المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413280
يتصفح الموقع حاليا : 340

البحث

البحث

عرض المادة

أغلاط الأناجيل

وكأي جهد بشري معرض للخطأ، فإن الأناجيل كذلك تمتلئ بالأغلاط التي يكذبها التاريخ والواقع، وثبوت الغلط في الكتاب يحيل قداسته، ويحيل دعوى إلهامه إلى سراب.

والأغلاط في الأناجيل كثيرة، وهي على أنواع فمنها ما تشهد عليه الأسفار المقدسة بالخطأ أو الكذب، ومنها ما يشهد عليه العقل، ومنها ما يشهد عليه التاريخ والواقع.

أولاً: الأغلاط بشهادة الكتب المقدسة

أين هذه النصوص من تعظيم الله ورسله!

يتحدث سفر الرؤيا، رؤيا يوحنا اللاهوتي عن رؤيته للأقنوم الثاني لله، أي الله الابن، وهو جالس على عرشه على صورة خروف له سبعة قرون وسبع أعين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، يقول يوحنا: " ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة، وفي وسط الشيوخ خروف قائم، كأنه مذبوح له، سبعة قرون وسبع أعين، هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض" (الرؤيا 5/ 6 - 8).

ويمضي النص فيقول متحدثاً عن القائمين أمامه: " هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ، لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم إلى ينابيع ماء حيّة، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم ... " (الرؤيا 7/ 15 - 18).

ويفصح النص عن ماهية الجالس على العرش على صورة الخروف، إنه الله الابن، الأقنوم الثاني للإله الواحد المتعدد الأقانيم، فيقول: "هؤلاء سيحاربون الخروف، والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون" (الرؤيا 17/ 14).

ويمضي نص يوحنا ليذكر أن الجموع التي كانت أمام العرش كانت تصرخ بخلاص الله والخروف "الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف ومتسربلين بثياب بيض، وفي أيديهم سعف النخل، وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف. وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخرّوا أمام العرش على وجوههم وسجدوا لله قائلين: آمين " (الرؤيا 7/ 9 - 12)، فهل الرب محتاج للخلاص؟ وممن؟ ومن الذي سيخلصه؟ أولا توجد طريقة أفضل للرمز على الإله المعبود؟

ويتحدث العهد الجديد عن جهالة لله وضعف، ولكن جهالته أكثر حكمة من الناس، وكذا ضعفه أقوى من الناس، وذلك في قول بولس: "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس (1) 1/ 25).

وأنبه إلى أن التراجم الحديثة عمدت إلى تخفيف المعنى الصحيح للنص الذي لم يتحدث عن كلمة (جهالة)، بل تحدث عن (ىùٌïي) أي (حماقة)، لذا ترجمته النسخة الكاثوليكية: " لأن الحماقة من الله أكثر حكمة من الناس، والضعف من الله أوفر قوة من الناس"، ولا يقبل بحال أن يقال عن الله العظيم أن له ضعفاً أو جهالة أو حماقة، بل هو القوي العزيز الحكيم العليم.

ويتحدث بولس عن سلطان للروح على الله وقدرة على معرفة غيوبه ومكنوناته، فيقول: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (كورنثوس (1) 2/ 10).

وينال بولس - أو بصورة أدق الكاتب المجهول للرسالة إلى العبرانيين - من ناموس الله وكتابه وشريعته، ويحتقره ويصفه بالعتق والشيخوخة، ومثل هذا الموقف لا يكون في كتب الله وما يوحيه إلى الأنبياء والرسل الذين تأتي دعوتهم لتؤكد على تعظيم كتبه ووحيه، يقول بولس: " فإنه يصير إبطال الوصية السابقة (التوراة وشرائعها) من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله " (عبرانيين 7/ 18 - 19).

ويقول عن التوراة التي أنزلها الله على موسى: " وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " (عبرانيين 8/ 13).

ويقول: " فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثانٍ" (عبرانيين 8/ 7).

ويقول بولس ضارباً عرض الحائط بشرائع التوراة التي تحرم بعض الأطعمة (انظر اللاويين 11/ 1 - 47)، ويعتبرها من خرافات اليهودية ووصايا المرتدين " لا يصغون إلى خرافات يهودية ووصايا أناس مرتدين عن الحق، كل شيء طاهر للطاهرين، وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهراً " (تيطس 1/ 14 - 15).

