطيء الغضب!

وأيضاً تصف التوراة بصر الله ومعرفته بما يصنعه عباده، فتقول: " عينا الرب محيطتان بكل الأرض" (الأيام (2) 16/ 9)، وتؤكده في سفر الأمثال " عينا الرب في كل مكان يترقبان الصالحين والطالحين " (الأمثال 15/ 3)، وتقول: "الرب إله عليم" (صموئيل (1) 2/ 3).

ولكن في سفر التكوين تنقضه، فتجعله جاهلاً ببعض صنائع عباده، إذ لما اختبأ آدم في الجنة بحث عنه الإله " فدعا الربُ الإلهُ آدمَ وقال له: أين أنت؟ " (التكوين 3/ 9)، ثم لم يعرف أن آدم أكل من الشجرة وصار عارفاً للخير من الشر، وأنه قد أدرك سوءة العري، فقال له: " من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ " (التكوين 3/ 11).

وكذا لما بدأ أهل بابل ببناء مدينتهم وبرجهم، أراد الرب - تعالى عن ذلك - أن يعرف ماذا يصنعون " فنزل الرب لينظر المدينة والبرج الذي كان يبتنيه بنو آدم ... وقال الرب هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل، والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه" (التكوين 11/ 5 - 6)، فكأنه خشي من اجتماع بني آدم وما يمكن أن ينتج عنه، فقال: "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفّوا عن بنيان المدينة" (التكوين 11/ 7).

- ومن التناقض أيضاً تناقض الأسفار في مسألة وراثة الذنب، ففي سفر الخروج ذكر أن الرب "مفتقد إثم الآباء في الأبناء، وفي أبناء الأبناء، في الجيل الثالث والرابع " (التثنية 34/ 7) فالأبناء يعاقبون بجريرة آبائهم. وفي سفر حزقيال كذب ذلك فقال: " الابن لا يحمل من إثم أبيه، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون" (حزقيال 18/ 20).

- وفي سفر حزقيال ينعي الرب على بني إسرائيل أنهم تركوا شريعتهم وعملوا بشرائع الأمم المجاورة، فيقول: " أنا الرب الذي لم تسلكوا في فرائضه، ولم تعملوا بأحكامه، بل عملتم حسب أحكام الأمم الذين حولكم " (حزقيال 11/ 12)، ولكنه ينقضه السفر نفسه، حين يذكر أنهم لم يعملوا بشرائع الله ولا بشرائع الأمم الذين حولهم، فيقول: " لم تسلكوا في فرائضي، ولم تعملوا حسب أحكامي، ولا عملتم حسب أحكام الأمم التي حواليكم " (حزقيال 5/ 7)، فهل عملوا وفق أحكام الأمم المجاورة أم لم يعملوا؟

- ويتناقض الكتاب في مسألة عودة بني إسرائيل إلى مصر، ففي بعض المواضع يخبر الكتاب بأن الله توعدهم بإرجوعهم إلى أرض ذلتهم، إلى مصر فقال لهم: "لأن أفرايم كثّر مذابح للخطية؛ صارت له المذابح للخطية .. الآن يذكر إثمهم، ويعاقب خطيتهم، إنهم إلى مصر يرجعون" (هوشع 8/ 11 - 13)، ويؤكد على هذه العقوبة في الإصحاح التالي بقوله: "لا يسكنون في أرض الرب، بل يرجع أفرايم إلى مصر، ويأكلون النجس في أشور" (هوشع 9/ 3).

لكن الكتاب في موضع آخر من نفس السفر يذكر الكتاب أن بني إسرائيل ارتدوا عن عبادة الله وعبدوا البعليم رغم إنعام الرب عليهم وعلى سبط أفرايم خصوصاً، ولذلك عاقبهم بقوله: "وأنا درّجت أفرايم ممسكاً إياهم بأذرعهم، فلم يعرفوا أني شفيتهم .. لا يرجع إلى أرض مصر، بل أشور هو ملكه، لأنهم أبوا أن يرجعوا، يثور السيف في مدنهم، ويتلف عصيّها، ويأكلهم من أجل آرائهم" (هوشع 11/ 5 - 6)، فعقوبتهم - حسب هذه الفقرة - هي عدم إرجاعهم إلى مصر خلافاً للنصين السابقين، لذا يثور السؤال: أيهما هو العقوبة الحقيقية التي توعد الله بها بني إسرائيل؟ العودة إلى مصر أم الحرمان منها؟

- ومن التناقضات الغريبة ما ورد في آخر سفر صموئيل الأول وأول سفر صموئيل الثاني، حيث يتحدث السفران عن نهايتين مختلفتين للملك شاول، فيقول السفر الأول بموته منتحراً بسيفه، فقد جاء فيه: "فقال شاول لحامل سلاحه: استل سيفك واطعنّي به، لئلا يأتي هؤلاء الغلف ويطعنوني ويقبحوني، فلم يشأ حامل سلاحه، لأنه خاف جداً، فأخذ شاول السيف، وسقط عليه، ولما رأى حامل سلاحه أنه قد مات شاول، سقط هو أيضاً على سيفه ومات معه" (صموئيل (1) 31/ 4 - 5).

ولكن لو ألقى القارئ ببصره إلى الصفحة التالية فإنه واجد أن شاول مات بيد رجل من العماليق وأن داود قتله انتقاماً لشاول مسيح الرب، حيث يقول السفر الثاني: "فقال الغلام الذي أخبره: اتفق أني كنت في جبل جلبوع، وإذا شاول يتوكأ على رمحه، وإذا بالمركبات والفرسان يشدّون وراءه، فالتفت إلى ورائه، فرآني، ودعاني فقلت: ها أنذا، فقال لي: من أنت؟ فقلت له: عماليقي أنا. فقال لي: قف عليّ واقتلني، لأنه قد اعتراني الدوار، لأن كل نفسي بعد فيّ. فوقفت عليه، وقتلته، لأني علمت أنه لا يعيش بعد سقوطه، وأخذت الإكليل الذي على رأسه والسوار الذي على ذراعه، وأتيت بهما إلى سيدي ههنا" (صموئيل (2) 1/ 6 - 10)، فهل قتل شاول نفسه أم قتله الرجل العماليقي؟ وما سبب ورود الطريقتين معاً في الكتاب؟

يجيب محققو الرهبانية اليسوعية: "تقليد آخر في موت شاول .. وهي مزيج من عناصر مختلفة".

- وأياً كانت طريقة موت شاول فإن الله قتله نتيجة لأخطائه، والتي منها أنه لجأ إلى العرّافة ولم يسأل الله "فمات شاول بخيانته التي بها خان الرب، من أجل كلام الرب الذي لم يحفظه، وأيضاً لأجل طلبه إلى الجان للسؤال، ولم يسأل من الرب، فأماته" (الأيام (1) 10/ 13).

