المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409036
يتصفح الموقع حاليا : 352

البحث

البحث

عرض المادة

نصوص نسبت صفات الله إلى المسيح

أزلية المسيح

ويتحدث النصارى عن المسيح الإله الذي كان موجوداً في الأزل قبل الخليقة، ويستدلون لذلك بأمور، منها ما أورده يوحنا على لسان المسيح أنه قال: " إن إبراهيم تشوق إلى أن يرى يومي هذا، فقد رآني وابتهج بي، من قبل أن يكون إبراهيم؛ كنتُ أنا " (يوحنا 8/ 56 - 58)، ففهموا منه - باطلاً - أن للمسيح - عليه السلام - وجوداً قبل إبراهيم، مما يعني - وفق فهمهم - أنه كائن أزلي.

وأيدوا استشهادهم بما ذكره يوحنا عن المسيح: "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين، والذين طعنوه .. أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية" (الرؤيا 1/ 7 - 8). أي الأول والآخر.

كما جاء في مقدمة يوحنا ما يفيد وجوداً أزلياً للمسيح قبل خلق العالم " في البدء كانت الكلمة، الكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء عند الله" (يوحنا 1/ 1 - 2). فهذه النصوص مصرحة - حسب رأي النصارى - بأزلية المسيح وأبديته، وعليه فهي دليل ألوهيته.

ويخالف المحققون في النتيجة التي توصل إليها النصارى، إذ ليس المقصود من الوجود قبل إبراهيم الوجود الحقيقي للمسيح كشخص، بل المقصود الوجود القدري والاصطفائي، أي أن اختيار الله للمسيح واصطفاؤه له قديم، كما في قول بولس عنه - حسب الرهبانية اليسوعية -: "وكان قبل اصطفي قبل إنشاء العالم" (بطرس (1) 1/ 20)، ومثله قال بولس عن نفسه وأتباعه: "كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين" (أفسس 1/ 4) أي اختارنا بقَدَره القديم كما اختار المسيح واصطفاه، ولا يفيد أنهم وجدوا أو أنه وُجِد حينذاك.

وهذا الوجود القديم للمسيح - عليه السلام - بمعنى الاصطفاء الإلهي والمحبة الإلهية له هو المجد الذي منحه الله المسيح، كما في قوله: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يوحنا 17/ 5)، وهو المجد الذي أعطاه لتلاميذه حين اصطفاهم واختارهم للتلمذة كما الله اختاره للرسالة " أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يوحنا 17/ 24)، ومحبة الشيء لا تستلزم وجوده، فقد يحب المرء المعدوم أو المستحيل، الذي لم ولن يوجد.

وقبل أن نفسر معنى الرؤية الإبراهيمية للمسيح ننبه إلى أن الرؤية تكون على نوعين: رؤية البصر المعروفة، ورؤية البصيرة بمعنى المعرفة، كما يقول القائل: رأيت الإسلام أعظم الأديان. أو رأيت عنترة أشجع الفرسان، فهذه رؤية المعرفة.

ورؤية إبراهيم للمسيح رؤية معرفة، وهو لم ير المسيح قبل خلقه ووجوده الأرضي، لأنه لم يره قطعاً، لذا فقوله: "فقد رآني وابتهج بي"، هو رؤية مجازية معرفية، بمعنى أنه عرف خبري وابتهج لذلك، ومن أنكر ذلك لزمه أن يذكر دليلاً على رؤية إبراهيم للابن الذي هو الأقنوم الثاني، أو أن يثبتوا لجسد المسيح وجوداً زمن إبراهيم - عليه السلام -.

وقول المسيح: "من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا" (يوحنا 8/ 56 - 58)، لا يدل على وجوده في الأزل، وغاية ما يفيده النص - إذا حمل على ظاهره - أن للمسيح - عليه السلام - وجوداً أرضياً يعود إلى زمن إبراهيم، وزمن إبراهيم لا يعني الأزل.

ثم لو فرضنا - جدلاً - أن المسيح أقدم من إبراهيم وسائر المخلوقات، فإن له من يشاركه في هذه الأقدمية، وهو النبي إرمياء، والذي عرفه الله منذ القدم وقدسه قبل أن يخرج من رحم أمه، إذ يقول عن نفسه: "فكانت كلمة الرب إليّ قائلاً: قبلما صورتكَ في البطن عرفتُك، وقبلما خرجتَ من الرحم قدستُك، جعلتك نبياً للشعوب" (إرمياء 1/ 4 - 5)، وقال عنه ابن سيراخ في حكمته: "وهو الذي قُدِّس في جوف أمه" (ابن سيراخ 49/ 7)، وهذه المعرفة الإلهية لإرمياء - بلا ريب - أشرف من معرفة إبراهيم للمسيح وأقدم، ولا تستلزم وجوداً حقيقياً له على الأرض.

