المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409044
يتصفح الموقع حاليا : 219

البحث

البحث

عرض المادة

قانونية التوراة (قدسيتها)

وإذا كانت التوراة نتاج عمل العشرات من المؤلفين الذين اجتهدوا في تسجيل تاريخ بني إسرائيل، ولم يَدُر بخلدهم أن تعتبر كتاباتهم مقدسة، إذ لو خطر على بالهم لصاغوها بطريقة أخرى ..

إذا كان الأمر كذلك، فمتى اكتسبت هذه النصوص قداستها؟ وهل تم ذلك لجميع أسفارها معاً أو أنه تم بالتدريج؟

وفي الإجابة نقول: من الطبيعي عندما نتحدث عن كتاب إلهي أنّا لا نحتاج إلى الحديث عن قانونيته، إذ هو يستمدها من مصدره الإلهي، ويكتسبها منذ اللحظات الأولى التي ينزله الله فيها إلى البشر، وهذا الأمر لم يحدث مع الأسفار التوراتية التي احتاجت إلى قرارات بشرية تقدسها، فالأسفار الخمسة أقرت في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد، وتحديداً في عام 398 ق م، حين اعترفت الامبرطورية الفارسية بناموس اليهود حسبما جاء في دائرة المعارف الأمريكية.

ويقول اسبينوزا: " يظهر بوضوح أنه لم تكن هناك مجموعة مقننة من الكتب المقدسة قبل عصر المكابيين (أي القرن الثاني قبل الميلاد)، أما الكتب المقننة الآن فقد اختارها فريسيو الهيكل الثاني بعد أن أعاد بناءه عزرا " الكاتب ".

وهذا الاختيار من الفريسيين في ذلك العهد لم يكن بموافقة طوائف اليهودية المختلفة، يقول اسبينوزا: " فقد اختارها الفريسيون في ذلك العهد من بين كثير غيرها، وذلك بقرار منهم وحدهم".

وقد كان مما أقره فريسيو العهد الثاني برأي اسبينوزا الأسفار الخمسة مضافاً إليها ما يسمى بأسفار الأنبياء وهي (يشوع - القضاة - صموئيل - الملوك).

ولم تعتبر هذه المجموعة معادلة لسلطة الأسفار الخمسة، ورغم ذلك ألحقت بها، وقد كان ينظر إليها على أنها شروح وامتداد للأسفار الخمسة. (1)

وفي عام 90م عقد الفريسيون مجمعاً في جامينيا، وقرروا اعتبار بعض الأسفار أسفاراً قانونية وهي: المزامير - الأمثال - نشيد الإنشاد - راعوث، دانيال، أيوب، عزرا، نحميا، الأيام ... )، واعتبروا هذه القائمة نهائية، ورفضوا ما عداها من الأسفار، وقد بلغ عدد هذه الأسفار ستاً وثلاثين سفراً.

يقول القس إلياس مقار: " وقد استلمت الكنيسة المسيحية من اليهود أسفار العهد القديم التي قررها اليهود في مجمع " جامينيا " عام 90م ".

ولم تكن هذه القائمة محل اتفاق بين اليهود، فمثلاً كان الفريسيون يعتبرون سفر دانيال قانونياً، فيما لم يعتبره الصدوقيون كذلك (2)، بينما كان لجماعة قمران أسفار كثيرة لم ترد في القائمة القانونية، منها أخنوخ واليوبيلات وغيرها، والأسفار التي لم تدخل في القائمة كانت خمساً وثلاثين سفراً كما عددها تشارلز في مقدمة كتابه: " أبوكريفا ".

وفي مجمع "نيقية" 325م أقر المجتمعون النصارى سفر يهوديت فقط، وأبقوا ثمانية أسفار مشكوكاً فيها. وفي مجمع "لوديسيا" 364م أقر المجتمعون سفراً آخر هو سفر إستير، وفي 397م عقد مجمع "قرطاجة" بحضور (القديس) أغستين، فأضاف المجمع للقائمة ستة أسفار هي (الحكمة، وطوبيا، وباروخ، ويشوع بن سيراخ، والمكابيين الأول، والثاني)، واعتبر المجتمعون سفر باروخ جزءاً من إرميا، ثم فصلوهما في مجمع " ترلو" 692م، وأصبحت هذه الأسفار متفقاً عليها عند جمهور النصارى إلى حين ظهور البرتستانت في القرن السادس عشر. (3)

ولا تزال الكنيسة الأثيوبية تعتقد بقانونية بعض الأسفار "فإنهم يقبلون راعي هرماس وقوانين المجامع ورسائل أكليمنس، والمكابيين وطوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ وباروخ، وأسفار أسدراس الأربعة، وصعود إشعياء، وسفر آدم ويوسف بن جوريون وأخنوخ واليوبيل". (4)

فيما اعتبر جمهور الآباء الأوائل رسالة إرميا - المرفوضة اليوم - جزءاً من كلمة الله الموحى بها، كما صنع أوريجانوس عند تفسيره للمزمور الأول، فقد أوردها وغيره ضمن قائمة الأسفار القانونية، ثم رفضتها المجامع فيما بعد. (5)

ومن ذلك كله نستطيع القول إن هذه الكتب قد كتبها القوم بأيديهم، ثم نسبوها إلى الله، وأعطتها المجامع البشرية صفة القداسة.

 


(1) انظر: الغفران بين الإسلام والمسيحية، إبراهيم خليل أحمد، ص (36 - 37)، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، محمد البار، ص (166 - 167)، الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (85 - 86).
(2) انظر المدخل إلى العهد القديم، القس الدكتور صموئيل يوسف، ص (39).

(3) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 105 - 108)، أقانيم النصارى، أحمد حجازي السقا، ص (102 - 103)، في مقارنة الأديان، محمد عبد الله الشرقاوي، ص (32 - 34)، المسيح في القرآن والتوراة والإنجيل، عبد الكريم الخطيب، ص (70)، المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، محمد البار، ص (169)، الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (85)، المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، ص (13 - 14).
(4) دائرة المعارف الكتابية (1/ 82).
(5) دائرة المعارف الكتابية (مادة إرميا النبي)، وانظر تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، ص (274).

 

  • السبت PM 05:28
    2022-05-14
  • 732
Powered by: GateGold