المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409007
يتصفح الموقع حاليا : 254

البحث

البحث

عرض المادة

اختلاف مخطوطات العهد الجديد

نلحظ أولاً أن هذه النسخ جميعاً ليست من خط كاتبها أو ليس منها شيء كتب في وجوده، بل إن أولها كتب بعد وفاة كُتاب الأناجيل بما لا يقل عن قرنين من الزمان.

ولا يستطيع النصارى أن يثبتوا سنداً لهذه المخطوطات إلى كتبتها، واعترف بذلك القسيس فرنج في مناظرته للعلامة الهندي، فقال معتذراً: " إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة "، ويعتبره رحمة الله الهندي تفسيراً مقبولاً لا يقيلهم من إحضار سند هذه الكتب، فمثل هذه المسائل لا تقبل من طريق الظن والتخمين. (1)

وهذه المخطوطات وغيرها التي يتحدث النصارى عن كثرتها لا يتفق منها مخطوطان، فقد تعرضت جميعها للزيادة والنقصان حسب أهواء النساخ، وهو ما يعترف به النصارى ومنهم سويجارت الذي يحاول التقليل من أهمية هذه الاختلافات فيقول: " المبادئ العلمية تخبرنا أنه فيما يختص بكتب العهود القديمة إذا توفر لدينا عشر نسخ منها، فإننا لا نحتاج بالضرورة إلى الأصل لنضمن تحققنا من النسخة الأصلية، وعندما نفكر أن لدينا أربعة وعشرين ألف نسخة، وأن بعض الاختلافات موجودة فيما بين هذه النسخ، وهذا ما نعترف به، فالمهم أن جوهر النص لم يتغير".

لكن الدكتور روبرت في بحثه " حقيقة الكتاب المقدس " يرد ذلك ويخالفه، وكان روبرت قد أعد لمطبعة " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس، ثم منع من طبعها، ولما سئل عن السبب في منعها قال: " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب ".

يقول د. روبرت: " لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد، وأن الخلاف بينهم محصور فيمن قام بهذا التحريف.

ويقول كينرايم: إن علماء الدين اليوم على اتفاق واحد يقضي بأن الكتاب المقدس وصل إلينا منه أجزاء ضئيلة جداً فقط هي التي لم يتم تحريفها.

ويقول الدكتور روبرت: " لن يدعي أحداً أبداً: أن الله هو مؤلف كل أجزاء هذا الكتاب قد أوحى إلى الكتبة هذه التحريفات ". (2)

يقول موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية ": " إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال، خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا".

وعن إنجيل مرقس، يتحدث مفسره دنيس نينهام في تفسيره لإنجيل مرقس (ص 11)، فيقول: "لقد وقعت تغييرات تعذر اجتنابها، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد، ومن بين مئات المخطوطات لإنجيل مرقس، والتي لا تزال باقية حتى اليوم لا نجد نسختان تتفقان تماماًً". (3)

ويقول: " ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين "، ويستعين بما ذكره القس شورر عن مخطوطات الأناجيل، وأن بها 50000 اختلاف، فيما قال كريسباخ بأنها 150000 اختلاف، وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها: " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تغطي كله تقريباً تظهر أكثر من مائة وخمسين ألف من الاختلافات بين النصوص".

وممن اعترف بكثرة هذه الاختلافات العالم جون ميل، وذكر بأنها ثلاثون ألفاً من الاختلافات التي أثبتها في هوامش النسخة التي أصدرها عام 1707م بعد ثلاثين سنة من الدراسة المعمقة في مائة مخطوط يوناني فقط، ولاشك أن العدد سيتضاعف فيما لو زاد في عينة الدراسة مخطوطات أخرى؛ إذ ستفرز قراءات أخرى تزيد على رقم الثلاثين ألفاً الذي وافقه عليها القس باركر البروتستانتي، وأوصل هذه الاختلافات يوهان ياكوب فتستاين (ت 1747م) إلى أزيد من ألف ألف.

ويقول شميت: "لا توجد صفحة واحدة من الأناجيل العديدة التي لا تحتوي نصها الأقدم على اختلافات عديدة".

ويحاول النصارى تبرير هذه الاختلافات الكثيرة بين المخطوطات فيقول دكتور سمعان كهلون في كتابه "مرشد الطالبين": " لا تعجب من وجود اختلافات في نسخ الكتب المقدسة، لأن قبل ظهور صناعة الطبع في القرن الخامس عشر من الميلاد كانت تنسخ بالخط، فكان بعض النساخ جاهلاً وبعضهم غافلاً وساهياً ". (4)

وهذا الكلام صحيح، لكنه يمثل نصف الحقيقة فحسب، إذ هو يغفل وقوع التحريف المتعمد من قبل النساخ، وهو ما أقر به المدخل الفرنسي للعهد الجديد، فقد جاء فيه: " إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة. بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية .. هناك فوارق أخرى بين الكتب الخط تتناول معنى فقرات برمتها واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير.

فإن نص العهد الجديد قد نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء ... يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحياناً عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم، وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ.

ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحياناً إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت على التلاوة بصوت عال.

ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مرِّ القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مُثقلاً بمختلف ألوان التبديل .. والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة، لكي يقيم نصاً يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يمكن في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه".

