المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413524
يتصفح الموقع حاليا : 260

البحث

البحث

عرض المادة

هل كتبة الأسفار أنبياء؟

وتمتلئ الأناجيل والأسفار بالدلائل التي تكذب القول بإلهامية هؤلاء الذين ينبغي أن تعرض نبوتهم على الميزان الذي اقتبسه تلاميذ المسيح من معلمهم، فقد جاء في رسالة يوحنا الأولى: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم " (يوحنا (1) 4/ 1).

ثم كيف للنصارى أن يعتبروا بولس أو غيره من التلاميذ رسلاً معصومين وأمناء على الوحي والنبوة، ومن هؤلاء الرسل الذين أرسلهم المسيح يهوذا الخائن، يهوذا الذي عُد من الاثني عشر تلميذاً الذين أرسلهم المسيح؟ فمثل هذه الخيانة لا تصدر عن الرسل، وهي دليل يمنع دعوى نبوة ورسالة التلاميذ.

كما لا يصدر عن الأنبياء والرسل ما فعله بطرس عندما تخلى عن المسيح وأنكره في ليلة من أصعب الليالي ثلاث مرات (انظر لوقا 22/ 34)، ولوقا يقول على لسان المسيح: " من أنكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله " (لوقا 12/ 9)، إن هذا الإنكار دعا القس إبراهيم سعيد إلى وصف بطرس بأنه "الغارق في بحر الكفر" (1)، ولم يشفع له طول صحبته للمسيح.

ويبقى السؤال: كيف ينكر المسيحَ الملهمُ الرسولُ الممتلئ من الروح القدس الذي سماه المسيح في نص آخر شيطاناً؟ " فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس" (متى 16/ 23).

ونلحظ أن النصوص الإنجيلية تشكك في إيمان أخصّ تلاميذ المسيح مما يجعلهم غير جديرين بحمل أمانة الإنجيل، فضلاً عن الرسالة والنبوة، إذ يقول المسيح عن بطرس: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " (متى 14/ 31)، لذا اندفع القديس أغستين للقول عن بطرس: " إنه كان غير ثابت، لأنه كان يؤمن أحياناً ويشك أحياناً ". (2)

وإذا قيل هذا في بطرس فماذا عساه يقال عن بقية التلاميذ والحواريين؟ وهل كانوا أفضل حظاً وأحسن شأناً؟

العهد الجديد يخبرنا بأنهم هم أيضاً كانوا قليلي الإيمان، فقد وصفهم المسيح بذلك مراراً، يقول متى: "فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين: يا سيد نجنا فإننا نهلك، فقال لهم: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟ " (متى 8/ 25 - 26).

ولما أمرهم بالتحرز من خمير اليهود خاطب التلاميذ "قال: لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان، إنكم لم تأخذوا خبزاً، أحتى الآن لا تفهمون؟ " (متى 16/ 8).

وفي موطن آخر قال لهم: "فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غداً في التنور يلبسه الله هكذا، فكم بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان" (لوقا 12/ 28)، (وانظر مرقس 4/ 40، ومتى 6/ 30)، فهل مثل هؤلاء يعتد بروايتهم وتأليفاتهم فضلاً عن اعتبارها من وحي الله؟

لكن الداهية الدهياء في شهادة المسيح عليهم لما عجزوا عن شفاء المصروع، وجاءوا للمسيح - عليه السلام - شاكين مستفسرين: "لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم يسوع: لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " (متى 17/ 19 - 20)، فهل هؤلاء الذين لا يملكون من الإيمان حبة خردل أنبياء وأمناء على تسجيل وحي الله؟

ثانياً: معجزات التلاميذ لا تصلح دليلاً على النبوة

وإذا كان اعتبار النصارى لهؤلاء التلاميذ أنبياء لمجرد أن قاموا ببعض المعجزات التي لم تقترن بدعوى النبوة منهم، فهذا لا يكفي في تقرير نبوتهم وعصمتهم، فالأسفار المقدسة تذكر أن المعجزات والآيات قد تعطى للكاذبين الذين يدعون النبوة، فالمسيح قال: " سيقوم مسحاء كذبة، وأنبياء كذبة، ويُعطون آيات عظيمة وعجائب، حتى يُضلوا - لو أمكن - المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم " (متى 24/ 24 - 25)،

وقد حذر المسيح - عليه السلام - من خداع هؤلاء الكذبة للعوام بما يزعمونه من معجزات وإيمان بالمسيح وادعاء أنهم على دينه، وبين المسيح كيفية معرفة هؤلاء الكذبة حين قال: "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟ وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم، احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتون بثياب الحملان .. من ثمارهم تعرفونهم" (متى 7/ 5 - 23).