لكن سفر صموئيل يبرئ ساحة شاول من أحد هذه الآثام، فقد سأل شاولُ اللهَ قبل أن يلجأ للعرافة يقول السفر: " فسأل شاول من الرب، فلم يجبه الرب، لا بالأحلام ولا بالأوريم ولا بالأنبياء، فقال شاول لعبيده: فتشوا لي على امرأة صاحبة جان " (صموئيل (1) 28/ 6 - 7)، فأي السفرين يصدق القارئ الكريم؟ هل سأل شاول الله أم لم يسأله قبل أن يسأل العرافة؟

- وليس خبر موت شاول بأعجب من خبر موت جليات الجتي الفلسطيني، فقد أماته الكتاب المقدس مرتين: أولاهما في أيام شاول على يد داود كما في سفر صموئيل الأول " وفيما هو يكلمهم إذا برجل مبارز، اسمه جليات الفلسطيني، من جتّ صاعد من صفوف الفلسطينيين " ثم يمضي السفر فيبين كيف قتله داود عليه السلام " فركض داود، ووقف على الفلسطيني، وأخذ سيفه، واخترطه من غمده، وقتله، وقطع به رأسه، فلما رأى الفلسطينيون أن جبارهم قد مات، هربوا " (صموئيل (1) 17/ 23 - 51).

أما سفر صموئيل الثاني فيذكر أن الذي قتل جليات هو ألحانان بن يعري، وذلك زمن حكم داود " ثم كانت أيضاً حرب في جوب مع الفلسطينيين، فألحانان بن يعري أرجيم البيت لحمي قتل جليات الجتّي " (صموئيل (2) 21/ 19)، فأيهما قَتل جليات، داود أم ألحانان؟

يحاول كاتب سفر الأيام حل هذه المعضلة، فيقول: " وكانت أيضاً حرب مع الفلسطينيين، فقتل ألحانان بن ياعور لحمي أخا جليات الجتّي" (الأيام (1) 20/ 5)، فالمقتول على يد داود هو جليات، والمقتول على يد ألحانان هو أخوه، وما جاء في صموئيل الثاني خطأ غير مقصود، وسببه كما نقل القس صموئيل عن بعض العلماء أنه "حدث هذا الخلط عند إعادة كتابة سفر صموئيل للتشابه في العبرية بين كلمة (???)، وهي أداة المفعول به، والكلمة (?????) التي تعني أخا، وبهذا يكون الحانان قتل أخا جليات الفلسطيني الذي قتله داود". (1)

ويوافق على الإقرار بهذا الخطأ القس منيس عبد النور، ومحققو الترجمة العربية المشتركة الذين أصلحوا الخلل، وزادوا كلمة (أخا) في سفر صموئيل، ليغدو النص عندهم: " فقتل ألحانان بن يائير الذي من بيت لحم أخا جليات الجتي"، فلهم من قراء الكتاب المقدس الكثير من الشكر على هذا التصحيح الذي تأخر عشرين قرناً، ونرجو منهم تنبيه بقية طابعي نسخ الكتاب المقدس ليقوموا بمثل هذا التصحيح في نسخهم وتراجمهم العالمية التي ما تزال تضل قراءها وتذكر لهم أن جليات قتل مرتين.!

لكن علماء الكتاب المقدس لن يرضيهم مثل هذا الحل على بساطته، فلجؤوا إلى حلول متناقضة زادت المسالة تعقيداً، تنقلها إلينا موسوعة دائرة المعارف الكتابية، فتقول: " وهناك جملة افتراضات لحل هذه المسألة:

- افتراض وجود جبارين باسم جليات، أحدهما قتله داود، والثاني قتله ألحانان.

- أو افتراض أن "جليات" كان لقباً لطائفة من الجبابرة.

- الزعم بأن كلمة "أخ" سقطت من سفر صموئيل.

- الزعم بأن كاتب سفر الأخبار أضاف كلمة "أخ" لحل المشكلة.

- يزعم ايوالد وكنيدي أن القصة كانت أصلاً عن ألحانان، ثم نسبت إلى داود، أما من قتله داود فجبار مجهول الاسم [وإليه يميل محققو الرهبانية اليسوعية، وأن اسم جوليات قد أضيف على سفر صموئيل].

- ذكر جيروم والترجوم العبري - بناء على تقليد قديم - أن داود وألحانان اسمان لشخص واحد". (2)

وهكذا تختلف الحلول وتتضارب، إلا أنها - على كل حال - تتفق في الشهادة على أن هذا التناقض ليس من كلام الله.

وقبل أن نغادر خبر مقتل جليات، فإنه يلزمنا أن ننبه إلى خطأ تاريخي وقع به كاتب سفر صموئيل حين قال: "أخذ داود رأس الفلسطيني، وأتى به إلى أورشليم، ووضع أدواته في خيمته" (صموئيل (1) 17/ 54)، إذ أن أورشليم لم تكن من مدن اليهود زمن قتل جليات، وقد كان الملك شاول حينذاك مقيماً في جبعة شاول (انظر صموئيل (1) 14/ 2)، ثم افتتح داود أورشليم في السنة الثامنة من ملكه، وجعلها عاصمة لملكه (انظر صموئيل (2) 5/ 5 - 7)، وهكذا فإن من الخطأ البيِّن ذكر السفر ذهاب داود إلى أورشليم عاصمة اليبوسيين حينذاك، وقد أقر بهذا الغلط الآباء اليسوعيون فقالوا: "هذه الآية إضافة، إذ لم تفتح أورشليم إلا في وقت لاحق".

- وتناقض الكتاب في مسألة قتل شاول وجليات لن يكون أشد غرابة مما جاء به سفر الأمثال، إذ يوصي في فقرة واحدة بوصيتين متناقضتين، في أولاهما يدعو لعدم مقابلة الجاهل حسب حماقته، ثم يعود ليدعو إلى مقابلة الجاهل حسب حماقته، ليترك للقارئ دهشاً لا يدري بأي الوصيتين يعمل، يقول السفر: " لا تجاوب الجاهل حسب حماقته، لئلا تعدله أنت، جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيماً في عيني نفسه" (الأمثال 26/ 4 - 5)، فكيف يقابل أولئك الذين يهتدون بهدي الكتاب حماقة الجاهل؟

- ومن التناقضات التي وقع فيها كُتَّاب التوراة أنه جاء في سفر الملوك أن الله وعد داود فقال: "ويكون لداود ونسله وبيته وكرسيه سلام إلى الأبد" (الملوك (1) 2/ 33).

لكن في سفر صموئيل ما ينقض ذلك تماماً، فقد قال له الله: " والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد، لأنك احتقرتني، وأخذت امرأة أوريا الحثي" (صموئيل (2) 12/ 10)، فهل وُعِد بالسيف الأبدي أم بالسلام الأبدي، فالسيف والسلام ضدان لا يجتمعان.

- ومن التناقضات أنه جاء في سفر التكوين في الإصحاح السادس أن البهائم التي نجت مع نوح اثنين اثنين، من كل ما يدب على الأرض "فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حيّ من كل ذي جسد اثنين، من كلّ تدخل

إلى الفلك لاستبقائها معك، تكون ذكراً وأنثى، من الطيور كأجناسها، ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كلّ تدخل إليك لاستبقائها" (التكوين 6/ 20 - 21).

ثم نقض ذلك في الإصحاح السابع فقال: " وقال الرب لنوح: ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك ... من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة، ذكراً وأنثى .. ومن طيور السماء أيضاً سبعة سبعة ذكراً وأنثى، لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض" (التكوين 7/ 2 - 3)، فما هو الذي أمر بحمله نوح من طيور السماء، هل أمر بحمل زوجين، أم سبع أزواج؟!

