المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412544
يتصفح الموقع حاليا : 354

البحث

البحث

عرض المادة

الخلاص والأعمال عند المسيح وتلاميذه

وإذا كان بولس ولوثر لا يريان للأعمال والناموس أثراً في تبرير الإنسان وفدائه؛ فإن نصوصاً كثيرة تشهد بغرابة هذه الفكرة عن المسيح وأتباعه، إذ الأعمال حسب تعليمهم هي الطريق إلى ملكوت الله الأخروية.

ومن ذلك أن المسيح أمر بالتزام الشريعة "خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً: على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يقولون ولا يفعلون" (متى 23/ 1 - 3).

وفي شأن الناموس وتعظيمه قال: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمّل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى 5/ 17 - 18)، فهو مخالف لبولس الذي زعم أن المسيح أبطل الناموس بجسده المعلق على الصليب.

هذا ولم يذكر المسيح في نصائحه لأتباعه شيئاً عن الخلاص بغير عمل، فقد جاءه رجل: "وقال له: أيها المعلم الصالح: أية صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟

فقال له: لماذا تدعوني صالحاً، ليس أحد صالح إلا واحد، وهو الله، ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. قال له: أية الوصايا؟ فقال يسوع: لا تقتل. لا تزن. لا تسرق. لا تشهد بالزور ... " (متى 19/ 16 - 20)، فلم يطلب منه المسيح الإيمان فقط، بل طالبه بالعمل بما جاء في وصايا موسى عليه السلام (انظر الخروج 20/ 1 - 7).

وفي مرة أخرى قال المسيح لتلاميذه: " فإني أقول لكم: إن لم يزد بِركم على الكتبة والفريسيين، فلن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى 5/ 20)، فلئن كان بطرس ويوحنا محجوبين عن الملكوت إلا بعمل صالح يشفع لهما، فماذا عن مصير أولئك الذين تبعوا بولس وأبطلوا الناموس.

ويشرح العلامة ديدات النص، فيقول: " أي لا جنة لكم حتى تكونوا أفضل من اليهود. وكيف تكونون أفضل من اليهود، وأنتم لا تتبعون الناموس والوصايا؟ ".

وفي موضع آخر يقول المسيح، وهو ينبه إلى أهمية الكلام وخطر اللسان، فيقول: " أقول لكم: إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين، لأنك بكلامك تتبرر، وبكلامك تدان" (متى 13/ 36 - 37).

والذين يعملون الصالحات هم فقط الذين ينجون يوم القيامة من الدينونة، فيما يحمل الذين عملوا السيئات إلى الجحيم، من غير أن يكون لهم خلاص بالمسيح أو غيره، "تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة" (يوحنا 5/ 28 - 29).

وأكد المسيح على أهمية العمل الصالح والبر، فقال للتلاميذ: " ليس كل من يقول لي: يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات. بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السموات، كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب يا رب، أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة، فحينئذ أصرّح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (متى 7/ 20 - 21)، فهؤلاء الذين يصنعون المعجزات والقوات باسم المسيح، سيتنكر لهم ويتخلى عنهم يوم القيامة، لما ارتكبوه من الموبقات، أي لمخالفتهم ناموس الله وشريعته.

وأيضاً، فإن المسيح طلب من تلاميذه - بعد القيامة - أن يكرزوا ويدعوا الناس للتوبة من ذنوبهم ليحصلوا على غفران الخطايا، فقد أمر كل واحد منهم "أن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم " (لوقا 24/ 47)، ولو كان الخلاص متحققاً بالإيمان لكانت الدعوة إلى التوبة ضرباً من ضروب العبث وإضاعة الأوقات والتنكر للهبات.

وقد ضرب المسيح عليه السلام لتلاميذه مثلاً، بيّن فيه حال العامل بالناموس فقال لهم: "لماذا تدعونني: يا رب يا رب، وأنتم لا تفعلون ما أقوله؟ كل من يأتي إلي، ويسمع كلامي، ويعمل به، أريكم من يشبه؟

يشبه إنساناً بنى بيتاً وحفر وعمق، ووضع الأساس على الصخر، فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت، فلم يقدر أن يزعزعه، لأنه كان مؤسساً على الصخر.

