المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409027
يتصفح الموقع حاليا : 298

البحث

البحث

عرض المادة

هل هذا هو المسيح؟

وآخر ما نختم به جولتنا لإثبات براءة الوحي من أسفار العهد الجديد، أن نعرض لبعض ما ينسبه كُتّاب العهد الجديد إلى المسيح من أخلاق أو صفات لا يليق أن تصدر من كرام البشر وعقلائهم، فضلاً عن أن يقع فيها نبي كريم جعله الله قدوة صالحة للعالمين.

وثمة صور كثيرة تسيء للمسيح، لن يغفرها مدح الأسفار للمسيح في مواطن أخرى، ومن أهم تلك الصور المزرية التي نسبها الإنجيليون إلى المسيح زوراً وبهتاناً:

- أن متى يتهم المسيح بعدم الحرص على وصول ضعاف الإيمان إلى المغفرة والهداية، بل يزعم أنه حجب أسبابها عنهم، يقول: " ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل، قال لهم: قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله، وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء، لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتُغفر لهم خطاياهم.

ثم قال لهم: أما تعلمون هذا المثل، فكيف تعرفون جميع الأمثال ... وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا ... وبدون مثل لم يكن يكلمهم، وأما على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء" (مرقس 4/ 10 - 33)، فقد كان يخص التلاميذ بالبيان والشرح، ويحرمه آخرين ممن يتحدث أمامهم بالأمثال فقط " لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا" لقد كان يتعمد ذلك إضلالاً لهم "لئلا يرجعوا، فتُغفر لهم خطاياهم ".

- وذكرت الأناجيل وصية المسيح بالأم والأب، ثم لما كان المسيح في عرس بقانا تذكُر أنه أساء لوالدته، ففي يوحنا أنها طلبت منه تحويل الماء الذي في الجرار إلى خمر يشربه أهل العرس فقال لها: " مالي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد " (يوحنا 2/ 4)، وهي ذات الكلمة التي قالها للزانية التي أتي بها لترجم " قال لها: يا امرأة" (يوحنا 8/ 10).

ولما جاء واحد من تلاميذه يخبره أن أمه وإخوته ينتظرونه ليكلموه، لم يقم لاستقبالها والترحاب بها، بل قال بجفاء - حسب زعم متى -: "من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟! ثم مدّ يده نحو تلاميذه وقال: ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي" (متى 12/ 48 - 50)، فهل يعقل أن المسيح يتجاهل أمه بهذه الطريقة؟ ثم ألم تكن الطاهرة البتول التي يتنكر لها ممن يصنع مشيئة الله!

ويكذبهم القرآن في ذلك كله، فما كان للمسيح البار أن يسيء لوالدته، بل هو كما يقول عن نفسه: {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً} (سورة مريم: 32).

وفي موطن آخر تتهمه الأناجيل بشرب الخمر، فتقول بأن المسيح قال لليهود: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11/ 19).

هذا ما تذكره الأناجيل، تسيء به للمسيح وأمه، فيما نرى القرآن يقول عنها، عن المرأة الطاهرة التي ينسب إليها يوحنا أمر صنع الخمر ليسكر المدعوون إلى العرس ويثملون، فيصفها القرآن ويقول: ?يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ? (آل عمران: 33).

وقد أكمل بولس المأساة حين دعا لشرب الخمر من غير إسراف في تعاطيه، فقال: " لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (ثيموثاوس (1) 23/ 5)، وكان سفر الأمثال التوراتي قد اعتبر شرب الخمر وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، إذ ينسيهم أتعابهم وآلامهم، إذ يقول: " أعطوا مسكراً لهالك، وخمراً لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد " (الأمثال 31/ 6 - 7).

لكن المجتمعات النصرانية لم تلتزم بالقليل الذي أحله ودعا لشربه بولس، فتحولت إلى مجتمعات مدمنة بها عشرات الملايين من المدمنين، إنه أثر آخر من آثار الكتاب المقدس.

- وينقل لوقا عن المسيح أمراً غريباً قاله للجموع التي تتبعه: " إن كان أحد يأتي إليّ، ولا يبغض أباه وأمه وأولاده وإخوانه، حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً " (لوقا 14/ 26 - 27)، ثم يتابع لوقا الشروط المستحيلة للتلمذة، فيقول: "فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14/ 33).

فإضافة إلى كون هذه الشروط للتلمذة غير ملائمة للفطرة - كما أسلفنا - فإن هذه الشروط مستحيلة،، وأيضاً الأمر ببغض الأقارب غير مقبول من الناحية الأخلاقية، والمسيح لا يعقل أن يأمر ببغض الآباء والأمهات ومحبة الأعداء بما فيهم الشيطان!

