المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408998
يتصفح الموقع حاليا : 429

البحث

البحث

عرض المادة

الأناجيل غير القانونية

نشطت حركة التأليف في الجيل الأول من النصرانية بشكل واسع، وظهرت أناجيل كثيرة كما تدلنا على ذلك مقدمة إنجيل لوقا " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً، إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علّمتَ به" (لوقا 1/ 1 - 4)، لكن هذه الكثرة الكاثرة من الأناجيل التي سطرها تلاميذ المسيح لم يكتب لها القبول فيما بعد من الكنيسة، فاندثرت وأضحت في خبر كان.

أولاً: نظرة تاريخية في الأناجيل غير القانونية

رأينا كيف اعترفت الكنيسة بأربعة أناجيل، وأنها رفضت عدداً كبيراً من الأناجيل والكتب التي ألفها الجيل الأول من المسيحيين، وأوصلها نتشة في كتابه ( Ecce Homo) إلى أربعة وسبعين كتاباً، وعدّدها، فذكر أن منها ما هو منسوب لعيسى وأمه، وللحواريين، ومنها ما هو منسوب للإنجيليين الأربعة، وبعض الباحثين يصل بعدد الأناجيل إلى ما يربو على المائة كتاب، ومنها ما هو منسوب لجماعات مسيحية قديمة كإنجيل المصريين والناصريين.

وقد سميت بعض هذه الكتب أناجيل كإنجيل بطرس واندرياه ويعقوب وميتاه (متى) وإنجيل المصريين لمرقس وبرنابا، وعددت دائرة المعارف الأمريكية أسماء ستة وعشرين إنجيلاً لا تعترف بهم الكنيسة رغم نسبتهم إلى المسيح وكبار حوارييه.

وقد كانت بعض هذه الكتابات والأناجيل متداولة لدى عدد من الفرق المسيحية القديمة، وظلت متداولة إلى القرن الرابع الميلادي.

 

وفي مجمع نيقية 325م أمرت الكنيسة باعتماد الأناجيل الأربعة ورفض ما سواها، من غير أن تقدم مبرراً لرفض تلك الأناجيل سوى مخالفتها لما تم الاتفاق عليه في المجمع، وفي ذلك يقول العالم الألماني تولستوي في مقدمة إنجيله الخاص الذي وضع فيه ما يعتقد صحته: " لا ندري السر في اختيار الكنيسة هذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره، واعتباره مقدساً منزلاً دون سواه مع كون جميع الأشخاص الذين كتبوها في نظرها رجال قديسون ... ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك الكتب أوضحت للناس هذا التفضيل ... إن الكنيسة أخطأت خطأ لا يغتفر في اختيارها بعض الكتب ورفضها الأخرى واجتهادها .. ".

وأمرت الكنيسة بحرق جميع هذه الأناجيل لما فيها من مخالفات للعقيدة الكنسية، وصدر قرار من الامبرطور بقتل كل من عنده نسخة من هذه الكتب. (1)

ثانياً: ما وصل إلينا من الأناجيل المحرمة

وهكذا اختفت معظم هذه الأناجيل ولم يصل منها سوى إنجيل برنابا والإنجيل الأغنسطي وإنجيل الطفولية وإنجيل يعقوب، وثلاث قصاصات من إنجيل مريم وبعض شرائح لاتينية وإغريقية وقبطية من إنجيل برثولماوس وإنجيل نيقوديموس، كما عثر أخيراً في نجع حمادي بمصر على مقتطفات من إنجيل بطرس وكتاب أعمال يوحنا وإنجيل الديداكي الذي يعود إلى القرن الأول الميلادي.

ولعل أهم ما وجد في نجع حمادي مائة وأربعة عشر قولاً منسوباً للمسيح في إنجيل توما الذي يختلف أسلوبه عن الأناجيل الأربعة، إذ لم يسرد قصة المسيح، بل نقل أقواله، ويرجع المحقق كويستر هذا الإنجيل إلى منتصف القرن الأول الميلادي، وأرجعه كيسيبل إلى 140م.

وعثر أيضاً على إنجيل " الحقيقة " والذي اعتبره ايرينوس (180م) إنجيلاً مزوراً. (2)

كما ثمة كتابات تنازع في قدسيتها الآباء الأوائل، واعتبرها بعضهم قانونية، ثم رأت الكنيسة حذفها فيما بعد من القائمة القانونية، مثل سفر الراعي لهرماس، فهذ السفر "متنازع عليه، ولا يمكن وضعه ضمن الأسفار المعترف بها، مع أن البعض يعتبرونه لا غنى عنه، سيما عند من يريدون تعلم مبادئ الإيمان". (3)

ثالثاً: الأدلة التاريخية على وجود هذه الأناجيل

وللتأكيد على وجود هذه الأناجيل في القرن الأول وحتى قبل كتابة الإنجيليين الأربعة لأناجيلهم نتذكر ما سطره لوقا في مقدمته " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا .. رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمتَ به " (لوقا 1/ 1 - 4)، فقد كان بين يديه مجموعة كبيرة من الأناجيل، لا يعلم عددها إلا الله.

وقد استشهد كل من أكليمنس الرومي (97م) وبوليكارب (112م) بأقوال للمسيح في صيغ مستقلة غير موجودة في الأناجيل الأربعة.

وقد جمع فابري سيوس ما تبقى من هذه الأناجيل، وطبعها في ثلاثة مجلدات. (4)

ملاحظات

وبادئ ذي بدء فإن المحققين سجلوا حول هذه الأناجيل ملاحظات.

- أن ثمة كتب كثيرة ظهرت في القرن الأول، وكلها منسوبة للمسيح وحوارييه.

- أن هذه الأناجيل تخالف عقائد مجمع نيقية، وبعضها كان خاصاً بفرق مسيحية موحدة.

- أن الكنيسة حين حرمت هذه الأناجيل، لم تقدم أدلة على صحة القرار الذي اتخذته، فهذه الأناجيل كما يرى فيلسيان شالي لا تختلف عن الأناجيل المعتبرة: "إن هناك نتيجة مسلماً بها، وليس فيها أي مجال للمماراة: هي أن الكتب العائدة للكنيسة لا تختلف إطلاقاً عن الأدبيات المسيحية الأخرى، وليس هناك من فاصل مطلق أو تمييز أساسي بين الأناجيل والرسائل والرؤى الكنسية، وبين الأناجيل الأخرى والرسائل الأخرى والرؤى الأخرى". (5)

- أنه كما لا يحق لرجال الكنيسة إعطاء صفة القانونية للأناجيل الأربعة، فإنه لا يحق لهم إبطال صحة هذه الأناجيل واعتبارها أبوكريفا (مزيفة، خفية).

 

 


(1) انظر: المسيح بين الحقائق والأوهام، محمد وصفي، ص (43)، إظهار الحق، الهندي (1/ 110، 2/ 548).

(2) انظر: انظر قاموس الكتاب المقدس، ص (122)، دائرة معارف القرن العشرين، فريد وجدي (1/ 655).
(3) تاريخ الكنيسة، يوسابيوس القيصري، ص (97).
(4) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 554).

(5) موجز تاريخ الأديان، فيلسيان شالي، ص (234).

 

  • الخميس PM 02:20
    2022-05-12
  • 1180
Powered by: GateGold