ويؤكد هذا كله فردريك كلفتن جرانت أستاذ الدراسات اللاهوتية في الكتاب المقدس بمعهد اللاهوت الاتحادي بنيويورك في كتابه "الأناجيل أصلها وتطورها" (ص 32) بقوله: " كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين، ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق من الجلد أو القماش.

إن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافاً كبيراً، ولا يمكننا الاعتماد بأن أياً منها قد نجا من الخطأ .. إن أغلب النسخ الموجودة من جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على يد المصححين الذين لم يكن عملهم دائماً إعادة القراءة الصحيحة ". (5) والنص المنشور للعهد الجديد ليس نصاً نهائياً، إذ هو رهين اكتشاف المزيد من المخطوطات، تقول مقدمة العهد الجديد للرهبانية اليسوعية: "وبوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصاً مثبتاً إثباتاً حسناً، وما من داع إلى إعادة النظر فيه إلا إذا عثر على وثائق جديدة". إنه عهد جديد مؤقت حتى إشعار آخر.

[أمثلة لتحريف النساخ]

والمتأمل في النصوص الإنجيلية لن يجد كبير صعوبة في رؤية بعض ما أضافه النساخ في النص عن عمد، ومنه ما جاء في متى " متى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس، ليفهم القارئ، فحينئذ ليهرب الذي في اليهود إلى الجبال " (متى 24/ 15 - 16)، فعبارة " ليفهم القارئ " من زيادة الناسخ الذي أراد التنبيه على أهمية الموضوع الذي يكتبه، ولم يقلها المسيح وهو يخاطب تلاميذه.

ومثله ما جاء في آخر يوحنا " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " (يوحنا 21/ 24) فقوله " نعلم أن شهادته حق " من زيادة النساخ، وقد اعترف بذلك طابعو الرهبانية اليسوعية، إذ تعلق عليه بقولها: "إن الجماعة التي دونت هذا الإنجيل ترى فيه شهادة دائمة وموافقة للحاضر أتى بها التلميذ الحبيب".

ومثله ما جاء في يوحنا " للوقت خرج دم وماء، والذين عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم " (يوحنا 19/ 34 - 36)، فالجملة الأخيرة أراد الناسخ من خلالها التأكيد والتنبيه على صدق يوحنا، وهي ليست من كتابته.

ومما أضافه النساخ في إنجيل لوقا ما نسبوه على المسيح في سياق جوابه على التلميذين يوحنا ويعقوب حين اقترحا عليه أن ينزلا نارا من السماء فتفني السامريين، فالتفت إليهما وانتهرهما، وهنا يضيف نساخ المخطوطات العبارة التالية: "وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما" (لوقا 9/ 55)، يقول الأب متى المسكين: "اتفق هنا جميع العلماء وبلا استثناء أن هذه الآية أضيفت مبكراً جداً بواسطة أحد النساخ، لأن النص الأقدم لم يحتويها، على كل حال هي توافق الموقف والمعنى، والكلام ينتهي في المخطوطات القديمة عند: (وانتهرهما) ". (6)

وقد حُذفت هذه الزيادة من عدد من الترجمات والطبعات الحديثة، من بينها الترجمة العربية المشتركة والرهبانية اليسوعية التي أعدها الآباء اليسوعيون.

ومثله أخطأ النساخ وسهوا، فأضافوا أو حذفوا فقرة في الإصحاح الخامس من إنجيل يوحنا، فقد ورد فيه حسب الترجمة الفانديك المشهورة التي اعتمدناها في هذه السلسلة: " كان مضطجعاً جمهور كثير من مرضى وعمي وعرج وعسم، يتوقعون تحريك الماء، لأن ملاكاً كان ينزل أحياناً في البركة ويحرك الماء، فمن نزل أولاً بعد تحريك الماء كان يبرأ من أي مرض اعتراه، وكان هناك إنسان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة ... " (يوحنا 5/ 3 - 6)، فقوله: " يتوقعون تحريك الماء .... أي مرض اعتراه" غير موجود في معظم المخطوطات الهامة - كما أفادنا الأب متى المسكين (7) والآباء اليسوعيون - الذين حذفوا هذه الزيادة من نسختهم فقالوا: "يضجع فيها جمهور من المرضى بين عميان وعرج وكسحان، وكان هناك رجل عليل منذ ثمان وثلاثين سنة". وهكذا تحار النسخ المطبوعة وتتردد في قبول هذا النص ورفضه تباعاً للنساخ الذين أخطؤوا بإلحاق الزيادة أو حذفها.

 

 

 

 


(1) انظر: المناظرة الكبرى بين الشيخ رحمة الله والمنصر بافندر، ص (372).

(2) انظر: الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (94 - 95)، إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 542 - 543).
(3) انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، ص (55).

(4) انظر: مرشد الطالبين إلى الكتاب الثمين، دكتور سمعان كهلون، ص (13).

(5) انظر: الكتاب المقدس في الميزان، عبد السلام محمد، ص (94 - 95)، إظهار الحق، رحمة الله الهندي (2/ 542 - 543)، المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، ص (41).

(6) الإنجيل بحسب القديس لوقا، الأب متى المسكين، ص (428).
(7) انظر: شرح إنجيل القديس يوحنا، الأب متى المسكين (1/ 328)، والنص غير موجود في أهم المخطوطات الكتابية القديمة كالبرديتين 66 و 75.

 

 

  • الخميس AM 11:33
    2022-05-12
  • 922
Powered by: GateGold