- ومثله لا يصح أن ينسب إلى المسيح ذلك القول المريع الذي ينسبونه إلى نبي المحبة والسلام، وهو قوله: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنّة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته " (متى10/ 34 - 36)، فهل جاء المسيح لنشر الفساد والبغضاء! إنها إساءة كبرى لهذا النبي العظيم، تدل على كذب الكتبة الذين يزعم النصارى أنهم يكتبون كلمة الله.

ويشبهه قول لوقا: "جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت .. أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض. كلا، أقول لكم: بل انقساماً. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب، والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنّتها، والكنّة على حماتها" (لوقا 12/ 49 - 53)، فهل صدق الإنجيليون حين زعموا أن المسيح كان نبي فساد؟ حاشاه، فهذا بهتان عظيم.

- وتبع رجل المسيح يريد أن يتشرف باتباعه، ثم جاءه يستأذنه ليدفن أباه، فيزعم متى أن المسيح نهاه وقال: " اتبعني. ودع الموتى يدفنون موتاهم " (متى 8/ 22)، فهل يفعل هذا كرام الناس؟ وهل هذا من البر بالوالد؟ وما الأثر الذي يتركه هذا النص على قارئه في القرن الواحد والعشرين؟ وهل لهذا الأمر الغريب علاقة في الكثير مما نراه من العقوق والجفاف في المجتمعات الغربية المسيحية؟

- واستأذنه تلميذ آخر في وداع أهله، فلم يأذن له، بل أنَّبه "وقال آخر أيضاً: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع الذين في بيتي، فقال له يسوع: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 9/ 61 - 62)، فهذا التلميذ لا يصلح لملكوت الله لأنه أراد وداع أهله! أي دين هذا! وأي تعاليم هذه؟ هل هذا ما تحث عليه كلمة الله؟

ولا ريب أن هذه النصوص وأمثالها سبب لكثير مما تعانيه أوربا والغرب من تفكك أسري وتقاطع بين الأرحام بل وفي الأنساب.

- ومن الجفاء الذي يتنره عنه المسيح، بل وكرام البشر، ما جاء في متى: " تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار، وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك، فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع، وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى احتملكم؟ قدموه إليّ ههنا. فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام" (متى 17/ 14 - 16)، إذ ليس من مبرر لهذا التبرم من قضاء حوائج الناس.

- ومرة أخرى تبالغ الأناجيل في الإساءة للمسيح في قصة المرأة الكنعانية أو الفينيقية التي جاءت إلى المسيح تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، وهي تبكي، وتقول: " ارحمني يا سيد، يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين: اصرفها، لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد أعني. فأجاب وقال: ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت: نعم يا سيد، والكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين " (متى 15/ 22 - 28)، فهو لم يرحم ضعفها ولم يرض بمساعدتها إلا حين ارتضت تشبيهه لها بالكلاب، فقال لها: "لأجل هذه الكلمة اذهبي، قد خرج الشيطان من ابنتك" (مرقس 7/ 29).

فمثل هذه الغلظة وهذا الجفاء مع قدرته على شفاء ابنتها لا مبرر له، كيف لا يشفق ولا يرحم تلك المسكينة، وكيف يشبهها، بل وجميع الأمميين من غير اليهود بالكلاب؟!

وفي مرة أخرى شبه هؤلاء الأمميين بالخنازير، حين أوصى فقال: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دُرركم قدام الخنازير" (متى 7/ 6). ولا يقبل أن يوصم المسيح - الذي يزعمون أنه نزل لخلاص العالم - بمثل هذه التفرقة العنصرية البغيضة.

وإذا قيلت تلك الشناعة بحق السيد المسيح وهو الرسول القدوة، فلا عجب بعد ذلك في انتشار التفرقة العنصرية التي يؤكدها العهد الجديد بقول بولس: " لكن ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الجارية وابنها، لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة " (غلاطية 4/ 31).

كم هو الفرق بين هذه النظرة العنصرية البغيضة وما جاء في القرآن الكريم {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات: 13).

يقول ول ديورانت في "قصة الحضارة": " إن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخرى ... إن بعضها يبدو لأول وهلة مجانباً العدالة، وإن منها ما يشتمل على السخرية اللاذعة والحقد المرير ".

- ومن عجائب العهد الجديد أنه يعتبر المسيح ملعوناً، اللعن هو الطرد من رحمة الله، وهو عقوبة الله للعصاة والمجرمين، كمن يعبد الأصنام أو يزني بمحارمه أو يستخف بوالديه وغيرهم ممن لا يقيم كلمات ناموس الله. (انظر التثنية 27/ 15 - 26).