ومن تناقضات العهد القديم التناقض في وصف أشياء محسوسة محددة، أو أخبار تاريخية معينة ذكرت في أكثر من موضع في أسفار التوراة، ولم يتنبه الكتبة الملهمون إلى تناقضهم مع نصوص سابقة:

- ومنه أنه جاء في سفر الأيام وصف دقيق للمذبح النحاسي الذي صنعه سليمان، ومما جاء في وصفه أنه " يسع ثلاثة آلاف بث " (الأيام (2) 4/ 5).

وكان سفر الملوك قد أورد وصفاً دقيقاً للمذبح يتطابق مع ما جاء في سفر الأيام غير أن سعة المذبح تختلف بنسبة 33% إذ جاء فيه " يسع ألفي بث " (الملوك (1) 7/ 26). فهل نسي الروح القدس ما كان أملاه أم ماذا سبب هذا التفاوت بين الرقمين؟

- ويذكر سفر الملوك أن لسليمان أربعين ألف إصطبل لخيوله، فيقول: "وكان لسليمان أربعون ألف مذود لخيل مركباته، واثنا عشر ألف فارس " (الملوك (1) 4/ 26).

وهذا الرقم كبير جداً، خاصة مع صغر أورشليم زمن سليمان عليه السلام، وهو على كل حال مناقض لما جاء في سفر الأيام، وفيه " كان لسليمان أربعة ألاف مذود خيل ومركبات، واثنا عشر ألف فارس " (الأيام (2) 9/ 25).

ويحاول القس استانلي شوبرج كبير قساوسة السويد إزالة هذا التناقض في مناظرته مع العلامة ديدات، فيقول في محاولة يائسة منه تدعو للضحك: " إن هذا يبرهن على بركة الله، في البداية كان عند سليمان أربعة آلاف مذود، زادت إلى أربعين ألف مذود بانتهاء العام ". (3)

- وتتحدث الأسفار عن غنائم داود التي غنمها من ملك صوبة، فيقول سفر صموئيل: "وضرب داود هدد عزر بن رحوب ملك صوبة حين ذهب ليرد سلطته عند نهر الفرات، فأخذ داود منه ألفاً وسبع مائة فارس، وعشرين ألف راجل، وعرقب داود جميع خيل المركبات، وأبقى منها مائة مركبة" (صموئيل (2) 8/ 3 - 4)، فقد أخذ منه 1700 فارس، سوى ما أخذه من راجلته.

وهذه الأرقام لا تتفق مع الأرقام التي ذكرها سفر الأيام، حين جعل الفرسان المأسورين 7000 فارس، عدا ما أخذه من راجلته، فقال: "وضرب داودُ هدر عزر ملك صوبة في حماة حين ذهب ليقيم سلطته عند نهر الفرات، وأخذ داود منه ألف مركبة وسبعة آلاف فارس، وعشرين ألف راجل، وعرقب داود كل خيل المركبات، وأبقى منها مائة مركبة" (الأيام (1) 18/ 3 - 4).

ويتحدث السفران عن حاشية داود بعد تملكه على جميع إسرائيل، فيتفقان في مجمل الأسماء ويختلفان في اسمين، فيقول كاتب سفر صموئيل: "وصادوق بن أخيطوب وأخيمالك بن أبياثار كاهنين، وسرايا كاتباً" (صموئيل (2) 8/ 17)، في حين أن كاتب سفر الأيام يستبدل اسمين (أخيمالك الكاهن بأبيمالك، وسرايا الكاتب بشوشا الكاتب)، فيقول: "وصادوق بن أخيطوب وأبيمالك بن أبياثار كاهنين، وشوشا كاتباً" (الأيام (1) 18/ 16). (4)

كما نلحظ بين السفرين جملة من الاختلافات التي ترجع إلى اختلاف النساخ، ومنها اسم ملك حماة (هدد عزر - هدر عزر)، واسم مدينتيه (باطح وبيروثاي - طبحة وخون)، وتحديد جنس القتلى الثمانية عشر ألفاً (أرام - أدوم).

- ويقص سفر صموئيل عن حرب أرام مع بني إسرائيل، فيقول: " وقتل داود من أرام سبعمائة مركبة، وأربعين ألف فارس " (صموئيل (2) 10/ 18).

ثم أعادت الأسفار ذكر حرب إسرائيل مع أرام فقال كاتب سفر الأيام: " وهرب أرام من أمام إسرائيل، وقتل داود من أرام سبعة آلاف مركبة وأربعين ألف راجل " (الأيام (1) 19/ 18).

وبين السفرين تناقض واضح في نقطتين:

الأولى: كم عدد المراكب التي قتلها جيش إسرائيل هل 700 أم 7000، ولم يوضح لنا السفر كيف تقتل المراكب؟ ولعله أراد من فيها.

الثانية: هل كان القتلى من الفرسان أم المشاة؟ فكيف لم يفرق الملهِم بين الفرسان والمشاة؟

- ويتحدث سفر صموئيل عن أن داود قد أمره الرب بإحصاء بني إسرائيل، فيقول: " عاد فحمي غضب الرب على إسرائيل، فأهاج عليهم داود قائلاً: امض وأحصِ إسرائيل ويهوذا "، ففعل داود " فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى الملك، فكان إسرائيل ثمانمائة ألف رجل ذي بأس مستل السيف (800 ألف)، ورجال يهوذا خمسمائة ألف رجل " (500 ألف).

ثم إن داود ندم على إحصائه بني إسرائيل، وقال للرب: " لقد أخطأت جداً في ما فعلت، والآن يا رب أزل إثم عبدك "، وهذا الندم عجيب، إذ هو قد امتثل لأمر الله، وصنع تماماً كما أمره.

ثم أمر اللهُ النبيَّ جاد أن يبلغ داودَ عقوبةَ الله له، فالله يخيره بين أمور " أتأتي عليك سبع سني جوع في أرضك؟ أم تهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائك وهم يتبعونك؟ أم يكون ثلاثة أيام وباء في أرضك؟ فالآن اعرف، وانظر ماذا أرد جواباً على مرسلي " (صموئيل (2) 24/ 1 - 13).

ويختلف سفر الأيام عن سفر صموئيل في رواية القصة ذاتها، فيقول: "ووقف الشيطان ضد إسرائيل وأغوى داود ليحصي إسرائيل .... فدفع يوآب جملة عدد الشعب إلى داود، فكان كل إسرائيل ألف ألف ومائة ألف رجل (مليون ومائة ألف) مستلّي السيف، ويهوذا أربع مئة وسبعين ألف رجل مستلّي السيف (470 ألف) ... وقبح في عيني الله هذا الأمر، فضرب إسرائيل.