وممن شارك المسيح في هذه الأزلية المدعاة، ملكيصادق كاهن ساليم الذي تنقل الترجمة العربية المشتركة في حاشيتها أن "بعض التقاليد اليهودية تعتبره كائناً إلهياً ومخلصاً سماوياً، ومن هنا قال النص [أي عبرانيين 7/ 3 الذي يأتي بعد قليل] على مثال ابن الله"، فما قصة هذا الملكيصادق؟

تجيبنا مخطوطات قمران أن ملكيصادق وُلِد بطريقة عجيبة، فقد حملت به أمه العجوز صوفونيم من غير زرع بشر، لأن "الكاهن نير لم يكن قد نام معها منذ اليوم الذي كان الرب قد أقامه أمام الشعب، فشعرت بالعار، واختبأت الأيام كلها" ثم أخبرت صوفونيم زوجها بخبرحملها، وماتت فجأة بين يديه، فظهر جبريل لزوجها مبشراً "هذا الطفل الذي ولد منها هو ثمرة حقة، وسأستقبله في الجنة، حتى لا تكون أباً لهبة الله" فلما أراد دفنها نير بمعاونة أخيه نوح "خرج الطفل (ملكيصادق) من صوفونيم الميتة".

وتنقل المخطوطات القمرانية أن الطفل "كان يتكلم بفمه ويبارك الرب"، ففرح نير به، وشكر الله "مبارك الرب إله آبائنا الذي لم يعاقب كهنوتي لأن كلمتك خلقت كاهناً عظيماً في رحم صوفونيم امرأتي" ثم لما بلغ الطفل الأربعين يوماً اختطف من الأرض "وقال الرب لميخائيل: انزل على الأرض، وخذ الطفل ملكيصادق الذي معه، وضعه محفوظاً في جنة عدن، لأن الوقت يقترب [وقت طوفان نوح]، وأنا سأفلت المياه كلها على الأرض .. وسأعيده في سلالة أخرى، وسيكون ملكيصادق رأس الكهنة في هذه السلالة"، وهكذا رفع الطفل إلى السماء، فلم تكن له نهاية على الأرض (1).

هذا المخلوق العجيب (ملكيصادق) يصفه بولس بالأزلية والأبدية: "ملكيصادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي .. بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولا نهاية حياة، بل هو مشبه بابن الله، هذا يبقى كاهناً إلى الأبد" (عبرانيين 7/ 1 - 3)، فلم لا يقول النصارى بألوهية ملكيصادق الذي يشبه بابن الله، لكثرة صور التشابه بينهما، بل هو متفوق على المسيح الذي يذكر النصارى أنه صلب ومات، وله أم بل وأب - حسب ما أورده متى ولوقا -، في حين أن ملكي صادق قد تنزه عن ذلك كله، ورفع إلى الجنة!

والسؤال: لمَ لا يقول النصارى بمساواة المسيح لملكيصادق، فقد وضعهما الكتاب في منزلة واحدة "أقسم الرب ولن يندم: أنت [أيها المسيح] كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق" (المزمور 110/ 4)، فالمسيح وملكيصادق في مرتبة واحدة.

ومن هؤلاء الذين كانوا قبل إبراهيم ويستحقون الأزلية - لو فهمت النصوص على ظاهرها - حكمة البشر أو النبي سليمان الحكيم حين قال عن نفسه وعن حكمة الله التي تجسدت فيه وفي غيره من البشر: "أنا الحكمة أسكن الذكاء، وأجد معرفة التدابير .. الرب قناني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القديم، منذ الأزل مسحتُ، منذ البدء، منذ أوائل الأرض، إذ لم يكن ينابيع كثيرة المياه، ومن قبل أن تقرر الجبال أُبدئتُ، قبل التلال أُبدئتُ " (الأمثال 8/ 12 - 25)، فقد أضحى سليمان أو الحكمة البشرية - وفقاً للفهم الظاهري الحرفي - مسيحاً للرب منذ الأزل.

