المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413612
يتصفح الموقع حاليا : 230

البحث

البحث

عرض المادة

نقض أدلة النصارى على ألوهية الروح القدس

لقد كان يكفينا ما ذكرنا من معاني الروح القدس في الكتاب المقدس لدفع هذا المعتقد الغريب عن الكتاب، فالمعنى الذي يريده النصارى للروح القدس معدوم في كتابهم، ويتأكد غرابته عند تأملنا لعدد من الشواهد التي تحدثت عن الروح القدس.

فالروح القدس كائن متجسد على صور مختلفة، منها نزوله على شكل حمامة على المسيح وهو يصلي " نزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة" (لوقا 3/ 22)، فهل كانت تلك الحمامة إلهاً مستحقاً للعبادة؟ وهل نستطيع أن ننسب إلى تلك الحمامة ما ننسبه إلى الله من صفات العزة والجلال؟

وفي مرة أخرى أتى الروح القدس على شكل ألسنة نارية، وذلك حين حل على التلاميذ يوم الخمسين "وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة، وملأ البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت في كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس" (أعمال 2/ 1 - 4).

ولم لا يكون الروح القدس جبريل - عليه السلام - أو ملاك الله كما جاء كتابهم، فقد جاء الروح إلى كرنيليوس وبطرس، وهو ملاك من ملائكة الله " قال له الروح: هوذا ثلاثة رجال يطلبونك. لكن قم وانزل، واذهب معهم غير مرتاب في شيء، لأني أنا قد أرسلتهم. فنزل بطرس إلى الرجال الذين أرسلوا إليه من قبل كرنيليوس .. فقالوا: إن كرنيليوس .. أوحي إليه بملاك مقدس أن يستدعيك إلى بيته، ويسمع منك كلاماً" (أعمال10/ 20 - 22)، فالملاك المقدس هو الروح الذي كلم بطرس، وهو الذي طلب من كرنيليوس أن يرسل رجاله إلى بطرس.

وعدو بني إسرائيل من الملائكة جبريل عليه السلام، فهو الروح القدس الذي خلص بني إسرائيل مراراً، ثم لما أصروا على كفرهم عذبهم وغضب عليهم، وتحول إلى عدو لهم، يقول إشعيا: "وملاك حضرته خلصهم، بمحبته ورأفته هو فكّهم، ورفعهم وحملهم كل الأيام القديمة، ولكنهم تمردوا وأحزنوا روح قدسه، فتحول لهم عدواً، وهو حاربهم" (إشعيا 63/ 8 - 10) فقد أحزنوا ملاك حضرته، الروح القدس فتحولت محبته لهم إلى عداوة.

والروح القدس كان مع بني إسرائيل حين خرجوا من أرض مصر "ثم ذكر الأيام القديمة، موسى وشعبه. أين الذي أصعدهم من البحر مع راعي غنمه؟ أين الذي جعل في وسطهم روح قدسه .. الذي شق المياه قدامهم ليصنع لنفسه اسماً أبدياً" (إشعيا 63/ 11)، لكنه ملاك الله، وليس أقنوماً له، فقد جاء في سفر الخروج "ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك، ليحفظك في الطريق، وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته" (الخروج 23/ 20 - 21)، فروح القدس هو الملاك الذي كان معهم.

وروح الله ليس اسماً خاصاً بجبريل، بل يطلق على غيره من الملائكة "ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة، وفي وسط الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح، له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله، المرسلة إلى كل الأرض" (الرؤيا 5/ 6)، فالأرواح التي رآها يوحنا ليست آلهة، وإلا تحول الثالوث النصراني إلى عاشور!!

وقد تكرر الحديث عن أرواح الله السبعة في سفر الرؤيا في موضعين آخرين، حيث قال: "ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات، وأمام العرش سبعة مصابيح نار متّقدة، هي سبعة أرواح الله " (الرؤيا 4/ 5)، ويقول: "واكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ساردس. هذا يقوله الذي له سبعة أرواح الله، والسبعة الكواكب .. " (الرؤيا 3/ 1).

لكن أياً كان الروح القدس فإنه ليس بإله، فإن مما يدفع ألوهيته جهله - كغيره - بموعد الساعة، الذي لا يعلمه إلا الآب وحده " أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب" (مرقس 13/ 32).