فقال داود لله: لقد أخطأت جداً حيث عملت هذا الأمر، والآن أزل إثم عبدك، لأني سفهت جداً. فكلم الرب جاد رائي داود، وقال: اذهب، وكلم داود قائلاً: هكذا قال الرب: ثلاثة أنا عارض عليك، فاختر لنفسك واحداً منها فأفعله بك ... إما ثلاث سنين جوع، أو ثلاثة أشهر هلاك أمام مضايقيك، وسيف أعدائك يدركك، أو ثلاثة أيام يكون فيها سيف الرب ووبأ في الأرض .. فانظر الآن ماذا أرد جواباً لمرسلي" (الأيام (1) 21/ 1 - 12).

فقد تناقض النصان في أمور:

1) من الذي أمر بإحصاء بني إسرائيل الرب أم الشيطان؟ وكما يقول العلامة ديدات: " فإن الشيطان والرب ليسا مصطلحين مترادفين في أي الديانات ". (5)

2) أعداد بني إسرائيل، ففي سفر صموئيل كان رجال إسرائيل 800000، وفي الأيام أضحوا 1.100000، وفي سفر صموئيل كان رجال يهوذا 500000 رجل، فجعلهم سفر الأيام 470000 رجل، فأي السفرين أرقامه صحيحة؟ ومن المخطئ، هل هو الروح القدس أم الكتبة الملهمون؟

3) وهل كانت العقوبة التي خير داود ثلاث سنين جوع أم سبع سنين.

وتعلق نسخة الرهبانية اليسوعية على أرقام القتلى المهولة بقولها: "من الواضح أن الأرقام مبالغ فيها كما في كثير من الأرقام المماثلة في العهد القديم، وقد زيد عليها أيضاً في سفري الأخبار".

  • وتتحدث الأسفار عن مكان موت ودفن نبي الله هارون، فتقول: "وبنو إسرائيل ارتحلوا من آبار بني يعقان إلى موسير، هناك مات هارون، وهناك دفن" (التثنية 10/ 6).

وفي موضع آخر تذكر مكاناً آخر تزعم أن هارون مات فيه، فتقول: "كما مات هارون أخوك في جبل هور " (التثنية 32/ 50).

وتحاول دائرة المعارف الكتابية الجمع بين المكانين وإزالة التناقض بين النصين، فتقول عن مسيروت: " ويسمى أيضاً موسير، وهناك مات هارون وهناك دفن ... فلابد أنها كانت قريبة من جبل هور، حيث إن هارون مات في جبل هور ". (6)

والصحيح أن جبل هور بعيد عن موسير (مسيروت)، فقد مرّ بنو إسرائيل في طريقهم إلى أدوم بمسيروت، وارتحلوا عنها، فمروا بستة منازل قبل أن يصلوا إلى جبل هور، يقول سفر العدد: " ثم ارتحلوا من مسيروت، ونزلوا في بني يعقان، ثم ارتحلوا من بني يعقان، ونزلوا في حور الجدجاد .. ونزلوا في يطبات .. ونزلوا في عبرونة .. ونزلوا في عصيون جابر ... ونزلوا في برية صين وهي قادش، ثم ارتحلوا من قادش، ونزلوا في جبل هور في طرف أرض أدوم، فصعد هارون الكاهن إلى جبل هور حسب قول الرب، ومات هناك " (العدد 33/ 31 - 38)، وعليه فجبل هور بعيد عن موسير بمقدار ستة منازل، ففي أيهما مات هارون ودُفن؟

- ويذكر كل من سفري عزرا ونحميا قائمة طويلة بأعداد العائدين من السبي، (انظر عزرا 2/ 1 - 64، ونحميا 7/ 6 - 66)، ويتفقان في كثير من الأرقام التي يذكرانها، ويختلفان أيضاً في كثير منها، وفيما يلي بعض هذه الأرقام، نضعها في جدول ليسهل على القارئ الكريم المقابلة بينهما:

أسماء القبائل ... سفر عزرا ... سفر نحميا ... أسماء القبائل ... سفر عزرا ... سفر نحميا

بنو فرعوش ... 2172 ... 2172 ... بنو بيصاي ... 323 ... 324

بنو شفطيا ... 372 ... 372 ... بنو حشوم ... 223 ... 328

بنو آرح ... 775 ... 652 ... بنو أريحا ... 345 ... 345

بنو فحث موآب ... 2812 ... 2818 ... بنو بيت لحم ... 123 ... (معاً) ... 188

بنو عيلام ... 1254 ... 1254 ... رجال نطوفة ... 56

بنو عيلام الآخر ... 1254 ... 1254 ... رجال عناثوث ... 128 ... 128

بنو زكاي ... 760 ... 760 ... بنو عزموت ... 42 ... 42

بنو باني (بنوي) ... 642 ... 648 ... بنو حاريم ... 320 ... 320

بنو باباي ... 623 ... 628 ... بنو آطير ... 98 ... 98

بنو عرجد (عزجد) ... 1222 ... 2322 ... بيت ايل وعاي ... 223 ... 123

بنو ادونيقام ... 666 ... 667 ... رجال مخماس ... 122 ... 122

بنو بغواي ... 2056 ... 2067 ... بنو نبو الأخرى ... 52 ... 52

بنو عادين ... 454 ... 655 ... بنو سناءة ... 3630 ... 3930

بنو الرامة وجبع ... 621 ... 621 ... بنو يشوع وقدميئيل ... 74 ... 74

بنو يورة (حاريف) ... 112 ... 112 ... بنو جبّار (جبعون) ... 95 ... 95

جميع النثينيم وبني عبيد سليمان ... 392 ... 392 ... بنو لود بنو حاديد ... 725 ... 721 ... واونو

بنو دلايا بنو طوبيا ... 652 ... 642 ... بنو مغبيش ... 156 ... لم يُذكروا

بنو يدعيا ... 973 ... 973 ... المغنون بنو آساف ... 128 ... 148

بنو امّير ... 1052 ... 1052 ... بنو حاريم (الكهنة) ... 1017 ... 1017

بنو فشحور ... 1247 ... 1247 ... بنو زتو ... 945 ... 845

بنو البوابين

بنو شلوم ... 139 ... 138 ... بنو قرية عاريم كفيرة وبئيروت ... 743 ... 743 ... بنو آطير بنو طلمون ... بنو عقّوب بنو حطيطا بنو شوباي

المجموع حسب الكتاب المقدس ... 42360 ... 42360 ... ناتج الجمع الصحيح ... 29818 ... 31089

وكما يلحظ القارئ الكريم فإن هذه الأرقام متباينة اختلف فيها السفران اختلافاً بيناً، فأحد الملهمين أو كلاهما أخطأ ولا محالة، والذي يخطئ في مثل هذه المسائل البسيطة لا يؤمَن عليه الخطأ في المسائل اللاهوتية والأمور الهامة الأخرى.

لكن الأعجب أن الكاتبين ورغم اختلافهما الكبير في أعداد عدد من القبائل العائدة مع زربابل فإنهما يتفقان في المجموع الكلي للعائدين، هو (42360)، فيقول عزرا: "كل الجمهور معاً اثنان وأربعون ألفاً وثلاث مئة وستون " (عزرا 2/ 64)، ويوافقه نحميا فيقول: "كل الجمهور معاً أربع ربوات وألفان وثلاث مئة وستون" (نحميا 7/ 66).