وقول بعض النصارى أن سفر الأمثال كان يتحدث عن المسيح - عليه السلام - لا دليل عليه، فسفر الأمثال قد كتبه سليمان كما في مقدمته "أمثال سليمان بن داود" (الأمثال 1/ 1)، وقد تكرر في مواضع متفرقة منه استمرار سليمان الحكيم في الحديث، وهو يقول: "يا ابني أصغ إلى حكمتي" (الأمثال 5/ 1)، وانظر (الأمثال 1/ 8، 3/ 1، 3/ 21، 7/ 1 وغيرها)، فالمتحدث في السفر هو سليمان عليه السلام والحكمة المتجسدة فيه.

وسليمان هو الموصوف بالحكمة في الكتاب المقدس، وأي حكمة؟ حكمة الله، فقد رأى معاصروه فيه حكمة الله "ولما سمع جميع إسرائيل بالحكم الذي حكم به الملك، خافوا الملك، لأنهم رأوا حكمة الله فيه " (الملوك (1) 3/ 28).

ويمضي السفر ليبين لنا عِظَم حكمة الله التي حلت وتجسدت في سليمان الحكيم، فيقول: "وأعطى الله سليمان حكمة وفهماً كثيراً جداً ... وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس ... وكان صيته في جميع الأمم حواليه ... وكانوا يأتون من جميع الشعوب ليسمعوا حكمة سليمان، من جميع ملوك الأرض الذين سمعوا بحكمته" (الملوك (1) 4/ 29 - 34).

وفي سفر الأيام "مبارك الرب إله إسرائيل الذي صنع السماء والأرض، الذي أعطى داود الملك ابناً حكيماً صاحب معرفة وفهم، الذي يبني بيتاً للرب وبيتاً لملكه" (الأيام (2) 2/ 12)، فالحكيم هو سليمان الذي شرفه الله ببناء بيته.

وكلمة "منذ الأزل مسحتُ" لا تدل على المسيح عيسى ابن مريم، إذ "المسيح" لقب أطلق على كثيرين غير المسيح عيسى، ممن مسحهم الله ببركته من الأنبياء كداود وإشعيا. (انظر المزمور 45/ 7، وإشعيا 61/ 1)، فلا وجه لتخصيص المسيح بالمسح دون غيره ممن الممسوحين.

وأمام الحرج الذي يسببه نص سفر الأمثال فإن البعض من النصارى يقولون: إن المتحدث في سفر الأمثال هو حكمة الله التي هي صفته الذاتية القائمة به في الأزل، وليس فعله الذي منحه لنبي الله سليمان، وهذا المعنى مرفوض بدلالة النص الذي يتحدث عن نبي ممسوح بزيت البركة "منذ الأزل مسحت"، وصفة الله القائمة به لا يمكن أن تمسح، ولماذا تمسح؟

كما أن النص يتحدث عن حكمة مخلوقة، وإن كانت قديمة، فقد قالت الحكمة: "الرب قناني أول طريقه .. ومن قبل أن تقرر الجبال أُبدئت، قبل التلال أبدئت "، وفي الترجمة الإنجليزية المسماة ( THE GOOD NEWS BIBLE) :، والصادرة عام 1978 - 1977، تستخدم كلمة (خلقني)، فتقول: The lord created me" " بدلاً من قوله: (الرب قناني).

وهو ذات الصنيع الذي صنعته نسخة الرهبانية اليسوعية، ففيها: "الرب خلقني أول طرقه، قبل أعماله"، وهكذا فهذه الحكمة مخلوقة قديماً، وهي مُبدأة من قبل الجبال والتلال.

وفي حكمة ابن سيراخ "قبل كل شيء خُلقت الحكمة" (ابن سيراخ 1/ 4)، وتحديداً "قبل الدهور، ومنذ البدء خلقني، وإلى الدهور لا أزول" (سيراخ 24/ 9)، فهي ليست حكمة الله الأزلية، بل حكمته التي أعطاها الحكماء فتجسدت فيهم، وفي مقدمتهم سليمان الحكيم، والذي "رأوا حكمة الله فيه " (الملوك (1) 3/ 28).

والمتأمل بتجرد للنص؛ لن يجد صعوبة لفهم نوع الحكمة التي تتحدث في النص السالف، فهي ثمينة " لأن الحكمة خير من اللآلئ، وكل الجواهر لا تساويها" (الأمثال 8/ 11).

وهي بشرية "فم الصديق ينبت الحكمة" (الأمثال 10/ 31).