هذا ما يقوله بولس والكاتب المجهول للرسالة إلى العبرانيين عن ناموس الله الذي تصفه المزامير فتقول: "ناموس الرب كامل يرد النفس، شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيماً، وصايا الرب مستقيمة تفرّح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينين" (المزمور 19/ 7 - 8).

وينسب العهد الجديد إلى المسيح سباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم ... السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.

وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/ 7 - 12).

ومن المحال أن يسطر الله في وحيه مثل هذه الإساءات لمقامه العظيم، وكذا لكتبه ورسله.

[ضياع نقط بل حروف من الناموس]

ينسب الإنجيليون في محاولة منهم لتوثيق العهد القديم، ينسبون إلى المسيح أنه قال: "ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس" (لوقا 16/ 17)، وفي متى أن قال: " فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى 5/ 18)، فهل كان هذا الكلام حقاً أم ضاعت كلمات، بل سطور وأسفار كاملة، فيما لم تزل السماوات والأرض.

وقد ذكرت أمثلة كثيرة لتلك المفقودات في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، سلسلة الهدى والنور، وأكتفي هنا بعرض ثلاث نماذج فقط، تاركاً للقارئ الكريم أن ينظر في تحقق هذا النص، طالباً منه أن يرى في عدم تحققه دليلاً على أنه ليس من كلام الله ووحيه أو قول المسيح نبيه، بل هو بعض إضافات كتبها أولئك الكُتاب، ونسبوها زوراً وبهتاناً إلى وحي الله.

فمن شواهد النقص وضياع النقط والحروف من الكتاب ما جاء في سفر الأيام "وبنو عزرة يثر ومرد وعافر ويالون ******، وحبلت بمريم وشماي ويشبح أبي اشتموع" (الأيام (1) 4/ 17)، ولم يذكر السفر بقية أبناء عزرة، ولا تلك التي حبلت بمريم وأخواتها، واكتفى طابعو الكتاب بوضع خمسة نجوم للتنبيه على وجود سقط في النص. ولرؤية المزيد من نجوم الكتاب المقدس انظر (الأيام (2) 36/ 23)، و (عزرا 1/ 3)، و (عزرا 6/ 5 - 6)، و (صموئيل (2) 5/ 8)، و (حزقيال 22/ 43)، و (الملوك (2) 5/ 6)، (زكريا 6/ 15)، وغيرها مما يطول المقام بذكره.

ويمتد السقط والضياع في الكتاب ليشمل أسفاراً تحوي الآلاف من النقاط والحروف، كسفر حروب الرب المذكور في سفر العدد، حيث يقول: "لذلك يقال في كتاب حروب الرب واهب في سوفة وأودية أرنون" (العدد 21/ 14)، وهو سفر مفقود.

وكذا فقدت آلاف الحروف والنقاط المكونة لسفر أخبار النبي ناثان النبي وسفر أخبار أخيا الشيلوني الضائع وسفر رؤى يعدو، وقد ذكروا في سفر الأيام، في قوله: " هي مكتوبة في أخبار ناثان النبي وفي نبوّة أخيا الشيلوني وفي رؤى يعدو الرائي " (الأيام (2) 9/ 29).

ولرؤية المزيد من الأسفار المفقودة انظر (يشوع 10/ 13)، و (صموئيل (2) 1/ 18)، و (الأيام (1) 29/ 29)، و (الأيام (2) 12/ 15)، و (الملوك (1) 4/ 32 - 13)، وغيرها مما يطول المقام بذكره.

وهذه الشهادات جميعاً تشهد بضياع كلمات وحروف من الناموس، فيما تشهد السماوات والأرض وبقاؤهما ببراءة المسيح مما نسبه إليه الإنجيليون من الغلط والوعد الكاذب في هذا النص.

[زكريا المقتول هو ابن يهوياداع وليس ابن برخيا]

فمن الأغلاط التي تشهد لها الأسفار المقدسة عند النصارى بالخطأ ما جاء في متى في قوله أن المسيح قال: " كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح " (متى 23/ 35).

وقد غلط متى، إذ المقتول بين الهيكل والمذبح هو زكريا بن يهوياداع، فقد جاء في سفر الأيام " ولبس روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن فوقف فوق الشعب .. ففتنوا عليه، ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب " (الأيام (2) 24/ 20 - 21).