وكلاهما خطأ ولا ريب، إذ العائدون حسب عزرا (29818)، فيما عددهم حسب نحميا (31089)، فمن الذي أخطأ في جمع أعداد العائدين من السبي، هل هم الكتبة، أم الروح القدس الذي زعموا أنه ألهمهم، أم أولئك الذين أعطوا لكلام البشر وتخليطهم صفة القداسة والإلهام، وزعموا أن تخليطهم وأخطاءهم هي وحي الله وكلمته! تعالى الله عن خطئهم وزللهم علواً كبيراً.

ومن الأخبار التوراتية المتناقضة:

- أنه جاء في سفر الملوك " كان أخزيا ابن اثنتين وعشرين سنة حين ملك، وملك سنة واحدة" (الملوك (2) 8/ 26).

وفي سفر الأيام ما يناقضه: "كان أخزيا ابن اثنتين وأربعين سنة حين ملك، وملك سنة واحدة" (الأيام (2) 22/ 2).

وما جاء في الأيام خطأ ولا ريب، إذ أن يهورام الملك والد أخزيا قد مات وعمره أربعون سنة، وتولى الحكم بعده ابنه أخزيا، فلا يمكن أن يكون عمر ابنه أخزيا حينذاك اثنين وأربعين سنة.

لذلك عمد محققو الترجمة العربية المشتركة إلى تصحيح الخطأ في سفر الأيام، فالنص عندهم: "وكان أخزيا ابن عشرين سنة حين ملك، وملك سنة واحدة بأورشليم" (الأيام (2) 22/ 2)، لكنه - وللأسف - لم يصحح في مئات التراجم العالمية التي يتداولها المسيحيون في العالم.

وقد أقر القس الدكتور منيس عبد النور في دفاعه الحميم عن الكتاب المقدس الموسوم بـ "شبهات وهمية"؛ أقر بوقوع خطأ في سفر الأيام، وردّه إلى غلطة الناسخ، لتشابه الحرف العبراني الذي يدل على الرقم (2) مع الحرف الذي يدل على الرقم (4)، لكنه قلل من أهميته، لأن "غلطة الناسخ هذه لا تُغير عقيدة يهودية ولا مسيحية"! (7)

وهنا نتساءل: إن كان الخطأ وقع من ناسخ واحد من نساخ المخطوطات التي يتفاخرون بكثرتها، فلم تركوا المخطوطات الصحيحة، وأخذوا بالخاطئ منها، ومتى سيصلحون هذا الخطأ.

إنا نظن أن أحداً لن يجرؤ على القول بأن الغلط كان في جميع النسخ، لأنه حينذاك يكون خطأ من المؤلف الأصلي للسفر أو من الروح الذي أوحى إليه بهذا الغلط.

ثم هل أخطأ النساخ في فقرات أخرى من المواضع التي لا تؤثر على العقيدة؟ وكيف لنا أن نجزم بأنهم معصومون من الخطأ في قضايا العقيدة دون القضايا التاريخية التي تشكل غالب أجزاء الكتاب المقدس.

- ومثله وقع الخطأ في عمر يهوياكين الذي ملك بني إسرائيل، فقد جاء في سفر الملوك "كان يهوياكين ابن ثماني عشرة سنة حين ملك، وملك ثلاثة أشهر في أورشليم " (الملوك (2) 24/ 8).

وفي سفر الأيام ما ينقضه ولا سبيل إلى الجمع، إذ يقول: "كان يهوياكين ابن ثمان سنين حين ملك، وملك ثلاثة أشهر وعشرة أيام في أورشليم" (الأيام (2) 36/ 9).

لذا يقول محررو قاموس الكتاب المقدس: "يرجح أن رواية سفر الملوك الثاني هي الرواية الصحيحة". (8)

- ويتحدث سفر الأيام عن الملك شاول، فيجعله من ذرية قيس بن نير، فيقول: "ونير ولد قيس، وقيس ولد شاول" (الأيام (1) 8/ 33)، وهذا مناقض لما جاء في سفر صموئيل، حيث يخبرنا أن نير وقيس أخوان، فيقول: "أبنير بن نير عم شاول، وقيس أبو شاول، ونير أبو أبنير؛ ابنا إبيئيل" (صموئيل (1) 14/ 50 - 51)، و (انظر صموئيل (1) 9/ 1).

- ويتناقض كُتاب العهد القديم في نِسبة يثر والد عماسا، فيجعلونه مرة إسماعيلياً كما في سفر الأيام "وأبو عماسا يثر الإسمعيلي" (الأيام (1) 2/ 17)، وفي مرة أخرى جعلوه إسرائيلياً، لا إسماعيلياً كما زعم كاتب سفر صموئيل بقوله: "وكان عماسا ابن رجل اسمه يثرا الإسرائيلي " (صموئيل (2) 17/ 25)، فأيهما هو الصحيح، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون يثر من نسل إسرائيل (يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) وهو في نفس الوقت ينتسب لعمه إسماعيل بن إبراهيم!

- وتكرر نفس الخطأ والتناقض في سياق الحديث عن أُم الملك حورام ملك صور، ففي سفر الملوك الأول أن حيرام "ابن امرأة أرملة من سبط نفتالي" (الملوك (1) 7/ 14)، وبينما يقول كاتب سفر الأيام الثاني بأنه "ابن امراة من بنات دان" (الأيام (2) 2/ 14)، ودان ونفتالي هما ابنا يعقوب من زوجته بلهة، فكيف أصبحت أُم حورام من ذرية أخوين شقيقين؟ أين سمعت الدنيا عن شخص ينتسب لأخوين إلا في الكتاب المقدس؟!

- ويتحدث سفر الملوك عن الهدايا التي أرسلها الملك حيرام لسليمان، فيذكر أنها 420 وزنة ذهب، فيقول: "فأرسل حيرام في السفن عبيده النواتي العارفين بالبحر مع عبيد سليمان، فأتوا إلى أوفير، وأخذوا من هناك ذهباً أربع مائة وزنة وعشرين وزنة، وأتوا بها إلى الملك سليمان" (الملوك (1) 9/ 28).

لكن سفر أخبار الأيام الثاني جعلها 450 وزنة ذهب، حيث يقول: "وأرسل له حورام بيد عبيده سفناً وعبيداً يعرفون البحر، فأتوا مع عبيد سليمان إلى أوفير، وأخذوا من هناك أربع مائة وخمسين وزنة ذهب، وأتوا بها إلى الملك سليمان" (الأيام (2) 8/ 18)، فالفرق 30 وزنة ذهب، فهل أخطأ الروح القدس أم الكتبة الذين لم يعصموا من الخطأ والنسيان؟

إن الكتبة الذين يخطئون في مثل هذه المسائل البسيطة لا يؤمن من أن يقع منهم الخطأ في القضايا العظيمة المتعلقة باللاهوت وسواه، فمن فقد شرط العصمة والإلهام جاز عليه الخطأ في كل كلامه بلا تفريق.

- ويذكر سفر صموئيل أنه " ولد لأبشالوم ثلاثة بنين وبنت واحدة اسمها ثامار، وكانت امرأة جميلة المنظر " (صموئيل (2) 14/ 27).