ومما يدفع ألوهيته أن النصوص تجعله هبة من الله يعطيها لأوليائه، كما قال المسيح - عليه السلام -: "فإن كنتم وأنتم أشرار تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة، فكم بالحري الآب الذي من السماء، يعطي الروح القدس للذين يسألونه " (لوقا 11/ 13)، إذ لا يعقل أن يكون الله العظيم ممثلاً بأقنومه الثالث هدية تهدى ويمتلكها بعض البشر.

ولو كان الروح القدس إلهاً لوجب القول بألوهية أولئك الذين يحل عليهم، فقد حل على كثيرين، منهم داود حيث "استوت روح الرب على داود" (الملوك (1) 6/ 13)، وأيضاً "سمعان عليه روح القدس" (لوقا 2/ 25)، وحل الروح القدس على مريم " وقال لها الروح القدس: يحل عليكِ، وقوة العلي تظلِّلك" (لوقا 1/ 35)، وأحبلها عيسى، فقد " وجدت حبلى من الروح القدس" (متى 1/ 18).

وكذا حل على التلاميذ " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً" (أعمال 1/ 8)، فصاروا يتكلمون بالروح القدس "فمتى ساقوكم ليسلموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا، لأن لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس " (مرقس 13/ 11).

وأخيراً، فقد حل على أهل كورنثوس المؤمنين ببولس، لذا يخاطبهم " أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم" (كورنثوس (1) 6/ 19)، فهؤلاء جميعاً يستحقون العبادة لو كان الإله قد حل فيهم، وامتلأوا منه.

ومما يدل على أن الروح القدس ليس إلهاً أن الكتاب المقدس يعتبر بعضاً ممن لم يسمعوا بالروح القدس - فضلاً عن الإيمان به - مؤمنين، بل ويعتبرهم تلاميذاً رغم جهلهم بهذا الإله المزعوم، "فحدث فيما كان أبلوس في كورنثوس أن بولس بعد ما اجتاز في النواحي العالية جاء إلى أفسس، فإذ وجد تلاميذ، قال لهم: هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم؟ قالوا له: ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس" (أعمال 19/ 1 - 2).

وأما ما يتعلق به النصارى على ألوهية روح القدس في قوله: "إن الله روح" (يوحنا 4/ 24)، فهو استدلال خاطئ، لأن النص ليس إخباراً عن ذات الله وطبيعته، بل هو إخبار عن صفة من صفاته فحسب، كقوله: "الله محبة" (يوحنا (1) 4/ 16) و"الله نور" (يوحنا (1) 1/ 5).

ومقصود يوحنا أن الله لا يُرى، إذ ليس هو جسداً مادياً مكوناً من لحم وعظم، وقد ورد عن لوقا ما يؤكد صحة هذا الفهم: "والروح ليس له لحم أو عظام" (لوقا 24/ 39)، وهذا المعنى يؤكده صاحبا كتاب شرح أصول الإيمان في إجابتهما على السؤال التالي: "لماذا يقال إنه تعالى روح؟ "، حيث يجيبان: "يقال: إنه روح، لتنزهه عن الهيولية، وعدم قابليته للفساد"؟ (1)

ويؤكد هذا الفهم عوض سمعان بقوله: " (الله روح) لا يقصد به أنه روح مثل الأرواح المخلوقة، بل يقصد به فقط أنه ليس مادياً أو مركباً أو محدوداً" (2).

وهكذا يرى المحققون أن الروح القدس هو الآخر ليس بإله، وأن التثليث صياغة بشرية قامت بها المجامع بأهواء البابوات والأباطرة، من غير أن تستند إلى دليل يؤكد أصالة هذا المعتقد، الذي لم يسمع به الأنبياء ولم يذكره المسيح ولم يعرفه الحواريون.

وقد صدقت الموسوعة الكاثوليكية الحديثة حين قالت: "إن صياغة الإله الواحد في ثلاثة أشخاص لم تنشأ موطدة وممكنة في حياة المسيحيين وعقيدة إيمانهم قبل نهاية القرن الرابع" (3).


(1) شرح أصول الإيمان، الدكتور القس أندرواس واطسون، والدكتور القس إبراهيم سعيد، ص (28).
(2) الله في المسيحية، عوض سمعان، ص (40).
(3) الغفران بين الإسلام والمسيحية، إبراهيم خليل أحمد، ص (95).

 

  • الثلاثاء PM 02:43
    2022-05-10
  • 831
Powered by: GateGold