المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412461
يتصفح الموقع حاليا : 368

البحث

البحث

عرض المادة

استدلال النصارى بآيات من القرآن على ألوهية المسيح

يورد النصارى ويثيرون في وجه المسلمين شبهات زعموا فيها أن القرآن يصدق عقيدتهم وقولهم في المسيح، وأنه ابن الله. واستندوا في ذلك إلى متشابه الآيات التي فهموها وفق مرادهم، وإلى ما في الآيات الكريمة من ثناء على المسيح وأمه والحواريين والمؤمنين من النصارى.

وفي مواجهة شبهات النصارى واستدلالهم نذكر أنه ثمة آيات كثيرة تكفر النصارى، وتبين فساد عقيدتهم، منها قوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} (المائدة: 17)، وقوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصارٍ - لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} (المائدة:72 - 73)، ومثله قوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (التوبة: 29).

وقد أنكر القرآن أشد النكير وأغلظه على أهل الكتاب من النصارى ادعاءهم أن المسيح ابن مريم - عليه السلام - ولد الله {وقالوا اتخذ الرحمن ولداً - لقد جئتم شيئاً إداً - تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً - أن دعوا للرحمن ولداً - وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً - إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً} (مريم: 88 - 93) وقال: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون - ما كان لله أن يتخذ من ولدٍ سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (مريم: 35 - 36).

وذكر القرآن عبودية المسيح - عليه السلام - في آيات كثيرة، ومنه قوله تعالى: {إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل} (الزخرف: 59)، ولما نطق في مهده عليه السلام صرح بهذه الحقيقة، فقال: {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً} (مريم: 20)، {ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون - إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيمٌ} (الزخرف: 63 - 64).

وقال القرآن مصرحاً برسالته - عليه السلام -: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} (المائدة: 75).

وكان أهم ما تمسك النصارى وتعلقوا به في شبهتهم قول الله تعالى: {فنفخنا فيه من روحنا} (التحريم: 12). وقوله: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء: 171).

فلقد فهموا من هذين النصين أن عيسى هو روح الله القائمة به، وهو كلمته، أي عقله الناطق (اللوغس)، وهو تعلق غريق أعياه أن يجد في كتابه دليلاً يصرح بألوهية المسيح، فعمد إلى كتب غيره يحرف معانيها ويتنكب حقائقها.

وهذه الشبهة ألقاها نصارى نجران بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: " ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ فقال: بلى. قالوا: فحسبنا. فأنزل الله عز وجل: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله} (آل عمران: 7) (1).

والآية - التي اجتزؤوا منها ما تعلقوا به - تظهر بطلان استدلالهم بتمامها {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً - لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً} (النساء: 171 - 172)، فتلحظ أن أول الآية وآخرها يكذب النصارى في استدلالهم، ويصرح بعبودية المسيح لله تبارك وتعالى.

والمسيح - عليه السلام - كلمة الله لأنه خلق بكلمة الله، فهو كلمة الله المخلوقة، وليس كلمة الله الخالقة، التي هي أمر التكوين (كن)، وهذا ما ذكره وبيَّنه القرآن الكريم، حين شبه خلق المسيح ووجوده بخلق آدم {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون} (آل عمران: 59).

ومما يؤكد أن مقصود القرآن بالكلمة؛ كلمة الله التي كانت سبباً بوجوده، لا المعنى الفلسفي الذي يزعمه النصارى (اللوغس) قوله تعالى في الآية السابقة: {إن الله يبشرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} (آل عمران: 45)، فهو كلمة من الله، وليس صفة الله الأزلية.

ولذلك لما بشر الله زكريا عليه السلام بمجيء يحيى وصفه بأنه يصدق بكلمة من الله، وهو المسيح عليه السلام {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمةٍ من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين} (آل عمران: 39).

وفي آيات أخر وصف المسيح بأنه كلمة مخلوقة: {إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين - ويكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين - قالت رب أنى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشرٌ قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} (آل عمران:45 - 47) فصرحت الآيات أنه كلمة من الله وأنه مخلوق، فهل ينطبق هذا على عقل الله الناطق الذي يسمونه بالكلمة (اللوغس).

وسبب اختصاص المسيح بهذا الاسم الكريم أنه ليس للمسيح سبب بشري قريب من جهة أبيه ينسب إليه كما الناس، لذا نسب إلى سببه القريب، وهو تخليقه بكلمة الله، التي تخلّق وفق أمرها.

وقد يكون المقصود أنه يحمل كلمة الله، كما في العهد الجديد: " وكانت كلمة الله تنمو، وعدد التلاميذ يتكاثر جداً " (أعمال 6/ 7)، ومثله قوله: "وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله " (لوقا 5/ 1).

وأما قوله {فنفخنا فيه من روحنا} فالمراد بالروح منه جبريل - عليه السلام -، كما سماه الله عز وجل في آية أخرى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق} (النحل: 102).

وقد تمثل جبريل (روح الله) للعذراء البتول في صورة رجل {فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً} (مريم: 17)، فنفخ في درعها، فسرى المسيح في أحشائها، فالمسيح خلق بنفحة منه {فنفحنا فيها من روحنا} (الأنبياء: 91).

وهذا المعنى هو ما ورد في حق آدم أيضاً {ونفخت فيه من روحي} (الحجر: 29) فهي إضافة تشريف وتكريم، ولو أوجبت هذه الإضافة معنىً خارجاً عن الإنسانية لكان آدم أولى بذلك.

وقوله: {وروح منه} ليست تبعيضية، بل هي لابتداء الغاية، كقوله تعالى: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه} (الجاثية: 13)، أي خلقت منه.

وتستعمل لفظة الروح بمعنى الملائكة كما في قول موسى - عليه السلام -: " قال له موسى: هل تغار أنت لي، يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء، إذا جعل الرب روحه عليهم" (العدد 11/ 29)، ويقول: "يقول الله: ويكون في الأيام الأخيرة إني أسكب من روحي على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماًً" (أعمال 2/ 17).

وهكذا فإن القرآن كما العهد الجديد متفقان على أن المسيح - عليه السلام - عبد الله ورسوله المجتبى إلى بني إسرائيل، وهو عليه الصلاة والسلام النبي المؤيد بالمعجزات الباهرات الدالة على نبوته عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

 


(1) رواه الطبري في تفسيره (3/ 177).

 

  • الثلاثاء PM 02:31
    2022-05-10
  • 1307
Powered by: GateGold