وفي سفر الملوك يذكر ابنة أخرى غير ثامار الوحيدة، فيقول: " معكة ابنة أبشالوم" (الملوك (1) 15/ 2) فكيف زعم سفر صموئيل أنها وحيدة؟

- يذكر سفر الأيام أن رحبعام أحب معكة ابنة ابشالوم، وأنها ولدت له أبيا " وأقام رحبعام أبيا ابن معكة رأساً وقائداً " (الأيام (2) 11/ 22)، فمعكة بنت أبشالوم هي أم أبيا.

لكنه في السفر نفسه يقول: " ملك أبيا على يهوذا، ملك ثلاث سنين في أورشليم، واسم أمه ميخا بنت أوريئيل من جبعة " (الأيام (2) 13/ 1 - 2)، فقد تغير اسم أمه من معكة بنت أبشالوم إلى ميخا بنت أوريئيل؟ ولا يمكن أن تكون كلتاهما أمه!!

ثم يعود سفر الملوك فيأتي بالعجب وهو يتحدث عن آسا بن أبيام (أبيا) الذي ملك بعد أبيه أبيام (انظر الملوك (1) 15/ 8)، فيقول السفر عن آسا: " ملك آسا على يهوذا، ملك إحدى وأربعين سنة في أورشليم، واسم أمه معكة ابنة أبشالوم " (الملوك (1) 15/ 9 - 10).

فأصبحت معكة زوجة لأبيام حسب سفر الملوك، وأماً لابنه آسا، بينما رأيناها في سفر الأيام أماً لأبيام، لا زوجة له "أبيا ابن معكة " (الأيام (2) 11/ 22)، فهل هي زوجة أبيا وأم أبنائه كما في سفر الملوك أم هي أمه كما في الأيام؟ ولا يمكن أن تكون الاثنين معاً.

- ويتحدث سفر صموئيل عن ميكال بنت شاول فيقول: "ولم يكن لميكال بنت شاول ولد إلى يوم موتها" (صموئيل (2) 6/ 23)، ولكنه في السفر نفسه يذكر أن لها ذرية، وأن لهم خمسة من الأبناء من زوجها عدرئيل المحولي، فيقول: " بني ميكال ابنة شاول الخمسة الذين ولدتهم لعدرئيل ابن برزلاي المحولي" (صموئيل (2) 21/ 8).

والحق أن ليس ثمة تناقض هنا، بل خطأ وقع فيه كاتب صموئيل الذي لم يميز بين ميكال وأختها ميرب التي تزوجت عدرئيل المحولي، فقد جاء في سفر صموئيل " وكان في وقت إعطاء ميرب ابنة شاول لدواد أنها أعطيت لعدرئيل المحولي امرأة " (صموئيل (1) 18/ 17)، ثم حكى السفر قصة زواج داود من أختها ميكال.

وقد اعترف محررو قاموس الكتاب المقدس بهذا الخطأ، وردوه إلى خطأ بعض المخطوطات القديمة (9)، وقد أبدلت نسخة الكتاب المقدس المسماة "الكتاب المقدس الأمريكي الجديد" الصادرة عام 1973م، أبدلت ميكال بميراب، لتصحح هذا الخطأ الكبير الذي مازال شامخاً في جميع الترجمات العالمية، ليدلل على أن هذا الكتاب ليس كلمة الله.

- ومما تناقض فيه كتاب التوراة عدد وكلاء سليمان المسلطين على الشعب، فزعم سفر الملوك أنهم 550 وكيلاً، في حين ذكر سفر الأيام أنهم 250 وكيلاً فقط، يقول سفر الملوك: " هؤلاء رؤساء الموكلين على أعمال سليمان خمس مائة وخمسون، الذين كانوا يتسلطون على الشعب العاملين العمل، ولكن بنت فرعون ... " (الملوك (1) 9/ 23).

في حين أن سفر الأيام يخالفه، فيقول في نفس السياق: " وهؤلاء رؤساء الموكلين الذين للملك سليمان مائتان وخمسون المتسلطون على الشعب، وأما بنت فرعون ... " (الأيام (2) 8/ 10).

  • وتتحدث الأسفار قدوم رئيس شرطة نبوخذ نصر إلى أورشليم وأسره لبعض أعيانها، فتتناقض في هذا الخصوص في ثلاثة مواضع

 

أولها: في عدد المأسورين من خواص الملك، فيقول سفر إرمياء: " وأخذ من المدينة خصياً واحداً كان وكيلاً على رجال الحرب، وسبعة رجال من الذين ينظرون وجه الملك الذين وجدوا في المدينة" (إرميا 52/ 25)، وهو بذلك يناقض سفر الملوك الذي جعل المأسورين من خواص الملك خمسة فقط، فيقول: "ومن المدينة أخذ خصياً واحداً كان وكيلاً على رجال الحرب، وخمسة رجال من الذين ينظرون وجه الملك الذين وجدوا في المدينة " (الملوك (2) 25/ 19).

وثاني المواضع التي تناقض فيها السفران، حديثهما عن ارتفاع التاج الذي سلبه رئيس الشرطة البابلية، فيذكر سفر إرميا أن ارتفاعه خمسة أذرع، فيما يجعله سفر الملوك ثلاثة أذرع فقط، يقول سفر إرميا: "وعليه تاج من نحاس ارتفاع التاج الواحد خمس أذرع" (إرميا 52/ 22)، فيما يقول سفر الملوك: "وعليه تاج من نحاس، وارتفاع التاج ثلاث أذرع " (الملوك (2) 25/ 17).

وأما ثالثها فهو تحديد اليوم الذي قدم فيه رئيس الشرطة إلى أورشليم، هل كان في سابع الشهر الخامس أم في عاشره، فكاتب سفر الملوك يرى أن قدوم "في الشهر الخامس، في سابع الشهر، وهي السنة التاسعة عشرة للملك نبوخذ ناصّر ملك بابل، جاء نبوزرادان رئيس الشرط عبد ملك بابل إلى أورشليم" (الملوك (2) 25/ 8)، فقدوم رئيس الشرطة في اليوم السابع، وهو مكذِّب لما جاء في سفر إرمياء، فقد صرح بأن مقدم رئيس الشرطة كان في اليوم العاشر، وليس السابع، يقول كاتب سفر إرمياء: "في الشهر الخامس، في عاشر الشهر، وهي السنة التاسعة عشرة للملك نبوخذ راصر ملك بابل جاء نبوزرادان رئيس الشرط الذي كان يقف أمام ملك بابل إلى أورشليم" (إرميا 52/ 12)، فأي السفرين هو كلمة الله؟

- وتختلف الأسفار في عدد المسبيين من اليهود إلى بابل خلال جولات السبي الثلاث، فيذكر سفر إرميا أنهم (4600)، ويفصِّله بقوله: "هذا هو الشعب الذي سباه نبوخذراصر: في السنة السابعة من اليهود ثلاثة آلاف وثلاثة وعشرون. وفي السنة الثامنة عشرة لنبوخذراصر سبى من أورشليم ثمان مئة واثنتان وثلاثون نفساً. في السنة الثالثة والعشرين لنبوخذراصر سبى نبوزرادان رئيس الشرط من اليهود سبع مئة وخمساً وأربعين نفساً. جملة النفوس أربعة آلاف وست مئة" (إرميا 52/ 28 - 30).