وأما الذي يسمع ولا يعمل، فيشبه إنساناً بنى بيته على الأرض، ومن دون أساس، فصدمه النهر حالاً، وكان خراب ذلك البيت عظيماً " (لوقا 6/ 46 - 49). والمسيح عليه السلام لم يعلم شيئاً عن رفع الشريعة ونسخها بدمه كما زعم بولس، لذا نراه وعبر أقواله وأفعاله يؤكد على العمل بالناموس في مستقبل الأيام، فها هو يحذر تلاميذه مما سيصيبهم حين ظهور رجسة الخراب التي أخبر عنها دانيال، ويشفق عليهم أن تكون في سبت أو شتاء، حيث يصعب الهرب في الشتاء، ويمتنع ديانة في السبت، الذي كان يحترمه المسيح، كما أمر بذلك ناموس موسى، يقول: "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس، ليفهم القارئ، فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال ... وصلّوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت، لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن" (متى 24/ 15 - 21).

وكذا النسوة اللاتي تبعن جنازة المصلوب لم يعرفن شيئاً عن رفع الشريعة ونسخها بموت المسيح، فقد استرحن في السبت معظمات للوصية التوراتية "فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً، وفي السبت استرحن حسب الوصية" (لوقا 23/ 56)، فما بال النصارى اليوم يعملون بالسبت ولا يحترمونه، كما يصنع اليهود!

لقد أدرك المسيح والنسوة أن العمل يوم السبت خرق للشريعة الأبدية التي أمر الله بها في التوراة، فقد جاء فيها " أما اليوم السابع ففيه سبت عطلة مقدّس للرب، كل من صنع عملاً في يوم السبت يقتل قتلاً، فيحفظ بنو إسرائيل السبت، ليصنعوا السبت في أجيالهم عهداً أبدياً، هو بيني وبين بني إسرائيل علامة إلى الأبد" (الخروج 31/ 15 - 17).

وليس عهد السبت العهد الأبدي الوحيد الذي هجره النصارى مما ألزمتهم به شريعة الله، بل الختان أيضاً، فقد جاء في سفر التكوين "يختن ختاناً وليد بيتك والمبتاع بفضتك، فيكون عهدي في لحمكم عهداً أبدياً، وأما الذكر الأغلف الذي لا يختن في لحم غرلته، فتقطع تلك النفس من شعبها، إنه قد نكث عهدي" (التكوين 17/ 13 - 14)، ويشاركهم في هذه الشريعة النازل في أرضهم، المشارك في فصحهم من الأمم.

(انظر الخروج 12/ 48) إن الذين لا يختتنون من نصارى اليوم قد نكثوا عهد الله الأبدي، وتبطلوا عن شرعه وهديه.

أما يخشى هؤلاء المتبطلون عن ناموسه أن تصيبهم لعنة من الله، فإنه " ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس، ليعمل بها " (التثنية 27/ 26).

ولو تأملنا الحوار الذي جري قبل وأثناء مجمع أورشليم الأول الذي اجتمع فيه التلاميذ للمباحثة حول إسقاط شريعة الختان وغيرها من الشرائع اليهودية، لو تأملنا ذلك لعرفنا بأن إبطال الشرائع الموسوية كان اجتهاداً من المجمع لكسب الأمم إلى المسيحية، ولم يكن بأمر المسيح عليه السلام، فقد بقي قوم من المؤمنين يدعون إلى إقامة هذه الشرائع بعد رفع المسيح بزمن، ولو كان قد بلغهم عنه إبطال الشريعة بدمه لاحتج به بعض المجتمعين في مجمع أورشليم، الذي انعقد بسبب إصرار بعض التلاميذ على التزام الأممين بالشريعة الموسوية "وانحدر قوم من اليهودية، وجعلوا يعلمون الإخوة أنه إن لم تختتنوا حسب عادة موسى لا يمكنكم أن تخلصوا .. ولكن قام أناس من الذين كانوا قد آمنوا من مذهب الفريسيين وقالوا: إنه ينبغي أن يختنوا ويوصَوا بأن يحفظوا ناموس موسى، فاجتمع الرسل والمشايخ لينظروا في هذا الأمر" (أعمال 15/ 1 - 6).