وأول درجات هذه الحكمة البشرية مخافة الله "بدء الحكمة مخافة الله" (الأمثال 9/ 10).

وأيضاً هذه الحكمة البشرية هي هبة الله للإنسان "الرب يعطي حكمة من فمه: المعرفة والفم" (الأمثال 2/ 6).

 


(1) مخطوطات قمران، كتابات ما بين العهدين (3/ 165).

وبهذه الحكمة البشرية التي وهبها الله للإنسان ساد السادة من الملوك والقضاة والأغنياء على غيرهم "أنا الحكمة أسكن الذكاء .. لي المشورة والرأي، أنا الفهم لي القدرة، بي تملك الملوك، وتقضي العظماء عدلاً، بي تترأس الرؤساء والشرفاء، كل قضاة الأرض، أنا أحب الذين يحبونني، والذين يبكرون إليّ يجدونني، عندي الغنى والكرامة، قنية فاخرة فاخرة وحظ، ثمري خير من الذهب ومن الإبريز، وغلّتي خير من الفضة المختارة، في طريق العدل أتمشى، في وسط سبل الحق، فأورّث محبيّ رزقاً، وأملأ خزائنهم، الرب قناني أول طريقه ... " (الأمثال 8/ 12 - 22).

فالمتأمل لهذا وغيره - لا ريب - يجزم بأن هذه الحكمة ليست صفة الله الأزلية القائمة به، إذ تلك لا تثمن بالجواهر واللآلئ، ولا تثمر الغنى والمال والملك والسلطان، كما لا تنبت من فم البشر، ولا تشمل بالطبع مخافة الله لأنها صفة الله (1).

الألف والياء

أما نصوص سفر الرؤيا والتي ذكرت أن المسيح الألف والياء، وأنه الأول والآخر، فلا تصلح للدلالة في مثل هذه المسائل التي يتعلق بها مصير المليارات من البشر، فهي كما أشار العلامة ديدات وجميع ما في هذا السفر مجرد رؤيا منامية غريبة رآها يوحنا، ولا يمكن أن يعول عليها، فهي منام مخلط كسائر المنامات التي يراها الناس، فقد رأى يوحنا حيوانات لها أجنحة وعيون من أمام، وعيون من وراء، وحيوانات لها قرون بداخل قرون .. (انظر الرؤيا 4/ 8)، فهي تشبه إلى حد بعيد ما يراه في نومه من أتخم في الطعام والشراب، وعليه فلا يصح به الاستدلال (2).

ثم في آخر هذا السفر مثل هذه العبارات المتحدثة عن المسيح، صدرت عن أحد الملائكة كما يظهر من سياقها، وهو قوله: "أنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا، وحين سمعت ونظرت خررت لأسجد أمام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا. فقال لي: انظر لا تفعل، لأني عبد معك ومع إخوتك الأنبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب. اسجد لله.

وقال لي (أي الملاك): لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب لأن الوقت قريب .. وها أنا آتي سريعاً، وأجرتي معي. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر" (الرؤيا 22/ 8 - 13) وليس في ظاهر النص ما يدل على انتقال الكلام من الملاك إلى المسيح أو غيره، فقد قال الملاك عن نفسه ما قاله يوحنا عن المسيح، فهل يقول النصارى بألوهيته أم يرون للنصوص تأويلاً كما نراه في تلك التي تتحدث عن المسيح - عليه السلام -.


(1) ولربما أشكل على القارئ الكريم وصف سفر الأمثال للحكمة بأنها صانعة أو خالقة في قوله: "كنت عنده صانعاً، وكنت كل يوم لذّتِه فرحةً دائماً قدامه، فرِحة في مسكونة أرضه" (الأمثال 8/ 30 - 31)، لكنه في الحقيقة تحريف مقصود بغرض الإلباس والتدليس، فالنص في الرهبانية اليسوعية مختلف تماماً، إذ يقول: "وكنت عنده طفلاً، وكنت في نعيم يوماً فيوماً، ألعب أمامه في كل حين، ألعب على وجه أرضه"، وهو كما ترى لا يتحدث عن الحكمة الصانعة، بل عن الحكمة الطفولية التي تنشأ في الإنسان من سني لعبه وطفولته، وتترعرع وتنضج في قابل عمره.

(2) انظر: مناظرة العصر، أحمد ديدات، ص (61 - 62).

 

 

 

  • الثلاثاء AM 11:54
    2022-05-10
  • 793
Powered by: GateGold