وأخيراً، فإن إنسان الخطيئة سيصنع الكثير من المعجزات والعجائب، من غير أن يعني ذلك صدقه أو نبوته، يقول عنه بولس: "الذي مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة" (تسالونيكي (2) 2/ 9).

كما ننبه القارئ إلى أن لوقا ومرقس لم يثبت لهما في الكتاب أي معجزة.

ولايمكن للأعاجيب بحال من الأحوال أن تصلح دليلاً على أكثر من على الإيمان فحسب، إذ كل مؤمن - حسب الإنجيل - يستطيع أن يأتي بإحياء الموتى وشفاء المرضى، فقد نقل متى عن المسيح قوله: "فالحق الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 17/ 20).

تقول الرهبانية اليسوعية في تعليقها على هذه الفقرة: "بإمكان المؤمن على مثال الله نفسه أن ينقل جبلاً من الجبال".

وقال: "الحق أقول لكم: من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 14/ 12)، فكل مؤمن من النصارى يقدر على صنع معجزات المسيح، بما فيها إحياء الموتى وشفاء المرضى! لا بل يقدر على أعظم منها!!

أما التفسير التطبيقي فقد أُحرج مفسروه من هذا النص الذي أخجل تواضعهم، إذ لا يليق بالتلاميذ وبالمؤمنين صنع معجزات أكبر وأعظم من معجزات المسيح، فقالوا: "لم يقل الرب يسوع: إن تلاميذه سيصنعون معجزات أعظم روعة، فإقامة الموتى هي أقصى ما نستطيع". (3) إن غاية ما يقدرون عليه هي إحياء الموتى.

ثالثاً: النبوة حسب الكتاب المقدس لا تقتضي العصمة من الكذب في البلاغ

ثم إن كون التلاميذ من الأنبياء لا يعني بالضرورة - حسب المعتقدات النصرانية - عصمتهم عن الخطأ في البلاغ أو حتى الكذب، ودليل ذلك ما نسبه سفر الملوك إلى أحد الأنبياء من الكذب بالبلاغ "كان نبي شيخ ساكناً في بيت إيل. فأتى بنوه، وقصوا عليه كل العمل الذي عمله رجل الله ذلك اليوم في بيت إيل .... (ثم ذهب يبحث عنه) وسار وراء رجل الله، فوجده جالساً تحت البلوطة فقال له: أأنت رجل الله الذي جاء من يهوذا؟ فقال: أنا هو.

فقال له (أي النبي الشيخ): سر معي إلى البيت وكل خبزاً، فقال: لا أقدر أن أرجع معك ولا أدخل معك ولا آكل خبزاً، ولا أشرب معك ماء في هذا الموضع. لأنه قيل لي بكلام الرب: لا تأكل خبزاً ولا تشرب هناك ماء، ولا ترجع سائراً في الطريق الذي ذهبت فيه.

فقال له: أنا أيضاً نبي مثلك، وقد كلمني ملاك بكلام الرب قائلاً: ارجع به معك إلى بيتك فيأكل خبزاً ويشرب ماء، كذب عليه. فرجع معه وأكل خبزاً في بيته وشرب ماء" (ثم تحدث السفر عن عقوبة النبي المسكين الذي أطاع النبي الكذاب ظاناً إياه يحدثه بوحي الله وأمره) (الملوك (1) 13/ 11 - 29).

ومثله نسب سفر الملوك الكذب في البلاغ عن الله إلى النبي أليشع، حين أرسل ملك أرام الملك بنهدد قائده حزائيل إلى أليشع، يسأله عن مرضه الذي هو فيه، فكذب النبي - وحاشا لنبي أن يكذب - في جوابه للملك، وقال لحزائيل: " اذهب، وقل له: شفاء تشفى، وقد أراني الرب أنه يموت موتاً" (الملوك (2) 8/ 10)، فقد أمره بإبلاغ سيده بغير الحقيقة التي أعلمه الله إياها، وكذب عليه!

كما رأينا في حلقتنا الأولى من سلسلة الهدى والنور، الكثير من القبائح التي تنسبها التوراة إلى الأنبياء والتي يستحيل أن نصدق بعدها أنهم يؤمنون بعصمتهم، فضلاً عن تلاميذهم.

 


(1) شرح بشارة لوقا، د. إبراهيم سعيد، ص (580).
(2) إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 234).

(3) التفسير التطبيقي، نخبة من العلماء اللاهوتيين، ص (2222).

 

  • الخميس AM 11:43
    2022-05-12
  • 758
Powered by: GateGold