لكن بولس لا يجد غضاضة أن يجعل المسيح عليه السلام في زمرة هؤلاء الملعونين من الله، فيقول: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من علّق على خشبة" (غلاطية 3/ 12)، إذ لم يجد وسيلة يوفق فيها بين لعن المصلوب في شريعة موسى وإدعائه صلب المسيح، فجعله ملعوناً مطروداً من رحمة الله، وأسبغ على هذه المهانة للمسيح ثوباً فلسفياً، حين جعل طرد المسيح من رحمة الله، إنما هي نيابة عنا معاشر الخطاة.

- وينسب يوحنا إلى المسيح عليه السلام الكذب - وحاشاه - فيذكر يوحنا أن التلاميذ طلبوا من المسيح أن يذهب لليهودية (أورشليم) ويظهر معجزاته في عيد المظال، فقال لهم: "اصعدوا أنتم إلى هذا العيد، أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يكمل بعد، قال لهم هذا، ومكث في الجليل، ولما كان إخوته قد صعدوا، صعد هو أيضاً إلى العيد، لا ظاهراً، بل كأنه في الخفاء ... " (يوحنا 7/ 8 - 10)، لقد أخبرهم أنه لن يذهب إلى العيد ثم ذهب مختفياً حتى لا يكتشفوا كذبه، وحاشاه عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت الأسفار قد نسبت الكذب إلى الرب المتجسد، فماذا عساه ننتظر من البشر!. (1)

فهذا كذب صريح لا يليق بأن ينسب إلى المسيح، فإن قرأه النصارى في كتابهم عن المسيح - وحاشاه - فلا عجب بعد ذلك لو أصيبوا جميعاً بداء الكذب.

ويعجب المرء لكثرة التعري في الغرب النصراني، ولكن لا عجب عند من تأمل سوءة أخرى تنسبها الأسفار إلى المسيح عليه السلام، ألا وهي التعري أمام التلاميذ، فقد جاء ذلك في قصة غسل المسيح أرجل التلاميذ، يقول يوحنا: "قام عن العشاء وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتّزر بها، ثم صبّ ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها ... فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضاً، قال لهم: أتفهمون ما قد صنعت بكم" (يوحنا 13/ 4 - 12).

ومن نسب العري إلى المسيح لن يخجل من وسم رسله وتلاميذه بمثله، فقد ذهبوا للسباحة في بحيرة طبرية، وقد وقف سمعان إلى جانب البحر عارياً حتى من الإزار الذي يغطي عورته، ولما جاء المسيح لم يعرفه "فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: هو الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب، اتزر بثوبه، لأنه كان عرياناً، وألقى نفسه في البحر" (يوحنا 21/ 7).

  • وتذكر الأناجيل على لسان المسيح الكثير من السباب والشتائم لليهود، وهم مستحقون لذلك، غير أن مثل هذا لا يصدر من نبي أرسله ربه ليعلم قومه حميد

الأخلاق، كما لا يصدر ممن يقول: " باركوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم " (متى 5/ 44).

فكيف يقول بعد ذلك لقومه: " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون .. ويل لكم أيها القادة العميان .. أيها الجهال والعميان .. أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ " (متى 23/ 13 - 37).

وهل يعقل أن يقول ذاك الذي أمر بمباركة الأعداء ومحبتهم والإحسان إليهم، هل يمكن أن يقول لهم: " يا أغبياء " (لوقا 11/ 37)، أو أن يصفهم بأنهم كلاب وخنازير: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم" (متى 7/ 6).

وقد طال السباب المنسوب للمسيح حتى تلاميذه وخاصته، فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/ 25)، وقال لبطرس: "اذهب عني يا شيطان " (متى 16/ 23).

وقال مخاطبا إياه في موطن آخر: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " (متى 14/ 31).

لكن الداهية الدهياء حين ينسب كُتاب العهد الجديد إلى المسيح سِباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحقَ الحقَ أقول لكم: إني أنا باب الخراف، جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.

وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/ 7 - 12).

ثم وفي موطن آخر يتوعد بجهنم من قال لأخيه أقل من ذلك، فيقول: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/ 22).

وقريباً من هذا السِباب ما يقوله بولس في مواطن كثيرة من رسائله، منها: "انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشر" (فيلبي 3/ 2)، ومثله كثير ...