وأما زكريا بن برخيا فهو آخر عاش أيام سبي بابل، وهو من الأنبياء الصغار، وينسب إليه السفر الذي في التوراة، ويقول عنه قاموس الكتاب المقدس " ويذكر التقليد اليهودي أن زكريا هذا طالت أيامه، وعاش في بلاده، ودفن بجانب حجي الذي كان زميلاً له ". (1)

كما يجدر أن ننبه هنا إلى أن لوقا قد نقل قول المسيح الذي ذكره متى، ولكنه لم يخطئ كما أخطأ متى، فقد قال: " من دم هابيل إلى دم زكريا الذي أهلك بين المذبح والبيت " (لوقا 11/ 51).

[إحالة متى الخاطئة إلى سفر إرمياء]

وفي نبوءة أوردها متى أخطأ وهو ينقل عن التوراة، يقول متى: " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ .. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف .. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم، فتشاوروا، واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء .. حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي: وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل، وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب " (متى 27/ 3 - 10).

فإحالته إلى سفر إرميا غير صحيحة، إذ لا يوجد شيء من ذلك في إرميا، والصحيح أنه في سفر زكريا: " فقال لي الرب: ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة، وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب " (زكريا 11/ 12 - 14).

ويجدر أن ننبه هنا أن القصة في سفر زكريا لا علاقة لها بيهوذا ولا المسيح، إذ الثمن الذي يطلبه زكريا ثمن كريم، أجرة كهانته، في حين أن الثمن الذي قبضه يهوذا ثمن خيانة ولؤم.

والحق أن الإحالة ليست إلى سفر زكريا ولا إرميا، بل هي بالحقيقة إحالة إلى رسالة غير قانونية تنسب إلى النبي إرمياء، فقد نقل آدم كلارك في تفسيره للكتاب المقدس عن العلامة جيروم قوله: "إن اليهود من فرقة الناصريين أظهروا له هذه النبوءة في نسخة عبرية لسفر إرميا مشكوك فيها (أبوكريفا) ". ويضيف كلارك: لكن من الراجح أنهم أدخلوا هذه النبوءة في سفر إرميا فقط لموافقة الاقتباس الموجود في متى.

وأما القس سمعان كلهون فيرجح أن الأصل لم يحدد اسم النبي الذي اقتبست منه الإحالة، وأنه كان فيه " تم ما قيل بالنبي "، كما ورد في الترجمة السريانية. (1)

[أصحاب داود لم يأكلوا خبز التقدمة في عهد الكاهن أخيمالك]

وأخطأ كاتب إنجيل مرقس مرتين وهو يتحدث عما فعله داود عندما جاع فأكل من خبز التقدمة الذي لا يجوز أكله إلا للكهنة فقال: " أما قرأتم قط ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه، كيف دخل بيت الله في أيام أبياثار رئيس الكهنة، وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل إلا للكهنة، وأعطى الذين معه" (مرقس 2/ 25 - 26).

وقوله: " الذين كانوا معه " خطأ ولا محالة، لأن داود كان حين ذهب إلى رئيس الكهنة كان وحيداً فاراً من وجه شاول، كما في سفر صموئيل وفيه " فجاء داود إلى نوب إلى أخيمالك الكاهن، فاضطرب أخيمالك عند لقاء داود، وقال له: لماذا أنت وحدك وليس معك أحد ... يوجد خبز مقدس ... " (صموئيل (1) 21/ 1 - 4).

والخطأ الثاني الذي وقع فيه مرقس حينما سمى رئيس الكهنة أبياثار، وفي صموئيل أن رئيس الكهنة يومذاك هو أبوه، أخيمالك الذي قتله شاول، لأنه أعطى الخبز المقدس لداود. (انظر صموئيل (1) 22/ 20 - 23).

وينبه محررو قاموس الكتاب المقدس إلى أن أبياثار هرب بعدها إلى داود مع صادوق رئيس الكهنة بعد مقتل أبيه أخيمالك.

وقد اعترف بهذا الغلط توماس وارد في كتابه ( Errata to the Protestant Bible) ، وقال نقلاً عن مستر جوويل أنه كتب: غلط مرقس، فكتب أبياثار موضع أخيمالك. (1)

[الثناء على يهوذا الخائن]

وفي أثناء حديث الإنجيليين عن التلاميذ فإنهم يذكرون الاثني عشر بخير، وينسون أن فيهم يهوذا الخائن، ولربما ذكروا حوادث حصلت بعد موته، فذكروه فيها.

ومن ذلك قول متى أن المسيح قال لتلاميذه الإثني عشر: " الحق أقول لكم: إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر " (متى 19/ 28).