وهذا الرقم بعيد جداً عن عدد المسبيين الذي أورده سفر الملوك (10000)، فقد قال: "سبى كل أورشليم وكل الرؤساء وجميع جبابرة البأس عشرة آلاف مسبيّ وجميع الصنّاع والأقيان، لم يبق أحد إلا مساكين شعب الأرض" (الملوك (2) 24/ 14)، فأي الرقمين للمسبيين هو الصحيح؟ ومن المسؤول عن هذا الخطأ الرياضي في كتاب ينسب إلى الله؟

- ولما أراد داود أن يبني مذبحاً للرب اشترى مكان المذبح من أرنان الذي عرض التبرع بمكان المذبح، لكن داود رفض وأصر على دفع الثمن، فكم الثمن الذي دفعه داود لأرنان؟

ويجيب سفر صموئيل أنه خمسون شاقلاً من الفضة، فيقول: "فقال الملك لأرونة: لا بل اشتري منك بثمن، ولا أصعد للرب إلهي محرقات مجانية، فاشترى داود البيدر والبقر بخمسين شاقلاً من الفضة، وبنى داود هناك مذبحاً للرب، وأصعد محرقات وذبائح سلامة " (صموئيل (2) 24/ 24 - 25)، وهذا السعر أقل بكثير مما ذكره سفر الأيام الذي جعل الثمن ستمائة شاقل من الذهب، فقال: "ودفع داود لأرنان عن المكان ذهباً وزنه ستمائة شاقل، وبنى داود هناك مذبحاً للرب، وأصعد محرقات وذبائح سلامة" (الأيام (1) 21/ 25 - 26)، وبين الثمنين فرق كبير، فأيهما دفعه داود لأرنان؟

- ويحدثنا الكاتب المجهول لسفر الملوك عن الملك السامري ياهو، فيذكر أنه ملك على السامرة مدة ثمان وعشرين سنة، يقول سفر الملوك "وكانت الأيام التي ملك فيها ياهو على إسرائيل في السامرة ثماني وعشرين سنة" (الملوك (2) 10/ 36).

ولو سألتُ القارئ الكريم في أي سني الملك يهوآش مات ياهو، فلن يجد كبير عناء في القول بأن ذلك كان في السنة الحادية والعشرين من حكم يهوآش، لأنه "في السنة السابعة لياهو، ملك يهوآش، ملك أربعين سنة في أورشليم " (الملوك (2) 12/ 1)، فقد تمم ياهو سنوات حكمه الثماني والعشرين، فمات بعد واحد وعشرين سنة من تولي يهوآش الملك على مملكة يهوذا، فببساطة لا يختلف عليها العقلاء 28 - 7 = 21، لقد مات ياهو في السنة الحادية والعشرين للملك يهوآش.

وهذا الذي توصل إليه القارئ الكريم يناقضه الإصحاح الذي يليه من إصحاحات سفر الملوك، حيث أفاد بموت ياهو وتولي ابنه يهوآحاز الملك في السنة الثالثة والعشرين من حكم الملك يهوآش، وليست الحادية والعشرين، فيقول: " في السنة الثالثة والعشرين ليوآش بن أخزيا ملِك يهوذا، ملَك يهوآحاز بن ياهو على إسرائيل في السامرة " (الملوك (2) 13/ 1)، فهل كانت وفاة الملِك ياهو وتولية ابنه في السنة الحادية والعشرين من حكم يهوآش أم في السنة الثالثة والعشرين منه؟

- ومن عجيب تناقضات الكتاب وقوعها في صفحة واحدة، يكذب آخرُها أولَها، ليترك القارئ في دهشة وحيرة مما يقرأ، إذ يخبرنا سفر الملوك عن مدة حكم الملك السامري يهوآحاز بن ياهو، وأنه قد ملك مدة سبع عشرة سنة، بدأت في السنة الثالثة والعشرين من حكم الملك اليهوذي يوآش "في السنة الثالثة والعشرين ليوآش بن أخزيا ملَك يهوذا ملٍك يهوآحاز بن ياهو على إسرائيل في السامرة سبع عشرة سنة" (الملوك (2) 13/ 1)، ولو سألتُ القارئ في أي سنة من سني الملك يوآش مات يهوآحاز؟ فإنه سيجيب بأنها السنة الأربعين من حكم يوآش.

ولن أسهب في شكره على توصله إلى الجواب بسرعة، إذ لا صعوبة البتة في أن ندرك مهما اختلفت ثقافاتنا وقدراتنا الرياضية أن 23 + 17 = 40

لكن هذه النتيجة على بساطتها لم يتوصل إليها الكاتب المجهول لسفر الملوك، إذ يقول في نفس الإصحاح وهو يحدثنا عن موت يهوآحاز وتولي ابنه يهوآش: "وفي السنة السابعة والثلاثين ليوآش ملك يهوذا، ملك يهوآش بن يهوآحاز على إسرائيل في السامرة " (الملوك (2) 13/ 10)، فهل كان موت يهوآحاز في السنة الأربعين من حكم يهوآش - كما توصل القارئ الكريم - أم في السنة السابعة والثلاثين منه؟ إني أختبئ الكثير من الشكر والتقدير لذلك العبقري الذي سيخبرني أي القولين كان الحق الذي أوحى به الله العليم؟

- ومثله تناقض الكتاب في صفحة واحدة في سياق حديثه عن مدة حكم الملك يوثام، فيذكر في الفقرة الثانية والثلاثين أنه "ملك يوثام بن عزّيا ملك يهوذا، كان ابن خمس وعشرين سنة حين ملك، وملك ست عشرة سنة في أورشليم " (الملوك (2) 15/ 33)، لكن الفقرة الثلاثين في نفس الإصحاح تذكر أن يوثام ملك أكثر من ست عشرة سنة، فتقول بأن هوشع بن أيلة قَتل الملك فقح بن رمليا في "السنة العشرين ليوثام بن عُزيا" (الملوك (2) 15/ 30). فهل ملك يوثام عشرين سنة أم ست عشرة سنة؟ سؤال آخر يبحث عن جواب، ولا من مجيب.

- ولن يكون وقوع التناقض في صفحة واحدة بأعجب من وقوعه في فقرة واحدة، ومثاله تناقض كاتب سفر الأيام في حديثه عن شيشان بن يشعي، فقد قال: "وابن شيشان أحلاي" (الأيام (1) 2/ 31)، ثم قال بعدها بسطرين: "ولم يكن لشيشان بنون، بل بنات" (الأيام (1) 2/ 34)، وحتى لا يطول عجب القارئ الكريم فإني أنقل له ما كتبه محققو الرهبانية اليسوعية في تفسير وقوع التناقض خلال سطرين فقط: "تقليد يختلف عن التقليد الذي في الآية 31"، أي أنها من مصدر آخر، وكاتب آخر، لأنه لا يعقل أن يقع كاتب بمثل هذا.