ثم يذكر بولس أن من بين الذين يُحرَمون من الملكوت أولئك الذين يشتمون، فيقول: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (كورنثوس (1) 6/ 10)، فهل تراه يقصد نفسه والمسيح أم أن لهما امتيازاً على سائر الشاتمين، أم هو ضلال البشر حين ينسبون القبائح إلى أحد أكرم المرسلين، ثم يزعمون أنه كلمة الله؟

ولا عجب بعد ذلك ما فعل البشر من السباب والقبح والرذيلة.

ويستمر الإنجيليون في الإساءة المتعمدة إلى المسيح عليه السلام، ويصفونه بالمزيد من القبائح وهم يتحدثون عن نسب للمسيح الذي ليس له نسب بشري، والعجيب أنهم جعلوا نسب يوسف النجار نسباً للمسيح الذي لا أب له، وليس ثمة علاقة بينه وبين يوسف النجار، ولو كان المذكور نسب مريم لكان له وجه، أما يوسف النجار فلا وألف لا.

وقد ذكر الإنجيليون في مرات عديدة أن النجار هو أب المسيح، منها ما نسبه لوقا إلى مريم: "وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم، ويوسف وأمه لم يعلما، إذ ظناه بين الرفقة ... يا بني لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين " (لوقا 2/ 41 - 48)، فجعل لوقا النجارَ أباً للمسيح الذي لا علاقة له به! (2) ونسبة المسيح إلى يوسف النجار علاوة على أنها غير حقيقية، فإنها تؤكد ماكان اليهود يشيعه عن مريم وابنها، وما هو موجود في تلمودهم من قولهم على مريم البتول الطاهرة بهتاناً عظيماً.

وعند التأمل في نسب متى، فإنا نلحظ أنه ذكر في نسب المسيح أربع جدات للمسيح هن ثامار، وزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي، وراحاب، وراعوث. فما السر في ذكر هؤلاء الجدات دون سائرهن؟ هل كُن نساء فوق العادة حتى خلّدهن الإنجيل؟ هل ثمة درس يعلمنا إياه الكتاب المقدس بخصوص تعظيم المسيح عليه السلام؟

إن لكل واحدة من الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص زناً من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد. (انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/ 2 - 30).

وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة - زوراً - داود بأنه فجَر بها، وهي زوجة قائده أوريا الحثي، فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته، وكان من أولادها النبي سليمان أحد أجداد المسيح. (انظر القصة في صموئيل (2) 11/ 1 - 4).

وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب " (يشوع 2/ 1)، وذكر قصة زناها في سفره.

وأما راعوث فهي راعوث المؤابية زوجة بوعز وأم عوبيد، والتوراة تقول: " لا يدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر " (التثنية 23/ 3).

ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد من جماعة الرب، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها.

وهذه الجدة المؤابية - على كل حال - أفضل من الجدات الثلاث، إذ لم يذكر الكتاب لها زنى، فقد اكتفت بإغراء بوعز، فتزينت ونامت تحت رجليه تنفيذاً لنصيحة حماتها، حيث قالت لها: "فاغتسلي وتدهّني، والبسي ثيابك، وانزلي إلى البيدر .. ومتى اضطجع فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه، وادخلي واكشفي ناحية رجليه، واضطجعي وهو يخبرك بما تعملين ... فنزلت إلى البيدر، وعملت حسب كل ما أمرتها به حماتها" (راعوث 3/ 3 - 6).

وهنا يقف المرء حائراً متسائلاً عن سر الاهتمام بهؤلاء الجدات دون سائر الجدات، ولا أجد من تفسير إلا أن هناك من يرغب في تلطيخ سمعة الأنبياء والنيل منهم والحط من شرفهم بدءاً من نوح وانتهاء بالمسيح، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

وفي محاولة يائسة لتبرير هذه السقطة لمتّى وتلك الإساءة الكبرى منه لشخص المسيح، يقول القمّص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى: "المسيح وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجست لكي يطهرها، أي يريد أن يقول: إن من جاء من أجل الخطاة ولد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع ".

وأما الأب متى المسكين فيعتبر الجدات الاربع "أربع جواهر انتزعن من وحل الأمم لتزين صدر المسيح كفادي الخطاة ... وصنّف من أسماء الزانيات عقداً من اللؤلؤ لا ينعم بمنظره إلا أصحاب العيون المفتوحة والقلوب الكبيرة". (3)

 

وقد تبدى لي أني لست من هؤلاء الذين أعجبهم عقد الجدات الزانيات اللاتي زينت أسماؤهن صدر المسيح، كما قال الأب المسكين، ولا أدري إن كان قارئي كذلك؟ أم أنه من أصحاب العيون المفتوحة التي تبصر في أسماء الزواني ما يصلح أن يزين صدر المسيح، فيالها من زينة!