وهنا وقفة لابد منها، إذ النصارى يزعمون أن شرائع الناموس مرفوعة عنهم، وأنها خاصة ببني إسرائيل، فهذا ما يقوله بولس ومن تابعه في مجمع أورشليم، إنهم بذلك يخالفون المسيح مرة أخرى، حيث يقول في نص التثليث الشهير: " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن وروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (متى 28/ 18 - 20)، فلئن كان المسيح أمرهم بتبشير الأمم وتنصيرهم؛ فإنه أمرهم أن ينقلوا إليهم جميع الوصايا التي أوصى بها تلاميذه، جميعها من غير أن يستثني منها وصية واحدة، فبماذا أوصى تلاميذه؟

لقد أوصاهم بحفظ الناموس والشريعة "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه؛ فاحفظوه وافعلوه" (متى 23/ 1 - 3)، لكنهم يثبتون مرة أخرى أنهم بولسيون وليسوا مسيحيين.

ويلاحظ أدولف هرنك أن رسائل التلاميذ خلت من معتقد الخلاص بالفداء، بل إنها جعلت الخلاص بالأعمال كما جاء في رسالة يعقوب " ما المنفعة يا إخوتي إن قال أحد: إنّ له إيماناً، ولكن ليس له أعمال، هل يقدر الإيمان أن يخلصه؟ ... الإيمان أيضاً إن لم يكن له أعمال ميت في ذاته .. الإيمان بدون أعمال ميت " (يعقوب 2/ 14 - 20). (1)

ويقول: " كونوا عاملين بالكلمة، لا سامعين فقط، خادعين نفوسكم " (يعقوب 1/ 22)، ويقول: " الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هي هذه: افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم " (يعقوب 1/ 27).

ويقول بطرس كبير الحواريين: " بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أمة، الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (أعمال 10/ 34).

وأما يوحنا فيقول: "كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً، والخطية هي التعدي، وتعلمون أن ذاك أُظهر لكي يرفع خطايانا، وليس فيه خطية، كل من يثبت فيه لا يخطئ، كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه، أيها الأولاد لا يضلّكم أحد، من يفعل البر فهو بار، كما أن ذاك بار، من يفعل الخطية فهو من إبليس، لأن إبليس من البدء يخطئ، لأجل هذا أُظهر ابن الله، لكي ينقض أعمال إبليس، كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية، لأن زرعه يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله، بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس، كل من لا يفعل البر فليس من الله ... " (يوحنا (1) 3/ 4 - 10).

ويقول: "لنا ثقة من نحو الله، ومهما سألنا؛ ننال منه، لأننا نحفظ وصاياه ونعمل الأعمال المرضية أمامه، وهذه هي وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح، ونحب بعضنا بعضا، كما أعطانا وصية، ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه، وهو فيه" (يوحنا (1) 3/ 21 - 42) ومثل هذا كثير في أقوال المسيح والحواريين.

والعجب أن بولس نفسه الذي أعلن نقض الناموس وعدم فائدة الأعمال لتحقيق التبرير، وأن الخلاص إنما يكون بالإيمان، هو ذاته أكد على أهمية العمل الصالح في مناسبات أخرى، ويعتبره سبب الخلاص وباب الحياة الأبدية، منها قوله: " إن الذي يزرعه الإنسان، إياه يحصد أيضاً ... فلا تفشل في عمل الخير لأننا سنحصده في وقته" (غلاطية 6/ 7).

ويقول: " بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون " (رومية 2/ 13).

وفي رسالته إلى تيموثاوس يقول بولس: " أوصي الأغنياء ... وأن يصنعوا صلاحاً، وأن يكونوا أغنياء في أعمال صالحة، وأن يكونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع، مدخرين لأنفسهم أساساً حسناً للمستقبل، لكي يمسكوا بالحياة الأبدية " (تيموثاوس (1) 6/ 17 - 19).

ويقول: "كل واحد سيأخذ أجرته حسب تعبه" (كورنثوس (1) 3/ 8).

وأخيراً، فإن بولس بتنقصه السالف للناموس وإبطاله له مستحق للوعيد الشديد الذي جعله المسيح لمثل هذا الفعل وذلك في قوله: " لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء، ما جئت لأنقض، بل لأكمل، فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس، حتى يكون الكل، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى، وعلم الناس هكذا يدعى: أصغر في ملكوت السماوات " (متى 5/ 17 - 19)، فلئن كان ناقض إحدى الوصايا الصغرى يدعى أصغر في ملكوت الله، فماذا عساه يدعى من نقض وأبطل كل الناموس؟!

 


(1) انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، ص (275 - 276).

  • الاربعاء PM 03:02
    2022-05-11
  • 742
Powered by: GateGold