لكن دعونا نعترف بأن كاتبي دائرة المعارف الكتابية نجحوا في إزالة التناقض حين ذكروا أن أحلاي "اسم ابن شيشان أو بالحري اسم ابنته، بناء على ما جاء بعدد 34؛ من أنه لم يكن لشيشان بنون" (10)، نعم لقد نجحوا هذه المرة، فأحلاي ابنة شيشان، وليست ابنه، وقد أخطأ الكاتب الملهم حين قال: "وابن شيشان أحلاي"، وكان ينبغي أن يقول: "وابنة شيشان أحلاي"، وهكذا فبإمكان قارئنا الكريم نقل هذا الشاهد من باب التناقضات إلى موضعه في الباب القادم "أغلاط العهد القديم".

  • لكن العجب والدهش يلجمان قارئ الكتاب المقدس، وهو يرى سلسلة من التناقضات يقع فيها كاتب سفر الملوك الثاني، فيناقض نفسه مرة بعد مرة، وهو يحدثنا عن الملك يهورام بن اخآب ملك مملكة إسرائيل، فقد تولى الملك بعد أخيه أخزيا، وكان توليه الملك إبان حكم الملك يهورام بن يهوشافاط لمملكة يهوذا، وتحديداً في السنة الثانية لحكم الملك يهورام اليهوذي، يقول مؤلف سفر الملوك: "وملك يهورام (ابن اخآب) عوضاً عنه في السنة الثانية ليهورام بن يهوشافاط ملك يهوذا " (الملوك (2) 1/ 17).

لكن كاتب السفر - الملهم حسب اعتقاد النصارى - سرعان ما غيّر رأيه، فزعم أن تولي يهورام للحكم كان في السنة الثامنة عشرة من ملك الأب يهوشافاط، وليس في عهد ابنه كما كان قد زعم، يقول: "وملك يهورام بن اخآب على إسرائيل في السامرة في السنة الثامنة عشرة ليهوشافاط ملك يهوذا" (الملوك (2) 3/ 1)، فمرّة زعم أن الملك السامري يهورام تولى الحكم زمن الملك اليهوذي يهوشافاط، ومرة زعم أنه تولاه في زمن ابنه، وبين التاريخين فرق تسع سنوات، وهي السنوات السبع الباقية من حكم الأب يهوشافاط. (انظر الملوك (1) 22/ 42)، إضافة إلى السنتين الأولين من حكم ابنه.

ورغم الاختلاف الذي ذكرناه آنفاً في وقت تولي الملك يهورام ابن آخاب الملك في السامرة، (هل هو بعد 18 سنة من حكم يهوشافط (الملوك (2) 3/ 1) أو بعد بعد سنتين من حكم ابنه يهورام (الملوك (2) 1/ 17)،) إلا أنه على كل حال تولى الحكم بعد أن سبقه الاثنان إلى حكم أورشليم.

وهذا ما يعود لنقضه الكاتب المجهول لسفر الملوك، إذ يزعم أن يهورام بن آخاب ملك على السامرة قبل تولي الملك يهورام بن يهوشافاط على أورشليم، فيقول: "وفي السنة الخامسة ليورام بن اخآب ملكِ إسرائيل ... ملَكَ يهورام بن يهوشافاط ملك يهوذا " (الملوك (2) 8/ 16)، فأي اليهورامين تولى أولاً؟ ابن آخاب كما يصرح في (الملوك (2) 8/ 16) أم ابن يهوشافاط كما في (الملوك (2) 1/ 17).

تناقض عجيب لكاتب واحد نضعه بين يدي أولئك الذين مازالوا يزعمون أن هذا السفر بعضُ وحي الله!

- ولا تنته عجائب سفر الملوك الثاني بخصوص الملكين المسميين (يهورام)، فالملك يهورام اليهوذي - كما رأينا في النص السابق - ملك مدة ثماني سنين بدأت في السنة الخامسة للملك السامري يهورام بن اخآب، أي مات في السنة الثالثة عشرة من حكم الملك السامري.

وهذا الحساب البسيط يكذبه كاتب سفر الملوك مرتين، الأولى حين زعم أن وفاة الملك اليهوذي وتولي ابنه كانت بعد إثني عشرة سنة من حكم الملك السامري، فقال: "في السنة الثانية عشرة ليورام بن اخآب ملكِ إسرائيل؛ ملَك أخزيا بن يهورام ملكُ يهوذا" (الملوك (2) 8/ 25).

لكنه عاد فأكذب نفسه، وزعم أن يهورام اليهوذي مات في السنة الحادية عشرة من ملك يهورام السامري، فقال: " في السنة الحادية عشرة ليورام بن اخآب؛ ملَك أخزيا على يهوذا" (الملوك (2) 9/ 29)، فهل من أحد يجرؤ أن يقول بأن كاتب سفر الملوك الثاني كتب ما كتب بوحي الله وقد ناقض نفسه في هذه المواضع جميعاً؟

إن الاختلاف والخطأ في أعمار الملوك أوصلت المؤرخين إلى طريق مسدود في التوفيق بينها، لذا يقول القس صموئيل يوسف: "يصعب حصر فترات حكم الملوك والتأكيد منها لمناقشتها بالتحديد، فرحبعام ملك يهوذا ويربعام ملك إسرائيل اعتليا العرش في وقت واحد، وأخزيا ملك يهوذا ويهورام ملك إسرائيل عاشا في وقت واحد، وجملة سني مملكة يهوذا حتى هذا الوقت 95 سنة، وجملة سني مملكة إسرائيل 98 سنة ...

سقطت السامرة عاصمة المملكة الشمالية في إسرائيل في السنة السادسة لحزقيا ملك يهوذا، وجملة السنين لمملكة إسرائيل حتى هذه الفترة 143 سنة، وفي مملكة يهوذا 165 سنة"، وهذا الفارق الكبير أزعج القس فانطلق يضع له المعاذير الباردة، وهذه المعاذير تلقي باللائمة على الروح القدس لأنه لم تكن له قاعدة ثابتة في الإلهام للكتاب الملهمين "ففي بعض الكتابات لم تحسب مثلاً سنة اعتلاء العرش، ويبدأ احتساب الحكم في السنة التالية لها، بينما في حالات أخرى تحسب من وقت اعتلاء الحكم". (11)

وصدق الله: ? أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً? (النساء: 82).


(1) المدخل إلى العهد القديم، القس الدكتور صموئيل يوسف (165)، وانظر شبهات وهمية على الكتاب المقدس، القس منيس عبد النور، ص (147).
(2) دائرة المعارف الكتابية (1/ 366).

(3) انظر: مناظرتان في استكهولم، أحمد ديدات، ص (60).
(4) يرجح محررو دائرة المعارف الكتابية أن الصحيح ما ذكره سفر صموئيل، وأن " كلمة " أبيمالك " في (1 أخ 18/ 16) فالأرجح أنها خطأ من الناسخ". (مادة أبياثار)

(5) انظر: مناظرتان في استكهولم، أحمد ديدات، ص (29).

(6) دائرة المعارف الكتابية (4/ 161).

(7) شبهات وهمية حول الكتاب المقدس، القس منيس عبد النور، ص (166).

(8) قاموس الكتاب المقدس، ص (1099).

(9) انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (939).

(10) دائرة المعارف الكتابية (1/ 88).

(11) المدخل إلى العهد القديم، القس الدكتور صموئيل يوسف (ص 180 - 181).

 

 

  • السبت PM 06:36
    2022-05-14
  • 2611
Powered by: GateGold