وأما أجداد المسيح الذكور الذين ذكر متى منهم اثنان وثلاثون أباً (إلى داود) وذكر لوقا اثنان وأربعون أباً، فهؤلاء أيضاً لا يتشرف المسيح بأن يكونوا من آبائه - لو كان ما تذكره التوراة عنهم صحيحاً، وحاشا أن يكون ذلك صحيحاً -، فإن أربعة من هؤلاء الآباء تذكر التوراة أنهم فعلوا الزنا، وبعضهم كان الزنا المنسوب إليه زنا محارم، وهؤلاء الأربعة هم يهوذا، وداود، وسليمان، ورحبعام.

وأما يهوياقيم بن يوشيا أحد الأجداد المزعومين للمسيح، فهو اسم آخر يسيء إلى المسيح عليه الصلاة والسلام، فيهوياقيم ملك فاسد، عاقبه الله بالحرمان ونسله من بعده، فقال عنه: " لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً، وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم " (إرميا 36/ 30 - 31).

ويهوياقيم أحد أجداد المسيح الذين أغفل متى ذكرهم، فقد ذكر أباه يوشيا وابنه يكينيا، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل " (متى 1/ 11).

وهو بذلك تجاهل اسم يهوياقيم، وقد ذكره سفر الأيام الأول " بنو يوشيا: البكر يوحانان، الثاني يهوياقيم، الثالث صدقيا، الرابع شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/ 14 - 15)، فيهوياقيم اسم أسقطه متى من نسبه للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا.

ولا يخفى على فطنة القارئ سبب إسقاطه لاسم هذا الملك الفاسق المحروم وذريته من الجلوس على كرسي داود.

إذ أن ذلك الوعيد ليهوياقيم يتعارض مع زعم النصارى أن المسيح سيرث كرسي داود، فإن لوقا في أعمال الرسل: " من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد، ليجلس على كرسيه " (أعمال 2/ 30) ويقول: " الرب الإله يعطيه كرسي داود أبيه " (لوقا 1/ 32)، فلم يجد متى من سبيل لإزالة التعارض إلا أن يسقط اسم يهوياقيم من سلسلة أجداد المسيح، ولعله ظن أن صنيعه سيُذهل القارئ عن هذا العيب الكبير، الذي يحرم المسيح من أحد أعظم نبوءات وبشارات الكتاب المقدس.

ولست أدع القارئ يحزن لما يرى من إسفاف بحق المسيح عليه السلام، الرسول العظيم الذي لم يكن كذلك أبداً، وحتى يتعزى فإني أنقل له شهادة الفيلسوف الشهير إرنست رينان في كتابه المسمى "حياة يسوع" (ص 15)، حيث يقول: "لو أننا اقتصرنا في الكتابة عن حياة يسوع على الأشياء المؤكدة؛ فعلينا أن نكتفي ببضعة أسطر". (4) ومن المؤكد أن هذه الأسطر القليلة لن تحمل تلك الصفحات المشينة التي تسيء إلى المسيح عليه السلام.

إنا لنرجو أن يشاركنا القارئ المنصف في أن هذه الإساءت المتلاحقة من الإنجيليين إلى المسيح عليه الصلاة والسلام دليل آخر يشهد ببراءة وحي الله عن الإيحاء بمثل هذا الذي يتنزه عنه أنبياء الله الكرام، الهداة الدعاة، ملح الأرض وزينتها، ومنهم سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام.


(1) يبرر القس سمعان كلهون هذا الكذب بدواعي الخوف على النفس، ويراه صورة من "الحكمة الإلهية التي بها صان حياته من الموت قبل الوقت المعين، حتى يمكنه أن يقدمها ذبيحة مقبولة في الساعة المناسبة". انظر اتفاق البشيرين، القس سمعان كلهون، ص (218).

(2) يقول القس سمعان كلهون تعليقاً على هذه الفقرة: "ولاشك أنه تعلم منذ طفولته أن يدعو يوسف أباه، وأن أمه لم تخبره أن يوسف ليس هو أباه حقيقة .. لم تكن قد كلمته عن ولادته العجيبة ". اتفاق البشيرين، القس سمعان كلهون، ص (77 - 78).

(3) الإنجيل بحسب القديس متى (دراسة وتفسير وشرح)، الأب متى المسكين، ص (135).

(4) نقلاً عن موجز تاريخ الأديان، فيلسيان شالي، ص (241).

 

  • الخميس PM 03:37
    2022-05-12
  • 887
Powered by: GateGold