ولم يستثنِ متى يهوذا الخائن الذي يقول عنه ناقلاً عن المسيح: " ويل لذلك الرجل .. خيراً لذلك الرجل لو لم يولد " (متى 26/ 24)، وقد تنبه لوقا لخطأ متى، فلم يقع فيه، ولم يذكر عدد الكراسي. (انظر: لوقا 22/ 28 - 29).

وهذا الخطأ وقع به بولس وهو يتحدث عن قيامة المسيح والتي يفترض أنها بعد وفاة يهوذا بأيام وقبل انتخاب البديل عنه ميتاس (انظر أعمال 1/ 26)، فقال بولس: " قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر، وبعد ذلك ظهر لأكثر من خمسمائة أخ " (كورنثوس (1) 15/ 4 - 6).

وقد تنبه للخطأ كاتب مرقس وهو يروي ذات القصة، فقال: " ثم ظهر للأحد عشر .. " (مرقس 16/ 14).

ولن يفوتنا هنا التذكير أن المسيح ظهر أول مرة لعشرة من التلاميذ فقط، إذ لم يكن معهم توما الذي غاب عن اللقاء الأول، يقول يوحنا: "أما توما أحد الاثني عشر الذي يقال له التوأم، فلم يكن معهم حين جاء يسوع" (يوحنا 20/ 19 - 25).

[مدة مكث المسيح في بطن الأرض ليست ثلاثة أيام وثلاث ليال]

ومن الأغلاط ما ذكره متى عن مكث ابن الإنسان (المسيح) في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، حيث يقول: " أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين: يا معلّم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي، لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (متى 12/ 38 - 40).

ومن المعلوم في الأناجيل أن المسيح صلب يوم الجمعة، ودفن ليلة السبت، وخرج من قبره قبل فجر الأحد، أي لم يمكث في القبر سوى ليلة السبت ويوم السبت وليلة الأحد. وهو ما يعدل ليلتين ويوم، وليس ثلاثة أيام وثلاث ليال، كما أخبر متى.

وقد اعترف بالسي وشلز أن متى قد غلط، وزعم أنه أخطأ في فهم كلام المسيح، فهذا التفسير بالبقاء ثلاثة أيام وثلاث ليال في الأرض كان من جانبه، وأما مقصود المسيح فهو: " أن أهل نينوي كما آمنوا بسماع الوعظ وما طلبوا معجزة، كذلك فليرضَ الناس مني بسماع الوعظ".

وأما يوحنا فم الذهب فيحاول في تفسيره تحوير النص فيقول: إن الثلاثة أيام والثلاثة ليال تحسب من يوم الخميس حين أكل المسيح العشاء مع التلاميذ وتحول الطعام إلى جسده، فبطن الأرض مجاز عن بطونهم. (4) وهو قول ممجوج واضح التكلف.

وأما الأب متى المسكين فاجتهد في إبقاء المسيح في بطن الأرض هذه المدة، فاعتبر ما أدركه المسيح من دقائق قبل غروب شمس يوم الجمعة يوماً أولاً وليلة أولى، كما اعتبر فجر الأحد يوماً كاملاًَ (5)، مع أن المسيح لم يكن في القبر أول الفجر، كما يقول لوقا " في أول الأسبوع، أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهنّ أناس، فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر، فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع" (لوقا 24/ 1 - 3) أي لم يدرك شيئا من النهار، ومع ذلك اعتبره الأب المسكين يوماً كاملاً، ولا غرابة فقد جعل دقائق ما قبل الغروب يوماً كاملاً وليلة كاملة.

وأما تفسير بالسي وشلز فهو اعتذار لا يقبل، لأنه قد جاء مثل هذا القول عند غير متى، ففي يوحنا قال لهم: " انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه "، فلم يفهم اليهود كلامه، وظنوه يتحدث عن هيكل سليمان "وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده، فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا" (يوحنا 2/ 19 - 24)، ولكنه قد قام في اليوم الثاني، وبعد مضي ليلتين فقط.

وقال لوقا: " إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة، ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم " (لوقا 24/ 7)، وفي مرقس " ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " (مرقس 10/ 34)، وقيامته هي القيامة من الموت، وقد قام في اليوم الثاني من الموت المزعوم.


(1) انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (428).

(2) انظر اتفاق البشيرين، القس سمعان كلهون، ص (545).

(3) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 339، 495)، قاموس الكتاب المقدس، ص (20).

(4) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 318).
(5) انظر: الإنجيل بحسب القديس متى (دراسة وتفسير وشرح)، الأب متى المسكين، ص (415 - 416).

  • الخميس PM 02:28
    2022-05-12
  • 997
Powered by: GateGold